ملخص
تواجه ألمانيا معادلة صعبة للبقاء في الساحل الأفريقي
مع تصاعد موجات العداء الشعبية والحكومية الأفريقية تجاه القوى الغربية وعلى رأسها فرنسا التي رسخت موطئ قدم لها منذ عقود في المنطقة، تواجه ألمانيا معادلة صعبة للبقاء في الساحل الأفريقي.
وعلى رغم تقاطعها في أحيان كثيرة مع الأدوار التي تؤديها فرنسا في المنطقة على غرار تقديم دعم عسكري لتحجيم نفوذ الجماعات الإرهابية، فإن ألمانيا تبنت سياسات تركز على دعم دول الساحل في مجالات مثل التنمية والتعليم واللامركزية.
وكان لذلك أثر إيجابي في صورة ألمانيا بعكس ما حصل مع فرنسا التي اكتسبت سمعة سيئة في المنطقة، مع اتهامها باستغلال الفوضى الأمنية والسياسية من أجل استغلال ثروات الساحل الأفريقي الهائلة على غرار اليورانيوم.
تكيف مع الواقع
عندما كان المجلس العسكري في النيجر المنبثق من انقلاب أطاح الرئيس المعزول، محمد بازوم، يخضع لعقوبات مشددة وسط مساع من فرنسا ومجموعة دول غرب أفريقيا الاقتصادية لعزله، كانت برلين تعكف على تعزيز علاقاتها بنيامي. وفي ديسمبر (كانون الأول) الماضي، زار وزير الدفاع الألماني بوريس بيستوريوس، النيجر، حيث بحث مع المسؤولين إمكانية الاحتفاظ بالقاعدة الجوية الألمانية في نيامي وهي قاعدة تضم نحو 100 جندي ألماني.
وتم بحث سبل تعزيز العلاقات بين البلدين، مما يعكس سعياً من برلين للبقاء في الساحل الأفريقي على رغم عثرات الجارة فرنسا التي اضطرت إلى سحب قواتها من ثلاث دول هي النيجر وبوركينا فاسو ومالي.
واعتبر الباحث السياسي التشادي، يامينغاي باتينباي، أن "ألمانيا بدأت بالفعل منذ سنوات تكييف استراتيجيتها في الساحل الأفريقي مع التغيرات في المنطقة، لذلك ركزت هذه الاستراتيجية على مجالات محددة مثل التعليم والتنمية بعيداً من المجالات العسكرية والأمنية".
وأردف باتينباي في حديث لـ"اندبندنت عربية" أنه "على ألمانيا الاستمرار في هذه الاستراتيجية إذا أرادت الحفاظ على الصورة الإيجابية، لكن إذا ما أغرتها التدخلات العسكرية التي تقودها دول مثل روسيا وفرنسا فإن ذلك سيلحق ضرراً كبيراً بهذه الصورة".
وشدد المتحدث على أن "هناك مبادرات سياسية أيضاً تحظى بدعم من برلين مثل اللامركزية، وأحياناً تقدم ألمانيا دعماً لبعض الأطراف لكنه دعم غير ظاهر للعيان وإذا يخرج إلى العلن فإنه قد تكون له تداعيات على مستقبل ألمانيا في المنطقة".
وتسلمت ألمانيا في يوليو (تموز) الماضي، الرئاسة الدورية لتحالف دعم منطقة الساحل الذي يركز على دعم مشاريع التنمية والتعليم وتطوير البلديات.
ومن خلال هذا التحالف، أسهمت ألمانيا في إنجاز نحو 181 مشروعاً من خلال تمويلات بلغت 2.73 مليار يورو بحسب ما كشفته السلطات في برلين في وقت سابق.
وفي مؤشر إلى الاهتمام الذي توليه بلادها للمنطقة قالت وزيرة الخارجية، أنالينا بيربوك، إنه "سواء أحببنا ذلك أم لا، فإن ما يحدث في الساحل الأفريقي يهمنا إلى حد ما".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
تلافي أخطاء الماضي
مع ذلك، فإن ألمانيا قد تواجه بعض المشكلات خصوصاً أن الأنظمة التي تدعمها تساقطت كأحجار الدومينو بانقلابات عسكرية مثيرة للجدل على غرار ما حدث في النيجر التي سبق أن وصفها وزير الدفاع الألماني بوريس بيستوريوس في مايو (أيار) 2023 بـ"الشريك الموثوق".
وأعلنت ألمانيا تجميد المساعدات التنموية إلى النيجر إثر الإخفاق في إقناع الانقلابيين بالإفراج عن الرئيس المنتخب ديمقراطياً وإعادة النظام الدستوري في البلاد.
وتنادي أوساط سياسية ألمانية ومراقبين بتلافي أخطاء الماضي التي تكمن في الاقتراب أكثر ما يمكن من الأنظمة في الساحل الأفريقي، بدل بناء روابط وثيقة مع شعوب المنطقة التي طرأ على مزاجها تغيرات كبيرة استجاب لها ضباط متحمسون للمغامرة وتسلم السلطة.
واعتبر الباحث السياسي الألماني، مالته لير، أن "ألمانيا كانت تعتمد كثيراً على الشراكة مع الحكومات التي تضاءل دعمها الشعبي منذ فترة طويلة".
ولفت لير في تصريحات بثتها وسائل إعلام ألمانية إلى أن "بطريقة ما، أصبحت هذه جزءاً من المشكلة وبالنسبة إلى المستقبل، ينبغي أن نتعلم من ذلك لكي نضمن مسبقاً أن المشاريع السياسية تحظى أيضاً بدعم المجتمعات المحلية". وأوضح أن "هذا يعني أيضاً أنه يجب عليك تبرير سياساتك للمجتمعات وأن تكون منفتحاً على النقد. هذا لم يحدث في الماضي".
وتعاني منطقة الساحل الأفريقي، التي تشهد تنافساً محموماً بين القوى الدولية على غرار روسيا والصين والولايات المتحدة وفرنسا من فقر مدقع وهجمات تنفذها حركات مسلحة تتوزع بين متمردين وإرهابيين وانفصاليين.
وفي ظل انهيار الاستراتيجية الأوروبية في الساحل الأفريقي الغني بثرواته فإنه من غير الواضح قدرة ألمانيا على تكييف استراتيجيتها للبقاء هناك لفترة أطول، لا سيما مع الدخول القوي لروسيا التي عززت صلاتها مع القادة الجدد للمنطقة.