Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الصدفة... القفز الفجائي على أكتاف العدم والتوقع

تسببت في مكتشفات علمية واختراعات غيرت البشرية لكن البحث والدراسة لم يجدا لها أصلاً في الظواهر الطبيعية

قد نسمع عن نجاة شخص من حادثة مرورية مميتة، أو من حرب عن طريق الصدفة البحتة (أ ف ب)

ملخص

هل كانت الصدفة سبباً في تغيير العالم؟

تحدث أمور كثيرة بالصدفة مع أي شخص في العالم، ويقال إن الشخص الوحيد الذي لا يُخطىء هو الذي لا يقوم بأي عمل، ولكن الصدفة يمكن أن تقع على من لا يعمل أيضاً، وعلى إنسان يعيش وحيداً متنسكاً في مكان بعيد ومنعزل، فالأحداث الني تقع صدفة هي في حياتنا مثل الهواء، موجودة في كل مكان.

ويقال عن الصدفة إنها خير من ألف ميعاد، ولكن هذه الصدفة تتعلق بلقاء شخص لم نتوقع لقاءه أو حاولنا اللقاء به بالطرق شتى إلى أن نلتقيه بالصدفة، أما في المناسبات الأخرى فيمكن لها ألا تكون خيراً، فالصدفة كما كل شيء قد تكون إيجابية وقد تكون سلبية أيضاً، وقد تشهدنا أحداثاً مفاجئة لا يمكن تفسيرها مثل أخبار عن أشخاص قرروا أن يعدِلوا عن رحلة جّية فتقع حادثة مدمرة للطائرة، أو سافروا في رحلة لم يكُن من المفترض أن يسافروا فيها والتقوا بنصفهم الآخر فتغيرت حياتهم، وقد نسمع عن نجاة شخص من حادثة مرورية مميتة، أو من حرب عن طريق الصدفة البحتة، أو كأن نذكر شخصاً بعيداً ثم لا نلبث أن نراه في اليوم نفسـه.

 من دون ميعاد

يمكن لصدفة عابرة أن تكون عادية وتمر من دون أثر كبير، ولكن يمكن لصدفة ما أن تقلب حياتنا رأساً على عقب، وهناك صدف لا ننتبه إليها ولكن هناك صدفاً قد تثير تعجباً كبيراً فينا، خصوصاً إذا ما تكررت، كأن يتصل بك شخص كنت تفكر بالاتصال به في اللحظة نفسها، أو أن تفكر في حدث معين فيقع الحدث مباشرة أمامك.

والصدفة ربما تكون جميلة، مفرحة أو محبطة أو مثيرة للقلق أو تفاجئ بعضهم، ويتوقع حصولها البعض الآخر فتدفعنا إلى التفكير فيها وفي معنى حدوثها، ومن الممكن أن يرجع كثيرون أموراً لا يفهمونها إلى الصدفة، فيترك أمر السؤال حولها إلى الغيب الذي تنبع منه، فما يحدث هو أمر خارج عن إرادتنا وتأثيرنا، وهو لهذا السبب يسمى "صدفة".

يمثل إيجاد العالم الأثري الفرنسي شامبليون لحجر الرشيد بالصدفة، حدثاً تاريخياً بدّل كل مفاهيمنا حول المصريين القدماء وحضارتهم ولغتهم الهيروغليفية لأن هذا الحجر كان يحمل نصاً مكتوباً بالهيروغليفية ومترجماً إلى اليونانية القديمة، مما أسهم في فك الرموز الهيروغليفية كلها.

ولو أخذنا حادثة تفاحة نيوتن على محمل الجد واعتبرنا أنها ما ألهمه لاكتشاف الجاذبية، فتكون هذه الصدفة سبباً في تغيير علمي واسع التأثير في الإنسانية، وهناك اكتشاف المشروبات الغازية بالصدفة حين كان أحد علماء الكيماويات يحاول إيجاد سائل للتنظيف غير مضر بالبيئة، وباتت هذه المشروبات من أساسيات الاستهلاك البشري، وهناك أحداث غيرت مسارات الحروب والمواقع السياسية والتحالفات الدولية.

