Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

المشوار السياسي الطويل للمرأة اللبنانية

"اندبندنت عربية" تنقل تجربة سيدات في البرلمان اللبناني بين التحديات والنجاحات

 يبلغ عدد السيدات في البرلمان اللبناني الحالي ثمانية (المكتب الإعلامي للبرلمان اللبناني)

ملخص

ماذا تقول نائبات في البرلمان اللبناني عن تجربتهن السياسية؟ وما الذي يمنع المرأة اللبنانية من تحقيق المساواة على المستوى السياسي؟

شغلت المرأة اللبنانية مناصب عليا في القطاعين العام والخاص، وحصلت على حقها في التصويت منذ عام 1952، أي بعد 30 عاماً من حصول النساء الأميركيات على حق الاقتراع في الولايات المتحدة.

لكن على رغم ذلك لا تزال مشاركة اللبنانيات في المجال السياسي محدودة وظرفية، فمنذ حصولها على حق الاقتراع خدمت 19 امرأة فقط في مجلس النواب، وأول تمثيل نيابي نسائي حصل عام 1963 وكانت السيدة ميرنا البستاني البرلمانية الوحيدة، فيما لم تصل المرأة إلى المناصب الوزارية إلا أواخر عام 2004 حين عينت ليلى الصلح وزيرة للصناعة ووفاء حمزة وزيرة دولة.

وخلال الانتخابات النيابية الأخيرة عام 2022 ارتفع عدد المرشحات ليصل إلى 115، لكن عدد الفائزات كان أقل بكثير على رغم تسجيل ارتفاعٍ بسيط في عدد المقاعد النسائية.

ومن أصل 128 مقعداً نيابياً بات للمرأة ثمانية مقاعد، مقارنة مع ست في المجلس النيابي السابق، والمقاعد الثمانية موزعة مناصفة بين "نائبات حزبيات" و"نائبات مستقلات".

وفيما يضع بعضهم اللوم على ذكورية المجتمع اللبناني من جهة وتحكم الأحزاب اللبنانية من جهة أخرى، في ظل غياب "كوتا" نسائية في قانون الانتخاب، إلا أن بعضهم الآخر يحمّل المرأة مسؤولية غيابها عن المعترك السياسي لعدم تمكنها من إثبات قدراتها في هذا المجال، فماذا تقول نائبات في البرلمان اللبناني عن تجربتهن؟ وما الذي يمنع المرأة اللبنانية من تحقيق المساواة على مستوى السياسة؟

"الحق على الأحزاب"

تتهم بعض الجمعيات المعنية بحقوق المرأة الأحزاب اللبنانية بالحد من تقدم النساء في عالم السياسة، لكن النائبة غادة أيوب المستقلة والآتية من المجال الأكاديمي في علم الأرقام والمال لديها رأي آخر، فأيوب المنتمية إلى تكتل "الجمهورية القوية" النيابي (يمثل حزب القوات اللبنانية)، تتحدث لـ "اندبندنت عربية" عن تجربة فريدة خاضتها مع حزب "القوات اللبنانية" الذي "لم يتردد في اختيار امرأة مستقلة غير حزبية"، كما تقول، لتمثيله في منطقة حساسة مثل دائرة الجنوب الأولى.

وتؤكد أيوب أن "رئيس الحزب سمير جعجع لا يميز بين رجل وامرأة وإنما يبحث دائماً عن الكفاءة وهمه اختيار الإنسان المناسب للمكان المناسب، بغض النظر عما إذا كان رجلاً أم امرأة".

وإذ كانت أيوب ترفض حصر النضال السياسي للمرأة بالعمل البرلماني، وتذكر بالنساء المناضلات على مستوى المحاماة والإعلام وغيرهما من القطاعات، إلا أنها تشدد على أن "نضال المرأة السياسي داخل الأحزاب ومن خلال مناصب عدة ليس مغيباً"، فهي تعتبر أن المنبر النيابي يسمح لها بإيصال صوتها وصوت الحزب والتكتل وكل من يؤمن بالخط السيادي.

