Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

طوارق مالي... هل يستيقظ مارد الصحراء الكبرى؟

يرون أن الحكومة تعمل على إبعادهم من الاندماج في المجتمع حتى لا تستفيد إثنيتهم من الخدمات والتنمية

إضافة إلى دخولهم في العمل المسلح ارتبطت انتفاضتهم ضد الحكومة بتنظيمي "القاعدة" و"داعش" (غيتي)

ملخص

لا يبدو أن ضمان المشاركة السياسية للحركات الانفصالية في الصحراء الكبرى سينهي تمردها، حتى لو بدا السلام ممكناً

حركت انتفاضة "الربيع العربي" في نطاق الثورة الليبية على العقيد معمر القذافي سكون الصحراء الكبرى، فانبعث المئات من مسلحي الطوارق الذين كانوا يقاتلون إلى جانب قوات القذافي، وبدأوا العودة لديارهم في أواخر عام 2011 مع اقتراب الصراع من نهايته قبل سقوط نظامه، وتبين لهم أن الدفعات المالية المتفق عليها ستتوقف قريباً، وحاولوا تعويض وضعهم العسكري باندماج فصيلين منهم ليؤسسوا "الحركة الوطنية لتحرير أزواد" في مالي.

بدأ هلع السكان المحليين بعودة الطوارق وهم جاهزون للقتال ومزودون بالأسلحة، لا سيما أن حكومات المنطقة في مالي والنيجر وتشاد عانت عدداً من انتفاضات الطوارق على مدى عقود بسبب التهميش ومطالبتهم بحصة أكبر من عوائد المعادن الثمينة التي تزخر بها دول المنطقة مثل اليورانيوم وغيره. وإضافة إلى دخولهم في العمل المسلح، ارتبطت انتفاضتهم ضد الحكومة بتنظيمي "القاعدة" و"داعش" وقتل آلاف المدنيين في عمليات مسلحة امتدت إلى بوركينا فاسو والنيجر المجاورتين.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

اتهام الطوارق بأن لهم صلات بالتنظيمات الإسلامية المتشددة، لفت انتباه الحكومات الغربية إليهم، وحذرت من أنهم سيكونون أنفسهم بذرة للإرهاب في منطقة الصحراء الكبرى الممتدة إلى الساحل الأفريقي، لا سيما مع اكتسابهم خبرات قتالية في تضاريس المنطقة المختلفة وامتلاكهم أسلحة من الحرب الليبية.

لكن الطوارق يرون أن حكومة مالي منذ الاستقلال تعمل على إبعادهم من أن يندمجوا في المجتمع المالي، حتى لا تستفيد إثنيتهم من خدمات التعليم والصحة والتنمية، مستغلة حذرهم من الذوبان الثقافي داخل المجموعات السكانية الأخرى، وفي الوقت ذاته تحارب قضية انفصالهم عن الدولة لتأسيس دولة أزواد، بل يرون أن المجلس العسكري شوه اسمهم ووصف قطاع الطرق الذين يتحالفون مع التنظيمات الإسلامية المتشددة للحصول على الأموال بأنهم من الطوارق وأن هذه الفكرة طورتها الحكومة ليدعمها عامة الماليين لتبرير كراهيتهم وعدائهم للطوارق.

إثنيات عابرة للدول

الطوارق إثنية رعوية من البربر تعودوا على حياة الترحال بقوافلهم المكونة من قطعان الإبل في سائر مناطق الصحراء الأفريقية الكبرى ودول الساحل الأفريقي ويقدر عددهم بأكثر من مليون نسمة، ويعد الطوارق من الإثنيات العابرة للدول نشأت في شمال أفريقيا وتمتد من أقصى جنوب غربي ليبيا إلى جنوب الجزائر وموريتانيا والنيجر ومالي وبوركينا فاسو، ويعرفون باسم "الرجال الزرق" وهو الاسم الذي أطلقه عليهم الرحالة بسبب ارتدائهم زياً أزرق مصبوغاً تتأثر به بشرتهم أيضاً. كما يطلقون على أنفسهم اسم "إيموهاغ" وتعني "الرجال الشرفاء الأحرار"، ويتحدثون لغة خاصة بهم تتفرع منها لهجات عدة مثل "التماشق" و"التماجق" و"التماهق".

 

 

ويعتقد بأنهم انتقلوا إلى الصحراء نحو عام 400 بعد الميلاد في عهد ملكتهم الأولى تينهينان، وسيطر الطوارق خلال العصور الوسطى على طرق التجارة عبر الصحراء، وتأسست مدينة تمبكتو شمال مالي في القرن الـ12، وعرفت كمركز تجاري مهم ازدهرت فيها تجارة الرقيق والعاج والملح، كما اشتهرت كمركز إسلامي. وبعد وصول الفرنسيين في نهاية القرن الـ19 تراجعت ثروات الطوارق، وبعد استقلال مالي عام 1960 فصلت إثنيتهم عن طريق ترسيم الحدود.

