Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"حياة واحدة": قصة بريطاني أنقذ أطفالا يهودا في عهد النازية

فيلم أنتوني هوبكينز الجديد يسرد قصة نيكولاس وينتون الذي قام بتيسير إنقاذ 669 طفلاً يهودياً من تشيكوسلوفاكيا حين كانت محتلة من قبل النازيين

أنتوني هوبكنز وهنريتا غاردن في فيلم "حياة واحدة" يعيدان تجسيد اللقاء الواقعي بين السير نيكولاس وينتون وفيرا غيسينغ (ورنر بروس)

ملخص

يؤدي أنتوني هوبكنز في الفيلم الجديد "حياة واحدة" دور بطل بريطاني أنقذ مئات الأطفال اليهود

عندما دُعي إلى الحديث في برنامج يعنى بشؤون المستهلك كانت تبثه هيئة الإذاعة البريطانية حول إنقاذه السري لـ 669 طفلاً معظمهم يهود من تشيكوسلوفاكيا التي كانت خاضعة للاحتلال النازي، قيل للسير نيكولاس وينتون إنه لا يستطيع الجلوس إلى جانب زوجته، وبدلاً من ذلك، سيُمنح مقعداً بين شخصين غريبين. لكن بينما كانت مقدمة برنامج "ذاتس لايف!" (إنها الحياة) That’s Life إيستر رانتزن تخبر المشاهدين عن البطولة الاستثنائية لضيفها، بات السبب وراء اختيار مكان جلوسه في العرض واضحاً. كانت السيدتان الجالستان إلى جانبي وينتون اثنتين من الأطفال الذين أنقذهم من دون أي مكسب شخصي قبل الحرب العالمية الثانية مباشرة. وبينما كان وينتون يقاوم دموعه، كانت هناك مفاجآت إضافية في انتظاره.

"هل يمكنني أن أسأل؟" قالت رانتزن "هل هناك أي شخص في جمهورنا الليلة يدين بحياته لنيكولاس وينتون؟ إذا كان الأمر كذلك، هل يمكنك الوقوف من فضلك؟". ما حدث بعدها يظل واحداً من أكثر اللحظات الخاطفة للأنفاس في التلفزيون خلال القرن الـ20: فقد تبين أن الجمهور المحيط بوينتون برمته مكون من أطفال أنقذهم، وجميعهم الآن صاروا بالغين وهم حريصون على شكر الرجل الذي كان، حتى تلك اللحظة تحديداً، الشخص الغريب الذي يدينون له بحياتهم.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

هذا الأسبوع، يُعاد تجسيد هذه اللحظة التلفزيونية التاريخية من عام 1988 – إضافة إلى قصة وينتون – في فيلم سيرة ذاتية بعنوان "حياة واحدة" One Life. الفيلم الذي يقوم ببطولته كل من أنتوني هوبكنز وجوني فلين في دور البطل في مراحل مختلفة من حياته، يحاول أيضاً الكشف عن دافع وينتون وراء ما قام به، ولماذا أبقى عمله سراً لمدة 50 عاماً.

لم يكن وينتون الذي توفي عام 2015 عن عمر 106 سنوات، يريد أن يصبح مشهوراً أو أن يُحتفى به حتى بسبب أفعاله. يفسر هذا جزئياً سبب استحواذ قصته على خيالنا دائماً - فمن المستحيل ألا نتعجب من قيام شخص ما بشيء بطولي من دون سعي وراء المجد أو الشهرة على الإطلاق. كان وينتون مصمماً على إنقاذ الأرواح من منطلق إحساسه بالواجب الأخلاقي، وقضى سنواته الأخيرة متمنياً فقط لو أنه تمكن من فعل أكثر من ذلك. ويظل لغزاً محيراً: فهو رجل اكتسب ثروته من العمل في الصناعة المالية، ومع ذلك كان يتمسك بمبادئ اشتراكية في السياسة. كان معادياً بشدة للمؤسسة الحاكمة، ولكنه على رغم ذلك حظي بتكريم هذا النظام الذي يعارضه، إذ وُصف بـ"شندلر البريطاني" [أسوة بأوسكار شندلر الألماني الذي قام بإنقاذ اليهود خلال الحرب العالمية الثانية].

