ملخص
تواجه الصين تحدياً كبيراً من الناحية الأمنية في ظل توسع مصالحها الاقتصادية بالسوق العالمية، فهي لا تمتلك القدرة المناسبة لحماية مصالحها خارج نطاق إقليمها، وبخاصة في أفريقيا.
أعطت علاقة الصين وإثيوبيا إشارة واضحة لنهج الصين في تعاملاتها مع دول القارة الأفريقية. فإثيوبيا بحكم كونها ثاني دولة أفريقية في تعداد السكان وما تتمتع به من مكانة في القارة، تعطي أنموذجاً للتوجه الصيني في أفريقيا سواء بظروف محلية عايشتها، أو بحجم التبادل الذي يمثل أول خطوات الصين باتجاه القارة الأفريقية في إطار تحديات التنافس الغربي بمنطقة القرن الأفريقي. فإلى أي مدى يستمر التمدد الصيني في المنطقة؟ وما ضمانات نجاح بكين ضمن ظروف الواقع الإقليمي المتغير وتحدياته؟
تأثرت علاقات إثيوبيا بالغرب خلال خماسية العقد الماضي جراء الحرب في إقليم تيغراي، وبينما استغلت جهات غربية كالولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي ظروف الحرب في فرض سياسات وإملاءات وعقوبات وجدت صدوداً وتحفظات من قبل القيادة الإثيوبية، ظلت العلاقة الصينية- الإثيوبية في تنامٍ، تتصدرها المواقف الصينية غير المتأثرة بالظرف المحلي والداعمة لأديس أبابا سياسياً واقتصادياً.
الفارق الذي تعكسه السياسة الصينية في القارة الأفريقية وفق رؤى سياسيين، هو انتهاجها سياسة عدم التدخل في شؤون الدول الأفريقية، والاهتمام بعقد مصالح مشتركة لا تخلو من أبعاد استراتيجية. وضمن الاعتراف بالتمدد الصيني وما يتبعه من قلق أوضحت دراسات أميركية أبعاد التنافس الاستراتيجي بين الولايات المتحدة والصين، مشيرة إلى أن "الصين منذ عام 2017 كانت تُعامل باعتبارها منافساً استراتيجياً طويل الأمد في وثائق استراتيجية الحكومة الأميركية الرسمية".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
في مقال لها بعنوان "الحضور الصيني في أفريقيا وحتمية الصراع مع الولايات المتحدة" بـ"المجلة الجزائرية للأمن والتنمية"، أشارت الكاتبة شفيعة حداد إلى أبعاد ومضامين الحضور الصيني المتنامي في القارة الأفريقية، وتأثير ذلك في النفوذ الأميركي في القارة، واحتمالات أن يشكل هذا محوراً جديداً للصراع على النفوذ الذي أصبح سمة غالبة على العلاقات الصينية- الأميركية. ويخلص المقال إلى أن "الإمكانات الطبيعية المغرية لأفريقيا ومكانتها في الخريطة الجيواقتصادية ومحوريتها في استراتيجية النفوذ والمصالح العالمية لكلا الدولتين سيجعل منها محوراً مهماً لصراع محتمل حاضراً أو مستقبلاً بين القوتين العظميين".
تعزيز الشراكة
في أحدث لقاء له تحدث السفير الصيني في إثيوبيا تشين هاي عن علاقة بلاده بأديس أبابا، موضحاً أن العمل جارٍ على تعزيز الشراكة الاستراتيجية الشاملة والثابتة بين الصين وإثيوبيا في مختلف المجالات.
وأشار تشين هاي في حديثه لوكالة الأنباء الإثيوبية، إلى العلاقات القوية التي تربط البلدين منذ فترة طويلة، مشدداً على أن "التعاون الحالي وصل إلى مستوى شراكة استراتيجية شاملة لا تتأثر بالمتغيرات".
