ملخص
كتب نائب رئيس مجلس الأمن القومي دميتري ميدفيديف في منشور على تيليغرام، "تحول خصومنا القدامى مرة جديدة إلى أعدائنا اللدودين"
في وقت أعلن فيه الرئيس الفرنسي مانويل ماكرون عن احتمال إرسال قوات فرنسية إلى أوكرانيا، مثيراً ضجة كبرى في الأوساط السياسية والعسكرية الغربية، بما تبعها من انعكاسات في الأوساط الروسية والعالمية تحذر من مغبة اشتعال حرب عالمية ثالثة، كشفت مصادر روسية عن "فضيحة" تسجيلات صوتية لأربعة من كبار ضباط الجيش الألماني، من بينهم قائد القوات الجوية الألمانية إنغو غيرهارتس، يناقشون ما إذا كانت صواريخ "توروس" الألمانية قادرة على تدمير الجسر الذي أقامه الروس ليربط ما بين الأراضي الروسية وشبه جزيرة القرم، فيما لو تم تقديمها إلى أوكرانيا، وكيفية استخدامها لمهاجمة البنية التحتية للأراضي الروسية.
ردود فعل موسكو
واعتبرت مصادر الكرملين أن "فضيحة" التسجيلات الصوتية لأربعة من كبار القيادات العسكرية الألمانية "تورطاً مباشراً للغرب في الأزمة الأوكرانية". وإذ أشار دميتري بيسكوف الناطق الرسمي باسم الكرملين إلى أن "التسجيلات الصوتية تظهر في حد ذاتها أن خطط شن هجوم على الأراضي الروسية كانت قيد المناقشة بشكل جوهري وملموس ضمن القوات المسلحة الألمانية". وقال بيسكوف إن المستشار الألماني أولاف شولتز وعد بتوضيح سريع للتسجيل المسرب، وأن روسيا ستتابع عبر الإعلام في الأقل النتائج، فيما تساءل عما إذا كان يتعين على الجانب الروسي معرفة ما إذا كان الجيش الألماني يفعل ذلك بمبادرة منه، وعن مدى إمكانية السيطرة على الجيش الألماني وقدرة المستشار شولتز على ترتيب مثل هذه الأوضاع، أو أن يكون ذلك "التسريب" جزءاً من سياسة الدولة الألمانية. وخلص بيسكوف إلى القول إن "الاحتمالين سيئان للغاية"، مشيراً في تصريحات نقلها عنه موقع "سبوتنيك" الروسي الرسمي إلى أن "ما حدث يؤكد مرة أخرى التورط المباشر لدول ما يسمى الغرب الجماعي في الصراع حول أوكرانيا".
وتعليقاً على الحادثة، قال وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، إن "الخطط الماكرة للقوات المسلحة الألمانية صارت واضحة بعد نشر هذا التسجيل الصوتي. إنه كشف صارخ للذات"، فيما أكد أن أوكرانيا وداعميها من البلدان الغربية "لا يريدون تغيير مسارهم على الإطلاق، ويريدون إلحاق هزيمة استراتيجية بروسيا في ساحة المعركة"، كما سارعت وزارة الخارجية الروسية، الإثنين الماضي، إلى استدعاء السفير الألماني لدى موسكو، ألكسندر غراف لامبسدورف، من دون نشر أي أخبار حول فحوى اللقاء بين الجانبين. وتعليقاً على هذا الحدث كتب الرئيس الروسي السابق، نائب رئيس مجلس الأمن القومي دميتري ميدفيديف في منشور على "تيليغرام"، "تحول خصومنا القدامى (الألمان) مرة جديدة إلى أعدائنا اللدودين".
وماذا عن موقف برلين؟
من جهته، رجح وزير الدفاع الألماني، بوريس بيستوريوس أن يكون تسرب هذه المحادثة التي جرت بين الضباط الأربعة الألمان وتطرقت إلى الهجوم على جسر شبه جزيرة القرم، حدث "بسبب رئيس قسم العمليات والتدريبات في قيادة القوات الجوية، فرانك غريفي، الذي اتصل من سنغافورة عبر خط غير آمن". واستبعد الوزير الألماني ما يقال حول إن ما جرى جاء نتيجة "تدخل جاسوس روسي". وكان ذلك الحديث جرى خلال فعاليات العرض الجوي في سنغافورة الذي جمع عسكريين رفيعي المستوى من بلدان عدة. وفي وقت انبرى فيه بيستوريوس إلى اتهام روسيا بشن ما وصفه بأنه "هجوم معلوماتي مضلل"، في إطار "حرب المعلومات لزعزعة استقرار البلاد"، كشفت صحيفة "بوليتيكو"، نقلاً عن ضابط ألماني متقاعد، أن "إجراء مثل هذه المحادثة السرية للغاية عبر خط غير آمن يعد إهمالاً فادحاً". وقالت إنه "يتوقع أن يطيح ذلك التسريب بعض الرؤوس". وكانت المكالمة الهاتفية للضباط الألمان قد جرت عبر منصة "ويب إكس"، وليس عبر الشبكة السرية الداخلية للجيش الألماني. وأشارت صحيفة "بوليتيكو" إلى ما قاله وزير الدفاع الألماني حول "أن توقيت نشر التسجيلات الصوتية لم يكن من قبيل الصدفة"، واعترافه بما أثارته هذه التسجيلات للضباط الألمان من جدل حول الإجراءات الأمنية التي تتخذها ألمانيا، وموقعها الاستراتيجي في الصراع، وذلك إلى جانب تأكيداته حول الحاجة إلى مزيد من الوقت قبل تحديد ما إذا كانت القواعد انتهكت بشكل كامل، وقوله إنه "سيكون من المبالغة للغاية، أن تتسبب الحادثة في عواقب شخصية على الفور".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
صواريخ "توروس" الألمانية
وثمة من يقول إن صواريخ "توروس" طويلة المدى فائقة الدقة التي يصل مداها إلى 500 كيلومتر، يمكن أن تمثل نقلة كبرى في قدرات أوكرانيا على مواجهة القوات الروسية. وعلى رغم أن ألمانيا تعد ثاني أكبر دولة تمد أوكرانيا بالأسلحة والمعدات العسكرية بعد الولايات المتحدة، فإن المستشار الألماني أولاف شولتز يظل متمسكاً بقراره حول عدم تلبية طلب كييف إمدادها بمثل تلك الصواريخ، خشية أن يؤدي ذلك إلى تصعيد النزاع، وإثارة توترات إضافية مع موسكو، كما يعتبر شولتز حصول أوكرانيا على صواريخ من طراز "ستورم شادو/سكالب" التي يبلغ مداها 250 كيلومتراً من فرنسا وبريطانيا، كافياً لكييف. وفي هذا الصدد قال شولتز إن ألمانيا لا يمكنها اللحاق بركب بريطانيا وفرنسا وتزويد أوكرانيا بصواريخ بعيدة المدى لأن الخطوة "لن تكون مسؤولة". وقال "إنه سلاح بعيد المدى للغاية، وما يفعله البريطانيون والفرنسيون من استهداف ودعم الاستهداف، لا يمكن لألمانيا أن تقوم به". واستبعد المستشار الألماني تسليح أوكرانيا بصواريخ "توروس" طويلة المدى إذا استدعى الأمر مشاركة جنود ألمان للمساعدة في تشغيلها، كما سبق وقال شولتز "لا يمكن تسليم نظام أسلحة بمدى واسع جداً من دون التفكير في كيفية التحكم فيه... وهذا لن يحدث إلا بمشاركة جنود ألمان، وهو أمر غير وارد بالنسبة لي".
واعتبرت ماري -أغنيس شتراك- تسيمرمان التي ترأس لجنة الدفاع في البرلمان الألماني أن نية موسكو "واضحة". وقالت إن شولتز "يتلقى تحذيرات في شأن "تزويد أوكرانيا بصواريخ "توروس". وقالت "نحن في حاجة ماسة إلى تعزيز أمننا ومكافحة التجسس لدينا، لأنه من الواضح أننا معرضون للخطر في هذا المجال"، كما نفت بريطانيا أن يكون لها أي دور مباشر في تشغيل هذه الصواريخ. وقال متحدث باسم وزارة الدفاع البريطانية في بيان صدر في هذا الشأن إن "استخدام أوكرانيا لصواريخ ستورم شادو، وعمليات الاستهداف الخاصة بها هو من اختصاص القوات المسلحة الأوكرانية".
وكان الضباط الألمان الأربعة تطرقوا خلال حديثهم الهاتفي "المفتوح" الذي جرى في فبراير (شباط) الماضي إلى الأهداف المحتملة لاحتمالات إمداد أوكرانيا بصواريخ "توروس"، كما تناولوا المدة المقترحة التي يمكن أن يستغرقها تدريب الأفراد المحليين على هذا الهدف. وكان الضباط ناقشوا ايضاً كيفية استخدام الصواريخ لتدمير الجسر الذي يربط الأراضي الروسية بشبه جزيرة القرم، والاستعدادات لعقد اجتماع مع وزير الدفاع الألماني بيستوريوس، إلى جانب تناولهم عدد صواريخ "توروس" المطلوبة لتفادي الدفاعات الجوية الروسية وتدمير الجسر، وهو ما جرى تقديره بـ10 إلى 20 صاروخاً من مجمل الصواريخ الموجودة لدى ألمانيا، التي يبلغ عددها 600 صاروخ، كما ناقش الضباط كذلك نقل البيانات المطلوبة لبرنامج "توروس" من القواعد الجوية الألمانية إلى أوكرانيا، لكنهم أوضحوا كذلك أن عمليات تسليم الصواريخ المحتملة لن تغير من نتيجة الحرب على أي حال. ومن اللافت بهذا الصدد أن تكرار محاولات النيل من هذا الجسر لا تقتصر على ضرب هدف استراتيجي يعني كثيراً من الدلالات بالنسبة إلى القيادة الروسية وحسب، بقدر ما يعني أيضاً شرياناً برياً للنقل بين الأراضي الروسية وشبه جزيرة القرم عبر شريطين من السكك الحديد، فضلاً عن الطريق البري الذي يكفل حركة 40 ألف سيارة يومياً لنقل 14 مليون راكب، و13 مليون طن من البضائع والمياه العذبة والطاقة سنوياً. وقد افتتحه الرئيس فلاديمير بوتين في مايو (أيار) عام 2018 ليكون الشريان الوحيد الذي يربط بين شبه جزيرة القرم، والأراضي الروسية التي كثيراً ما كانوا يسمونها "الوطن الأم" قبل تاريخ بدء العملية العسكرية الروسية الخاصة في أوكرانيا. وجرت محاولات عدة لقصف الجسر من الجانب الأوكراني، استطاع الجانب الروسي بعدها إنجاز عملية الإصلاح وإعادة الحركة في مدة وجيزة. وكانت القيادة الروسية أقدمت على إنشاء هذه الجسر الذي يبلغ طوله 19 كيلومتراً، قبل بدء العملية العسكرية في 24 فبراير (شباط) 2022، وضم منطقة المقاطعات "الأوكرانية" الأربع (دونيتسك، ولوغانسك، وزابوريجيا، وخيرسون) التي ترتبط برياً اليوم بالأراضي الروسية.