ملخص
أول المتضررين من تطور الذكاء الاصطناعي هم ممثلو خدمة العملاء وموظفو الاستقبال والمحاسبون.
تتوالى التقارير الصادمة التي تصدرها جهات موثوقة وتحذر العمال من مصير كارثي تحل فيه الآلات المدعومة بالذكاء الاصطناعي مكانهم بصورة نهائية وتنفذ أعمالهم بكفاءة عالية.
آخر هذه التقارير جاء من صندوق النقد الدولي ليرسم صورة قاتمة مفادها أن الذكاء الاصطناعي سيؤثر سلباً في 40 في المئة من الوظائف حول العالم ويفاقم عدم المساواة، بينما يرتفع هذا الرقم في الاقتصادات المتقدمة وبعض البلدان الناشئة ليصل إلى 60 في المئة.
ويذكرنا هذا التقرير بتصريح خطر لقطب التكنولوجيا إيلون ماسك توجه فيه إلى شركات التكنولوجيا العملاقة بالقول "تبدو أجهزة الكمبيوتر والآلات الذكية والروبوتات وكأنها قوى المستقبل العاملة، ومع استبدال الذكاء الاصطناعي لمزيد من الوظائف سيواجه الناس واقعاً قاسياً يفرض فرص عمل أقل، وفي نهاية المطاف سيصبحون عبئاً على حكوماتهم".
تقارير مخيفة
التقارير التي صدرت عن المؤسسات العالمية محذرة من عدم العدالة في الوظائف الناتجة من تطور الذكاء الاصطناعي لا تعد ولا تحصى، إذ يشير معهد "ماكينزي العالمي" إلى أن الذكاء الاصطناعي له تأثير عميق في توفير نشاط اقتصادي عالمي إضافي يبلغ نحو 13 تريليون دولار بحلول عام 2030، أي ارتفاع بنحو 16 في المئة للناتج المحلي الإجمالي التراكمي مقارنة باليوم، وسيأتي كل هذا بصورة أساس من استبدال العمالة البشرية بالتكنولوجيا ليتسبب بكارثة تستبدل 800 مليون عامل بالروبوتات.
وفي السياق ذاته ذكر تقرير صادر عن بنك الاستثمار الأميركي "غولدمان ساكس" أن الذكاء الاصطناعي يمكن أن يستبدل ما يعادل 300 مليون وظيفة بدوام كامل، ضمنها ربع الوظائف التي يقوم بها العمال في الولايات المتحدة وأوروبا، ليضيف التقرير بأن ثلثي الوظائف في الولايات المتحدة وأوروبا معرضة لدرجة معينة لتكنولوجيا الذكاء الاصطناعي، ويمكن تنفيذ نحو ربعها بالكامل بواسطته.
ووجد باحثون من جامعة "بنسلفانيا" الأميركية وشركة "أوبن أي أيه" للذكاء الاصطناعي أن بعض العاملين الإداريين الذين يكسبون ما يصل إلى 80 ألف دولار سنوياً هم الأكثر عرضة للتأثر بأتمتة القوى العاملة، فيما ذهب معهد "ماساتشوستس للتكنولوجيا" وجامعة "بوسطن" الأميركية إلى القول بأن الذكاء الاصطناعي سيحل محل ما يصل إلى مليوني عامل في قطاع الصناعة بحلول عام 2025.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
من جهتها نشرت وكالة "بلومبيرغ" الأميركية سيناريو مرعباً قالت فيه إن أكثر من 120 مليون عامل على مستوى العالم سيحتاجون إلى إعادة التدريب خلال الأعوام الثلاثة المقبلة بسبب تأثير الذكاء الاصطناعي في الوظائف.
وشدد تقرير صادر عن مؤسسة "بروكينغز" الفكرية الأميركية على أن التأثير السلبي للذكاء الاصطناعي الذي سيطاول العمال الحاصلين على درجة البكالوريوس سيكون أكثر بخمس مرات من أولئك الذين يحملون شهادة الثانوية العامة، ويرجع ذلك إلى حقيقة امتلاك الذكاء الاصطناعي مهارات هائلة في إكمال المهمات التي تتطلب التخطيط والتعلم والتفكير وحل المشكلات والتنبؤ، ومعظمها مهارات لوظائف إدارية.