ولأيوب تفسير مختلف عن أسباب تأخر دخول المرأة إلى السياسة من باب العمل البرلماني، فهي تعتبر أن "الحرب اللبنانية وسلسلة الاغتيالات واتشاح الأم والشقيقة والزوجة الدائم بالسواد أخّر انضمامها إلى عالم السياسة، وهي لم تدخله خلال الفترة التي سبقت عام 2005 إلا من باب الوراثة السياسية لزوج أو شقيق أو والد، كما حصل مثلاً مع النائبات نايلة معوض زوجة الرئيس الراحل رينيه معوض، وصولانج الجميّل زوجة الرئيس الراحل بشير الجميّل، ولاحقاً مع نايلة تويني نجلة النائب الراحل جبران تويني".
وتضيف أيوب، "مع عودة النفس السيادي والديمقراطي إلى لبنان بعد ثورة الاستقلال الثاني في الـ 14 من مارس (آذار) 2005، عاد دور المرأة وارتفع عدد المقاعد النسائية إلى ثمانية خلال الانتخابات الأخيرة وإن كان لا يزال قليلاً، وعادت المرأة لتأخذ دورها في ظل وجود أحزاب سيادية وعودة العمل الديمقراطي".

وتعتبر أيوب أن "المشكلة الاقتصادية تشكل عائقاً كبيراً أمام عدم قدرة المرأة على التفرغ للشأن العام والعمل السياسي"، وترى أنه "بقدر ما يمكن مساعدة المرأة كي تستقل اقتصادياً بقدر ما يمكن أن تعطي سياسياً".
وتؤكد النائبة أيوب دعمها للـ "كوتا" النسائية على مستوى الترشيح ولكن ليس على مستوى الانتخاب، "حفاظاً على الموازنة بين العدد والنوعية".   

تكشف النائب أيوب أنها لم تتعرض لأي تمييز داخل الكتلة النيابية التي تنتمي إليها عن زملائها الرجال، كما لم تعان من أي تمييز داخل برلمان من قبل نظرائها الرجال، فهي المرأة الوحيدة الموجودة في أصعب لجنتين نيابيتين وهما "الإدارة والعدل" و"المال والموازنة"، لأنها تمثل، كما تقول، كتلة نيابية كبيرة ولأنها أيضاً صاحبة اختصاص.

فيما تشير أيوب إلى أن رئيس مجلس النواب نبيه بري لم يتردد في التصفيق بعد انتهائها من مداخلتها خلال جلسة مناقشة الموازنة، وأن رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي قال لها إنها تستحق أن تكون وزيرة المالية، لتخلص إلى القول إن "تمتع المرأة بالجهوزية والكفاءة والاختصاص يمكّنها من التفوق على الرجال".
أما ما تعرضت له من انتقادات أو هجوم إلكتروني فهو بسبب مواقفها السياسية وليس لأنها امرأة، وتقول "سر النساء هو في إيصال الرسالة بطريقة غير استفزازية وهادئة لكن ثابتة أيضاً".


نائبة خارج التجربة الحزبية

من جهة أخرى تتحدث النائب نجاة صليبا لـ "اندبندنت عربية" عن تجربتها في التشريع والعمل النيابي كامرأة، متطرقة إلى الاختلاف بين "العمل في مؤسسة علمية أكاديمية لديها نظامها الداخلي المتقدم، وبين العمل في مجلس النواب". وتكشف صليبا أنها لم تجد في المجلس النيابي الأخلاق المهنية الرفيعة التي كانت تميز عملها الخاص الأكاديمي، لا بل تؤكد أن "الأخلاق المهنية في مجلس النواب مفقودة في بعض الأحيان".

وتصف النائبة "التغييرية" العمل التشريعي الذي تعرفت عليه حديثاً بـ"المشوق وفيه كثير من المنطق العالي والشمولية المترابطة بالمنطق"، مما يحفزها على التمعن فيه أكثر.