كما أشعل الاستقلال أيضاً نزاعاً حول الأراضي غير المحددة بملكية معينة ولكنها كانت تحت سيطرة الطوارق، فطالبت بها حكومتا مالي والنيجر، ولكن واجه الطوارق هذه المطالبة بقيادة حرب عصابات ضد الحكومة في جبال شمال مالي، ولكن الجيش المالي هزمهم عام 1964.

أرضية مهزوزة

في العقود التالية، تغير أسلوب حياة الطوارق وأصبح نمط عيشهم أكثر صعوبة، إذ إن موجات من الجفاف والتصحر والمجاعة ضربت أفريقيا خلال الثمانينيات فهاجروا إلى ليبيا والجزائر، وبعد عودتهم اشتبكوا مع المزارعين من إثنيات أخرى كانوا حلوا أماكنهم واستقروا فيها تبعاً للتمدد السكاني والتوسع الحضري، وانعكست تأثيرات تحول التجارة من الطرق البرية عابرة الصحراء الكبرى إلى التجارة البحرية، مما أفقدهم دخلاً كان مستمراً لقرون عدة في شمال أفريقيا وغربها ودفعهم إلى نقل البضائع غير المشروعة والبحث عن سبل أخرى لكسب عيشهم.

وفي 2012 أعلنت "الحركة الوطنية لتحرير أزواد" أن شمال مالي وهي المنطقة الصحراوية التي يطلق عليها اسم "أزواد" دولة مستقلة، ورفعت علماً لها على مدينة تمبكتو التاريخية ومدينتي غال وكيدال، ولكن لم يحظَ الانفصال باعتراف دولي وأدى إلى أزمة إنسانية حادة أسفرت بدورها عن نزوح الآلاف وإلحاق أضرار جسيمة بالنسيج الاجتماعي في مالي.

 

 

وبعد إبرام اتفاق لوقف إطلاق النار عام 2014، وقع تحالف حركات عدة من إثنية الطوارق يعرف باسم "تنسيقية حركات أزواد" في 2015 اتفاق سلام جديداً مع الحكومة والفصائل الموالية لها عرف بـ"اتفاق الجزائر" الذي حصلت بموجبه الحركة على دمج مقاتلي الحركات المسلحة بما فيها "تنسيقية حركات أزواد" ضمن قوات الدفاع والأمن المعاد تشكيلها في الشمال، وتوفير قدر أكبر من الحكم الذاتي لمناطق البلاد.

 واستمر الاتفاق على أرضية سياسية وعسكرية- أمنية مهزوزة، ثم استأنفت الجماعات المسلحة عملياتها العسكرية ضد الجيش المالي في شمال البلاد منذ أغسطس (آب)، وأعلن المجلس العسكري الخميس الماضي "إنهاء العمل بالاتفاق بأثر فوري"، مما يشير إلى أن الاضطراب في مالي الذي لم يهدأ طوال الأعوام الماضية قد يعصف أيضاً بأجزاء من الصحراء الكبرى.

سلسلة التمرد

دخلت إثنيات عدة ضمن منطقتي الساحل والصحراء في سلسلة من التمرد بدواعي ظروف معقدة ومتشابكة، ما بين التهميش وعدم المساواة في الموارد والرغبة في الحكم الذاتي، مما غذى صراعاتها مع السلطات في دول المنطقة، كما كان محفزاً لاستغلالها من بعض الحكومات لتصفية خلافاتها مع حكومات بلدانها أو الاستفادة منها كقوات "مرتزقة"، لا سيما أن هذه الإثنيات تبرز كأقليات داخل الحدود الوطنية لدول عدة.

ويبدو أن القذافي كان الأكثر حظاً في الاستفادة منها، فقدم الدعم للحركات المسلحة السودانية في جزء من تاريخ تمردها على نظام عمر البشير، وأيضاً قبائل التبو ضد النظام التشادي. أما الطوارق، فجنّد القذافي بعضهم في "الفيلق الإسلامي"، وهو فوج عسكري خاص أنشأه عام 1972 لتحقيق تصوره بتأسيس "الولايات المتحدة الأفريقية"، ولكن حل الفيلق عام 1987 بعد هزيمته في تشاد.

لهذه الجماعات المتمردة المسلحة سمات رئيسة تبرز في الأولى، لدى الجماعات المسلحة من الإثنيات التي تعاني التهميش وتعيش خارج ظل الدولة، استعداد لـ"الارتزاق" فالتعاون بين الطوارق وتنظيمي "القاعدة" و"داعش"، لم يتأسس على روابط أيديولوجية وإنما على المصالح الاقتصادية، إذ كان شباب الطوارق المجندون من الجماعتين يعدون اختطاف الغربيين وتسليمهم إليهم عملاً مربحاً.

