ملخص
سارع مجلس "المعلمين المعترضين" في السليمانية للرد على بيان وزارة التربية بتأكيد رفضه إنهاء الإضرابات بسبب أوضاعهم المالية.
خرج المعلمون المضربون في محافظة السليمانية في تظاهرات جديدة احتجاجاً على ارتهان حكومة إقليم كردستان مطالبهم بحسم الخلاف مع الحكومة الاتحادية، معلنين تمسكهم بمواصلة الإضراب المستمر منذ أربعة أشهر، فيما يجري وفد حكومي كردي في بغداد مفاوضات تهدف لحل الخلافات على رأسها أزمة مرتبات موظفي الإقليم.
وينفذ المعلمون والمحاضرون في السليمانية والمناطق الخاضعة لنفوذ حزب "الاتحاد" بزعامة بافل طالباني الشريك الرئيس في حكومة الإقليم التي يقودها نظيره "الديمقراطي" بزعامة مسعود بارزاني، إضراباً منذ انطلاق العام الدراسي الجديد في سبتمبر (أيلول) الماضي، احتجاجاً على عدم تلقيهم مرتباتهم، في ظل استمرار الخلافات بين حكومتي أربيل وبغداد على تطبيق بنود الموازنة الاتحادية.
قرار مشروط
وشهدت مناطق السليمانية وإدارتا كرميان ورابرين احتجاجات غاضبة في رد على صدور قرار من وزارة التربية، أمس الأحد، "على استئناف العمل بنظام الترقية، وتعيين المحاضرين المجانيين بموجب نظام العقود"، لكن القرار رهن تطبيق القرار "لما بعد التعديلات المنتظر إجراؤها على الموازنة الاتحادية وإطلاق حصة الإقليم منها". وبدورها دعت مديرية التربية في السليمانية إلى "إنهاء الإضراب اعتباراً من غد الثلاثاء".
وسارع مجلس "المعلمين المعترضين" للرد على بيان وزارة التربية بتأكيد رفضه إنهاء الإضرابات "لحين تلبية جميع المطالب من دون شروط". وقال ممثل المجلس سامان برزان خلال مؤتمر صحافي إن "ربط مطالبنا بالموازنة الاتحادية أمر مرفوض، لأن إيرادات الإقليم تفوق كثيراً عما يطالب به المعلمون، وقد سئمنا من إطلاق الوعود"، هذا وقد انضم العشرات من العاملين في القطاع الصحي بقضاء كويسنجق إلى الإضراب، على وفق نائب رئيس مديرية الصحة شيروان جلال الذي أكد أن "نحو 130 من عمال النظافة في المديرية مضربون منذ يومين لعدم تلقيهم مرتباتهم منذ أربعة أشهر، بسبب إشكالية بين الشركة المشغلة والحكومة".
من جهته دعا محافظ السليمانية هفال أبوبكر في أعقاب اجتماع مع مديرية التربية إلى إنهاء الإضراب قائلاً إن "المعلمين يمكنهم الإضراب في أي وقت، لكن لا يمكنهم تعويض التعليم، ويجب استئناف الدراسة وقد تم وضع خطة للتعويض عن ما فات".
ولفت الانتباه إلى أن "هناك جهتين معنيتين بتنفيذها، وهما حكومتا أربيل وبغداد، إذ لا يمكن أن تدفع السليمانية الثمن مع أنها غير معنية بالاستجابة للمطالب، وقد ألحقت الإضرابات خسائر بعجلتها الاقتصادية".
ويبلغ مجموع المعلمين غير المثبتين رسمياً على القائمة الدائمة لوزارة التربية ويسهمون في عملية التعليم بصفة "المحاضرين المجانيين"، 37 ألفاً، فيما يقدر عدد الذين لم يتسلموا مرتباتهم للأشهر الثلاث الأخيرة من العام الماضي ولم يحظوا بالترقية الوظيفية منذ سنوات بنحو 120 معلماً.
