قال المؤسس والرئيس التنفيذي للمنتدى الاقتصادي العالمي البروفيسور كلاوس شواب في افتتاح اجتماعات المنتدى في دافوس بسويسرا إن العالم يقف عند منعطف مهم في تاريخ البشرية، إذ يواجه تحديات متنوعة وعميقة للغاية، وأشار إلى الدور الخاص للمنتدى وأنه لا ينحصر في مجال واحد.
وأضاف أنه "في بداية هذا العام نحن نجتمع لكي نحلل الوضع العالمي بصورة منهجية واستراتيجية على أمل الوصول إلى قواسم مشتركة تسمح لنا بتحقيق نتائج إيجابية... نعيش في عالم مترابط ولكنه في الوقت ذاته مشرذم أكثر من أي وقت مضى، أما على المستوى الاقتصادي فنحن نعاني نمواً متباطئاً، ونعرف أن أساس مجتمعاتنا هو الشمولية لذا لا بد من التعويل على الشمولية، فنحن نواجه تحديات جمة من بينها تلك المرتبطة بالتغير المناخي والتي تؤثر في العالم".
وعلى المستوى التكنولوجي، قال شواب إن هناك عدداً من الابتكارات تفتح الباب أمام فرص لا متناهية إلا أنها تتمخض عن أخطار غير مسبوقة أيضاً.
"الثقة من أجل مستقبل أفضل"
وتحدث شواب عن وجود تحديات جديدة وضعت في أساس برنامج عمل المنتدى، موضحاً أن "هناك خوفاً عاماً وتشاؤماً يسودان حالياً في العالم، وكل هذا يؤثر سلباً في الحلول التي يمكن أن نضعها على المدى البعيد، لا سيما الحلول المستدامة، لذا لا بد لنا من أن نعمل بصورة جماعية من أجل المستقبل، ولهذه الغاية لا بد من أن نعمل بحيث لا نفقد الأمل في المستقبل، ولكي نتفادى خطر الانطواء على أنفسنا على المستويات الوطنية والفردية".
ويرى شواب أن "لكسر هذه الدوامة نحتاج إلى تحول جذري ونحتاح إلى بناء الثقة وإعادة بناء الثقة وهو شعار الاجتماع السنوي للمنتدى الاقتصادي العالمي هذا العام، لذا لا بد من أن نثق بقدراتنا على مواجهة التحديات وتجاوزها، ولا بد لنا من أن نثق ببعضنا بعضاً، فالثقة ليست مجرد شعور ينتابنا ولكنها التزام بالعمل والأمل، ولكي نحقق لذلك علينا أن نستخدم هذا الخطاب الذي كثيراً ما قاد الإنسانية منذ نشوئها، خطاب قوامه الثقة من أجل مستقبل أفضل".
وأضاف أن الخطاب أو السردية المطلوبة يجب أن تستند إلى إنجازات الأفراد، بل يجب أن تكون مستندة إلى أهداف مشتركة تخدم الإنسانية جمعاء، وقال "يجب أن ندرك أن أنشطتنا وأعمالنا لها تبعات على المستوى الدولي، وأن مفهوم الثقة يدفعنا إلى التفكير بصورة موسعة تتخطى الحدود إلى أن نفكر بالاستدامة وليس تحقيق النتائج السريعة".
بناء عالم غني بالفرص المنصفة للجميع
وقال مؤسس المنتدى الاقتصاي العالمي، مخاطباً قادة العالم "علينا أن نعمل من أجل المستقبل ولبناء عالم غني بالفرص المنصفة للجميع وعالم ينعم أيضاً بالأمن والسلام... كقادة حكوميين ورؤساء شركات ومشاريع من مسؤوليتنا أن نعيد بناء الثقة وأن نعرف كيف نتطلع بدورنا كجهات قيّمة إلى هذه الثقة، وعلينا أن نفكر بأثر ما نقوم به من أعمال وضرورة أن نركز على الحوار والتفاعل في ما بيننا، ولا بد لنا أيضاً من أن نلتزم الإسهام بصورة فاعلة في مجالات المسؤولية بهدف حل المشكلات الأكثر إلحاحاً".
وأردف شواب أن "حجر الزاوية في برنامج عمل المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس يقوم على مبادرات تتجسد في برامج العمل التي تجمع القيمين على الحكومات والمشاريع والشركات في القطاعين العام والخاص وفي المجتمع المدني".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأضاف أنه "نرى خلال هذا الاجتماع السنوي لدافوس روحية دينامية في العمل وعلينا في روحية العمل هذه أن نركز على مهمتنا المتمثلة في تحسين وضع العالم من خلال الدخول في مبادرات تسمح لنا بتحقيق هدفنا، ويجب أن نلتزم ذلك طوال هذا العام".
وختم شواب بالقول "الثقة هي ركيزة أساس لحياتنا على المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية كافة، والثقة ضرورية لحسن سير المؤسسات والإدارات، ولإعادة بناء الثقة لا بد من أن نعمل من أجل المصلحة العامة، لذا دعونا نستخدم ونستفيد من هذا الاجتماع السنوي لإعادة بناء الثقة من خلال تحلينا بمسؤولياتنا على المستويين الفردي والوطني بما يعود بالمصلحة والمنفعة على أممنا وعلى العالم أجمع".