كان الرجل الذي عمل سابقاً سمساراً في البورصة يبلغ من العمر 29 سنة فقط عندما شهد ويلات النازية بصورة مباشرة. ففي 1938، سافر وينتون إلى براغ في إجازة. بدلاً من الذهاب للتزلج كما كان ينوي، قام بزيارة مخيم مليء بمئات آلاف اللاجئين، بعدما استولى النازيون بالفعل على حدود تشيكوسلوفاكيا. كدّرته الأنظمة المعمول بها في المعسكر: كانت الأولوية لسلامة البالغين، بناء على الاعتقاد السائد حينها بأنهم الأكثر عرضة لأذى النازيين، لكن ذلك ترك الأطفال في المخيم معرضين للخطر.

وعند عودته إلى لندن، جند وينتون فريقاً من المتطوعين وبدأ العمل من منزله في هامستيد في شمال غربي لندن - حيث كان يحصل على تصاريح من الحكومة الألمانية للسماح بنقل الأطفال اللاجئين إلى الخارج، وقاتل لترخيص دخول هؤلاء الأطفال إلى بريطانيا. بقدر ما نحب أن ندعي أننا استقبلنا لاجئي الحرب العالمية الثانية برحابة صدر، إلا أننا فعلنا ذلك على مضض. واجه وينتون عراقيل متكررة من السلطات، ولم يكن المزاج الثقافي متسامحاً ورحيماً بصورة خاصة - كما كتبت إيستر رانتزن في مقالة حديثة لصحيفة "ذا تايمز" حول الفيلم الجديد، فإن ذلك كان عصراً شهد قيام صحيفة "ديلي ميل" بنشر عنوان عريض يعلن [بنوع من امتعاض] أن "اليهود الألمان يتدفقون إلى هذا البلد".

وكان تقديم التأشيرات من بريطانيا بطيئاً بدرجة غير معقولة، في حين رفضت أميركا المساعدة بالكامل على رغم قيام وينتون بكتابة رسائل إلى الرئيس فرانكلين روزفلت. قال وينتون لصحيفة "نيويورك تايمز" عام 2001: "كان بإمكان الحكومات أن تساعد... لو وافقت أميركا على طلبي، لكان بإمكاننا إنقاذ ثلاثة أضعاف هذا العدد". كان الوضع في المملكة المتحدة معقداً أيضاً بسبب المحاذير المفروضة على قبول اللاجئين: كان كل طفل بحاجة إلى عائلة بريطانية تكفله بمبلغ 50 جنيهاً استرلينياً حتى سن الـ18، وهو مبلغ من المال لم يكن متوافراً إلا لدى قلة في ذلك الوقت.

بين مارس (آذار) وأغسطس (آب) من عام 1939، غادرت ثماني قطارات "كيندرترانسبورت" Kindertransport [عبارة ألمانية وتعني نقل الأطفال وهي تسمية عملية الإنقاذ المخصصة لإجلاء الأطفال اليهود خلال عامي 1938-1939 بالتعاون مع الجمعيات اليهودية والجهات الإنسانية] تشيكوسلوفاكيا متجهة إلى لندن، وعلى متنها ما مجموعه 669 طفلاً. كان وينتون في استقبال كل قطار عند وصوله، وجرى توزيع الأطفال على الفور عبر أرجاء البلاد لمقابلة العائلات التي تبنتهم. على رغم الأرواح التي ساعد في إنقاذها، إلا أن فكرة عدم قدرة وينتون على مساعدة مزيد منهم استحوذت عليه. كان من المقرر أن يغادر قطار تاسع تشيكوسلوفاكيا في أوائل سبتمبر (أيلول) من عام 1939، لكن النازيين أوقفوه بعدما أغلقوا الحدود وغزوا بولندا - وبدلاً من ذلك، نقل 250 طفلاً كان من المقرر أن يستقلوا القطار إلى معسكرات الاعتقال، حيث قُتلوا.

بعد ذلك، أوقف وينتون مساعيه. قال لصحيفة "نيويورك تايمز": "في اليوم الذي توقفت فيه عن إحضار الأطفال، بدأت الحرب، وأثناء الحرب كنت أقوم بشيء آخر... لم أكن أعرف أياً من [الأطفال]. لا يعني ذلك أنني لم أرغب في الحديث عن الموضوع، لكن ببساطة لم تكن هناك فرصة للحديث عنه".