وبحسب التقديرات، فإن مجموع المضربين في قطاع التعليم يصل إلى 60 ألفاً، مما تسبب بحرمان عدد كبير من الطلاب من التعليم منذ انطلاق العام الدراسي.
تسهيلات لتحجيم الإضرابات
وتثار تساؤلات حول أسباب اقتصار الإضرابات على فئة المعلمين وتحديداً في نطاق نفوذ حزب "الاتحاد" من دون بقية القطاعات طالما أن أزمة المرتبات تشمل عموم فئات موظفي القطاع العام.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وفي هذا الصدد، يرى الناشط عثمان عبدالله أن "الدوائر الحكومية خلال السنوات الماضية بخاصة خلال الأشهر الأخيرة اتخذت إجراءين لتجنب انضمام شريحة واسعة من الموظفين إلى المعلمين، عبر تقليص ساعات أو أيام عملهم، وبعضهم لا يعمل سوى ثلاثة أيام أسبوعياً وساعد في ذلك كثرة أعداد الموظفين الذين يعتمدون على آلية التناوب، كما أن بعض المؤسسات التي تحصل على إيرادات تمنح موظفيها مخصصات إضافية".
تفاؤل حذر
وتزامناً مع الاحتجاجات، يجري وفد من حكومة إقليم كردستان جولة جديدة من المحادثات في بغداد، حول ثلاثة ملفات رئيسة، وهي مشروع تعديل الموازنة، ورفع سقف كلفة إنتاج نفط الإقليم، فضلاً عن مشكلة إيجاد صيغة لحل مشكلة المرتبات المتأخرة للأشهر الثلاثة الأخيرة من العام الماضي.
وأعرب نائب رئيس حكومة الإقليم القيادي في حزب "الاتحاد" قوباد طالباني عن تفاؤله في إمكان الخروج بنتائج قائلاً خلال تصريحات صحافية إن "المفاوضات تسير بشكل جيد لحل أزمة المرتبات بشكل نهائي".
وتابع "نؤكد أننا لن نقبل بإضاعة أي مرتب، وقد تحدثنا مع المعلمين وأصدرت الحكومة قراراً استجابة لحقوقهم، ونأمل في أن تنتهي الإضرابات". بينما أوضح الناطق باسم وزارة مالية الإقليم هونر جمال أن "الأولوية في المفاوضات ستكون لإنهاء أزمة المرتبات في الأقل لعام 2024".
ويعول الأكراد على مقترح فصل مرتبات موظفي الإقليم عن النفقات الفعلية في قانون الموازنة وإلحاقها بالنفقات الحاكمة خلال مشروع التعديل في قانون الموازنة للعام الحالي. وتشير تسريبات إلى أن المبلغ المحدد لتأمين المرتبات قد يتجاوز 700 مليار دينار، ما يعادل 45 مليون دولار.
تطمينات اتحادية
وإزاء إمكان تحقيق وفد الإقليم في بغداد نتائج مرضية، قال النائب السابق في برلمان الإقليم علي محمد صالح إن "رئيس الوزراء الاتحادي محمد شياع السوداني أدرج مطالب معلمي كردستان في مشروع تعديل قانون الموازنة لعام 2024، ومن المنتظر أن يحال إلى البرلمان، ويتبقى الجهد الملقى على عاتق الكتل الكردية".
أضاف أن "الترقية الوظيفية حق مكفول قانوناً للجميع، ولم يعلق تطبيقها على المؤسستين الأمنية والعسكرية، وقبل سنتين استأنف العمل بها لموظفي الرئاسات"، لافتاً إلى أن "عملية البدء بترقية فئات بقية الموظفين سيتطلب تخصيص نحو 100 مليار دينار (نحو 65 مليون دولار)".
وتابع حديثه، "وفق بيان وزارة التربية، فإن الترقية ستكون معتمدة على إقرار حصة الإقليم في الموازنة الاتحادية، بمعنى أن بغداد سيجب عليها إرسال تريليونين و20 مليار دينار (مليار و545 مليون دولار) والتي لم تقر بعد".
