ملخص
توقعات باستمرار تراجع عائدات مصر من النقد الأجنبي بسبب تأثر حركة الملاحة
كشف تقرير حديث لمؤسسة "أس أند بي غلوبال ريتينغز" عن أن خفض حركة المرور عبر قناة السويس نتيجة الهجمات على الشحن الدولي في البحر الأحمر، فاقم من نقص العملة الأجنبية في مصر، التي تعاني شحاً في الدولار بالفعل. وتسهم رسوم المرور عبر قناة السويس بنحو ثمانية في المئة من إيرادات الحكومة المصرية، وتولد حصة كبيرة من عائدات البلاد من العملات الأجنبية.
ومع محدودية توفر العملات الأجنبية في مصر التي فرضت ضغوطاً إضافية على معدات التمويل لدى البنوك المصرية، خفضت عديد من تلك البنوك حدود بطاقات الائتمان بالعملة الأجنبية، وسط توقعات باستمرار أوضاع السيولة الأجنبية لدى البنوك المصرية في التدهور.
وتوقعت المؤسسة أن تخفض السلطات المصرية قيمة الجنيه المصري، من نحو 31 جنيهاً مقابل الدولار، إلى مستوى أكثر انسجاماً مع سعر السوق الموازية، الذي يبلغ حالياً نحو 60 جنيهاً للدولار الواحد. وترى أنه في حال تحقق هذا التخفيض، الذي يعد مطلباً لصندوق النقد الدولي، ستتمكن مصر من صرف قرض الصندوق البالغ 3 مليارات دولار، وقد يتم رفع قيمته.
أشارت إلى أن مزيداً من الوضوح في شأن سياسة سعر الصرف من شأنه أن يعود بالفائدة على التجارة والنمو الاقتصادي، ويساعد في زيادة تدفقات التحويلات النقدية، وعلى رغم ذلك، أشار التقرير إلى أن الظروف النقدية الأكثر صرامة، التي من غير المرجح أن تخفف عقب تخفيض قيمة العملة، ستؤدي إلى زيادة حادة في خدمة الدين الحكومي بالعملة المحلية خلال الأشهر القليلة الماضية.
وبالتوازي مع ذلك، حذرت وكالة "فيتش" للتصنيف الائتماني من تداعيات الصراع في غزة على سندات المنطقة، وقالت الوكالة في تقرير حديث إن التداعيات الأوسع للصراع في غزة تزيد من الأخطار التي تواجه الدول المجاورة. وذكرت أن الحرب الطويلة في غزة وما يرتبط بها من انتشار الصراع إلى المناطق المجاورة تزيد من الأخطار التي تواجه السندات السيادية في المنطقة، بخاصة مصر.
كيف تأثرت عائدات قناة السويس بالهجمات؟
في الوقت نفسه كشف تقرير حديث لمؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية "أونكتاد"، عن خفض الشحن عبر قناة السويس بنسبة 45 في المئة خلال الشهرين الماضيين، أي منذ بدء هجمات الحوثيين التي دفعت السفن إلى تغيير مسارها وأثارت اضطرابات بممر التجارة المائي. وحذرت المنظمة، التي تدعم الدول النامية في التجارة العالمية، من ارتفاع أخطار التضخم والأمن الغذائي وزيادة انبعاثات غاز الاحتباس الحراري.
وأشارت إلى أن شركات الشحن حولت مسار السفن من البحر الأحمر منذ بدء الحوثيين هجماتهم على السفن، بدعوى دعم الفلسطينيين في غزة، لتشن الولايات المتحدة وبريطانيا ضربات جوية رداً على تلك الهجمات. وقالت المنظمة إن عدد السفن الذي يمر عبر قناة السويس تراجع بنسبة 39 في المئة منذ بداية ديسمبر (كانون الأول) الماضي، مما أسفر عن خفض الشحن بواقع 45 في المئة.
وأوضح رئيس لوجيستيات التجارة لدى "أونكتاد" جان هوفمان أن ثلاثة ممرات رئيسة للتجارة العالمية تشهد اضطرابات الآن، بما في ذلك تدفقات الحبوب والزيوت منذ الحرب الروسية في أوكرانيا، وانخفاض مستوى المياه بقناة بنما بسبب الجفاف، مما أدى إلى خفض الشحن الشهر الماضي بنسبة 36 في المئة على أساس سنوي، و62 في المئة منذ عامين.
ويمر عبر قناة السويس ما بين 12 و15 في المئة من حركة التجارة العالمية، وما بين 25 و30 في المئة من الحاويات، وانخفضت حركة شحن الحاويات من خلال القناة بنسبة 82 في المئة منذ مستهل ديسمبر الماضي، حتى الأسبوع المنتهي في الـ19 من يناير (كانون الثاني) الجاري.
وأشارت "أونكتاد" إلى أن أسعار الغذاء قد تتأثر، مشيرة إلى أن نحو نصف الزيادات بأسعار الغذاء منذ حرب أوكرانيا تعود إلى ارتفاع كلفة النقل.