الصين اتخذت خطوات جادة تجاه القارة الأفريقية كونها خياراً ينشد تعاملاً منصفاً تتحقق عبره فوائد للطرفين، إلى جانب رسم منهج مغاير لما ظل عليه الاستعمار الغربي من استغلال مكشوف لأرض وإنسان القارة، وهو ما تستحضره السياسة الصينية في فلسفتها القائمة على تبادل المنافع مع دول القارة الغنية بثرواتها وتباين شعوبها وتعدد بيئاتها الجغرافية وحاجة دولها وإنسانها للتنمية.
تأسس منتدى التعاون الصيني- الأفريقي عقب المؤتمر الوزاري الأول للتعاون بين الصين والدول الأفريقية في أكتوبر (تشرين الأول) 2000 بالعاصمة الصينية بكين. ويشير البعض إلى أن المنتـدى مجـال للحـوار السياسـي والتعـاون الاقتصـادي والتكامل التجاري، كما أنه يشكل فضاء للتشاور الدبلوماسي وتعزيز العلاقات الصينية- الأفريقية، بخاصة العلاقات الثنائية بين الصين ومختلف دول القارة، وقد جاء تأسيس المنتدى على أسس فلسفية وفق نظرة منصفة قوامها فوائد الطرفين.
واعتمد المؤتمر الوزاري الأول للمنتدى نقطتين تمثلتا في كيفية الإسهام في تأسيس نظام سياسي اقتصادي دولى للقرن الـ21، واعتماد تعاون اقتصادي وتجاري بين الصين والدول الأفريقية في إطار سياق جديد.
وجاء "إعلان بكين" ليؤسس لـ"برنامج التعاون الصيني- الأفريقي من أجل التنمية الاقتصادية والاجتماعية". وضمن ذلك انبنت الشراكة الحديثة مع دول أفريقيا كنهج جديد ينشد واقعاً مغايراً لما ظلت عليه قرون ماضية من استغلال لإنسان وثروات القارة.
الانزعاج الغربي
هذا التوجه كان مدخل الانفتاح المشترك بين الصين والدول الأفريقية في ما يشهده الواقع الأفريقي من تمدد الصين على حساب دول غربية كفرنسا والولايات المتحدة، وكانت الظروف التي عاشتها معظم دول القارة خلال القرن الماضي، سواء التي تحررت من الاستعمار مبكراً، أو التي ظلت تقاوم آثاره في مجتمعاتها، دافعة لقبول تلويح الصديق الصيني الجديد كأمل مرجو للقارة، لينفتح بعد ذلك المسار الأفريقي أمام العملاق الصيني عبر الدعم الاقتصادي بتقديم المساعدات الاقتصادية لدول تعاني من نقص الموارد المالية وقلة الاستثمارات التنموية بها، مما أكسب الصين تأييداً أفريقياً وساعدها على مزيد من التمكن.
يقول فؤاد مسعد الباحث في مركز "أبعاد" للدراسات والبحوث "بحسـب معطيات الأرقــام والإحصــاءات حــول التبــادل التجــاري بيــن الصيــن ودول القــرن الأفريقــي، فـإن الصيـن تعـد الشـريك الاقتصـادي الأقـوى مـع هـذه الـدول، وهـو مـا يدفـع بكيـن إلـى الانخـراط فـي التجربـة السياسـية واسـتثمار نفوذهـا الاقتصـادي فـي توسـيع مناحـي النفوذ الأمني والسياسـي، ويمكــن الإشــارة إلــى وجــود عــدد مــن المشــاريع الاقتصاديــة والاســتثمارية الصينيــة فــي دول القــرن الأفريقـي التـي تسـتحوذ علـى مـا نسـبته 25 فـي المئـة مـن قيمـة الاسـتثمارات الصينيـة فـي القـارة الأفريقية".