أرقام صادمة
ولا بد من التنويه بأن التقارير الآنفة الذكر ليست مجرد افتراضات خيالية وإنما تستند إلى معطيات وأرقام صادمة بدأت تتكشف للعلن، فمثلاً أعلنت شركة البرمجيات الألمانية العملاقة SAP الأسبوع الماضي أنها ستستثمر أكثر من ملياري دولار لدمج الذكاء الاصطناعي في أعمالها كجزء مما سمته "برنامج التحول"، مضيفة أنها تخطط لإعادة هيكلة 8 آلاف وظيفة.
وقبل بضعة أسابيع قالت شركة "غوغل" الأميركية إنها سرحت مئات العاملين من فريق مبيعات الإعلانات لديها في إطار زيادة استثمارها في الذكاء الاصطناعي، وعلى رغم أن الشركة لم تنسب عمليات تسريح العمال بصورة مباشرة إلى الذكاء الاصطناعي، إلا أن مذكرة داخلية حصل عليها موقع "بيزنس إنسايدر" ربط الذكاء الاصطناعي بإعلان خفض الوظائف.
وكانت شركة الاتصالات الشهيرة "بريتيش تيليكوم" BT وضعت خطة العام الماضي لخفض عدد موظفيها بمقدار 10 آلاف عامل على مدى الأعوام السبعة المقبلة بسبب توسع تقنيات خدمة العملاء المعتمدة على الذكاء الاصطناعي مثل برامج الدردشة الآلية.
وعلى خط مواز أكد موقع "بيزنس إنسايدر" ومجلة "فوربس" أن الذكاء الاصطناعي والأتمتة أثرا بصورة كبيرة في الأجور مما تسبب في خفوض تصل إلى 70 في المئة منذ عام 1980.
ووسط هذا المشهد السوداوي أشار استطلاع شمل 750 من قادة الأعمال الذين يستخدمون الذكاء الاصطناعي إلى أن 37 في المئة منهم يرون أن التكنولوجيا حلت محل العمال عام 2023، وفي الوقت نفسه أفاد 44 في المئة بأننا سنشهد إجراءات واسعة لتسريح العمال عام 2024 نتيجة لكفاءة الذكاء الاصطناعي.
هذه الأرقام دفعت الرؤساء التنفيذيين للشركات التي تركز على الذكاء الاصطناعي مثل بيل غيتس وسام ألتمان وديميس هاسابيس وعماد مشتاق إلى إصدار بيان موحد يؤكد ضرورة معالجة خطر التهديدات الوجودية الناجمة عن الذكاء الاصطناعي التي يجب رفعها إلى أولوية عالمية لتساوي الأخطار المجتمعية الحرجة الأخرى مثل الأوبئة والحروب النووية.
القطاعات الأكثر تأثراً
وأول المتضررين من تطور الذكاء الاصطناعي هم ممثلو خدمة العملاء، إذ لم تعد معظم تفاعلات خدمة العملاء تتم عبر الهاتف مع الموظفين البشريين الذين يديرون الخطوط، وفي معظم الأحيان تكون استفسارات العملاء ومشكلاتهم متكررة ولذلك يمكن استخدام الذكاء الاصطناعي لتقديم إجابات آلية على الأسئلة المتداولة.
أما موظفو الاستقبال فسيعانون بدورهم من هذا الضرر مع بدء الشركات في جميع أنحاء العالم باستخدام روبوتات الاستقبال، مثل روبوت AimeReception القادر على رؤية الضيوف والعملاء والاستماع إليهم، لا بل وفهمهم وحتى التحدث معهم.
ومع تزايد الطلب على الأنظمة المحاسبية المدعومة بالذكاء الاصطناعي سيخسر كثير من المحاسبين وظائفهم لكون هذه الأنظمة تمتلك القدرة على جمع البيانات وتخزينها وتحليلها بصورة صحيحة، كما أنها أقل كلفة بكثير وتغني عن الحاجة إلى دفع الرواتب للموظفين.
ويفرض استمرار تطور الذكاء الاصطناعي معضلة للعاملين في تحليل البيانات والبحوث، إذ تسمح قوة المعالجة لأجهزة الكمبيوتر الحديثة بفرز البيانات واستقرائها وتحليلها بكفاءة، وبالتالي قد لا تكون هناك حاجة إلى البشر في هذين المجالين.
وبينما تسهل الأتمتة والتنفيذ الاصطناعي في المستودعات الوصول إلى الأنظمة المحوسبة لتحديد موقع الطرود ويتحكمان بتوجيه الموظفين، فقد يقوم الذكاء الاصطناعي المستقبلي بإجراء استرجاع وتحميل ميكانيكي لزيادة قدرات الشحن مما سيؤثر بدوره سلباً في عمال المستودعات.