ملخص
نما الاقتصاد الصيني بنسبة 5.2 في المئة في عام 2023 في أبطأ وتيرة منذ عام 1990
لم تكن بداية الأسهم الصينية سيئة خلال عام 2024 فحسب، بل كانت الأمور صعبة منذ فبراير (شباط) 2021، عندما وصلت إلى ذروتها الأخيرة، فعلى مدى السنوات الثلاث الماضية، محيت نحو ستة تريليونات دولار -أي ما يعادل ضعف الناتج الاقتصادي السنوي لبريطانيا تقريباً- من قيمة الأسهم الصينية وهونغ كونغ.
ووفق البيانات المتاحة، انهار مؤشر "هانغ سينغ" بنسبة 10 في المئة حتى الآن هذا العام وحده، في حين انخفض مؤشر "شنغهاي" المركب ومؤشر "شنتشن" المركب بنسبة سبعة و10 في المئة على التوالي، وتسلط الخسائر المذهلة، التي تذكر بانهيار سوق الأسهم الصينية الأخير في الفترة 2015-2016، الضوء على أزمة الثقة بين المستثمرين القلقين في شأن مستقبل البلاد.
في مذكرة بحثية حديثة، كتب محللو بنك "غولدمان ساكس"، "كانت السنوات الثلاث الماضية بلا شك فترة صعبة ومحبطة للمستثمرين والمشاركين في السوق في الأسهم الصينية... تتداول حالياً بتقييمات مكبوتة ومخصصات منخفضة منذ عقد من الزمن عبر تفويضات الصناديق الاستثمارية".
ويعاني ثاني أكبر اقتصاد في العالم من عدد لا يحصى من المشكلات، وتشمل تراجعاً قياسياً في العقارات، والانكماش، والديون، وانخفاض معدل المواليد، وتقلص القوة العاملة، فضلاً عن التحول نحو السياسات التي تحركها الأيديولوجية والتي هزت القطاع الخاص وأخافت الشركات الأجنبية.
وجعل انهيار الأسهم من الأسواق الصينية الأسوأ أداء في العالم حتى الآن هذا العام، ويحدث كل هذا على خلفية ارتفاع سوق الأسهم العالمية، بقيادة الارتفاع القياسي الذي حققته "وول ستريت"، واليابان في آسيا، وهناك دلائل على أن الحكومة الصينية بدأت تشعر بالقلق. قبل أيام، ذكرت "رويترز"، أن بكين طلبت من البنوك بيع الدولار لدعم اليوان، فيما قالت وكالة "بلومبيرغ"، إن الحكومة الصينية تستعد للتدخل بصورة مباشرة لدعم الأسهم. وأمر رئيس مجلس الدولة الصيني لي تشيانغ المسؤولين باتخاذ "إجراءات قوية وفعالة" لتحقيق الاستقرار في الأسواق، ولكن هل يمكن استعادة ثقة المستثمرين؟
ما الذي يدفع الأسهم حتى الانهيار؟
باختصار، يشعر المستثمرون بالقلق إزاء عدم وجود سياسات فعالة من جانب بكين لتحفيز التعافي الاقتصادي المستدام، إذ تشير البيانات إلى أن الاقتصاد الصيني نما بنسبة 5.2 في المئة في عام 2023، وكانت تلك أبطأ وتيرة توسع منذ عام 1990، باستثناء سنوات الوباء الثلاث حتى عام 2022، ويتوقع المحللون الاقتصاديون على نطاق واسع، أن يتباطأ نمو البلاد بصورة أكبر هذا العام إلى نحو 4.5 في المئة، وينخفض إلى أقل من أربعة في المئة على المدى المتوسط.
وعلى رغم أن هذا قد يبدو معقولاً بالنسبة إلى اقتصاد كبير، فإنه أقل كثيراً من معدل النمو الذي حققته الصين في العقود الماضية، ويقول المحللون إن البلاد ربما تتطلع إلى عقود من الركود القادمة، لأن التباطؤ هيكلي بطبيعته، ولن يكون من السهل عكسه. في تقرير حديث، قال محللو "نومورا"، "كان هناك ارتباك متزايد في شأن موقف سياسة بكين من الاقتصاد... لم يقدم البنك المركزي التخفيض المتوقع كثيراً لأسعار الإقراض القياسية الأسبوع الماضي". وأضافوا أن تعليقات كبار المسؤولين تشير إلى أن بكين مترددة في السعي إلى تحقيق النمو على المدى القصير، على حساب زيادة الأخطار على المدى الطويل.
وخلال الأسبوع الماضي، أبقى بنك الشعب الصيني سعر الفائدة على تسهيلات الإقراض متوسطة الأجل ثابتاً، على عكس توقعات السوق بأنه سيجري أول خفض له منذ أغسطس (آب) الماضي، كما أبقى سعر الفائدة الرئيس على القروض –وهو سعر فائدة رئيس يؤثر في الرهون العقارية– من دون تغيير، مما حطم الآمال في الخفض.
وخلال العام الماضي، لم تطبق بكين سوى سياسات مجزأة لدفع التعافي الاقتصادي، لكن هذا ليس كافياً، وفقاً لمحللي بنك "غولدمان ساكس"، ممن قالوا: "إن تيسير السياسة الكلية التقليدية لم يرق حتى الآن إلى مستوى توقعات المستثمرين... قد تكون هناك حاجة إلى تحول في قواعد التيسير التدريجي إلى نهج أكثر جرأة وقوة لقلب السرد السلبي في السوق".