يحتار العلم نفسه بالصدفة، فهناك اكتشافات علمية كثيرة وقد تكون بسيطة في الأبحاث التي تجري على الخلايا أو الفيروسات في المختبرات جرت بطرق غير متوقعة حيرت العلماء أنفسهم.

في الصدفة نوع من السحر معاكس لليقين العلمي وثوابته، فهي تقع في دائرة المفارقات وتضعنا أمام أسئلة استفهامية، تغير مصائر وتحدث منعطفات، كما تصفها الروائية اللبنانية ثناء عطوي ضمن تحقيق لها في مجلة "القافلة" السعودية.

وتضيف عطوي أن الصدفة التي نقف أياماً لنفهمها من خلال تجربة ما أو حدث معين، خاض الفلاسفة والمفكرون في عوالمها الشاسعة ومنحها رائد السخرية الفلسفية فولتير لقب "صاحبة الجلالة" وقال عنها ابن الرومي أن لها "جذوراً كامنة في العالم غير المرئي".

الصدفة الفلسفية 

الصدفة التي عرّفها أنطوان كورنو أحد مفكري القرن الـ19 بأنها "الالتقاء المتزامن لواقعتين لا يوجد بينهما رابط"، وقال عنها الفيلسوف كلوسفتز "لا يوجد نشاط إنساني يرتبط أكثر وبصورة أساسية وعلى نحو كامل وكوني بها كالحرب".

يستعرض البروفيسور في التاريخ العسكري والمخرج السينمائي إريك دورتشميد في كتابه "دور الصدفة والغباء في تغيير مجرى التاريخ"، وبرأيه أنه في التاريخ العسكري منذ حصان طروادة إلى حرب الخليج، يظهر أن الأخطاء والصدف اضطلعت بدور حاسم، لا يقل، بل يفوق في كثير من الأحيان، دور الشجاعة والبطولة.

ويؤكد من خلال الوقائع التاريخية حقيقة الصراعات التي حُسمت بفعل تقلبات الطقس العصية على السيطرة، أو الاستخبارات السيئة، أو الأحداث غير المتوقعة التي حوَّلت النصر إلى هزيمة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

كان عالم النفس وتلميذ فرويد مؤسس علم النفس والمنفصل عنه كارل يونغ يؤمن بالتنجيم والروحانيات والتخاطر وتحريك الأشياء عن بُعد والتنبؤ فوق الطبيعي، وأكد أن التزامنية هي المبدأ الذي يربطنا بحدث خارجي يشعرنا بأننا متواصلون به مع الآخرين ومع الكون".

ومنذ أعوام عدة نشر كتاب "بليونيرات بالصُّدفة: إنشاء فيسبوك" للمؤلف بين ميزريخ يدور حول إنشـــاء "فيسبوك" وتبنت شركة الإنتاج "كولومبيا بيكتشرز" الكتاب وأنتجته بعنوان "الشبكـة الاجتماعية" في 2010.

أنكر مارك زوكربيرغ أنه أخبر الكاتب كيفية اكتشافه "فيسبوك"، إلا أن الرواية والفيلم الذي تمت مشاهدته حول العالم يكشفان عن الخطوات الأولى التي أدت وبالصدفة إلى ظهور شبكات التواصل العالمية.

في علوم الرياضيات يقال إن الصدفة شبيهة بمبدأ اللانهاية الذي لم يتمكن العلماء من التقاط كنهه في قاعدة رياضية واضحة، وهذا ما يحاول العلم تحقيقه حول كل فعل، أي تحويله إلى موضوع للقياس ووضعه في معادلة رياضية محددة، فالصدفة هي المقابل المادي الملموس للانهاية التي تشمل الزمان والمكان اللانهائيين اللذين هما خارج إمكان استيعابنا لهما.

في الأديان لا وجود للصدفة أو لإرادة القدر حين يقال إن القدر أصاب المرء بمرض ما أو أن قدره كان طيباً أو كان بائساً، فلا وجود للقدر والصدفة في جميع الأديان السماوية أو الطبيعية، فدينياً كل حركة مهما كانت صغيرة تحدث بإرادة الخالق، فلا شيء يحدث لوحده أو بالصدفة، أما في الأديان الطبيعية فإن الأحداث في الطبيعة مترابطة ببعضها إلى درجة تجعل الصدفة مستحيلة.