على مستوى التحديات يشير الخير عمر أحمد سليمان الباحث المتخصص في العلاقات الدولية بواشنطن، إلى "الانزعاج الغربي" الذي تجسد في "إعلان لندن" الصادر في ديسمبر (كانون الأول) 2019 حينما تحدث حلف شمال الأطلسي (ناتو) للمرة الأولى عن التحديات والفرص التي يفرضها نفوذ الصين وسياساتها الدولية، مما يعني التفاتة حقيقية إلى التنافس الذي تخلقه الصين.
في 15 سبتمبر (أيلول) 2023 أعلنت القيادة العسكرية الأميركية في أفريقيا سحب قواتها بالكامل من النيجر بعد الانقلاب الذي أطاح الرئيس محمد بازوم في 26 يوليو (تموز) 2023 وطلب القيادة العسكرية النيجرية الجديدة سحب القوات الأميركية وإلغاء الاتفاق العسكري مع الولايات المتحدة الموقع في 6 يوليو 2012 بمفعول فوري.
قبلها وعلى مستوى مشابه فضت القوات الفرنسية معاقلها هي الأخرى بطلب العسكريين في نيامي. وضمن متغيرات تجذر النفوذ الأميركي والفرنسي في دول كالنيجر ومالي وبوركينا فاسو، تشير الدلالات إلى متغيرات الساحل الأفريقي كحافز لقوى دولية هي روسيا والصين، التي تظل في تمدد وتلقى سياستها الخارجية قبولاً في القارة الأفريقية.
بالون اختبار
عادل عبد العزيز حامد الباحث في الشؤون الدولية، يعزي تراجع الدور الغربي وسطوع النجم الصيني في القارة الأفريقية إلى الفارق المباشر بين أخلاقيات العلاقات الصينية- الأفريقية والغربية– الأفريقية، فـ"في السنوات الأخيرة أصبحت الصين أكبر شريك تجاري في أفريقيا بما يوازي 250 مليار دولار عام 2022، ويوجد في أفريقيا أكثر من 3000 شركة صينية وفقاً للمنتدى الاقتصادي العالمى. والقروض الصينية للدول الأفريقية وصلت إلى 134 مليار دولار حتى 2022".
يشير الباحث إلى أن "العلاقة الأفريقية- الصينية إلى حد كبير تعتبر علاقة تبادل منافع مشتركة، على عكس العلاقات الغربية– الأفريقية، والتى إلى حد كبير تكون علاقة استغلال ونهب للثروات وإفقار للشعوب، وظهر ذلك جلياً فى علاقة فرنسا بدول غرب أفريقيا التى تعتبر أنها ما زالت مستعمرة بصورة جديدة عن طريق الاتفاقات التجارية الظالمة، وعليه نجد أن هذه النظرة الاستغلالية لا مكان لها فى العلاقات مع الصين، وإن وجدت تكون قليلة والسبب فيها عادة فساد الحكام الأفارقة كما هي الحال فى بعض الدول الأفريقية. الأمر الآخر أن تاريخ الصين القديم لا يحمل الإرث الاستعماري كما هو حاصل فى العلاقات الغربية– الأفريقية".
حول النهج الصيني في التعاون مع دول أفريقيا يقول سفير السودان السابق لدى الولايات المتحدة وعميد كلية الاقتصاد والعلوم السياسية في جامعة "أفريقيا العالمية" الخضر هارون أحمد، إن "الصين حرصت في السابق على أن تبني علاقاتها مع الدول النامية في أفريقيا وآسيا، وحتى في أميركا الوسطي والجنوبية على التجارة، مستغلة الفراغ الذي تركته الدول الاستعمارية السابقة التي تجعل قضايا حقوق الإنسان والديمقراطية شروطاً لتقديم المساعدات التنموية".