ويتضمن الجزء الكبير من عمل النواب مراقبة التشريع، وهذا يتطلب بحسب صليبا "كثيراً من تحليل المعطيات والأرقام للتأكد من فعالية القانون، وهذا يتطلب أيضاً كثيراً من الذكاء والمنطق والتحليل، لكن المشكلة أن منطق التشريع في لبنان لا يرتكز على الآليات أو المنطق العالمي ولا على مراقبة التشريع، بل على الاحتيال في سَنّ القوانين وتطبيقها أو عدم تطبيقها".

وتضيف صليبا، "نجد دائماً انتهاكاً لكل مكونات الدولة وتحايلاً على القانون، وبدلاً من أن أهتم في السنة الأولى النيابية بالتعمق أكثر في العمل التشريعي ومتابعة القوانين، صار عملنا محاولة فهم التركيبات المافيوية لتمرير القوانين حتى نتمكن من التصدي لها".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وتشتكي النائب صليبا من غياب بعض الأصول الأخلاقية في التعاطي من قبل بعض النواب مع زميلاتهم النساء، وتتهم بعض النواب باستخدام أساليب ذكورية مثل الصراخ والكلام العالي وغير اللائق بهدف فرض رأيهم كما حصل مع زميلات لها، كما تقول، ومن هنا تعتبر أن "المسافة لا تزال طويلة قبل أن نبلغ مرحلة الحكم على الإنسان كإنسان وليس بصفته رجلاً أو امرأة".

أما عن المشكلات التي اعترضتها في مجلس النواب، ولا تتحدث بصفتها امرأة بل بصفة نائبة جديدة تسعى إلى التغيير، فأبرزها طريقة التفكير التي تصفها بـ"غير السليمة"، أو "النفوذ المكتسب من قبل بعض الكتل لحماية وجودها ومراكزها داخل البرلمان، وهو أمر بعيد كل البعد عن العمل السياسي، لا بل هو استغلال للوظيفة لأغراض شخصية وحزبية"، إذ إن العمل السياسي برأيها "لا يقاس على أساس عدد القوانين المقدمة بهدف التباهي، إنما عبر متابعة القوانين وإقرارها بالطريقة الصحيحة".

أما عن أسباب عدم إثبات المرأة نفسها بقوة في العمل السياسي فترد صليبا "إذا كان العمل السياسي المقصود به ما يقوم به الرجال في مجلس النواب، فلتبقى لهم ونحن سنقوم بسياستنا الصحيحة".

وتعترف صليبا أن "المرأة لم تتمكن بعد من إثبات دورها في العمل السياسي لأن المجتمع اللبناني لا يزال مجتمعاً ذكورياً، إضافة إلى السيطرة الكلية لأحزاب غايتها ليست السياسة وإنما مكاسب شخصية على حساب الوطن وليس للوطن"، وبالتالي تعتبر أنه "من الصعب على المرأة أن تدخل في هكذا سياسة، كما من الصعب على الرجل أن يفضح نفسه أمام النساء".

ولن تتمكن المرأة، بحسب رأيها، من أن "تبرهن عن قوتها في السياسة قبل أن يصبح في لبنان قانون ودولة واحترام للدولة".


نائبة ووزيرة سابقة

أما النائبة عناية عز الدين التي خاضت تجربة العمل التنفيذي عام 2016 حيث تسلمت وزارة الدولة لشؤون التنمية الإدارية ممثلة لحركة "أمل" قبل أن تنتقل عام 2018 إلى المجلس النيابي كنائبة عن الحركة عن دائرة "صور- الزهراني" (جنوب)، فتؤكد أنها أدركت على أثر تجربتها الوزارية أهمية العمل التشريعي في العملية السياسية والتنموية والاقتصادية، ومن هذه الزاوية تعتبر أن تجربتها في مجلس النواب كانت مصدر غنى كبير لمسيرتها السياسية، كما أن ترؤسها لجنة المرأة والطفل النيابية وضعها على تماس مباشر مع قضايا المرأة اللبنانية.
ولم تشعر النائبة التي هي أيضاً عضو في المكتب السياسي لحركة "أمل" بتمييز كونها امرأة، وتضيف "الزملاء يتعاطون معي بكل احترام وتقدير على المستوى الشخصي، والمشكلة برأيي في مكان آخر وأشعر بها عندما أتقدم بقانون صديق للمرأة، أو عند مناقشة قوانين لها علاقة بشؤون المرأة، بمعنى أنها جزء من البنية التحتية التشريعية التي تسهم في إنصاف المرأة اللبنانية في مختلف المستويات، فهنا أشعر بأن عدداً من الزملاء، ولا أريد أن أعمم، قد يتردد أو يمتنع من دعم مثل هذه القوانين، وهذا ما أعتبره نوعاً من التمييز ضد المرأة".
وتُعتبر عز الدين النائبة الوحيدة الآتية من حزب ذي غالبية شيعية، وترى أن "الأمور تتحسن في لبنان لناحية ممارسة النساء العمل السياسي وبخاصة على مستوى مواقع القرار".

