Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل أصبحت الحرب السودانية المستمرة طي النسيان؟

مراقبون: تداعيات غزة وفشل مفاوضات "الدعم السريع" والجيش والتضييق على الصحافيين بمناطق النزاع وراء تراجع التغطية الإعلامية

برغم الاهتمام العالمي الذي لقيته في البداية فإنه منذ السابع من أكتوبر الماضي أدار العالم آلته الإعلامية باتجاه غزة (أ ف ب)

ملخص

توسع رقعتها لا يشجع "الدعم السريع" على الجلوس إلى طاولة التفاوض أما الطرف الحكومي فهو الأضعف على الأرض

شكلت الحرب التي اندلعت في السودان في الـ15 من أبريل (نيسان) الماضي، واقعاً إعلامياً جديداً لا يشبه أي واقع إعلامي سابق مثلما حدث في الحرب الأهلية في الجنوب التي بدأت منذ خمسينيات القرن الماضي وانتهت عام 2005 بتوقيع اتفاق السلام الشامل (نيفاشا)، كما لا يشبه حرب دارفور المستمرة منذ عام 2003 من دون أي أفق لحلها، ذلك لأن أخبار الحروب في العقود الثلاثة الماضية كان يسيطر عليها الإعلام الرسمي للسلطة. أما الحرب الحالية فاستخدام وسائل التواصل الاجتماعي من أبرز سماتها في إطار استراتيجيات الحرب، خصوصاً لدى قوات "الدعم السريع"، مما أدى إلى انتشار أخبارها عالمياً.

وعلى رغم الاهتمام العالمي الذي لقيته في البداية، فإنه منذ السابع من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، أدار العالم آلته الإعلامية إلى تغطية الصراع في قطاع غزة، وتناقصت وفقاً لذلك التغطية في السودان على رغم استمرار الأحداث هناك واتساع رقعتها من الخرطوم إلى دارفور ثم ود مدني، فضلاً عن ضحايا القتل والاغتصاب والاعتقالات. فجأة خفتت تغطية أخبار السودان، كما لم نعد نسمع بمبادرات للسلام هناك.

وذلك يلفت إلى أن نشوب حرب في مكان ما يجعلها تأخذ دورتها الطبيعية من الاهتمام، وعند اندلاع حرب أخرى تنصرف الأنظار إليها، كاد ذلك يحدث أثناء الحرب الروسية - الأوكرانية، عندما أعقبتها الحرب السودانية، غير أن جدة الحرب ليست سبباً دائماً لحدوث ذلك، بل هناك عوامل تتعلق بأهمية المنطقة، وبأهداف الحرب ذاتها وما تمثله لقوى دولية أو إقليمية، إضافة إلى تأثيرها سياسياً وعسكرياً واقتصادياً.

خفوت التغطية

بإصرار القوات المسلحة السودانية وقوات "الدعم السريع" على مواصلة القتال، انهار عدد من المبادرات الدولية والإقليمية، وإزاء اختراق الهدن المختلفة أصبح من الصعوبة بمكان إقناعهما بالوصول إلى تسوية ترضي الطرفين. وقد أعلن مرات عدة عن لقاءات تجمع بين الفريق عبدالفتاح البرهان والفريق محمد حمدان دقلو (حميدتي) لكنها باءت كلها بالفشل. وينظر الآن، بتوقعات تبدو نتائجها مماثلة لما سبق، إلى لقائهما في مدينة عنتيبي الأوغندية الواقعة على ضفاف بحيرة فكتوريا برعاية رئيس جيبوتي إسماعيل عمر جيلي. وأمام الخسائر البشرية والاقتصادية التي طاولت مؤسسات الدولة، وعلى رغم إحراز "منصة جدة" التي تضم الولايات المتحدة والسعودية تقدماً ملحوظاً، فإن التوقعات بدأت تتضاءل بعد ذلك، ولم تفلح جهود إقليمية أخرى متمثلة في مبادرة "إيغاد" ودول الجوار في الوصول إلى اتفاق سلام دائم.

وطوال تاريخه تمضي مبادرات السلام في السودان جنباً إلى جنب مع الحروب والنزاعات، سواء كانت حروباً بين الحكومة والحركات المتمردة المسلحة على النظام أم بين القبائل أو الاثنين معاً حينما تغذي السلطة إثنيات معينة ضد أخرى.

يقول المتخصص في دراسات السلام والتنمية فايز جامع، "خفتت التغطية الإعلامية عن الحرب في السودان بالتفات العالم إلى النزاع في قطاع غزة والمجازر والانتهاكات ضد حقوق الإنسان التي ترتكب هناك بصورة يومية. وإذا قارنا التغطية الإعلامية لأحداث أوكرانيا سنجدها أعلى بكثير مما في غزة، كما أن التغطية لغزة تفوق ما تجده أحداث السودان من متابعة".

أما عن مبادرات السلام في السودان فأوضح جامع أنها "تتقدم وتتأخر وفق مواقف الجهات الداعمة لطرفي النزاع، كما أن توسع رقعة الحرب حتى وصلت إلى وسط السودان لا يشجع (الدعم السريع) على الجلوس إلى طاولة التفاوض. أما الطرف الحكومي فهو حالياً الأضعف على الأرض وتتعاظم مسؤوليته لحماية المدنيين الذين أصبحوا ضحايا لهذه الحرب".

تراجع الاهتمام

على صعيد الإعلام العربي والأفريقي مثلت الحرب في السودان فرصة مناسبة لبعض المؤسسات الإعلامية لفرض وجودها في خريطة الإعلام الإقليمي، بل والانطلاق من ذلك الإطار إلى العالمية عندما أصبح كثير من وسائل الإعلام الدولية ينقل عن بعض القنوات الفضائية العربية بعض تطورات الحرب وفعالياتها.

في هذا السياق يرى الكاتب الصحافي معاذ إدريس، أن "الناس، ومن خلفهم وسائل الإعلام، يسعون إلى الأحداث الجديدة، ولم يعد في الحرب السودانية أي جديد بل صارت روتيناً يومياً. وهذا ما يدفع وسائل الإعلام إلى تركيز اهتمامها على قضايا ومواضيع أخرى في أنحاء العالم، لا سيما مع تصاعد الأحداث في غزة وردود الأفعال عليها مع ما تحظى به من اهتمام دولي".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وأشار إدريس إلى أنه "مع التضييق على الصحافيين والإعلاميين في مناطق النزاع تواجه وسائل الإعلام صعوبة في التحقق من صحة المعلومات في شأن المجازر والانتهاكات في السودان خصوصاً مع ضعف شبكة الإنترنت وانقطاعها في معظم الأوقات، ما يجعل الاعتماد كلياً على تقارير الأمم المتحدة والمنظمات الدولية في شأن الوضع الإنساني والانتهاكات بأنواعها".

وأوضح أن "تراجع الاهتمام العالمي بالحرب في السودان يعود إلى طول أمدها، إذ دخلت شهرها التاسع ولم يعد فيها جديد يذكر إلا من وقت لآخر مع توسع نطاقها إلى دارفور وكردفان والجزيرة جراء هجوم (الدعم السري) على هذه المناطق".

وتابع الكاتب الصحافي، "تعثرت مفاوضات جدة بين الجيش و(الدعم السريع)، وانهارت الجولة الأخيرة من المفاوضات بسبب تمسك كل طرف بسقفه التفاوضي، مثلما اصطدمت مبادرة (إيغاد) المتجددة بالشروط ذاتها، وفشلت حتى اللحظة في الجمع بين الجنرالين دقلو والبرهان. ومع رغبة الطرفين في إحراز تقدم ميداني يتيح تحسناً في الموقف التفاوضي يصبح من الصعب إحداث أي اختراق في جمود المفاوضات، وهو ما لا يغري بطرح أي مبادرة جديدة دولية أو إقليمية، فلا أحد يملك ما يضيفه إلى المطروح سلفاً في جدة و(إيغاد)".

وأضاف إدريس "التقاطعات الإقليمية والدولية في الحرب السودانية، وارتباطات طرفي النزاع بدوائر إقليمية ودولية تحاول الدفع بمصالح الطرفين، كل على حدة، في أجندة التفاوض وآلياته ومراحله، يجعل التسوية بين هذه الأطراف المتشابكة مقدمة على الاتفاق بين طرفي النزاع من أجل المصلحة العامة".

حسابات دولية

يعد تطور الوضع في السودان في ظل الانشغال بأزمات وحروب إقليمية أخرى مهدداً للأمن والاستقرار الإقليمي، كما تعده قوى دولية مهدداً لمصالحها في المنطقة، لكن مع ذلك انحصر هذا التهديد في تحذير المنظمات الدولية وقلقها على الوضع الإنساني، وأصبح الاهتمام يخضع لموازنات وأولويات خاصة.