أزمة في سلاسل الإمدادات تلوح في الأفق
وعلى المدى القريب، من المرجح أن تستوعب صناعة شحن الحاويات العالمية الصدمة التي أصابت سعة الشحن بسبب الهجمات على السفن في البحر الأحمر، نظراً إلى ضعف الطلب بصورة عامة في شهري يناير وفبراير (شباط). وقال البنك الدولي في تقرير حديث إنه إذا استمرت الهجمات في مارس (آذار) وأبريل (نيسان) المقبلين، وهو وقت تشهد فيه التجارة العالمية انتعاشاً موسمياً، فقد تؤدي القيود على سعة الشحن إلى حدوث أزمة في سلاسل الإمداد مثل تلك التي حدثت في 2021-2022.
وحدثت تلك الأزمة عندما لم يتمكن الشحن بالحاويات من دعم انتعاش التجارة الدولية بدءاً من أواخر عام 2020. وأدت عمليات إغلاق الموانئ، بسبب تفشي جائحة كورونا ونقص عدد الموظفين والعاملين فيها، إلى استمرار انتظار السفن أياماً أو أسابيع لتفريغ حمولتها، مما أدى إلى خفض عدد السفن المتاحة لنقل البضائع. وأدت المنافسة على مساحات الشحن المتاحة على السفن إلى ارتفاع حاد في أسعار الشحن الفوري، وبلغت الزيادة ثمانية أضعافها على طرق الملاحة بين آسيا وأوروبا أو أميركا الشمالية مقارنة بأسعارها في عام 2019.
ويختلف مصدر إجهاد سلاسل الإمداد في الوقت الحالي، لكن النتيجة قد تكون مماثلة، إذ علقت شركات الشحن الكبرى، ومنها "ميرسك" و"هاباغ لويد"، عملياتها عبر قناة السويس لتجنب طريق البحر الأحمر، وتقوم بإعادة توجيه السفن حول طريق رأس الرجاء الصالح، وهو ما يضيف 3 آلاف إلى 3500 ميل بحري (5500 إلى 6500 كم) وسبعة إلى 10 أيام إبحاراً لرحلة معتادة بين أوروبا وآسيا. ويمكن أن تستوعب المسافة الإضافية ما بين 700 ألف و1.9 مليون حاوية قياسية مكافئة (وحدات شحن تعادل 20 قدماً) من سعة الشحن حسب التقديرات.
ويماثل الرقم الأعلى سعة الشحن المعطلة عام 2021 في ذروة الأزمة المرتبطة بجائحة كورونا، وفقاً لقياس مؤشر البنك الدولي لإجهاد سلاسل الإمداد العالمية، وهذا المؤشر عبارة عن تقدير للسعة المقيدة عند ملاحظة حالات تأخير طويلة خلال المهل الزمنية من ميناء إلى ميناء (الخط الأسود). ويرتبط المؤشر بصورة وثيقة بأسعار الشحن، التي تتأثر بالتغيرات القصيرة الأجل في العرض والطلب.
رسوم إضافية في موسم الذروة
وتنعكس الكلفة الإضافية للرحلة حول رأس الرجاء الصالح - التي تشمل ما يصل إلى مليون دولار من الوقود لكل رحلة ذهاباً وإياباً - في ارتفاع أسعار الشحن. وتضيف "ميرسك" رسوماً إضافية لتعطل العبور بقيمة 200 دولار لكل حاوية مكافئة إلى دفاترها (عقود الشحن العادي والشحن الفوري) للرحلات بين شرق آسيا وشمال أوروبا والبحر الأبيض المتوسط والساحل الشرقي للولايات المتحدة.
هذا إضافة إلى "رسوم إضافية في موسم الذروة" بقيمة 300 دولار و1000 دولار لكل حاوية مكافئة، كما أعلنت شركة البحر الأبيض المتوسط للملاحة، وهي شركة عالمية أخرى لشحن الحاويات، أنها ستفرض "رسوم تعديل طارئة" بقيمة 500 دولار لكل حاوية مكافئة على الشحنات من أوروبا إلى آسيا والشرق الأوسط.
وارتفعت أسعار الشحن الفوري بصورة أكبر، إذ قفز سعر الرحلة من آسيا إلى أوروبا إلى أكثر من 3 آلاف دولار لكل حاوية سعة 40 قدماً، بزيادة ثلاثة أمثال على أدنى معدل تم تسجيله في عام 2023 (نحو 1000 دولار).
وقد يعني هذا أن المصدرين في آسيا يتنافسون مرة أخرى على مساحات الشحن المتاحة تحسباً لاضطرابات كبيرة في سلاسل الإمداد، ولحسن الحظ، يعتبر كل من شهري يناير وفبراير من الأشهر الهادئة موسمياً بالنسبة إلى الشحن، لذلك قد تكون السعة الحالية كافية للتعامل مع الطريق الأطول في الأسابيع المقبلة، لكن إذا استمرت الهجمات البحرية حتى مارس فيمكن أن يكون لها تأثير كبير في التجارة العالمية وسلاسل القيمة العالمية مرة أخرى.