 

 

الثانية، كل من هذه المجموعات تطرح نفسها كضحية مما يبرر تمردها، وتحاول أن تخاطب المشاعر الحقوقية الغربية لأنها عندما تجد الفرصة لإبراز نفسها، تضعها في ثنائية مع السكان داخل حدود الدولة، وهذه الثنائيات لم يسلم منها أي من بلدان منطقة الساحل والصحراء، فمثلاً شمال وجنوب داخل الدولة الواحدة، وشمال وجنوب الصحراء الكبرى، وبيض وسود. وحتى في المنطقة الواحدة يمكن أن تتجلى هذه الفروق مثلما نجد ذلك في دارفور أن قبائلها تمثل أقليات، وهناك "أقليات داخل الأقليات" مثل المساليت يمكن أن تمارس عليها بقية المجموعات اضطهاداً وتهجيراً، وحدث ذلك في الحرب السودانية الأخيرة. وعند الطوارق، يعرف أحفاد ذوي البشرة الداكنة منهم باسم "إيكلان" في لغتهم، ويمكن أن يمتلكهم ذوو المكانة العالية من الطوارق ذوي البشرة الفاتحة.

 أما السمة الثالثة، حتى لو كانت لدى الحركات المسلحة قضية واحدة، فإنها لا تتحد على شيء، وحين تحارب الحكومة لا تبدو موحدة فتتعرض للانقسامات والخلافات وتكون عرضة للاستقطاب نتيجة لمعاناتها النزعة الانفصالية السائدة، فالقبائل المختلفة المكونة لحركات دارفور في السودان، والتبو في تشاد وليبيا، والطوارق في مالي والنيجر، تنقسم الواحدة منها إلى فئات عدة من القبائل والعشائر، وكل من الفصائل تلقي بالاتهامات على غيرها بأن ليس لديها الحق الشرعي في التحدث باسم الإثنية، وهكذا.

إنهاء الاتفاق

لا يتوقع أن تنتهي التوترات في بعض دول الصحراء الكبرى بين السلطات المركزية والانفصاليين، خصوصاً بعد تعزيز الجيش سلطته عبر الانقلابات، مثلما حدث في مالي، إضافة إلى الفراغ الأمني الذي أحدثه خروج قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة وطرد القوات الفرنسية، ثم تعاون الجيش مع مجموعة "فاغنر" الروسية.

اتهم الانفصاليون تحت مظلة "جبهة تنسيق حركات أزواد"، المجلس العسكري في يوليو (تموز) 2022 بعدم التزام "اتفاق الجزائر"، وأعلنت منذ فترة أنها في حرب مع المجلس العسكري الحاكم في مالي، واستمر التصعيد بعد خلافات حول مسؤولية إدارة القواعد العسكرية في المناطق التي تقع ضمن نطاق سيطرتها بعد خروج القوات الفرنسية والأممية منها وتنافسهما على هذه المواقع.

 

 

وزادت حدة المواجهات العسكرية في سبتمبر (أيلول) الماضي، إذ أعلنت الحركة مسؤوليتها عن هجوم استهدف ثكنتين عسكريتين تابعتين للجيش المالي والسيطرة عليهما وإسقاط طائرة تابعة للجيش المالي والسيطرة كذلك على بلدة بوريم الرئيسة الواقعة بين غاو وتمبكتو بعد اشتباكات مع الجيش، فأدت هذه التطورات إلى إلغاء الحكومة "اتفاق الجزائر".

 وبانتهاء الاتفاق من جانب الحكومة المالية ستكون "جبهة تنسيق حركات أزواد" في حل منه، خصوصاً بعد تعرضه لضغوط متزايدة خلال الفترة الماضية، كما ستضع الحكومة المالية في اعتبارها أن أي تصعيد من قبلها سيفتح جبهة أخرى ويزيد الضغوط على الجيش الذي يقاتل الجماعات المتشددة. كما أن المجلس العسكري المالي ربما يفقد عدداً من جيرانه وفي مقدمتهم الجزائر التي يتهمها بمحاباة الطوارق وإتاحة أراضيها لاجتماعات شخصيات معارضة للمجلس العسكري، مما عدته تدخلاً في شؤونها الداخلية.

لا يبدو أن ضمان المشاركة السياسية للحركات الانفصالية في الصحراء الكبرى سينهي تمردها، حتى لو بدا السلام ممكناً وتم الشروع في محاولات دمجها مع القوات المسلحة لهذه الدول، بل إن العقدين الماضيين يثبتان أن كثيراً من هذه المجموعات المسلحة تجتذب غيرها بما تحققه من ضغوط على الحكومات حتى لو لم تستطِع الحصول على مكاسب لاعتقادها بأن مزيداً من الضغط، إما يوصلها لتحقيق ما تصبو إليه، أو يزعزع استقرار حكوماتها.

اقرأ المزيد

المزيد من تحقيقات ومطولات