قبل مضي 10 أيام من عام 2023 أعلن المسؤولون الأمنيون الإيرانيون عن إعدام شابين محتجين في أحد السجون. والشابان هما محمد مهدي كرمي ومحمد حسيني، وقد حكم عليهما بالإعدام بعد اعتقالهما خلال الاحتجاجات التي أعقبت مقتل مهسا أميني في أحد معتقلات شرطة الأخلاق بالعاصمة طهران.
اعتقال الشابين رافق مجالس تأبين في مدينة كرج بعد مقتل حديث نجفي وبارسا رضا دوست وسارينا إسماعيل زادة، إذ قتل هؤلاء برصاص رجال الأمن في الشوارع.
في ذلك اليوم كان عدد كبير من المواطنين قد توجهوا إلى مقبرة "سكينة" في كرج، وقد صادف أن أحد المنتمين لـ"الباسيج" هاجم حشود المحتجين وقتل في الاشتباكات التي دارت هناك، واعتقل النظام 15 شخصاً للانتقام من قتل عضو "الباسيج" روح الله عجميان، واتهم 11 شخصاً منهم محمد حسيني ومحمد مهدي كرمي بـ"الإفساد في الأرض".
عقدت المحكمة في مدينة كرج وأعدم الشابان من دون وجود أي دليل ووثيقة تثبت إدانتهم بارتكاب القتل.
"الانتقام الأعمى"
على هذا الأساس بدأ النظام عام 2033 بـ"الانتقام الأعمى" من المحتجين والشعب الإيراني، وقد استمر هذا الانتقام طوال السنة وبصور مختلفة، منها صياغة قانون الحجاب وإصدار أحكام ثقيلة ضد من ينتهك هذا القانون وضبط مركبات المواطنين، كما أصدر أحكاماً ثقيلة ضد من يصفهم بالمسببين بالمضايقات ضد النساء في الشوارع العامة، وقد جند النظام أعضاء "الباسيج" لمراقبة الأماكن العام وتصوير المواطنين والنساء من أجل الضغط على فرض الحجاب الحكومي.
وكانت أرمينا غراوند الفتاة البالغة من العمر (17 سنة) ضحية حالات الانتقام هذه، إذ قتلت أثناء عودتها من المدرسة إلى بيتها. دخلت الفتاة مع أصدقائها محطة قطار في مركز العاصمة الإيرانية طهران ولم ترتدِ الحجاب. وقد هاجمها عناصر أمنيون يراقبون الحجاب في محطات القطار.
وقد اصطدم رأسها بعمود حديدي في عربة القطار، ودخلت في غيبوبة، وأعلن النظام أن سبب الإغماء هو هبوط ضغط الدم لدى أرمينا، ولم يعرض تسجيل الفيديو للقطار، وادعى أنه لا توجد كاميرات مراقبة في القطار. وقد نشرت فيما بعد معلومات تنفي هذا الادعاء. وقد نقلت أرميتا غراوند إلى مستشفى عسكري، ومكثت هناك تحت مراقبة أمنية مشددة وقد توفيت فيما بعد.
وقد تحولت مراسم دفنها إلى ساحة لاستعراض عنف رجال الأمن، إذ حاصروا مقبرة "بهشت زهراء" في طهران وهاجموا المشاركين في المراسم واعتقلوا بعضهم.
واستخدم النظام الإيراني في عام 2023 أساليبه الدائمة في بث الرعب بين المواطنين، لكن بشدة أكبر. وقد بلغ عدد الإعدامات في الأشهر الـ10 من السنة 600 حالة.
وقد أكدت منظمات حقوق الإنسان أن هذا العدد من الإعدامات هو الأكبر منذ عام 2016. وقد شملت الإعدامات متهمين من المجموعات القومية والدينية والأقليات والمحتجين السياسيين والمدانين بالجرائم العامة، كما أن ثلة من الذين نفذ في حقهم حكم الإعدام هم من مهربي المخدرات.
موت الاتفاق النووي
يمكن اعتبار 2023 بأنه عام "موت الاتفاق النووي"، لكن بصمت. منذ بداية العام بدا واضحاً أن الاتفاق النووي وصل إلى حد من التعقيد، حيث لا يمكن حله.
وكانت إدارة بايدن التي تعهدت إعادة الاتفاق النووي ضمن برامج سياستها الخارجية قد تراجعت بالتدريج، ومع ارتفاع حدة الاحتجاجات ضد النظام أعلنت أن الاتفاق النووي مع النظام الإيراني لم يعد بعد ضمن أولويات الإدارة الأميركية.
ولموت الاتفاق النووي ضحية، إذ قررت الإدارة الأميركية التخلي عن ممثلها الخاص في الشؤون الإيرانية روبرت مالي، وطلبت منه الذهاب في إجازة.
وكان التخلي عن مالي ضمن الأمور التي لم تكشف جميع زواياها، وكان الجمهوريون قد طالبوا إدارة بايدن مراراً بالكشف عن أسباب التخلي عنه وشرح فيما إذا كان متهماً بالولاء للنظام الإيراني. كما طرحت أسماء أخرى ضمن هذا الملف فقد نشر تلفزيون "إيران إنترناشيونال" تقريراً بناءً على رسائل إلكترونية لفريق السياسة الخارجية في حكومة حسن روحاني، وقد ورد فيها ذكر أسماء بعض العاملين في الإدارة الأميركية ممن أسهموا في إبرام الاتفاق النووي عام 2015.