الإيمان بالصدفة يجعل النظام الطبيعي المركب عرضة للانهيار، فأن يربح شخص جائزة اليانصيب الكبرى فهذا لا يعني أن الحظ أو الصدفة أو القدر ما أربحه الجائزة، بل هناك إرادة إلهية أو إرادة طبيعية أرادت لهذا لشخص أن يربح الجائزة، لذا هناك كثير من الناس الذي يسلمون مسيرة حياتهم وكل ما يحدث فيها إلى إرادة الخالق أو الطبيعة، فيقبلون بكل ما يصيبهم على أنهم مكتوب لهم وليس قدراً أو صدفة.

إلا أن أهالي التبت يعتقدون منذ القدم بالتزامنية، وهي قريبة من الصدفة ولكن لا تصيبها لأن التزامنية تحدث ضمن تسلسل أحداث مقررة سلفاً، وأدرجوها ضمن أسس ديانتهم، فكانوا يرسلون عدداً كبيراً من الرهبان إلى أنحاء البلاد عند وفاة الدالاي لاما وهو زعيمهم الروحي، للبحث عن الطفل الذي يولد في اللحظة نفسها، لأن التناسخ والتقمص ارتبطا عندهم بالتزامنية.

هناك تطابق كبير بين الصدفة والقدر والحظ والإمكان، ولكن يبقى الأمل سيد المطابقات مع الصدفة، فحين يقال "لولا فسحة الأمل" يكون المقصود بذلك أن صاحب الأمل إنما ينتظر حدوث أمر بالصدفة يساعده في محنته مثلاً، أما الحظ فهو من مرادفات الصدفة الذي هو نفسه يحدث مصادفة، فيقال إن شخصاً حظه جيد، فهذا لأن الصدفة أو ما لا يتوقعه هو ما يجعله صاحب حظ جيد، والقدر هو الصدفة نفسها ولكن بصورة أوسع لأنه يتعدى الحدث الواحد ليتناول أحداثاً مجتمعة أو حياة كاملة، فيقال إن شخصاً تقلبت به الأقدار.

تكتب عطوي في تحقيقها حول علاقة العلم بالصدفة أن مفرداتها وتعبيراتها عدة، فهي على سبيل المثال الاحتمالية في التعبير العلمي ونبحث عن إثباتها علمياً، على رغم عجز العلم نفسه عن فهم آلياتها، إذ إن إعطاءها هذه التسميـة هو للتعبير عما لم يجد له سبباً بعد.

الاختراعات العلمية

يمكن إيجاد عشرات وربما مئات المواقع التي تنشر الاكتشافات العلمية والاختراعات التي وقعت بالصدفة أو بطريقة غير متوقعة في الطب والفيزياء والتكنولوجيا وحتى الغذاء، وعلى سبيل المثال لا الحصر، فإن مادة التيفلون التي باتت تغطي المقالي والطناجر والمانعة من الالتصاق اخترعها الكيميائي روي بلانكيت في بداية القرن الـ20 عندما كان يختبر بعض المواد التي ركّبها لاستخدامها في صناعة التبريد بالصدفة. 

أما إشعاع اليورانيوم، فقد اكتشفه هنري بيكيريل الذي كان يحاول صناعة مواد تنتج أشعة إكس اعتماداً على ضوء الشمس، ولأن الطقس كان غائماً لأيام عدة، وضع الرجل كل عدة العمل في خزانة، ومن بينها قطعة يورانيوم وأفلام تصوير فوتوغرافي، وبعد أسبوع اكتشف أن قطعة اليورانيوم طبعت صورتها على فيلم قريـب من دون تعريضـه لأي ضوء.

أما الميكرويف، فقد اكتشف بعدما أذابت الموجات القصيرة جداً المنبعثة من جهاز إرسال لوح الشوكولاتة في جيب عامل الرادار بيرسي سبنسر، فغيّر المطابخ في العالم.

وتضم لائحة الاكتشافات والابتكارات البنسلين وأشعة إكس والنايلون والزجاج الآمن وغيرها.

اقرأ المزيد

المزيد من تحقيقات ومطولات