ويضيف "كان مجلس العلاقات الخارجية الأميركي الذي يضم جل المسؤولين السابقين في الخارجية والجيش والاستخبارات قد انزعج من توسع نفوذ الصين في الدول النامية عبر تقديم مساعدات تنموية محسوسة كبناء الطرق والجسور والسدود وغيرها، بينما ظلت وكالة التنمية الدولية الأميركية (المعونة) تقدم مساعدات معظمها في المجال الإنساني، وكذلك الدول الأوروبية. واقترح التقرير الذي صدر في هيئة كتيب صغير بعنوان (ما وراء المساعدات الإنسانية: استراتيجية للتناول الأميركي تجاه أفريقيا) أن تحذو أميركا حذو الصين بالعودة لما كانت عليه كأداة للمساعدات التنموية الحقيقية للدول النامية كترياق مثلما حدث أيام الرئيس دوايت أيزنهاور للحد من المد الشيوعي. وقد أنجز وقتها بعض المشروعات في دول أفريقية محدودة".
غير أن خطة مجلس العلاقات الاستراتيجية الأميركي، بحسب الخضر هارون، لم تنفذ لأن أفريقيا لا تصعد إلى دائرة الاهتمام الأميركي إلا في حال الضرورة القصوى، فهموم القارة لم تزل حبيسة أسوار مستعمريها السابقين في مجال الولاء السياسي والعسكري المجاني الذي لا يكلف أموالاً، بل كثيراً ما تؤخذ الكلف من موارد البلاد المغلوبة على أمرها، ومن هنا كان تسلل الصين، ومما مكّنها كذلك أن الأوروبيين والأميركيين أياديهم في الإنفاق مغلولة".
يوضح هارون أن "علاقات الصين المتنامية مع بعض الدول الأفريقية وفي منطقة القرن الأفريقي بخاصة ربما تكون بالون اختبار من قبل الصين لرد فعل أوروبا وأميركا، فالصين حرصت على أن تبني صعودها الدولي على الاقتصاد والتجارة وألا تثير شكوك الدول الكبرى بل تستمر في صنع ما عجزوا عن صنعه، فالصين مثلاً لا تستخدم حق النقض إلا في ما يتصل بتبعية تايوان لها إلا قليلاً جداً".
ويتابع "يقول الأميركي نعوم تشومسكي إن الصين لن تتفوق على أميركا على المسرح العالمي، فصعودها الاقتصادي المتنامي لا يعدو أن يكون بأموال الشركات الأميركية التي تصنع في الصين لرخص الأيدي العاملة، والغريب أن علاقات بعض دول القرن الأفريقي بالهند كانت هي الأقوي لوقت قريب، لتحل الصين محل نيودلهي بالتوسع في شراكات تجارية متعدد الأوجه والتبعات".
روابط تجارية
وفق إحصاءات صينية أذاعها الإعلام الرسمي الصيني، مثلت الصين ثاني اقتصاد في العالم وأكبر شريك تجاري لأفريقيا، حيث بلغت التجارة الثنائية معها 167.8 مليار دولار في النصف الأول من عام 2024.
والعلاقة الصينية مع أفريقيا ممثلة في إثيوبيا تلفت الاهتمام ضمن حجم التعاون التجاري، فخلال العقود القليلة الماضية تشير دراسات إلى روابط تجارية استثمارية مفادها مبادرة "أبحاث الصين وأفريقيا" في جامعة "جونز هوبكنز"، حيث وقعت الحكومة الإثيوبية اتفاقيات قروض مع مقرضين صينيين خلال الفترة من 2000 إلى 2018 بمبلغ 13.7 مليار دولار، تم استخدام 3 مليارات منها لتمويل مشروعات البنية التحتية للاتصالات بالتعاون مع شركتي "هواوي" الصينية وZTE (شركة تكنولوجيا صينية مملوكة جزئياً للدولة ومُتخصصة في الاتصالات. تأسست عام 1985)، إلى جانب النفوذ التكنولوجي الصيني ممثلاً في إطلاق إثيوبيا أول قمر اصطناعي وهو 1-ETRSS في ديسمبر (كانون الأول) 1919 بدعم من الحكومة الصينية.
وكان مؤتمر تعزيز التعاون التجاري الإثيوبي- الصيني، الذي عقد في يونيو (حزيران) 2024 بأديس أبابا، تأكيداً على التعاون الاقتصادي الكبير بين إثيوبيا والصين. فقد جمع المؤتمر أكثر من 200 مشارك يمثلون الشركات من كلا البلدين بهدف استكشاف فرص تعزيز العلاقات الاقتصادية. ووصف المؤتمر حينها كمعلم هام لفتح الأبواب نحو تعميق عصر التعاون والعلاقات الثنائية والنمو الاقتصادي المتبادل. كما جاء انعقاد منتدى التعاون الصيني- الأفريقي في بكين، سبتمبر (أيلول) 2024، لتشهد بعده إثيوبيا توافداً كبيراً من المستثمرين الصينيين الذين يسعون لتعزيز استثماراتهم في البلاد.
ووفق مجلة "أخبار الصين والشرق الأوسط" كانت الصين رفعت علاقاتها مع إثيوبيا في أكتوبر (تشرين الأول) 2023 إلى شراكة استراتيجية "في جميع الأحوال". وجاء الإعلان بعد اجتماع رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد مع الرئيس الصيني شي جينبينغ، وانضمام إثيوبيا أخيراً إلى مجموعة الـ"بريكس" وفق المجلة، وحينها شهد اجتماع الزعيمين التوقيع على 14 اتفاقية تعاون تغطي التنمية الزراعية والاقتصاد الأخضر والتنمية الحضرية وتوسيع البنية التحتية وتنفيذ مبادرة "الحزام والطريق" الصينية.
تحول حقيقي
على المستوى العام تشهد إثيوبيا في كثير من الاقاليم والمدن حركة بناء وتحولاً حقيقياً عبر شركات صينية تمثل وجوداً استثنائياً ظاهراً يعمل على تجديد البنى التحتية من طرق ومصارف وخدمات مياه وكهرباء واتصالات، إلى جانب بناء مدن حديثة والتوغل في النشاط الصناعي والتجاري عبر الصناعات التحويلية وغيرها في مختلف المجالات.
في أديس أبابا هناك تحول مشهود عبر المعول الصيني في تجديد بناء المدينة بإشراف مباشر من شركات صينية متخصصة في الطرق والكباري، إلى جانب انفراد شركات صينية أخرى باستثمارات في مخططات سكنية ومراكز تجارية تحتل مواقع حيوية في عمق العاصمة، فضلاً عن نشاطات صناعية أخرى.
السفير الصيني أشار في حديثه للوكالة الإثيوبية، إلى أن "البلدين يسعيان لتعزيز الشراكة بينهما بما يتناسب مع الأدوار المحورية التي يلعبانها في المنطقة الجنوبية من العالم"، كما أوضح أن "إثيوبيا، باعتبارها دولة ذات أهمية استراتيجية كبيرة في أفريقيا، تعمل بشكل وثيق مع الصين في القضايا الإقليمية والدولية"، مؤكداً أن "الجهود مستمرة لتوسيع التعاون بين البلدين ضمن إطار عضويتهما في مجموعة (بريكس)، والمستثمرون الصينيون يظهرون اهتماماً متزايداً بالاستثمار في إثيوبيا بمختلف القطاعات".
وأشار هاي إلى أنه "بعد انعقاد منتدى التعاون الصيني- الأفريقي أخيراً في بكين، شهدت إثيوبيا توافداً كبيراً من المستثمرين الصينيين الذين يسعون لتعزيز استثماراتهم في البلاد"، مؤكداً أهمية الجهود المشتركة لتطوير العلاقات التجارية بين البلدين".
حول الصراع الأميركي- الصيني تؤكد الكاتبة كارما أحمد في مقال لها بعنوان "الصراع الصيني- الأميركي، أفريقيا ساحة الحرب بين التنين وبلاد العم سام"، أن القارة الأفريقية تشهد صراعاً متنامياً بين الولايات المتحدة والصين، حيث تتنافس الدولتان العظميان على النفوذ الاقتصادي والسياسي والدبلوماسي".
وتضيف "تمتلك القارة الأفريقية ثروات هائلة من الموارد الطبيعية، وهو ما يجذب كل من الدولتين الساعيتين لتأمين حاجاتهما المتزايدة من هذه الموارد، وتسعى كل من الولايات المتحدة والصين لتعزيز نفوذهما على المستوى الدولي، وتعد أفريقيا ساحة مهمة لتحقيق هذا الهدف".
تشير كارما إلى أن "الصين تواجه تحدياً كبيراً في ظل توسع مصالحها الاقتصادية بالسوق العالمية من الناحية الأمنية، فهي لا تمتلك القدرة المناسبة لحماية مصالحها العالمية خارج نطاق إقليمها، وبخاصة في أفريقيا. وتعد الممرات البحرية أهم طرق التجارة التي تربط الصين بالعالم، حيث تعتمد التجارة الصينية بنسبة 90 في المئة على الممرات البحرية، بالتالي فإن افتقاد الصين لقوة بحرية قوية هو نقطة ضعف وتهديد لمصالحها".
على رغم الضعف غير المتوازن الذي أشارت إليه الكاتبة كارما أحمد مقارنة مع الولايات المتحدة الأميركية يظل للصين وجودها الأمني في القرن الأفريقي بعد افتتاح قاعدتها العســكرية فــي جيبوتي عام 2017، والتي تعــد أول قاعــدة لهــا فــي أفريقيـا وتضـم عشـرة آلاف جنـدي بهـدف حمايـة مصالـحها الكبيـرة والمتزايـدة فـي المنطقـة التي تمثل موقعاً استراتيجياً حيوياً بإشرافها على خليج عدن ومضيق باب المندب على البحر الأحمر، وهي الممرات المائية التي توصف بأهميتها التجارية والعسكرية.
سياسة حفظ التوازن
على مستوى آخر وفي خضم التنافس، يشكل "البعد الدبلوماسي الفاعل" والمصاحب للتوسع الصيني على النطاق الأفريقي تحدياً حقيقياً للنفوذ الصيني في حيثيات مشكلات المنطقة ما بين دولها والمصالح المرتبطة بها، فعدم الاستقرار والنزاعات بين الدول كما هو حادث الآن بين إثيوبيا والصومال ضمن خلافات المنفذ البحري، إلى جانب ما يشهده السودان من ظروف حرب بين الجيش وميليشيات "الدعم السريع" وما يشكله الصراع من ذيول إقليمية، وما بين خلافات جيبوتي وإريتريا، فضلاً عن خلافات عميقة تعانيها المنطقة، لها انعكاساتها على الوجود الصيني، وتأثيراتها قطعاً على سياسة الحياد المحافظ.
وتعكس المستجدات الإقليمية في القارة السمراء ومنطقة القرن الأفريقي قلقاً متزايداً لبعض دول المنطقة تجاه الكيفية التي توازن بها الصين علاقاتها مع مختلف الدول، بحيث لا ينعكس ذلك في أي تمدد للعلاقة الصينية لمصلحة البعض على حساب الآخر. وتأتي نماذج عديدة كمشروع سد النهضة الإثيوبي وما يخلقه من توتر بين مصر، التي تحتفظ بعلاقات خاصة مع بكين وتضع "قضية الأمن المائي المصري والعربي على رأس قائمة أولويات التعاون المستقبلي مع الصين"، وإثيوبيا التي ترى في السد خياراً قومياً لنهضة شعبها ومستقبلها، إلى جانب قضايا تنافسية أخرى بين دول أفريقية تحتفظ بعلاقات ودية مع الصين، ضمن تخوفات أخرى تجاه التمدد الصيني في وسائله غير المحدودة.