ظلت مشاركة وينتون في عملية الإنقاذ الجماعية غير معروفة إلى حد كبير خلال العقود اللاحقة، لكنه ظل منتظماً بنشاط في العمليات المناهضة للحرب، فعمل لمصلحة المنظمة الدولية للاجئين ومن ثم البنك الدولي للإنشاء والتعمير اللذين أنشئا في أعقاب الحرب العالمية الثانية للمساعدة في إعادة بناء أوروبا. كما أطلق منظمة لآباء الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة، وكان ذلك في جزء منه تكريماً لابنه الذي ولد مصاباً بـ"متلازمة داون" وتوفي في سن الخامسة بسبب التهاب السحايا.

في غالبية الأحيان، كان توثيق أفعال وينتون مقتصراً على سجل قصاصات كبير خاص به يعود لذلك الوقت، والذي تضمن أسماء وصور آلاف الأطفال – لم يتمكن من إنقاذ غالبيتهم - لكن كثراً منهم نجوا بفضل عبقريته. في 1988، قامت زوجة وينتون، غريت، بتمرير سجل القصاصات إلى صديقتها إليزابيث ماكسويل، الباحثة في "الهولوكوست" وزوجة قطب الصحافة روبرت ماكسويل. كانت، بلا شك، قصة مذهلة، ظهرت بعد فترة قصيرة في مجلة "صنداي بيبول" Sunday People التي يمتلكها ماكسويل، ثم في برنامج "ذاتس لايف!". كانت رانتزن، وهي صديقة لإليزابيث، تعلم بأن وينتون يرغب في لمّ شمل الأطفال الذين يمتلك صورهم ولكن لم تكن لديه أية فكرة عن كيفية القيام بذلك. فما كان منها إلا أن أرسلت فريق البحث العامل في البرنامج للعثور على أكبر عدد ممكن من اللاجئين الذين صاروا بالغين، قبل تنظيم لقاء لمّ الشمل المفاجئ على شاشة التلفزيون. عقد لم شمل أقل علنية بعد أشهر عدة، إذ نظمت إليزابيث ماكسويل فعالية خاصة لوينتون وعدد من الأطفال الذين أنقذهم.

وأوضحت الناجية فيرا غيسينغ في الحلقة التي بثت عام 1988 من برنامج "ذاتس لايف!": "أنا مدينة له بحياتي وحياة أطفالي وأحفادي... لقد كنت محظوظة لأنني خرجت في ذلك الوقت، وحصولي على فرصة لشكر نيكي هو أغلى لحظة في حياتي".

في سنواته الأخيرة، لم يُمنح وينتون وسام الفروسية فحسب، بل بنيت تماثيل له أيضاً، كما حصل على أعلى وسام شرف في تشيكوسلوفاكيا، وهو وسام الأسد الأبيض. لكنه لم يكن مرتاحاً قط لهذا الاهتمام، وكان يصر في كثير من الأحيان على أن حلفاءه في شوارع براغ الذين ساعدوا في عمليته كانوا يستحقون التقدير أكثر بكثير. كذلك واصل رفع مستوى الوعي حول جرائم الإبادة الجماعية في جميع أنحاء العالم، من دارفور إلى رواندا.

وعندما سُئل عام 2014، خلال إحدى المقابلات الأخيرة التي أجراها، عن سبب قيامه بما فعله في الفترة التي سبقت الحرب العالمية الثانية، أجاب: "يستمتع بعض الناس بالمخاطرة، بينما يقضي البعض الآخر حياته من دون مخاطرة على الإطلاق. أنا أطبق شعار أنه إذا لم يكن الأمر مستحيلاً، فلا بد من وجود طريقة لتحقيقه".

وفي حديثه إلى صحيفة "ذا غارديان" قبل عام من وفاته، دعا وينتون إلى تبني رؤية جديدة للعالم، وشارك نظرته حول ما يمكن أن تحققه البشرية. وقال: "المطلوب هو وجود شيء يستطيع [الناس] أن يؤمنوا به بغض النظر عن دينهم، والذي أجرؤ على القول إنه في معظم الحالات، واجهة... نحن بحاجة إلى شيء آخر، وهذا الشيء هو الأخلاق. الخير واللطف والحب والصدق".

يعرض فيلم "حياة واحدة" في صالات السينما البريطانية حالياً

© The Independent

المزيد من سينما