وأشار التقرير إلى أن هؤلاء الأفراد يتولون مناصب مهمة في إدارة بايدن، ولهم علاقات واسعة مع مسؤولي النظام الإيراني، وقاموا بالتنسيق مع المسؤولين الإيرانيين في بعض مهامهم.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
كما وقعت أحداث أخرى جعلت الاتفاق النووي دون معنى. وكانت إيران قد استمرت بنشاطها النووي خلال عام 2023، وفي أكتوبر (تشرين الأول) كانت طهران مؤملة بإزالة العقوبات التسليحية والصاروخية بناءً على الاتفاق النووي، لكن البلدان الأوروبية الثلاثة (بريطانيا وفرنسا وألمانيا) سيستمرون بفرض العقوبات في حدود اختيارات كل من هذه البلدان بصورة مستقلة.
وكان النظام الإيراني قد هدد بأنه في حال عدم تنفيذ هذا البند فإنه يلجأ إلى الرد بالمثل، لكن لم يتضح بعد نوع التهديد الذي أطلقه المسؤولون الإيرانيون، وكانت حرب إسرائيل وغزة قد غطت على هذه المداولات.
وكانت هجمات السابع من أكتوبر قد فرضت تغييراً في الاصطفاف بالشرق الأوسط، وقد تغيرت الأولويات بشكل حيث لا نسمع معلومات عن الاتفاق النووي، لهذا السبب حذر أمين عام الوكالة الدولية للطاقة الذرية رافائيل غروسي في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، من خطر البرنامج النووي الإيراني، وذكر أنه يجب ألا تكون أحداث غزة سبباً للتغطية على البرنامج الذي يمر بغموض كبير في الشرق الأوسط.
عام الفشل والتوتر
استطاع النظام الإيراني في عام 2023 إقناع إدارة بايدن برفع التجميد عن أصول طهران في كوريا الجنوبية ونقلها إلى قطر مقابل إطلاق سراح عدد من الأميركيين من أصول إيرانية وعودتهم إلى أميركا، كما أن واشنطن أطلقت سراح عدداً من الإيرانيين ورفض اثنان منهم العودة إلى إيران.
وكان رفع التجميد عن هذه الأموال قد رافق جدلاً واسعاً في الولايات المتحدة الأميركية. وقد أكد المنتقدون لسياسات بايدن بأن التنازل أمام النظام الإيراني يمثل رسالة إلى خامنئي لاستمرار أدائه المثير للتوتر خارج الحدود الإيرانية وقمع المعارضين في الداخل.
في انتظار الخبر الكبير
في داخل إيران وحتى بين جزء من أعضاء النظام ينتظر كثر "الخبر الكبير". وقد ذكرت مجلة الـ"إيكونوميست" أن موضوع وفاة خامنئي وخلافته سيحظى بأهمية كبيرة في عام 2024.
وستجري انتخابات مجلس خبراء القيادة ومجلس الشورى خلال الأشهر الأولى من عام 2014، وكان خامنئي قد طالب بعدم إدارة الظهر لصناديق الاقتراع لأن الانتخابات تمنع الاستبداد وانعدام الأمن. ويأمل الديكتاتور الإيراني الذي قمع خلال عام 2023 أكبر تظاهرات مطالبة بإسقاط النظام بأن ينسى الشعب أساليب حكمه.
وفي عام 2023 عمل الحرس الثوري الإيراني الذي يعد ذراعاً للقمع، ويخضع لأوامر مرشد النظام إلى توسيع تغلغله في داخل مؤسسات النظام من خلال الهيمنة على الحكومة والبرلمان وأهم المسؤوليات الأمنية، كما تتبع السياسة الخارجية لإيران رغبات قادة الحرس الثوري، وأصبحت السفارات الإيرانية في العالم مكاناً لتردد منتسبي قوات قدس ومنظمة الاستخبارات التابعة للحرس الثوري، وقد تحولت المسؤوليات الدبلوماسية إلى مسؤولين منتمين إلى أشخاص يعملون على توثيق العلاقات مع الميليشيات المختلفة لاستهداف الأمن الإقليمي والعالمي بدلاً من العمل على تحسين الأوضاع الاقتصادية وبناء علاقات دولية.
وقد قتل رضا موسوي في 25 ديسمبر (كانون الأول) الماضي، في مدينة دمشق بهجوم مقاتلات إسرائيلية. وكان موسوي مسؤولاً لوجيستياً للميليشيات في سوريا والعراق ولبنان، وقد وصفه الحرس الثوري بأنه الذراع اليمنى لقاسم سليماني خلال ثلاثة عقود. وكان يعمل هذا القيادي في قوات قدس تحت غطاء مستشار في السفارة الإيرانية لدى دمشق قبل أن يقتل باستهداف منزله.
الإرث المتراكم من أداء النظام الإيراني في عام 2023 سيجلب مزيداً من التوتر في 2024. ويواجه المواطنون أزمات اقتصادية كبيرة ولا توجد خطط للقضاء عليها.
أما في المجال الأمني فتتراكم حالة الغضب والاحتقان ضد النظام لأنه لا يرغب بوضع حد لتدخلاته في الحياة العامة للمواطنين، لأن هناك اعتقاداً لدى النظام بأنه "إذا ما أزيل خوف الناس منا سيعملون على إنهاء حكمنا".
نقلاً عن "اندبندنت فارسية"