تسببت أزمة شح الدولار وما تبعها من ارتفاع قياسي في معدل التضخم مع زيادات متتالية وسريعة في أسعار جميع السلع والخدمات، في مزيد من الألم للشركات العاملة بسوق التجزئة في مصر.
وعلى خلفية الأزمة، قررت مجموعة "الشايع" الكويتية، أحد أكبر مشغلي العلامات التجارية للبيع بالتجزئة في الشرق الأوسط، إغلاق بعض متاجرها في مصر، نتيجة للوضع الاقتصادي وتراجع العملة المحلية في أكبر سوق عربية من حيث عدد المستهلكين.
وأشارت المجموعة في رسالة موجهة لموظفي المتاجر المزمع إغلاقها، إلى أنه "نتيجة الوضع الاقتصادي على مدى الأعوام الثلاثة الأخيرة، والصعوبات التي تواجهها أعمالنا التجارية في مصر، بما في ذلك خفض العملة، وضغوط سعر الصرف، والتضخم المرتفع، اضطررنا لاتخاذ القرار الصعب بتقليص عملياتنا في البلاد".
أضافت، سيتم سحب العلامة التجارية "دبنهامز" من مصر، سواء لناحية إقفال المتاجر الفعلية أو نشاط التجارة الإلكترونية، بنهاية فبراير (شباط) 2024.
وقالت "نود أن ننتهز هذه الفرصة لنشكركم (الموظفين) لدعمكم خلال عملكم، وسنستمر بالعمل معكم، ومشاركتكم كافة التطورات التي نتلاقاها لتأمين إقفال وخروج سلس من السوق".
ومنذ الربع الأول من عام 2022، تواجه مصر أزمة عنيفة بدأت مع الإعلان عن تخارج أموال ساخنة بأكثر من 20 مليار دولار مرة واحدة وبصورة مفاجئة، مما تسبب في لجوء الحكومة المصرية إلى عديد من الإجراءات التي يتصدرها العودة إلى صندوق النقد الدولي وطلب تمويل جديد.
وبالفعل، وافق الصندوق على برنامج تمويل بقيمة ثلاثة مليارات دولار، لكن بسبب عدم التزام الحكومة المصرية تنفيذ الاشتراطات، خصوصاً في ما يتعلق بتحرير سوق الصرف بصورة كاملة، فلم يصرف سوى القليل من قيمة البرنامج التمويلي الذي أعلن عنه في نهاية عام 2022.
وذكرت وسائل إعلام محلية، أن المجموعة قررت إنهاء خدمة نحو 375 موظفاً في مصر من إجمالي 2000 موظف يعملون لديها في البلاد، إلى جانب إغلاق خمس علامات تجارية، وتقليص فروع ثلاث علامات تجارية، وإغلاق منصتي بيع عبر الإنترنت، من إجمالي 12 علامة تجارية لدى المجموعة في مصر.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأشارت، إلى أن مسؤول في أحد أكبر المراكز التجارية في مصر قال إن مجموعة "الشايع أبلغتهم" بقرارها إغلاق عدة متاجر بصورة كاملة داخل مصر مثل "ذا بودي شوب"، "دبنهامز"، "مذر كير"، "بنكبري"، بينما سيكون هناك إغلاق جزئي لمتاجر "إتش أند أم"، "فيكتوريا سكريت"، "أميركان إيغل"، "باث أند بادي".
وذكرت، أن مسؤول آخر في أحد مراكز التسوق الشهيرة قال "نعلم أن المجموعة تعمل على تقليل خسائرها في مصر، لكننا نحاول التفاوض معهم حالياً لإقناعهم بالعدول عن القرار"، لافتاً إلى أن "بعض العلامات التجارية خرجت من مصر قبل تحرير سعر الصرف في 2016، لكنها عادت من جديد مع تحسن الأوضاع".