وأضافوا، "هناك حاجة إلى دعم حكومي فعال، لدعم مطوري العقارات الفاشلين، وتحفيز الطلب على الإسكان لحل الأزمة العقارية الحالية، والتي تقع في قلب عديد من المشكلات الاقتصادية في الصين. ويشعر المستثمرون بالقلق أيضاً في شأن المسائل الوجودية التي تربك مستقبل الصين".
وقالوا، "أصبح التزام الصين بالإصلاح موضع شك"، مضيفين أن المخاوف كانت ناجمة عن حملة القمع التي شنتها بكين على شركات التكنولوجيا الكبرى، وتركيزها على الأمن القومي، والهيمنة المتزايدة للقطاع الحكومي في الصناعات الرئيسة، وهذه الشكوك السياسية أدت إلى تثبيط الرغبة في الاستثمار.
إضافة إلى ذلك، قال المحللون، إن التوترات بين الولايات المتحدة والصين أجبرت المستثمرين الأميركيين على الحد بصورة كبيرة من تعرضهم للأسهم الصينية وملكيتهم فيها.
ماذا تفعل بكين لوقف موجة النزف؟
وتعهد رئيس مجلس الدولة، الذي ترأس اجتماعاً لمجلس الوزراء، باتخاذ إجراءات لتعزيز سوق الأسهم وتحسين السيولة، وفقاً لقراءة نشرتها وكالة أنباء "شينخوا"، من دون أن يوضح تفاصيل الإجراءات، ولكن تزامناً مع هذا التعهد، تحركت البنوك الكبرى المملوكة للدولة لدعم اليوان الصيني، من أجل منع العملة من الخفض بسرعة كبيرة، مع خفض الأسهم الصينية، وفقاً لتقرير "رويترز".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وذكرت وكالة "بلومبيرغ"، أن السلطات الصينية تدرس التدخل بصورة مباشرة أكثر من خلال تعبئة نحو تريليوني يوان (282 مليار دولار) كجزء من صندوق استقرار سوق الأوراق المالية، وذلك بصورة رئيسة من طريق استخدام الحسابات الخارجية للشركات الصينية المملوكة للدولة، وسيشتري الصندوق، الأسهم المدرجة في البر الرئيس للصين من خلال بورصة هونغ كونغ.
وذكرت "بلومبيرغ" أن السلطات خصصت أيضاً ما لا يقل عن 300 مليار يوان (42 مليار دولار) من الأموال المحلية للاستثمار في أسهم البر الرئيس الصيني.
وقال كبير استراتيجي العملات الأجنبية الآسيوية في بنك "ميزوهو"، كين تشيونغ، "إذا ثبت صحة الإشاعات، فإن برنامج شراء الأصول يمكن أن يولد حجماً كبيراً من تدفق الشراء باليوان". ويعتقد أيضاً أن بنك الشعب الصيني قرر عدم خفض أسعار الفائدة، لمنع خفض قيمة اليوان بصورة أكبر، لكن تقرير "بلومبيرغ" كافياً لوقف مزيد من الانخفاضات في تعاملات أمس الثلاثاء، إذ أغلق مؤشر "هانغ سينغ" القياسي في هونغ كونغ مرتفعاً بنسبة 2.6 في المئة، وارتفع مؤشر "شانغهاي" المركب بنسبة 0.5 في المئة.
وأثار تراجع سوق الأسهم غضباً شعبياً على وسائل التواصل الاجتماعي الصينية، إذ دعا عديد من الأشخاص المنظمين إلى اتخاذ تدابير فعالة لوقف الانخفاض، ويستثمر أكثر من 220 مليون فرد في أسواق الأسهم الصينية، وفقاً للأرقام الرسمية، ويمثل هؤلاء الأشخاص 99 في المئة من إجمالي قاعدة المستثمرين.
وكانت المواضيع المتعلقة بـ"هبوط السوق" و"إنقاذ سوق الأسهم الصينية" رائجة على موقع "ويبو"، أمس الثلاثاء، وحتى الشخصيات المؤثرة البارزة التي عادة ما تتحدث عن الخط الرسمي، حثت بكين على اتخاذ إجراءات فورية لإنقاذ صغار المستثمرين. وقال رئيس التحرير السابق لصحيفة "غلوبال تايمز" الحكومية، هو شي جين، على موقع "ويبو"، "أنا حزين في شأن أداء سوق الأسهم اليوم، لقد تجاوز تأثير التراجع المستمر لسوق الأوراق المالية سوق رأس المال، وكان له تأثير سلبي على الثقة في الاقتصاد بأكمله والثقة الاجتماعية الشاملة، وأعتقد أن هذه قضية ملحة تحتاج إلى معالجة لمنع الأخطار المالية وتعزيز الثقة الاجتماعية"، مشيراً إلى أنه تكبد خسارة إجمالية تزيد على 70 ألف يوان (9857 دولاراً) منذ أن بدأ الاستثمار في سوق الأسهم في يونيو (حزيران) الماضي.