وترى كذلك أن "الأزمات التي يعيشها لبنان غيرت نظرة اللبناني للعملية السياسية"، ولا تتردد في نقل ما تسمعه في كثير من الأحيان عن تحميل السياسيين الرجال مسؤولية الأزمة الحالية، وأن "المطلوب إعطاء فرصة للنساء ليدرن الأمور بطريقة مختلفة".

وتضيف، "طبعاً الأمور أشد تعقيداً من هذه الفكرة، ولكن أذكر هذا الأمر لأؤكد أن النظرة لممارسة النساء للعمل السياسي تتحسن".

ورداً على سؤال حول سبب عدم إثبات النساء أنفسهن في السياسة، تعتقد النائبة عز الدين أن "البلد يمر بأزمة سياسية كبيرة، والحياة السياسية اللبنانية في حال من الاستعصاء، وهناك دعوات إلى أن يترك الرجال مواقعهم من أجل أن تتسلمها النساء، وبالتالي فإن الكلام عن أن النساء لم يثبتن أنفسهن أصبح بلا معنى".


ولا تقيّم عز الدين عملها البرلماني وتفضل أن تترك ذلك للناس، وتضيف "أنا أبذل جهوداً كبيرة لأكون على مستوى تطلعات الناس وتوقعاتهم"، كما ترفض اتهام الأحزاب بمسؤولية الحؤول دون وصول المرأة إلى المراكز السياسية، وتؤكد أنه "من خلال تجربتي أعتز بأنني أتيت إلى الموقع النيابي من خلال مسار سياسي حزبي وليس بالوراثة، وحركة ’أمل‘ التي أنتمي إليها رشحتني للحكومة بداية ثم لمجلس النواب، لذلك لا أوافق على أن الأحزاب ترفض هذا الأمر".

لكنها في المقابل تعتبر أن "ما قد يساعد في رفع عدد النائبات هو أن ينص قانون الانتخاب الجديد على ’كوتا‘ للنساء في مواقع القرار النيابي والوزاري والنقابي". وتضيف "طبعاً هذا هو طموحنا، ولكن المطروح الآن هو ’كوتا‘ في مجلس النواب، وهذا أمر جيد وضروري لتعبيد الطريق أمام زيادة عدد البرلمانيات". وبحسب عز الدين فإن "المطلوب أيضاً أن تفعّل المرأة دورها داخل الأحزاب التي تنتمي إليها، وتعمل على الضغط من خلال الأحزاب لزيادة عدد المرشحات الحزبيات لمواقع القرار".
وعن سؤال "هل تقيد حركة ’أمل‘ عمل النائبة عناية عز الدين وتقيدها ضمن أطر محددة دون أخرى؟" تجيب، "أنا بصراحة لا أؤيد هذه الفكرة، فأن تصل المرأة إلى مجلس النواب كمرشحة لحزب معين يلزمها كما يلزم زميلها الرجل الالتزام بالقرارات الحزبية، وهذا موجود في كل دول العالم، ولذلك فالمسألة ليست قضية الشعور بالتقييد بل الالتزام بقرارات الأحزاب التي ننتمي إليها، وهذا أمر طبيعي".

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير