Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"جدار برلين" داخلي و"حزام وطريق" في الخارج

ثروة الأمم لا تقاس فقط بالناتج المحلي وحجم الاقتصاد بل أيضاً بالحرية

مشروع الطريق السريع في مونتنيغرو الذي تم بناؤه في إطار مبادرة الحزام والطريق (أ ف ب)

ملخص

تركيز السلطة في يد شخص واحد سلاح ذو حدين.

ينقل الرئيس ريتشارد نيكسون الذي قاد الانفتاح الأميركي على الصين عن أول رئيس وزراء لجمهورية الصين الشعبية شو إن لاي قوله، "أنا صيني أكثر مما أنا شيوعي"، أما الزعيم الحالي الرئيس شي جينبينغ فإنه شيوعي بمقدار ما هو صيني، لكن جان بيار كابتسيان يرى في كتاب "الصين غداً: ديمقراطية أم ديكتاتورية؟" أن شي تلميذ جيد لمكيافيلي المفكر والفيلسوف القائل عن الأمير "أن تكون مخيفاً أفضل من أن تكون محبوباً".

والعادة في الصين منذ انتصار الحزب الشيوعي عام 1949 بقيادة ماو تسي تونغ هي التنقل بين التشدد وتخفيف قبضة الحزب على المجتمع، فماو بعد إطلاقه شعار "لتعش مئة مدرسة... لتتفتح مئة زهرة"، تشدد ولا سيما خلال الثورة الثقافية، ثم أطلق دينغ شياو بينغ مرحلة الإصلاح.

وبعد دينغ الذي رأى أخيراً حاجة إلى شي من التشدد عندما أمر الجيش بسحق الطلاب المعتصمين في ساحة تيان آن مان، تشدد خلفاؤه بالتدرج حتى جاء شي الذي أعاد التشديد على الأيديولوجيا إلى جانب رعايته للتطور الاقتصادي والتكنولوجي.

هو تعلم درس الاتحاد السوفياتي واختصر الأسباب الأساس لسقوطه في اثنين، التراخي الأيديولوجي وتراخي قبضة الحزب عبر "غلاسنوست" ميخائيل غورباتشوف، أي الشفافية، ومن هنا تركيزه على الأيديولوجيا والانضباط الحزبي، إذ إن الحزب يسيطر على المجتمع كما يسيطر الأمين العام على الحزب، فما يتقدم التعليم هو شرح "فكر شي" في المدارس والجامعات والمصانع والمزارع والاجتماعات الحزبية، وما تعيشه الصين حالياً هو "المرحلة الستالينية" كما رأى إيان جونسون في مقالة نشرتها "فورين أفيرز".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

جونسون الزميل في دراسات الصين في مجلس العلاقات الخارجية قضى 20 عاماً في الصين كمراسل لـ "نيويورك تايمز" و"وول ستريت جورنال"، وصدر له كتاب تحت عنوان "شرارات: مؤرخو الصين تحت الأرض ومعركتهم من أجل المستقبل"، وما سجّله في زياراته الأخيرة إلى الصين خلال الربيع الماضي هو التوجه نحو نسخة صينية من "جدار برلين" غير مرئي.

أدباء وفنانون سينمائيون ومؤرخون وصحافيون يعملون في السرّ تحت الأرض كما كانت الحال في ألمانيا الشرقية ودول المعسكر الاشتراكي، وأبسط ما قال له رئيس تحرير مجلة "تحت الأرض" هو "لا نستطيع فعل شيء علناً في الصين، لكننا مستمرون في العمل والانتظار، ولدينا الوقت الذي ليس لديهم".

غير أن ما يرافق التشدد في الداخل هو الانفتاح على "الجنوب العالمي" و"الشراكة بلا حدود" مع روسيا وما يتجاوز التنافس والصراع والتعاون مع أميركا، ففي كتاب راناميتر "حرب الصين الجديدة: كيف شكلت الحرب العالمية الثانية وطنية جديدة"، يقول الباحث في العلاقات الدولية في بكين جي دالاي إن "صعود الصين هو في المقام الأول قصة نجاح اقتصادي، ويجب أن تستخدم الصين ديبلوماسية اقتصادية لتجنب صراع أيديولوجي مع الولايات المتحدة"، وهذا ما يعبر عنه مشروع "الحزام والطريق" الذي تنفذه بكين لتحسين البنية التحتية في أكثر من 100 بلد، مما يسهم في تعاظم التجارة الصينية في إطار نسخة عصرية من "طريق الحرير" القديم.

وحصة الشرق الأوسط ليست قليلة، فالصين "وقعت وثائق تعاون مع 19 دولة في الشرق الأوسط ضمن الحزام والطريق" كما قال وزير الخارجية وانغ يي، ولها "شراكات إستراتيجية شاملة" مع السعودية والإمارات وإيران، والتجارة والاقتصاد جزء من اللعبة لا كلها، ففي كتاب "ديبلوماسية الصين في الشرق الأوسط: الشراكة الاستراتيجية للحزام والطريق" يقول الدكتور مردخاي شازيز إن "مبادرة الحزام والطريق تكشف هدف الصين الإستراتيجي وهو السعي إلى إسقاط الهيمنة الأميركية في كل الشرق الأوسط سلمياً". لماذا؟

من أجل "نقل الهيمنة من أميركا والغرب إلى الصين من دون حروب وصراع"، وهذا ليس سهلاً على بكين، ولا المنطقة تريد الانتقال من هيمنة إلى أخرى بل تنويع الشركات والخيارات، ولا أميركا تستطيع "احتواء الصين" المندمجة في الاقتصاد العالمي.

والدرس الذي يعرفه الجميع، وإن كان هناك من يرفض تعلمه، هو أن تركيز السلطة في يد شخص واحد سلاح ذو حدين، ألم يقل الخبير الهندي أمارتيا سن إن "ثروة الأمم لا تقاس فقط بالناتج المحلي وحجم الاقتصاد بل أيضاً بالحرية"؟

اقرأ المزيد

المزيد من تحلیل