ملخص
لقد نشأ جيل ألفا، المولود في عام 2010 وما بعد، وهو منغمس تماماً في الثقافة الرقمية. ليس عليهم تصفح المجلات للحصول على بعض النصائح الجمالية المشكوك فيها. بدلاً من ذلك، يمكنهم الوصول بسهولة إلى ساعات من مقاطع الفيديو
في الماضي، كانت العناية بالبشرة في سن المراهقة تعني في كثير من الأحيان الاحتفاظ بوجود غسول الوجه للطوارئ والأمل في عدم ظهور بثرة على الوجه في موعد حفلة الديسكو المخصصة لمن هم تحت سن الـ18 سنة، ولكن إذا سألت أولياء الأمور عما يستخدمه المراهقون الآن على وجوههم، فإن الإجابة تبدو وكأنها عملية تقييم تجريها إحدى علامات مستحضرات العناية بالبشرة، مثل: "سبايس أن كاي" "Space NK"، "درنك إيليفنت" "Drunk Elephant"، "غلو ريسيبي" "Glow Recipe"، و"سول دي جينيرو" "Sol de Janeiro"، التي أصبحت علامات مفضلة لدى الأشخاص الذين يبلغون من العمر 14 سنة كما هي الحال لأولئك الذين يبلغون من العمر 40 سنة. عندما قامت مؤسسة "بيبر ساندلر" للخدمات المصرفية بإجراء استطلاع حول عادات التسوق لدى 5690 مراهقاً في الخريف الماضي، وجد أن الإنفاق على مستحضرات العناية بالبشرة زاد بنسبة 19 في المئة منذ العام السابق.
إن البحث عن أحدث وأغلى المنتجات ذات العلامات التجارية يكاد يكون تقليداً لدى المراهقين (بارك الله في صيحات أيام زمان من حقائب كوكاي وعطور لاكوست). الفرق الكبير هنا هو أنه في حين أن الأحذية الرياضية وحقائب اليد، على سبيل المثال، تكون محايدة إلى حد كبير بالنسبة للعمر، فإن مستحضرات العناية بالبشرة عالية المستوى غالباً ما يتم تصنيعها مع أجل العملاء الأكبر سناً (واهتماماتهم الخاصة جداً بالبشرة). في الأسبوع الماضي، قال كبار أطباء الجلد في المملكة المتحدة لصحيفة "ذي غارديان" إن الأطفال الذين لا تتجاوز أعمارهم 10 سنوات يضغطون على أهلهم لشراء هذه المنتجات باهظة الثمن، التي غالباً ما تحتوي على مكونات قوية -مثل الريتينول، والأحماض أو فيتامين سي- المصممة لتقليل التجاعيد وعلاج التصبغ الناتج عن قضاء سنوات في ضوء الشمس. علماً أن أياً من هذه الأمور لا ينبغي أن يكون مصدر قلق للمراهق العادي. فلماذا تتمتع مستحضرات مكافحة علامات التقدم بالسن فجأة بمكانة خاصة بين الأطفال الذين لم يظهر عليهم آثار التقدم بالسن على الإطلاق، وما الذي تفعله كل هذه المكونات القوية للبشرة الشابة جداً؟
تقول الدكتورة أنجالي ماتو، استشارية الأمراض الجلدية ومؤسسة عيادة "سيلف لندن": "لاحظت بالتأكيد زيادة في عدد المراهقين الذين يأتون إلى عيادتي والذين يشعرون بالقلق إزاء مكافحة علامات التقدم بالسن". وتضيف أنها التقت قبل بضعة أسابيع فقط زائراً يبلغ من العمر 14 سنة "كان يشعر بالقلق إزاء التجاعيد المحيطة بالعيون". وتعتقد ماتو أن هذا الهوس المبكر بالتجاعيد "مدفوع بالتأكيد بوسائل التواصل الاجتماعي، وبخاصة ’تيك توك’، حيث يشاهد المراهقون أشخاصاً مؤثرين يعرضون روتينهم المفصل وغير الضروري في كثير من الأحيان للعناية بالبشرة".
لقد نشأ جيل ألفا، المولود في عام 2010 وما بعد، وهو منغمس تماماً في الثقافة الرقمية. ليس عليهم تصفح المجلات للحصول على بعض النصائح الجمالية المشكوك فيها (هل الاستحمام بالماء البارد يجعل شعرك لامعاً حقاً، أم إن ذلك مجرد تجربة نفسية قاسية قامت بها صحافية تشعر بالملل؟). وبدلاً من ذلك، يمكنهم الوصول بسهولة إلى ساعات من مقاطع الفيديو حول "استعد معي". في هذه المقاطع التي يتم تحريرها بسرعة، يقوم المؤثرون الجذابون بوضع عديد من المستحضرات على وجوههم المشرقة أصلاً، مما يجعل المكونات النشطة القوية تبدو مرغوبة. وجد تقرير صدر عام 2023 عن شركة التسويق "ووندرمان تومبسون" "Wunderman Thompson" حول جيل ألفا أن 55 في المئة من الأشخاص الذين تتراوح أعمارهم بين 6 و16 سنة يرغبون في شراء منتج إذا كان نجمهم المفضل على "يوتيوب" أو "إنستغرام" يستخدمه أو يرتديه. وفي العام نفسه، انتشر مقطع فيديو على تطبيق "تيك توك" يظهر فتاة تبلغ من العمر 14 سنة وهي تشرح بالتفصيل "بعض الأشياء التي أفعلها لإبطاء عملية الشيخوخة" (بما في ذلك وضع أقنعة الوجه ومنتجات الريتينول مرتين يومياً).
