ملخص
حذر مراقبون من أن أي تحرك عسكري إسرائيلي على الشريط الحدودي "ممر فيلادلفيا" يعرض اتفاق السلام بين القاهرة وتل أبيب للخطر... فماذا سيحدث خلال الأيام المقبلة؟
بصورة واضحة لا لبس فيها أعلنت إسرائيل نيتها السيطرة على محور صلاح الدين "فيلادلفي" الذي يمتد على الحدود بين مصر وغزة بطول 14 كيلومتراً لضمان "نزع السلاح"، بحسب تصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الذي قال في مؤتمر صحافي، الأسبوع الماضي، إن "محور فيلادلفي، أو بعبارة أدق نقطة التوقف الجنوبية في غزة، يجب أن تكون تحت سيطرتنا، ويجب إغلاقه. من الواضح أن أي ترتيب آخر لن يضمن نزع السلاح الذي نسعى إليه".
تصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي أثارت الغضب بين المصريين على مواقع التواصل الاجتماعي، وبينما لم يصدر أي تعليق رسمي من القاهرة، لكن عضو مجلس النواب المصري مصطفى بكري غرد عبر منصة "إكس" واصفاً الهجمات الإسرائيلية على "محور فيلادلفي" بزعم تدمير الأنفاق بين مصر وغزة، باعتباره "تصوراً خطراً قد يدفع إلى انفجار الموقف بين مصر وإسرائيل"، مضيفاً "الضربات على بعد أمتار قليلة من الحدود المصرية. العدو يتمادى في مخططاته، حدود مصر خط أحمر".
دعوات منذ رحيل مبارك
ومنذ الـ13 من ديسمبر (كانون الأول) الماضي شنت القوات الإسرائيلية هجومين في الأقل على محور صلاح الدين "فيلادلفي" بحجة تدمير الأنفاق التي تستخدمها حركة "حماس" لتهريب الأسلحة في وقت تزداد فيه الحرب بين الطرفين اشتعالاً داخل قطاع غزة، ومع ذلك، يبدو أن الحرب جاءت ذريعة لرغبة ملحة منذ سنوات لإعادة احتلال الطريق الذي يقع ضمن منطقة عازلة بموجب اتفاق السلام الموقعة بين مصر وإسرائيل عام 1979.
فمنذ عام 2011، هناك دعوات بالداخل الإسرائيلي لإعادة احتلال المحور الذي كانت تسيطر عليه إسرائيل قبل عام 2005، فعقب سقوط نظام الرئيس المصري حسني مبارك وحدوث فوضى أمنية في مصر، دعت بعض المنظمات الصهيونية إلى القيام بعمل عسكري لاستعادة السيطرة على الممر باعتباره عملاً أساساً لحماية الأمن الإسرائيلي، ومنذ ذلك الحين تكررت تلك الدعوات إلى حصار "حماس" ووقف عمليات تهريب الأسلحة عبر الأنفاق مع سيناء.
عندما وقع معاهدة السلام "كامب ديفيد" بين مصر وإسرائيل في عام 1979 كانت المنطقة الأمنية والعازلة الممتدة من البحر المتوسط شمالاً حتى معبر كرم أبو سالم جنوباً بطول 14 كيلومتراً، والمعروفة باسم "ممر فيلادلفي" تحت سيطرة إسرائيل من ناحية الأراضي الفلسطينية، والتي أطلق عليها المنطقة (د)، بهدف منع تهريب الأسلحة وتسلل الإرهابيين، في حين لم تسمح الاتفاق بوجود قوات مسلحة مصرية من ناحية الأراضي المصرية تلك المنطقة التي أطلق عليها (ه). غير أنه بموجب خطة "فك الارتباط" انسحبت إسرائيل من قطاع غزة، وتم تسليمه للسلطة الفلسطينية في أغسطس (آب) 2005، مع احتفاظ إسرائيل بوجود عسكري في "محور فيلادلفي"، وفي سبتمبر (أيلول) من العام نفسه، وقعت مصر وإسرائيل "اتفاق فيلادلفيا" الذي يسمح بنشر قوات مصرية على ذلك الشريط الحدودي بهدف مكافحة الإرهاب وعمليات التهريب، وسرعان ما تطورت الأمور مع سيطرة حركة "حماس" على القطاع في عام 2007، وبالتبعية فرضت إسرائيل حصاراً ضد سكان القطاع.
