"حرب الجنرالين" تحول الخرطوم لركام نفايات

تسببت حرب الخرطوم التي اندلعت بين الجيش السوداني وقوات "الدعم السريع"، في الـ15 من أبريل (نيسان) الماضي، في إحداث تأثيرات بالغة على الجوانب البيئية والاجتماعية بصورة غير مسبوقة، ودمرت التنوع البيولوجي وزادت من معدلات التلوث، فضلاً عن مساهمتها، بصورة كبيرة، في تراكم النفايات لتصبح مدن العاصمة الثلاث الخرطوم وأم درمان وبحري بؤرة للأمراض الفتاكة.

"هذه الحرب ستزيد من الغبار السام والمخلفات الكيماوية التي تلوث البيئة ومصادر المياه والغذاء" (اندبندنت عربية - حسن حامد)

ووثق نشطاء وأفراد من طرفي الصراع، من خلال مقاطع فيديو، الأضرار الجسيمة التي لحقت بالطبيعة، إضافة إلى تدمير المنشآت الصناعية والصحية، وغيرها من البنى التحتية في مجالات المياه والطرق والكهرباء والري وأنظمة النقل.

ومع استمرار الحرب التي دخلت شهرها الـ11 بدأت تثار تساؤلات عدة عن الوضع البيئي في الخرطوم وآثاره في حياة سكانها.

غير صالحة للحياة

وقال الأمين العام للمجلس الأعلى للبيئة بولاية الخرطوم بشرى حامد أحمد "حجم الدمار الذي لحق بالبنى التحتية بولاية الخرطوم في الجانب البيئي كبير ولا يمكن وصفه، فإذا أخذنا القطاع الحضري نجد أنه تم تدمير مختلف خدمات النظافة من محطات بسيطة ومرادم للنفايات وآليات، مما تسبب في تراكم النفايات في مناطق العاصمة، وأيضاً تخمر وتحلل الجثث الملقاة في العراء من دون معالجة بسبب توقف خدمات المشارح والثلاجات في المستشفيات، مما جعلها وجبة غذائية للكلاب الضالة والقطط والفئران ومن ثم التسبب في ظهور كثير من الأمراض الخطرة في ولاية الخرطوم، فضلاً عن تراكم وتولد الحشرات ونواقل الأمراض وغيرها، ومن ثم أصبحت البيئة غير صالحة للحياة وخطرة جداً على السكان".

"تدمير مساحات واسعة من الأراضي الزراعية وإيقاف عمليات الري فيها ونهب وتخريب الحزام الشجري" (اندبندنت عربية - حسن حامد)

ولفت أحمد إلى أن دفن الجثث داخل المنازل والمؤسسات الحكومية والشوارع والميادين والساحات يعد ظاهرة غير مسبوقة في تاريخ البشرية، إذ يتم دفن هذه الجثث بصورة سطحية، مما يعد مصدر عدوى لكثير من الأمراض الفتاكة، ويحتاج هذا الأمر إلى جهد كبير في الجانب البيئي والصحي والشرعي.

وأضاف "كما تم تدمير منظومة الصرف الصحي، إضافة إلى نهب محطات الضخ والمعالجة، وأصبحت المياه تنساب إلى النيل من دون معالجة، وهذه مشكلة خطرة جداً إذا أخذنا في الاعتبار أن محطات المياه دمرت عن عمد في مناطق وجود قوات (الدعم السريع)، سواء محطات المعالجة أو المحطات التحويلية، فضلاً عن سرقة الآبار والمولدات، وأصبحت هناك مشكلة في إيجاد المياه النقية للمواطنين الموجودين حالياً بمدن العاصمة، وهذه مشكلة صحية وبيئية كبيرة جداً".

وتابع "هناك أيضاً زيادة في معدلات التلوث الناتج من العبوات الناسفة والرصاص والقنابل، ففيها كثير من المواد الكيماوية الخطرة، والآن أصبحت موجودة بكثافة في التربة والجو وهذه واحدة من المشكلات الكبيرة الموجودة في المدن المختلفة".

