حذرت الولايات المتحدة، أمس السبت، من أن المواجهات الأخيرة بين الجيش السوداني وقوات "الدعم السريع" باتت تشكل تهديداً خطراً على المدنيين وجهود الإغاثة، وحضت المقاتلين على تجنيب منطقة تضم مراكز مساعدات وعشرات آلاف النازحين المعارك.
ولجأ زهاء نصف مليون نازح إلى ولاية الجزيرة منذ اندلاع النزاع العسكري بين الجيش وقوات "الدعم السريع" في منتصف أبريل (نيسان)، أقام نحو 86 ألفاً منهم في عاصمتها ود مدني، وفق أرقام الأمم المتحدة.
لكن القتال بين الطرفين، الذي اجتاح المدينة، الجمعة، دفع بوكالة الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية إلى تعليق أعمال الإغاثة في الولاية "حتى إشعار آخر".
وقال المتحدث باسم الخارجية الأميركية ماثيو ميلر في بيان، "أصبحت ود مدني ملاذاً آمناً للمدنيين النازحين ومركزاً مهماً لجهود الإغاثة الإنسانية الدولية، والتقدم المستمر لقوات (الدعم السريع) يهدد بسقوط أعداد كبيرة من الضحايا المدنيين وتعطيل كبير لجهود المساعدات الإنسانية".
وأضاف ميلر، "نحض قوات (الدعم السريع) في السودان على وقف تقدمها في ولاية الجزيرة على الفور والامتناع عن مهاجمة ود مدني".
وقالت الخارجية الأمريكية إن هناك "تقارير مثيرة للقلق" تشير إلى أن وحدات النخبة من قوات "الدعم السريع" توجهت لتعزيز الهجمات في اتجاه ود مدني، مما يعرض حياة المدنيين للخطر "بطريقة تتعارض مع مزاعم قوات (الدعم السريع) المعلنة بأنها تقاتل لحماية الشعب السوداني". وأضافت أن التقدم المستمر لقوات "الدعم السريع" قد يؤدي إلى إلحاق خسائر في صفوف المدنيين وتعطيل كبير لجهود المساعدة الإنسانية.
وقالت سفيرة الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة ليندا توماس جرينفيلد، "أحث قوات (الدعم السريع) على الامتناع عن شن الهجمات، وأحث جميع الأطراف على حماية المدنيين بأي ثمن. ستتم محاسبة مرتكبي (أعمال) الإرهاب".
وأودت الحرب التي اندلعت في أبريل بين الجيش وقوات "الدعم السريع" بأكثر من 12190 شخصاً، وفق تقديرات منظمة "مشروع بيانات مواقع الصراعات المسلحة وأحداثها" (أكليد).
وتسبب النزاع في نزوح أكثر من 5.4 مليون شخص داخل البلاد، بحسب الأمم المتحدة، إضافة إلى قرابة 1.3 مليون شخص فروا إلى دول مجاورة.
اشتباكات وفرار
قال شهود إن قوات "الدعم السريع" شبه العسكرية اشتبكت مع الجيش خارج مدينة ود مدني بوسط السودان أمس السبت في هجوم فتح جبهة جديدة في الحرب المستمرة منذ ثمانية أشهر ودفع الآلاف إلى الفرار.
وأظهر تسجيل مصور انتشر على مواقع التواصل الاجتماعي حشوداً من الناس وهم يجمعون أمتعتهم ويغادرون ود مدني سيراً على الأقدام. وكان كثر منهم قد لجأوا إلى المدينة هرباً من العنف في العاصمة الخرطوم.
وقال أحمد صالح (45 سنة) لـ"رويترز" عبر الهاتف، "الحرب تبعتنا إلى مدني، لذا أبحث عن حافلة حتى أتمكن أنا وعائلتي من الفرار". وأضاف "نعيش في الجحيم ولا يوجد أحد لمساعدتنا"، مشيراً إلى أنه يعتزم التوجه جنوباً إلى ولاية سنار.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وقال شهود إن الجيش السوداني الذي يسيطر على المدينة منذ بداية الصراع شن ضربات جوية على قوات "الدعم السريع" بشرق المدينة، وهي عاصمة ولاية الجزيرة، في إطار محاولته صد الهجوم الذي بدأ الجمعة.
وأضاف الشهود أن قوات "الدعم السريع" ردت بالمدفعية وشوهدت تعزيزات تابعة لها تتحرك في اتجاه القتال.
وقال سكان إن مقاتلي قوات "الدعم السريع" شوهدوا أيضاً في قرى بشمال وغرب المدينة خلال الأيام والأسابيع الماضية.
فرار 14 ألفاً
وقالت الأمم المتحدة إن 14 ألفاً فروا من هذه المنطقة حتى الآن، وإن بضعة آلاف منهم وصلوا بالفعل إلى مدن أخرى. ولجأ نصف مليون شخص إلى ولاية الجزيرة، معظمهم من الخرطوم.
وحذرت نقابة أطباء السودان في بيان لها من أن المستشفيات في المنطقة، التي أصبحت مركزاً إنسانياً وطبياً، أصبحت فارغة وقد تضطر إلى إغلاق أبوابها.
وأضافت في بيان "في هذه الأزمة، نوجه نداءً عاجلاً لإنقاذ أطفال دار الأيتام (المايقوما) الذين تم ترحيلهم من الخرطوم إلى مدني. هم الآن في مرمى النيران، حيث يوجد 251 طفلاً و91 من الأمهات البديلات العاملات في الدار، جميعهم في وضع خطر ويحتاجون إلى مساعدة فورية".
ويثير القتال مخاوف في شأن مدن أخرى يسيطر عليها الجيش في جنوب وشرق السودان، حيث لجأ عشرات الألوف من السكان.
وشكك الجيش وقوات "الدعم السريع" قبل أيام في مبادرة وساطة من الهيئة الحكومية للتنمية لدول شرق أفريقيا (إيغاد) تهدف إلى إنهاء الحرب التي تسببت في أكبر نزوح داخلي في العالم وأثارت تحذيرات من وجود ظروف شبيهة بالمجاعة.
اغتصاب ونهب
وفي الخرطوم ومدن في دارفور سيطرت عليها قوات "الدعم السريع" بالفعل، أبلغ السكان عن وقائع اغتصاب ونهب وقتل واحتجاز تعسفي. وهذه الجماعة متهمة أيضاً بارتكاب جرائم قتل على أساس عرقي في غرب دارفور.
وتنفي قوات "الدعم السريع" هذه الاتهامات، وتقول إنه ستتم محاسبة من يثبت تورطه في مثل هذه الجرائم من أفرادها.
وعلى جبهة أخرى، تحدث ناشطون عن تجدد الاشتباكات بعد هدوء نسبي على مدى أسابيع في محيط مدينة الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور.
وكانت قوات "الدعم السريع" التي تطوق المدينة قد أوقفت تقدمها في وقت سابق بعد إعلان جماعات مسلحة أخرى أنها ستتدخل. كما تحدث سكان عن ضربات عنيفة شنها الجيش في نيالا بولاية جنوب دارفور وفي بحري، وهي إحدى المدن التي تشكل منطقة العاصمة الخرطوم.
وفي حين لم يصدر الجيش بياناً يتعلق بالقتال في ود مدني، وصفت وزارة الخارجية السودانية قوات "الدعم السريع" بأنها "إرهابية" بسبب "استهدافها المعلن لعدد من القرى والبلدات الآمنة في شرق ولاية الجزيرة التي تخلو من أية أهداف عسكرية".
واندلعت الحرب بين الطرفين في أبريل (نيسان) بعد خلافات حول خطط للانتقال السياسي ودمج قوات "الدعم السريع" في الجيش.