حصار غزة
وفيما تصر إسرائيل على إعادة السيطرة على محور "فيلادلفي" متهمة مصر بالسماح بتهريب الأسلحة إلى غزة عبر الأنفاق، يرى المصريون أن المزاعم الإسرائيلية مجرد ذريعة لإحكام حصار غزة بعد أن كان ذلك الطريق متنفساً لهم.
وقال رئيس جهاز الاستطلاع المصري السابق نصر سالم إن سيطرة إسرائيل على المحور الفاصل بين مصر وغزة يعني أنها أحكمت حصار القطاع 360 درجة وخنقت الفلسطينيين تماماً، مضيفاً أنه بينما تتهم "حماس" بمواصلة حفر الأنفاق مع مصر لتهريب السلاح، فإن الإسرائيليين يتجاهلون حقيقية أن القاهرة أغلقت مئات الأنفاق خلال السنوات الماضية في إطار عمليات مكافحة الإرهاب في سيناء، حيث كان هناك أكثر من 2000 نفق.
وتحدث مصدر مصري لـ"اندبندنت عربية" شريطة عدم ذكر اسمه، مؤكداً رفض مصر الكامل لأي محاولات إسرائيلية السيطرة على "محور فيلادلفي"، مشيراً إلى أن الأمر يتعلق بسيناريو التهجير.
وقال المصدر "السيناريو بدأ بتهجير سكان الشمال إلى وسط وجنوب القطاع، نشهد المخيمات تغطي مدينة رفح الفلسطينية، هذه كانت الخطوة الأولى، والآن يطالبون بإحكام السيطرة على كامل القطاع"، مضيفاً أن سيطرة إسرائيل على الشريط الحدودي دون موافقة مصر أمر غير جائز قانوناً وفقاً للاتفاقات الموقعة بين البلدين.
وتساءل مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق رخا حسن، مستنكراً "هل إسرائيل تنوى الاستمرار في احتلال قطاع غزة بعد وقف القتال، بينما الأفكار المصرية المطروحة الآن للمناقشة تنتهي إلى انسحاب إسرائيل من قطاع غزة كله، فكيف تريد تل أبيب احتلال (محور فيلادلفي)؟".
ويعتقد الدبلوماسي المصري السابق أن موقف نتنياهو من العودة لاحتلال "محور فيلادلفي" وما تدعيه إسرائيل من دون أي دليل من أن المحور كان معبراً لدخول الأسلحة إلى "حماس" والمقاومة الفلسطينية، يتعلق بمحاولته التغطية على فشل حكومته في التصدي لعملية "طوفان الأقصى" والفشل في تحقيق ما أعلنه من أهداف في القضاء على قوة الحركة وإخراجها من حكم قطاع غزة.
خطة التهجير
في تغريدة تسلط الضوء على نوايا إسرائيل في شأن تفريغ القطاع من سكانه، كتب وزير الدفاع الإسرائيلي السابق أفيغدور ليبرمان داعياً إلى تدمير "محور فيلادلفي" والسماح لنحو 1.5 مليون نسمة من سكان القطاع بالمغادرة نحو سيناء طواعية، وفق تعبيره، معتبراً ذلك "نتيجة ضرورية في أعقاب الحرب".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وبينما يواصل المسؤولون الإسرائيليون إطلاق التصريحات المتشددة، يحذر مراقبون من أن أي تحرك عسكري إسرائيلي على "محور فيلادلفي" يعرض اتفاق السلام بين البلدين للخطر، إذ إن اللجوء إلى القوة يعني الاعتداء على السيادة المصرية وخرق اتفاق عام 2005 بين البلدين، ولن ترغب الولايات المتحدة في المساس بالسلام بين القاهرة وتل أبيب، وعلى صعيد الداخل الإسرائيلي يواجه نتنياهو وحكومته اتهامات بالإضرار بالسلام مع مصر، مما يشكل ضغوطاً على رئيس الوزراء الإسرائيلي.
خيارات مصر
يقول مراقبون إن مصر كالعادة تفضل اتخاذ المسار الدبلوماسي أولاً، وبالتأكيد ستضغط من خلال واشنطن والمجتمع الدولي، ففي حين تؤكد التصريحات الرسمية المصرية التزام وقف سيناريو التهجير وحماية الأمن القومي، فإن الخيار العسكري غير مطروح.