وتدير مجموعة "الشايع" أكثر من أربعة آلاف متجر في جميع أنحاء المنطقة من دبي إلى تركيا وروسيا، وتضم ما يقارب من 70 علامة تجارية.
وتشمل بصمتها الرقمية أيضاً أكثر من 100 موقع وتطبيق، وتوظف أكثر من 50 ألف شخص، وتأسست المجموعة عام 1890 وتعتبر من أقدم شركات الكويت، وهي واحدة من أكبر مشغلي العلامات التجارية الشهيرة للبيع بالتجزئة في الشرق الأوسط.
ضغوط عنيفة بسبب الديون وتأمين السيولة
في سياق الأزمة الخاصة بالدولار، توقعت وكالة "موديز" أن تواجه مصر ضغوطاً ملحوظة على قدرتها على تحمل الديون وتأمين السيولة في ظل الاختلالات الخارجية التي تؤدي إلى خفض قيمة العملة وارتفاع أسعار الفائدة.
وأشارت الوكالة في تقرير حديث، إلى أن العجز المالي في مصر سيتسع هذا العام، إذ إن أكثر من 60 في المئة من الإيرادات ستذهب إلى مدفوعات الفائدة في السنة المالية المنتهية في يونيو (حزيران) 2024، مما يترك للحكومة مرونة مالية محدودة للغاية للاستجابة للصدمات، بما في ذلك الصدمات الناجمة عن الحرب في غزة.
أوضحت "موديز" أن برنامج صندوق النقد الدولي، العالق حالياً، لن يغطي سوى جزء من الحاجات التمويلية للحكومة مما يعني أن عليها الاعتماد على الاستثمار الأجنبي المباشر لسد الفجوة، إضافة إلى ذلك تبقى قدرة مصر للوصول إلى الأسواق صعبة، وقد كانت مصر معتمدة على ضمانات بنوك التنمية المتعددة الأطراف لإصدار سندات في عام 2023.
وتواجه مصر أزمة اقتصادية مستمرة منذ نحو عامين، إذ تكافح السلطات لتنفيذ برنامج إصلاح طموح يدعمه صندوق النقد الدولي، ومن المقرر أن يشمل بيع العشرات من أصول الدولة وعملة أكثر مرونة.
ويتوقع معظم الاقتصاديين خفضاً آخر في قيمة الجنيه المصري (الرابع منذ أوائل عام 2022) في الربع الأول من هذا العام.
وفيما تشهد سوق الصرف الرسمية حالة من الاستقرار منذ يناير (كانون الثاني) من العام الماضي، حيث يجري تداول الدولار في البنوك عند مستويات أقل من 31 جنيهاً، لكن في السوق الموازية ووفق بعض المتعاملين، فقد قفز سعر صرف الدولار إلى مستوى 56 جنيهاً في التعاملات الأخيرة.
وفي شأن تأثير الهجمات في البحر الأحمر على مصر، قالت "موديز" في تقرير منفصل، إن الحصار الجزئي من قبل الحوثيين في البحر الأحمر سيؤدي إلى خفض إيرادات الحساب الجاري لمصر عبر هيئة قناة السويس.
في الوقت نفسه لا تتوقع "موديز" تأثيراً كبيراً في الحسابات المالية لمصر في العام المالي الجاري المنتهي في يونيو المقبل، إلا أن التأثيرات ستزداد إذا استمر الحصار، لأن الحكومة تتلقى 60 في المئة إلى 70 في المئة من إيرادات هيئة قناة السويس وهو ما يرجح أن يصل إلى نحو تسعة في المئة من إيرادات الحكومة للعام المالي الحالي.
وكانت الهيئة قد أعلنت عن خفض الإيرادات بنسبة 40 في المئة خلال الأسبوعين الأولين من عام 2024 مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي كانت الإيرادات قد ارتفعت في عام 2023 بأكثر من 25 في المئة على أساس سنوي إلى أكثر من 10 مليارات دولار.