الوضع الأمني معقد والاقتصادي هش
من جانبه قال رئيس المنتدى الاقتصادي العالمي بورغ بريندي، في كلمة ألقاها اليوم الثلاثاء أمام ضيوف دافوس، إن "هناك مشاركين من أكثر من 125 دولة في العالم في أعمال المنتدى هذا العام بمن فيهم 350 رئيس دولة ورئيس حكومة ووزراء، ومن الواضح أن القادة من القطاعين العام والخاص يلتئمون هنا في بداية هذا العام المهم بالنسبة إلينا جميعاً لأن الاجتماع السنوي للمنتدى الاقتصادي العالمي لعام 2024 يعقد في سياق تطورات سياسية واقتصادية معقدة للغاية، فالوضع الأمني معقد والوضع الاقتصادي لا يزال هشاً، ونرى تشرذماً وضغوطاً تمارس على النظام العالمي، ونحن في وقت نحتاج بصورة ماسة إلى التعاون".
وأضاف أنه "نعرف أن الشركات والمشاريع تواجه تحديات أمنية واقتصادية وأخرى مرتبطة بالتغير المناخي وغيرها من التحديات الأخرى، أضف إلى ذلك الجائحات الصحية التي لا تعرف جميعها الحدود وهي تعبر الحدود بسلاسة، ولا بد لنا من أن نبحث عن الفرص الملائمة، وهناك تريليونات الدولارات التي يمكن أن تجنى على المستوى الاقتصادي، ويمكن أن تصبح اقتصاداتنا أكثر قدرة على المواجهة، ولكننا لا نستطيع أن نحقق ذلك إلا إذا عملنا جنباً إلى جنب معاً في خضم هذا الوضع المعقد، إذ يمكن التعاون وهو ما يجري العمل عليه الآن، والمنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس يُعدّ خير مثال على هذا التعاون".
"قواعد اللعبة موضوع تساؤلات"
وقالت رئيسة الاتحاد السويسري 2024 والمستشارة الاتحادية للدفاع والحماية المدنية والرياضة في الوزارة الفيدرالية للدفاع والحماية المدنية والرياضة (DDPS) في سويسرا فيولا أمهيرد، بعد تقديم مستفيض لها من قبل البروفيسور شواب في كلمة ألقتها أمام ضيوف دافوس، إن "شعار الاجتماع السنوي للمنتدى الاقتصادي العالمي 2024، هو إعادة بناء الثقة، وهي ليست مجرد عبارة رنانة، بل إنها تعكس الوضع الحالي للثقة القائمة اليوم على مستوى الأسرة الدولية، وقواعد اللعبة باتت موضوعاً ملحاً اليوم، والأفكار السلطوية تقبل أحياناً كما لو كنا قد نسينا العبر المُستخلصة من القرن الـ20، وهذا القبول لا يتوقف حتى أمام الإنجازات الكبرى التي حققتها البشرية".
وأضافت أن "تقارير الأمم المتحدة تشير إلى تراجع في حقوق الإنسان، في المناطق كافة وهناك تراجع ديمقراطي عالمي، وعندما ننظر إلى التاريخ نرى أن هناك ما يدعو إلى القلق، ففي 2022 أفاد المعهد الدولي للديمقراطية بتراجع التطور الديمقراطي العالمي للمرة السادسة على التوالي، وهذا يؤثر سلباً في تطلعات الشعوب وحرياتهم وهناك معوقات اقتصادية أيضاً تتمخض عن ذلك".
واتهمت أمهيرد الأنظمة السلطوية في العالم بتقويض القيم الديمقراطية والإسهام في تآكل الثقة، وحذرت من تبدد الثقة بسهولة وصعوبة كسبها من جديد، وقالت إن "الثقة في مجال الابتكار والاستثمار والتنمية الاقتصادية لم تعد كافية، على رغم أنها أساس ولا غنى عنها، ولهذه الأسباب نحتاج إليها لإعادة بناء الثقة الدولية".
سويسرا تدعم مقترح الإصلاحات للأمم المتحدة
وتحدثت أمهيرد عما يمكن أن تقوم به سويسرا في هذا السياق عبر تجنب بعض الأنماط التي قالت إنها قادت إلى كوارث في الماضي، مضيفة أن "هناك عبراً إيجابية يمكن استخلاصها، فالأسرة الدولية أسست منظومة الأمم المتحدة بعد الحرب العالمية الثانية، وفي أوروبا هناك الاتحاد والمجلس الأوروبيين، ومنظمة الأمن والتعاون الأوروبي، إضافة إلى الأسرة السياسية الأوروبية الموجودة اليوم، وهذا العام نحتفل بالذكرى الـ75 لتأسيس ’اتفاقية جنيف‘ التي تحتل دوراً أساسياً في مجال القانون الإنساني والدولي، وهي تجدد المساعي لإعادة بناء الثقة التي للأسف تعرضت لشرخ، لذا لا بد من حماية الأفراد من خلال هذه الاتفاقية".
وختمت بالقول "لإعادة بناء الثقة لا بد من الدخول في حوار، وأن نحترم بعضنا بعضاً ونستند إلى قواعد واضحة يلتزمها الجميع، وإعادة بناء الثقة يستلزم فتح حوار شفاف بين الدول والمنظمات في إطار منظومة متعددة الأطراف، وكذلك تعزيز دور المنظومة الأممية ودور المؤسسات العالمية والإقليمية كي تضطلع بدورها كمنصات فاعلة للحوار، ولهذا السبب تدعم سويسرا مقترح الإصلاحات التي اقترحها الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، فنحن نحتاج إلى تسوية فعلية ضرورية، وعلينا تفادي سياسات القوى التي يمكن أن تدمر سبل عيشنا".