ويقول رخا حسن إن مصر تلتزم ضبط النفس إلى أقصى درجة في مواجهة كافة الاستفزازات الإسرائيلية والاتهامات بلا دليل على أن تهريب الأسلحة إلى غزة تم من خلال "محور فيلادلفي"، مضيفاً أن القاهرة لن تنساق وراء الحالة العصبية التي تمر بها الحكومة الإسرائيلية وتتخذ ما يهدد عملية السلام، متوقعاً أن ترحل حكومة نتنياهو بعد التوصل إلى وقف كامل لإطلاق النار، ومن ثم يتغير الموقف الحالي من "محور فيلادلفي".
ومع ذلك، يعتقد هيثم حسنين الزميل لدى مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات في واشنطن، أن قيام القوات الإسرائيلية بالسيطرة على الشريط الحدودي بين مصر وغزة لن يؤثر في اتفاق السلام على الإطلاق. أضاف أنه لن يتم الاستيلاء على أية أرض مصرية، إذ تخطط إسرائيل فقط للاستيلاء على الجانب الفلسطيني الذي تسيطر عليه "حماس".
وقال حسنين "من المرجح أن تشعر الحكومة المصرية بعدم الارتياح إزاء هذا الواقع الجديد، حيث سيكون لإسرائيل مزيد من النفوذ على غزة، لكن بصورة عامة، البلدان ليسا غريبين على التعاون الحدودي، لقد تعاونا من قبل على جوانب أخرى من الحدود، وسيتكيفان مع فعل الشيء نفسه مع (ممر فيلادلفي)".
اختبار للعلاقات
منذ اشتعال حرب غزة عقب هجوم "حماس" على المستوطنات الإسرائيلية في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي تشهد العلاقات بين مصر وإسرائيل توتراً كبيراً، إذ حذرت القاهرة مراراً من تهجير الفلسطينيين إلى سيناء، مما قد يؤدي إلى "تمزق" في العلاقات بين البلدين، وفق مسؤولين أميركيين وإسرائيليين تحدثوا أخيراً لموقع "أكسيوس" الأميركي.
ويقول حسنين إن المشهد الحالي هو أخطر اختبار للعلاقات المصرية - الإسرائيلية في عهد الرئيس عبدالفتاح السيسي، ففي حين أن "القاهرة تعتبر (حماس) جماعة إرهابية وجزءاً من الجناح العسكري لجماعة الإخوان المسلمين التي تآمرت ضد مصالح الدولة المصرية في العقد الماضي، ومع ذلك، فإن مصر حذرة من أمرين رئيسين، منع أزمة اللاجئين التي يمكن أن تمتد إلى أراضيها وتصفية القضية الفلسطينية، فكثيراً ما اعتقد المصريون أن الدولة اليهودية تريد إعادة توطين الفلسطينيين في شبه جزيرة سيناء المصرية كبديل لحل الدولتين".
وأضاف الباحث أن القاهرة تشعر أيضاً بالقلق من أن استضافة اللاجئين الفلسطينيين قد يشكل تهديداً للأمن القومي، ويمكن لعناصر من "حماس" والجماعات الإرهابية الأخرى في غزة التسلل من خلال التظاهر بأنهم لاجئون، ومن ثم شن هجمات داخل مصر.
وأوضح حسنين أن "حركة (حماس) تعاونت في الماضي مع تنظيم (داعش) لنقل الأسلحة من إيران وليبيا عبر سيناء، فالاشتباكات الدامية السابقة في مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في دول مثل الأردن ولبنان لا تبعث الثقة، إضافة إلى ذلك، إذا هاجم اللاجئون الفلسطينيون إسرائيل من مصر، فقد يؤدي ذلك إلى توتر العلاقات المصرية - الإسرائيلية ويدعو إلى القيام بعمل عسكري إسرائيلي على الأراضي المصرية".
أما بالنسبة إلى إسرائيل فيوضح حسنين ثلاثة مخاوف أولها تصريحات الخارجية المصرية التي فشلت في إدانة هجمات السابع من أكتوبر التي نفذتها "حماس"، ويرى الإسرائيليون أنهم دعموا القاهرة في جهودها ضد الإرهاب في سيناء قبل بضع سنوات، لذا فهم يتساءلون "لماذا يتعرضون للانتقاد الآن وهم يقاتلون العدو نفسه"، وثانيها إلقاء اللوم على مصر لعدم قيامها بما يكفي من العمل لوقف تهريب الأسلحة إلى غزة خلال السنوات الماضية من خلال تدمير جميع الأنفاق، وأخيراً عدم المشاركة في رؤية مماثلة لغزة ما بعد "حماس".