من جانبه يعتقد أستاذ العلاقات الدولية بجامعة الخرطوم الشفيع محمد المكي، أن "القوى الدولية لها حساباتها في مثل هذه القضايا وتحكمها مصالحها، ومسألة توازن القوى الدولية في مثل الصراع الذي يدور في السودان تأتي تفاعلاته بحسب الكتل المختلفة وتوافق أو تعارض مصالحها وهي البوصلة التي تحكم تحركاتها".

ويرى المكي أن "الصراع الدائر في السودان يرتبط بانحياز القوى الدولية لأحد طرفي الصراع ودعمه، ويمكن أن تجد الجرائم التي تحدث هناك مساحة في وسائل الإعلام، فالمؤسسات الرسمية تحكمها أيضاً حساباتها الخاصة. ويمكن لشعوب هذه الدول أن تمارس ضغوطاً على حكوماتها، وهو ما تتحسب له وتخشاه ويمكن أن يجعلها تتحرك بسبب ضغوط الناخبين عليها".

وأضاف "تغطية أحداث غزة على النزاع في السودان متوقعة لأن إسرائيل طرف رئيس ومهم في هذا الصراع، ومعلوم التأثير الكبير للوبيات الإسرائيلية على القوى النافذة في الغرب".

تجليات النزاع

الباحث السياسي محمود التيجاني يقول إن "الحرب الحديثة تطغى على سابقتها حتى داخل البلد الواحد، وعلى رغم تاريخ الحروب الطويل في السودان، فإنه كلما تنشب حرب ينسى الناس ما سبقها. وتعد حرب دارفور مثالاً ناصعاً على ذلك، إذ إن استمرارها منذ عقدين على وتيرة تعلو وتهبط جعل منها حرباً عادية، فنسي العالم تقريباً الملاحقات الجنائية ضد مرتكبيها، وبدأت تتلاشى الاتهامات بالإبادة الجماعية وغيرها من التهم التي وجهتها محكمة الجنايات الدولية لمسؤولين في النظام السابق وميليشيات الجنجويد".

أما عن سحب أحداث غزة البساط من الحرب في السودان، فقد ذكر أن "هناك حقيقة واضحة هي أن الصحافيين الغربيين يتعاملون مع الصراع في غزة انطلاقاً من موالاتهم لإسرائيل، لكن بالنسبة إلى الحرب السودانية فإن طرفي الصراع يتساويان لديهم فتجد الإدانة لقوات الجيش وقوات (الدعم السريع) تمضي بوتيرة متساوية حتى تلاشى الشغف بمعرفة الأخبار".

وأضاف "أغلب وسائل الإعلام الغربية المؤثرة تقوم بالدفاع عن إسرائيل عندما يمسها أي شيء، ويزداد مع ذلك تعبير الصحافيين والكتاب خصوصاً الأميركيين حيث يتعاملون معها بتحيز واضح إلى جانب إسرائيل مما يعطي الأخبار حيوية لا تنتهي، وتغيب هذه الحال بالنسبة إلى الحرب في السودان وتتلاشى مع غيرها من أحداث".

ويرى التيجاني أن "الحرب الأوكرانية والنزاع في غزة هما مثالان واضحان بما أحدثاه من تأثير شديد على حرية الإعلام في دول العالم، إذ يصبح من السهل الإشارة إلى تحيز الصحافيين لسلطاتهم الحاكمة خلال الحرب باعتبارها المثال الذي يجب أن يحتذى خصوصاً في ضوء التعامل مع التجربة الأميركية باعتبارها تشكل المرجعية الإعلامية".

صور دالة

على رغم تسليط الإعلام الدولي الضوء على الحرب السودانية في بداياتها، فإن الغرب لم يشاهد الحرب الحقيقية بضحاياها، وما أحدثته من خراب ودمار، ويصدق عليها ما يعتقده المصور الصحافي الفرنسي جون كلود كوتوس بأنه يتم إدراك الحروب من خلال جملة من الصور الدالة، مثل القصف المدفعي أو الجوي، رد السلاح المضاد للطائرات، تحرك المجموعات والفرق العسكرية، نفير سيارات الإسعاف وهي تنقل الجرحى والمصابين والانفجارات، الأشلاء البشرية المتناثرة، التعبير عن الحرب بواسطة الصور والفيديوهات مما يعطيها شكلاً أكثر عمقاً ودلالة. وهذا ما عبر عنه الإعلام الغربي بكثافة في الحرب الروسية- الأوكرانية والنزاع في غزة ولم تتوفر أدواته للحرب السودانية.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير