Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

جهود "تقدم" لإنهاء حرب السودان بين مؤشرات الانهيار وعراقيل السياسة

يرى مراقبون أن التصعيد الميداني الأخير شكل نقطة تحول واضحة في مسار العمليات الحربية

قائد قوات الدعم السريع مصافحاً رئيس جنوب أفريقيا سيريل رامافوزا، إثر لقائهما في بريتوريا الخميس 4 يناير الحالي (أ ف ب)

ملخص

هل تفلح مساعي "تقدم" في إنهاء حرب السودان على رغم حملات التخوين؟

منذ بدء الحرب بين الجيش السوداني وقوات "الدعم السريع" في منتصف أبريل (نيسان) الماضي، ظلت سهام الخيانة والتواطؤ توجه بكثافة إلى تحالف "قوى الحرية والتغيير" (المجلس المركزي)، باعتبارها الظهير السياسي لقوات "الدعم السريع"، لكن شراسة الحملة وحدتها تصاعدت بدرجة كبيرة عقب توسيع التحالف وتحوله إلى "تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية" (تقدم)، وشروعه في الاتصالات التي تكللت أخيراً بتوقيع "إعلان أديس أبابا" مع قائد "الدعم السريع" محمد حمدان دقلو، فما طبيعة الدور الذي تلعبه "تقدم" في مساعيها وجهودها لوقف الحرب الراهنة؟ وماذا وراء حملة التخوين المناهضة لتلك التحركات والاتصالات، سيما عقب توقيعها إعلان أديس أبابا مع قائد "الدعم السريع" منتصف الأسبوع الماضي؟

"خيانة" في أديس أبابا

أبرز الاتهامات والانتقادات التي تلقفتها وسائل التواصل الاجتماعي، خصوصاً من داعمي استمرار الحرب والحسم العسكري، كانت تغريدة رجل الاستخبارات الدبلوماسي الأميركي السابق كاميرون هدسون، معلقاً على مصافحة وفد تنسيقية "تقدم" بقيادة رئيس الحكومة السابق عبدالله حمدوك للجنرال "حميدتي" والوفد المرافق له داخل قاعة الاجتماعات بالعاصمة الإثيوبية أديس أبابا، وجاء فيها "أشاهد القادة المدنيين المفترضين للسودان يعاملون الشخص الذي يدمر بلدهم ويغتصب نساءهم وينهب بيوتهم كأنه أخوهم"، ثم يتابع "هذا شيء يثير الاشمئزاز ويسلب مني الأمل في مستقبل بلادهم، يفعلون هذا من أجل مصالحهم الذاتية، ويخونون كل السودانيين بلا حياء أو خجل".

مؤشرات الانفلات

ويرى مراقبون أن التصعيد الأخير شكل نقطة تحول واضحة في المسار الميداني للعمليات الحربية، إثر توسع رقعة الحرب وتمددها في دارفور وولايات الوسط بعد دخول "الدعم السريع" إلى ولاية الجزيرة وتهديده بالزحف نحو سنار والنيل الأبيض وولايات أخرى، ما جعل كل مدن ولايات الشمال والشرق وبقية الوسط تتحسس سلاحها وتنتظم في حال من الاستنفار والتعبئة والتسليح الشعبي (المقاومة الشعبية المسلحة) لحماية ولاياتهم وممتلكاتهم وأسرهم، خصوصاً بعد ما سمعوه من انتهاكات ونهب للأموال والممتلكات والتعدي على العروض بواسطة قوات "الدعم السريع" في ولايتي الخرطوم والجزيرة.

ويشير مراقبون إلى أن كل تلك المؤشرات تؤكد أن البلاد باتت على حافة الانفلات الكامل، وانفتاح الوضع على احتمال الانزلاق نحو حرب أهلية شاملة تؤدي إلى تشظي البلاد وانقسامها، مما يجعل أي اختراق باتجاه وقف الحرب محطاً للآمال ومرحب به، بما في ذلك تحركات تنسيقية "تقدم" فضلاً عن التعويل الكبير على اللقاء المرتقب بين قائد الجيش عبدالفتاح البرهان وقائد "الدعم السريع" محمد حمدان دقلو، في وضع حد عاجل للحرب.

تسويق الإطاري

في السياق يشير مؤسس "الحركة الجماهيرية" رئيس مركز الخرطوم الدولي لحقوق الإنسان أحمد المفتي، إلى أن "التصعيد العسكري الأخير شكل نقطة تحول في مسار الأزمة، فهو مكسب عسكري لـ’الدعم السريع‘ على المدى القصير، لكنه جعل كل مدن الشمال والشرق والوسط ونهر النيل تنهض ضد تلك القوات". ووصف المفتي تنسيقية "تقدم" بأنها الجسم الذي اختارته "قوى الحرية والتغيير" (ق ح ت) لتسويق رؤاها بعد انحسار وضعف رصيدها الجماهيري بحيث لم تعد تجد أي قبول لدى الشارع السوداني.

لذلك يرى المفتي أن تنسيقية "تقدم"، "لن يكون حظها أوفر من سابقتها باستثناء الإضافة الوحيدة لها بظهور رئيس الوزراء السابق عبدالله حمدوك في قيادتها، مع توقع أن تطل من جديد الخلافات بينه وبين (ق ح ت) عندما كانت حاضنته السياسية في أي وقت"، واصفاً علاقة الحرية والتغيير وبعدها "تقدم" بقوات الدعم السريع بأنها "غريبة".

ويلفت المفتي إلى أن "حميدتي صرح غداة اندلاع الحرب منتصف أبريل الماضي، بأنه يريد تنزيل الديمقراطية إلى أرض الواقع، وفهم كثيرون أنه يقصد بذلك العودة للاتفاق الاطاري، لكن قوى الحرية والتغيير سكتت وقتها، إذ سرعان ما ارتكب ’الدعم السريع‘ انتهاكاته ضد المدنيين، مما جعل ترفع يدها عنه بل وتدينه".   

ويعتبر المفتي أن "ما وقعته (تقدم) مع حميدتي، موضوع علاقات عامة للطرفين ولا يتضمن أية أطروحة جديدة لما بعد وقف الحرب بذات سيناريو سقوط (الرئيس السابق عمر) البشير، إذ أن شعارها ’لا للحرب‘ مثل شعار (تسقط بس) من دون أن يحمل أي رؤية للمستقبل".

فرية سياسية

لكن القيادي بتنسيقية القوى المدنية الديمقراطية (تقدم) محمد عربي، ينظر إلى أن تهمة الخيانة على أنها "فرية سياسية، مثل كلمة الحق التي يراد بها باطل، وهو الدعم السياسي لحربهم هذه لكنهم لن ينالوه مننا"، مضيفاً "نحن لسنا قلقين من التخوين إلا بقدر ما هو مؤثر في تعزيز وشرعنة مخطط تحويل الحرب إلى حرب أهلية تحت غطاء المقاومة الشعبية". ويتابع عربي "إن موقفنا الرافض للحرب ليس موقفاً سياسياً فحسب، بل هو موقف أخلاقي، كما أننا ندين بشكل يومي الانتهاكات ضد المواطنين، ودعونا في اجتماعنا الأخير بأديس أبابا إلى توفير معسكرات نزوح داخلية ولجوء خارجية آمنة ومحمية، بعد أن ضاقت أرضنا الرحبة بهذه الانتهاكات".
ويتهم القيادي في "تقدم"، الحركة الإسلامية بأنها هي التي أنشأت قوات "الدعم السريع" ورعت تحولها من ميليشيات مسلحة إلى قوة نظامية بموجب القانون، وهي نفسها الحركة التي ارتكبت في حق البلاد كافة أنواع الانتهاكات ضد الإنسان وحقوقه طوال ثلاثة عقود من حكمهم البائد، كونها حركة لا تستند إلى خلفية أخلاقية أو سيرة محمودة في مجال حقوق الإنسان.

طرف أصيل

ويشير عربي إلى أن تنسيقية "تقدم" تكونت أصلاً بعد اندلاع الحرب، وتضم طيفاً واسعاً من الأحزاب السياسية والحركات المسلحة وتنظيمات نقابية ومهنية ومنظمات مجتمع مدني ولجان مقاومة انضوت كلها تحت اسم الجبهة الشعبية لوقف الحرب، ثم تحولت لاحقاً إلى تنسيقية القوى المدنية الديمقراطية، بعد أن ضمت عدداً من المبادرات الهادفة إلى وقف الحرب واستعادة مسار الانتقال المدني، وهي بذلك لا تعتبر نفسها مبادرة أو وساطة، بل طرف أصيل في تقرير مستقبل السودان ومقاومة استمرار الحرب وإنهائها، باعتبارها حتى الآن الصوت المدني الوحيد الذي يدعو إلى إنهاء هذا النزاع اللعين.

ويذكر المتحدث ذاته أنه "تأسيساً على ذلك، بلورت التنسيقية خريطة طريق لإنهاء الحرب وإعادة تأسيس الدولة السودانية، وفق منهجية للتفاوض بين أطراف الحرب من جهة، وبينهم وبين التنسيقية من جهة أخرى"، مشيراً إلى أن "التنسيقية كانت طلبت الاجتماع بكل من قيادة الجيش والدعم السريع وكانت استجابة الأخير هي الأسرع، بينما لا تزال في انتظار استجابة الدعوة من الجيش للبدء فوراً في الحوار حول إعلان أديس أبابا، لا سيما بعد موافقة قائد الدعم السريع المبدئية على الوقف غير مشروط لإطلاق النار". ويؤكد أن "هذه الخطوات تعبر بوضوح عن هوية التنسيقية كقوى مدنية صاحبة مصلحة في وقف الحرب، غير أنها في الوقت نفسه مثيرة لقلق أجندة القوى صاحبة المصلحة في استمرار الحرب، وعلى رأسها الإسلاميين المرتبطين بالقوات المسلحة، وضمن أدوات هؤلاء في هذه الحرب الكذب والتدليس والتخوين".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)


رفض وتشدد

في المقابل وصف مصطفى تمبور رئيس "حركة تحرير السودان" الموقعة على اتفاق السلام لقاء "حميدتي" بتنسيقية "تقدم" بأنه "لقاء الجناح السياسي بالعسكري ضمن مخطط لتفكيك السودان وتقسيمه"، وقال تمبور إن "من محاسن هذا اللقاء أنه وضع جميع البيض الفاسد في سلة واحدة"، وناشد الشعب السوداني "عدم الالتفات لمثل تلك اللقاءات حتى لا تصرفه عن قضيته الأساسية المتمثلة في الاستنفار والتسلح للدفاع عن الأرض والعرض والكرامة".

وأشار رئيس "حركة تحرير السودان" إلى أن عملاء الخارج "كشفوا عبر اجتماعهم في أديس أبابا عن وجههم القبيح، ولن يكون لهم موطئ قدم داخل الوطن بعد ذلك اليوم".

وناشد تمبور قائد الجيش "عدم الاستجابة لأي ضغوط خارجية والمضي قدماً في الحسم العسكري للمعركة لصالح شعب السودان عبر توسيع رقعة العمليات العسكرية لإنهاء وجود الميليشيا، وتخليص السودانيين من عبثها"، واتهم "المجتمع الدولي بالتواطؤ وعدم الجدية في التعاطي الصادق مع ما يجري بالسودان"، مؤكداً "قدرة الجيش على إجهاض مخطط احتلال السودان والمحافظة على البلاد من شبح التقسيم".

وكانت الحركة الإسلامية السودانية وصفت "إعلان أديس أبابا" بأنه "ممهور بدم الشعب البريء، ومكتوب في جبين عار الخونة والمرتزقة، لا يطلب مخرجاً لأزمة البلاد التي افتعلتها الميليشيا بمناصرة قوى الحرية والتغيير بذات النصوص"، في إشارة إلى "الاتفاق الإطاري"، "التي أوردت السودان مورد الهلاك".

تفادي الهاوية

أما أستاذ العلوم السياسية الزين الأمين فيرى أن "المرحلة الحرجة التي وصلت إليها الحرب تمثل حافة الانهيار، وكان لا بد من جهة تتصدى لتمدد الحرب وتوسعها في ظل جمود التفاوض وهو ما دفع تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية (تقدم) لتولى هذه المسؤولية، في محاولة جادة لمحاصرة الحرب بسرعة قبل انفلاتها وانزلاقها نحو طابع إثني وجهوي، وقبل فوات أوان احتوائها".

ولفت الأمين إلى أن "مبادرة (تقدم) كجبهة سياسية واسعة وموثوقة داخلياً وخارجياً بالتواصل مع طرفي القتال وتعجيل خطواتها وتسريع مساعيها التي أثمرت عن الاتفاق الأخير مع الدعم السريع، بهدف كبح تصاعد وتيرة المعارك ومنع تفاقم المأساة الإنسانية ووقف الانتهاكات وموجات النزوح المتواصلة داخلياً وخارجياً".

خطوات مكملة

وأشار الأكاديمي إلى أن "إعلان أديس أبابا الذي وقع بين تنسيقية (تقدم) و’الدعم السريع‘ سيسهم فعلاً في وقف الحرب بحال تجاوب الطرف الآخر في الجيش، لكنه لا يعني غض الطرف عن انتهاكات الحرب سواء من جانب الدعم السريع أو الجيش".

ولفت الأمين إلى أن "التنسيقية تملك خريطة طريق لإنهاء الحرب ستعرض أيضاً على قائد القوات المسلحة لأن جهدها لن يكتمل إلا بموافقة كل الأطراف العسكرية والمدنية، مما يدحض القول بثنائية الاتفاق فثمة خطوات لاحقة تبدأ بوقف العدائيات والوضع الإنساني، فضلاً عن التأكيد على دعم مجهودات منبر جدة التفاوضي".

وفي يوليو (حزيران) الماضي انطلقت مداولات الاجتماع التحضيري لوحدة القوى المدنية الديمقراطية، وفي نهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي أعلن الاتفاق على الهيكل التنظيمي، وتوافقت تنسيقية القوى المدنية الديمقراطية (تقدم) الكيان الجديد الذي يدعو لوقف الحرب على اختيار حمدوك رئيساً لها.

وتضم التنسيقية أحزاباً سياسية وفصائل مسلحة وتجمعات نقابية ومهنية رافضة للحرب، وشكل هيئة قيادية مكونة من 60 شخصاً يمثلون الأجسام المنضوية تحت لواء التحالف المدني.

المزيد من متابعات