خطة طموحة

وتابع الأمين العام للمجلس الأعلى للبيئة بولاية الخرطوم "كذلك في الجانب الزراعي، تم تدمير مساحات واسعة من الأراضي الزراعية وإيقاف عمليات الري فيها، كما تم نهب وتخريب الحزام الشجري". ولفت إلى أن هذه التداعيات تعوق عودة المواطنين إلى منازلهم مما يتطلب جهداً واهتماماً للمعالجة. وواصل "هذا الدمار الذي حدث في كل مناحي الحياة في العاصمة، وعلى وجه الخصوص في الجانبين الصحي والبيئي، يتطلب وضع خطة طموحة لإعادة الإعمار بمشاركة المجتمع الدولي، لأنه من الصعب على الحكومة السودانية التي تبددت مواردها جراء الحرب توفير واحد في المئة لتمويل المشروعات التي دمرت، فالمنظمات الدولية العاملة في هذه المجالات لديها المقدرة على تقديم المساعدة، ولا بد من وضع خطة لإعادة الإعمار".

وثق نشطاء وأفراد من طرفي الصراع الأضرار الجسيمة التي لحقت بالطبيعة (اندبندنت عربية - حسن حامد)

وقال أحمد أيضاً "نحن في ولاية الخرطوم عكفنا، منذ فترة، على إعداد دراسة بيئية توصلاً لرؤية واضحة من خلال تحديد الآثار السلبية البيئية وكيفية معالجتها، لأن الوضع لا يحتمل الانتظار حتى يتمكن المواطنون من العودة لمنازلهم وممارسة حياتهم الطبيعية".

غبار سام

في السياق، أوضح المتخصص السوداني في مجال البيئة والغابات طلعت دفع الله أن "الصراع المسلح بين القوات المسلحة السودانية و(الدعم السريع) أدى إلى تفاقم تحديات البنية التحتية العامة في العاصمة، بخاصة في مجال الرعاية الصحية الذي يعاني نقصاً حاداً في العاملين والتمويل والإمدادات الطبية، إضافة إلى ما حدث من نهب واحتلال المرافق الطبية والمستشفيات، إذ إن أكثر من 70 في المئة من المرافق الصحية في المناطق المتضررة من النزاع في البلاد غير صالحة للعمل أو مغلقة"، وتابع "تسبب هذا الصراع في زيادة الضغط على الغابات ومواطن الحياة البرية حيث ينتقل الناس إلى مناطق جديدة بحثاً عن الموارد للبقاء على قيد الحياة، مما يتسبب في زيادة الصيد والتجارة غير المشروعة في ما خص الحياة البرية، فضلاً عن تدمير الغابات من خلال أنشطة مثل إنتاج الفحم والزراعة، كما أن استخدام المتفجرات والمعدات العسكرية الأخرى من مدفعية ثقيلة وقنابل يتسبب في مشكلات تنفسية".

أضاف دفع الله أن "هذه الحرب ستزيد من الغبار السام والمخلفات الكيماوية التي تلوث البيئة ومصادر المياه والغذاء، فضلاً عن تسببها في الإصابة بالسرطان والعدوى القاتلة والعيوب الخلقية، كما ستتسبب في موجات الجفاف والفيضانات والأوبئة الحشرية وتغير أنماط هطول الأمطار التي يمكن أن تعرض إنتاج الغذاء وسبل بقاء الناس على قيد الحياة للخطر، إضافة إلى انتشار الأمراض الفتاكة مثل الملاريا وحمى الضنك والكوليرا"، ولفت إلى أن الحرب دمرت عديداً من الجامعات ومراكز البحوث والمؤسسات الأخرى والمخازن والمصانع والشركات والمستشفيات والأسواق والمنازل في مدن العاصمة الثلاث الخرطوم وأم درمان وبحري، "وغير معروفة كمية الغازات التي نتجت جراء حرق هذه المنشآت".

وزاد المتخصص في مجال البيئة والغابات "معلوم أنه في أوقات الحرب تزداد الانبعاثات بصورة كبيرة، إذ تستخدم الجهات المتحاربة الأسلحة، وأيضاً اللجوء إلى تدمير البيئة من خلال حرق الغابات، ومن ثم التسبب في انبعاثات ثاني أكسيد الكربون، لكن لا توجد إحصاءات دقيقة عن حجم الدمار الذي تعرضت له الغابات التي تلعب دوراً كبيراً، أيضاً، في دعم الإنتاج الزراعي والاقتصاد القومي وتوفير سبل كسب العيش، ولها دور أساس في دعم وإنتاج الثروة الحيوانية (أهم صادرات السودان غير البترولية الآن)"، وأشار إلى أن هناك عدداً من الخبراء السودانيين شرع في دراسة آثار الحرب في البيئة والغابات في البلاد بالتعاون مع مؤسسات بحثية عالمية مرموقة في الولايات المتحدة، و"نأمل تكملة هذه الدراسات وتبيان النتائج العلمية الموثوقة لكي يقف الناس على حقيقة وطبيعة هذه التداعيات".