ملخص
الحياة البحرية والسياحة الشتوية في مقدمة ضحايا الاحتباس الحراري في لبنان... فماذا يحدث هناك؟
طقسٌ صيفي في عز يناير (كانون الثاني)، وفيضانات تغمر الطرقات، وارتفاع غير مسبوق بالحر، مشاهد باتت مألوفة بفعل "الاحتباس الحراري" أو "الاحترار" في لبنان، فالبلاد التي لطالما تغنى شعبها بالمناخ المعتدل، باتت تشهد مظاهر طقس غير مسبوقة، بدأت انعكاساتها بالظهور على بعض القطاعات التي يأتي في مقدمها البيئة البحرية وقطاع السياحة الشتوية، وكذلك المجال الزراعي، فيما بدأ الاقتصاديون يعدون خسائرهم عاماً بعد عام.
مشاهد غير مسبوقة
"الشتاء ليس شتاءاً" عبارة يختصر بها عثمان الشيخ الثمانيني ما يعيشه لبنان حالياً من مظاهر تخالف العادة، متخوفاً على مصير المزروعات في فصل الصيف، إن لم تأت المزيد من المنخفضات الجوية، ولم تهبط معها الحرارة إلى المستويات المعهودة، "ففي مطلق الأحوال تصبح الأرض دافئة في فبراير (شباط)، ولا تكون كافية لتشكيل خزانات المياه الجوفية".
ويعتقد عثمان أن الثلوج التي هطلت في منتصف يناير جاءت لتقي العباد شر الجفاف العظيم، كما يلفت إلى أثر الحرارة العالية على بعض الأشجار، حيث "عقد الفرخ" في كثير من البساتين في المناطق المتوسطة، ويعتقد كبار السن أن "ما يجري هو نتيجة تلقائية لسلوكيات الناس تجاه الطبيعة، من القضاء على المساحات الخضراء والغابات إلى إهمال الأراضي الزراعية وانتشار المولدات بين المنازل وإقامة المقالع والكسارات.
تأخير الرياضة الثلجية
في 17 يناير الجاري انطلق موسم التزلج في لبنان، حيث فتحت المراكز أبوابها للزوار بتأخر حوالي شهر ونصف، وانعكس التأخير سلباً على المؤسسات السياحية التي تعتمد على موسم الثلوج.
بلال البعريني وهو مالك مؤسسة سياحية في القموعة عكار، قال "وفق التقويمات المعتادة تتساقط الثلوج في ديسمبر (كانون الأول)، وتصبح القمم مغطاة بكميات كبيرة وتستمر بالتراكم يوماً بعد يوم"، مشيراً إلى "هطول كميات محدودة في الموسم الحالي، وسماكتها لا تسمح بكثير من الأنشطة".
وأكد البعريني أن الموسم خسر 50 في المئة من قيمته وحجمه، إذ ألغى عدد كبير من رواد المطاعم ونزلاء "البنغالوز" حجوزاتهم بسبب عدم تساقط الثلوج في موعدها، فعلى سبيل المثال، في عكار شمال لبنان سقطت الثلوج على مستوى ارتفاع 2225 متراً فوق قلعة عروبة، أما سهلة القموعة فتحولت إلى بحيرة، وأصبحت مهددة بالفيضانات بسبب غمرها بكميات كبيرة من المياه، لافتاً إلى أنها مياه لا تخزن ووجهتها الطبيعية البحر.
ونوه مالك المؤسسة السياحية بأهمية الثلوح في ملء خزانات المياه الجوفية، ووقاية السكان من شر الجفاف، مشيراً إلى دور الثلوج "النزازة" التي تبقى متماسكة إلى موعد الحاجة إليها في شهور الصيف الأولى.
البيئة البحرية في خطر
البحر هو أولى ضحايا التدهور البيئي في لبنان، فهو يعاني من السلوكيات السلبية المنتشرة بين المواطنين، وباعتباره مصباً ووعاءاً لشتى الملوثات المختلفة، ناهيك عن تعرضه لظاهرة التغير المناخي العامة والعابرة للحدود، فإن العديد من الكائنات البحرية تواجه خطر الانقراض، وبالتالي لا يمكن أن يبقى قطاع الصيد البحري بمعزل عن تلك التغيرات، حيث يشكو الصيادون من تراجع كبير في كمية الأسماك، في مقابل ارتفاع أنواع الأسماك الخطرة مثل "سمك النفيخ"، وكميات القناديل خلال فصل الصيف.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
من جهته، يسلط مدير المركز الوطني لعلوم البحار، ميلاد فخري الضوء على جهود المجلس الوطني للبحوث العلمية في رصد جوانب تأثيرات التغير المناخي على لبنان، حيث لوحظ امتداد زيادة حموضة المحيطات وبلوغها بحر لبنان، موضحاً أن "مياه البحر التي تعتبر قلوية بالمبدأ، بدأت تشهد تبدلاً حسب القياسات، وتتجه نحو الحموضة، وبالتالي سيتراجع مستوى امتصاص البحر لثاني أكسيد الكربون".
ويؤكد فخري "ستتأثر الكائنات الحية البحرية بشكل قوي، والصدفيات على وجه التحديد، حيث ستخسر كميات كبيرة من الكالسيوم، وبالتالي لن تتمكن تلك الكائنات من إتمام تكوينها أو بناء صدفتها"، وهنا تبرز أهمية خفض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون على مستوى العالم أجمع.
ونبه مدير المركز الوطني لعلوم البحار، إلى ارتفاع حرارة مياه البحر، لأنه بمثابة تغيير في البيئة البحرية التي تعيش فيها الكائنات البحرية، وبالتالي قد نشهد هجرة لبعض منها إلى مناطق أخرى أو حتى استيطان حيوانات غازية معتادة على الحرارة المرتفعة، متابعاً "تشعر الناس بالتغييرات بصورة بطيئة، ولكن سنصل إلى تلك النتائج مع تقدم الزمن"، مضيفاً أن "ارتفاع الحرارة يؤدي إلى تغيير حركة التيارات البحرية وقد يتسبب ببعض الكوارث منها نقص في الأكسيجين بسبب ارتفاع حرارة المياه، أو تأمين الطعام للكائنات البحرية".
وأوضح فخري أن ارتفاع حرارة مياه البحر سيقود إلى تقلص كمية الثلوج في المناطق القطبية، وهو سيؤدي إلى ارتفاع بمنسوب مياه البحار وغمر المناطق الساحلية والجزر، مشدداً على "الأثر العميق لتلك الظواهر على حياة الناس، وفقدان أنواع من الصدفيات في البحر، وفقدان البحر للفلاتر البيولوجية من داخله، وكذلك انقراض أعداد كبيرة من الأسماك بسبب فقدان السلسلة لبعض حلقاتها الضرورية، والتنوع البيولوجي واستيطان أنواع غازية مكانها".
واستطرد مدير المركز الوطني لعلوم البحار "يشكل لبنان جزءاً صغيراً من عالم يعاني من التغير المناخي، ومن آثاره الجسيمة"، إذ تشير الدراسات إلى "ظهور أنواع غازية تستوطن لبنان قادمة من المحيط الهندي والبحر الأحمر بسبب ارتفاع حرارة مياه البحر الأبيض المتوسط"، مشيراً إلى مسؤولية الإنسان والدول الصناعية على في التغير المناخي وظاهرة الاحترار، لأن "الانبعاثات ضئيلة في الدول الصغرى مقارنة بالقوى الكبرى".
أمطار غير مسبوقة
يناقش بعض العلماء مصطلح "التغير المناخي"، ويفضلون استخدام "الاحترار" والاحتباس الحراري، نظراً لارتفاع الحرارة في لبنان حوالي 2.5 درجة خلال نصف القرن الماضي، كما تشير دراسة عالمية حديثة إلى خسارة الغطاء الجليدي في غرينلاند 5,091 كيلومتراً مربعاً من عام 1985 إلى اليوم، ما تسبب في ارتفاع مستوى مياه البحار.