وكان السوداني أعطى تطمينات خلال لقائه ممثلين عن المضربين عشية رأس السنة لفصل ملف المرتبات عن الخلافات المالية القائمة بين حكومته ونظيرتها الكردية، وذلك مع انتهاء مدة القرض الذي كانت تمنحه بغداد لأربيل بموجب اتفاق موقت مدته ثلاثة أشهر أبرم منتصف سبتمبر (أيلول) الماضي وحصلت بموجبه أربيل على (1.5 مليار دولار) على دفعات.
تمديد لاتفاق سابق
وتقدر قيمة المرتبات المتراكمة على ذمة حكومة كردستان العراق منذ دخولها في أزمة مالية عام 2014 وتطبيقها لنظام "الادخار الإجباري"، 21 تريليون دينار أو ما يعادل نحو 13 مليار دولار، فيما لم يتسلم الموظفون سوى 49 مرتباً كاملاً خلال 108 أشهر، إضافة إلى تطبيق نظام الاستقطاع على 44 مرتباً، ولم يتلق الموظفون 15 مرتباً.
وتعترض المفاوضات عقبات تتمثل بمطالب اتحادية تجاه الأكراد للالتزام ببنود الموازنة فيما يتعلق بإيرادات الإقليم، وتذهب المؤشرات إلى أن النتائج في هذه المرحلة من المفاوضات قد لا تتجاوز موافقة بغداد على تمديد اتفاق القرض.
ويعتقد المحلل الكردي حميد إبراهيم أن "التصريحات من الجانبين (بغداد وأربيل) تبدو مشجعة لوضع حل حتى وإن كان للسنة المالية الحالية على أفضل الأحوال، على رغم أن حل الخلافات في مجملها تعترضها عقبات جمة، فالحكومة الاتحادية لم تقر بعد في البيانات التي تقدمها أربيل حول إيراداتها المحلية، المتعلقة بأعداد الموظفين وكذلك في ملف حجم الإيرادات المحلية بخاصة الكمارك في المنافذ".
وأشار إلى الخلاف حول تحديد سعر إنتاج برميل النفط في الإقليم من قبل الشركات الأجنبية، الذي ما زال عالقاً لكي يتم البدء باستئناف صادرات نفط الإقليم المتوقفة من مارس (آذار) الماضي إثر كسب بغداد قرار قضائي من محكمة تجارية دولية في باريس ضد حكومتي أربيل وأنقرة لتصديرهما النفط بمعزل عنها".
وختم إبراهيم حديثه بقوله إن "القوى الكردية بخاصة الحزب الديمقراطي أصبحت أمام اختبار صعب خلال الأشهر القليلة المقبلة، وما يصب في صالحها هو أن الانتخابات النيابية في الإقليم التي كان مقرراً إجراؤها في فبراير (شباط) المقبل باتت بحكم المؤجلة للمرة الثالثة وفي الأقل لثلاثة أشهر إضافية، وهذا يمنحها بعض الوقت لتهيئة الظروف لتحقيق مكاسب قد تسهم في تخفيف نقمة الشارع المتصاعدة بسبب أزمة المرتبات في موازاة غلاء معيشي متفاقم وتدن في مستوى الخدمات وزيادة مطردة في الضرائب".
يذكر أن عدد موظفي القطاع العام في الإقليم يصل إلى مليون وربع المليون موظف من مجموع سكان الإقليم البالغ نحو ستة ملايين نسمة، وتقدر الأموال المطلوبة لتأمين المرتبات بـ600 مليون دولار شهرياً، ويلزم قانون الموازنة الحكومة الكردية تسليم إيراداته النفطية وغير النفطية إلى بغداد بناء على قانون الإدارة المالية، على أن تقوم الأخيرة بإطلاق حصة الإقليم، مع إعادة نصف قيمة إيراداته من المنافذ الحدودية.