أخصائية العلاقات العامة في عالم التجميل ماريا ستابلتون لديها ابنتان صغيرتان تبلغان من العمر 12 و10 سنوات. وباعتبار أنها تعمل في مجال التجميل، فإن ابنتيها مهتمتان بالعناية بالبشرة منذ صغرهما، ولكنها حاولت دائماً تثقيفهما حول المكونات - وتوجيههما بعيداً من المنتجات التي لا يحتاجان إليها بعد. وتقول، "إنهم يعلمون أنهم لا يستطيعون استخدام غسول البشرة الخاص بي لأنه يحتوي على حمض الغليكوليك وسيكون قوياً جداً على بشرتهم". ومع ذلك، يتحدث أصدقاؤهم حول استخدام المنتجات النشطة القوية من علامات تجارية مثل "زا انكي ليست" "The Inkey List". وتضيف ستابلتون: "إنهم يسمعون كلمة 'الريتينول'، ويسمعون كلمة 'حمض الساليسيليك' [عبر الإنترنت] ويعتقدون: 'أنا بحاجة إلى ذلك!'. إن قلة المعرفة أمر خطر".
إنها ليست الأم الوحيدة التي تشير إلى أن المراهقين لا يحصلون على الصورة الكاملة حول المنتجات من خلال مقاطع الفيديو على وسائل التواصل الاجتماعي. تيج باتيل، أخصائية التغيير في "تيج-فت" "Tej-Fit" [للعناية الصحية]، لديها ابنة تبلغ من العمر 11 سنة بدأت الاهتمام بمواضيع العناية بالبشرة منذ عامين تقريباً. تشرح باتيل أن ابنتها بدأت بعلامات تجارية سهلة، "ولكن بعد ذلك بدأت تنتقل إلى الرغبة في وضع الأمصال والمنتجات الليلية". وقالت لأمها: "لقد شاهدت فتيات على ’تيك توك’ و’إنستغرام’ لديهن بشرة مذهلة". تشير باتيل إلى أن مقاطع الفيديو التي تشاهدها "هي عبارة عن مقاطع سريعة جداً للمعلومات - مدتها 90 ثانية، لذلك ليس لديهم الوقت للحديث عن حقيقة أن هذا مخصص لهذا النوع من البشرة أو لهذا العمر". وبدلاً من ذلك، فإنهم "يجعلون الأمر كله غناءً ورقصاً" ــ الحلول الشاملة التي حتماً تجذب المراهقين الذين غالباً ما يكونون "حساسين جداً وضعيفين ويشعرون بعدم الأمان" في شأن مظهرهم.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
يمكن القول، إن 90 ثانية ليست وقتاً كافياً لشرح جميع المعلومات الدقيقة حول استخدام مكون مثل الريتينول بشكل صحيح. إنه أحد أشكال فيتامين أ الذي يزيد من تجدد خلايا الجلد ويفتح المسام، الذي يجب استخدامه تحت إشراف طبيب الأمراض الجلدية، ويمكن أن يكون هبة من السماء في محاربة الحبوب، كما أنه يساعد على تعزيز إنتاج الكولاجين، مما يساعد على تقليل ظهور التجاعيد، ولكنه ليس شيئاً يجب على أي شخص -ناهيك بطفل يبلغ من العمر 12 سنة- أن يبدأ في استخدامه بسهولة. من الأفضل أن تبدأ تدريجاً، يوم استخدام، ويوم راحة: فالإفراط في استخدامه، كما تقول الدكتورة ماتو، "يمكن أن يؤدي إلى تهيج واحمرار وزيادة الحساسية من الشمس" (لذلك، من الأفضل تطبيقه ليلاً ثم يتبعه استخدام منتج حماية من الشمس في الصباح).
تقول الدكتورة أنغيلا تواري، استشارية الأمراض الجلدية في عيادة الأمراض الجلدية "غيت-هارلي" "GetHarley" إنه ما لم يتم وصفه [الريتينول] كعلاج لحب الشباب، فإن المراهقين لا يحتاجون إلى استخدام الريتينول. وتوضح أنه في هذا العمر، فإن الأدمة الشبكية -وهي الطبقة السفلية السميكة من الأدمة (الجزء الأوسط من الجلد)- "لا تزال تتطور وتنتج مزيداً من الكولاجين"، لذا فإن محاولة تعزيز هذا الأمر إلى أبعد من ذلك أمر غير ضروري: حتى إنه يمكن أن يكون هناك خطر من المبالغة في تحفيز إنتاج الكولاجين والعبث بالدورة الطبيعية للبشرة، مما يؤدي إلى مزيد من التهيج وحتى الضرر المبكر.
عادة ما يكون حاجز الجلد لدى الشباب (وهي الطبقة الخارجية الواقية من الخلايا، التي تحتفظ بالرطوبة وتمنع الضغوط والسموم الخارجية من الدخول) أرق من حاجز الجلد لدى البالغين. وهذا يعني أنه من السهل تهيجه بالمكونات المكثفة. فيتامين سي، وأحماض التقشير مثل أحماض ألفا هيدروكسي وأحماض هيدروكسي، والنياسيناميد وحمض الساليسيليك كلها تحظى بشعبية كبيرة لدى المراهقين المهووسين بالجمال، لكن الإفراط في استخدامها في سن مبكرة "يمكن أن يعطل حاجز الجلد ويسبب حالات معينة مثل التهاب الجلد"، كما توضح الدكتورة ماتو.
التأثير النفسي هو شاغلي الرئيس هنا. لا أعتقد أنه يعزز علاقة صحية مع الشيخوخة على الإطلاق
الدكتورة أنجالي ماتو
رحبت جوان واتكينسون، المؤسسة المشاركة لعلامة الأزياء "باي ايليفين" "By Elleven"، في البداية باهتمام ابنتها "المهووسة بالعناية بالبشرة" الجديد، تعاني ابنتها البالغة من العمر 12 سنة من الأكزيما وجفاف الجلد، واعتقدت واتكينسون أن ذلك "سيشجعها على إعادة استخدام مرطباتها بشكل أكثر تكراراً". ولكن، سرعان ما "بدأت تطلب منتجات من 'درنك ايليفنت' Drunk Elephant و'زا اورديناري' The Ordinary. جميع المنتجات التي طلبتها تحتوي على مكونات نشطة مثل الريتينول وحمض الهيالورونيك (الأخير يساعد البشرة على الاحتفاظ بالترطيب). اعترضت واتكينسون، ولكن بفضل مبادلة هدية سانتا السرية، انتهى الأمر بابنتها بالحصول على المنتجات: [والنتيجة] "بشرة حمراء وجافة على الفور تقريباً".
ومما يزيد الأمر سوءاً أن بعض المراهقين يضعون عديداً من هذه المكونات على وجوههم دفعة واحدة -على رغم حقيقة أن استخدام الريتينول، على سبيل المثال، بعد منظف حمضي يؤدي إلى احمرار البشرة وتقرحها. تقول الدكتورة تواري: "يقوم المرضى الأصغر سناً في الواقع بوضع طبقات من العناصر النشطة التي لن أقوم بجمعها معاً". وعلى العكس من ذلك، فقد رأت أيضاً أن حيل التجميل "الطبيعية" على ’تيك توك’ تنتهي بشكل خطأ للغاية: فقد زارها مريضان يحتاجان إلى مضادات حيوية بعد استخدامهما بذور الكتان والماء كقناع للبشرة. لقد كانا يأملان في الحصول على تأثير يشبه البوتوكس ولكنهم بدلاً من ذلك تعرضوا لعدوى جلدية.
ومع ذلك، فإن احتمال حدوث مشكلات جلدية ليس هو فقط ما يزعج الخبراء. تقول الدكتورة ماتو: "إن التأثير النفسي هو شاغلي الرئيس هنا. لا أعتقد أنه يعزز علاقة صحية مع الشيخوخة على الإطلاق. لدينا طبيب نفسي في عيادتي، وقد زادت حالات تحويل المراهقين الذين طوروا علاقة معقدة مع بشرتهم [للطبيب النفسي] بشكل كبير خلال العام الماضي، سواء أكان ذلك بسبب حب الشباب أو لأنهم أصبحوا مهتمين بشكل مفرط بمكافحة الشيخوخة". وهذا بالتأكيد مصدر قلق للأهل مثل واتكينسون أيضاً، التي قالت، "إن معايير الجمال التي يطمح لها جيل ابنتي تقلقني كثيراً. إن مقدار الصور التي يلتقطونها لوجوههم لا يمكن أن يكون أمراً صحياً. ولا أعتقد أنه غرور أيضاً: يبدو الأمر كما لو أن سماتهم الجسدية تدل على قيمتهم. أحاول جاهدة أن أدعمها حتى لا يصبح الأمر مشكلة".
ووراء كل هذا هناك سؤال متكرر ومفجع: كيف تمكنا من خلق عالم يفكر فيه الأطفال الذين بالكاد بدأوا العيش في كيفية الحفاظ على شبابهم؟
© The Independent