استأنفت السعودية وحلفاؤها الجهود الرامية إلى تكثيف الضغط لإيقاف الحرب في غزة وإيجاد مسار للسلام تزامناً، يمكن البناء عليه لتحقيق "حل الدولتين" طبقاً للقانون الدولي و"مبادرة السلام العربية"، وذلك على هامش الدورة السنوية للجمعية العامة للأم المتحدة المقامة حالياً في نيويورك.
يأتي ذلك في حين أعطى استبعاد ولي العهد السعودي أخيراً أية آمال لتطبيع بلاده مع إسرائيل من دون دولة فلسطينية دفعة جديدة لتلك الجهود، في خطوة قرأها محللون سياسيون بأنها تستهدف الضغط من أجل وقف الحرب في قطاع غزة المستمرة منذ نحو عام ومنع توسعها إلى حرب إقليمية أوسع.
وجاءت تصريحات الأمير محمد بن سلمان مع تصاعد التوترات الإقليمية عقب تفجير أجهزة اتصال يستخدمها "حزب الله" داخل لبنان جراء هجوم نسب إلى إسرائيل، وهجوم بصاروخ باليستي أطلقه الحوثيون في اليمن وسقط وسط إسرائيل الأحد الماضي.
وخلال سبتمبر (أيلول) الماضي كانت السعودية وإسرائيل على "عتبة" تطبيع علاقتهما برعاية أميركية.
لكن اندلاع الحرب الدامية داخل غزة خلال السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023 دفع السعودية إلى تعليق المفاوضات، فيما انتقدت العمليات العسكرية مراراً وطالبت بوقف الحرب.
مسار دبلوماسي مكثف
وأعلنت السعودية وصول وزير خارجيتها الأمير فيصل بن فرحان آل سعود نيويورك "لترؤس وفد المملكة المشارك في أعمال الأسبوع رفيع المستوى للجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها الـ79". لكن الوزير استبق زيارته نيويورك بجولة دولية قادته إلى عواصم أجنبية وعربية عدة لتنسيق مواقف الشركاء بهدف "دعوة جميع الأطراف وأعضاء الأمم المتحدة إلى الاجتماع الأوسع نطاقاً حول الوضع في غزة، وتنفيذ حل الدولتين كمسار لتحقيق السلام" الخميس المقبل، على هامش الدورة الموسعة.
وكانت الجمعية العامة اعتمدت في جلستها الاستثنائية الطارئة قبل يومين قراراً يطالب إسرائيل بـ"إنهاء وجودها غير القانوني في الأراضي الفلسطينية المحتلة" خلال 12 شهراً، في خطوة اعتبرتها فلسطين "لحظة فاصلة وتاريخية". واعتمد القرار بغالبية 124 صوتاً في حين امتنعت 43 دولة عن التصويت، وعارضت القرار 14 دولة.
ورأت السلطة الفلسطينية أن التصويت الإيجابي لأكثر من ثلثي أعضاء الأمم المتحدة هو "استفتاء على إجماع دولي بأن الاحتلال يجب أن ينتهي، وأن ممارساته وجرائمه يجب أن تتوقف وأن يسحب قواته، ومن ضمنها المستوطنون".
وعلى رغم أن قرارات الجمعية غير ملزمة إلا أنها تزيد من شرعية مطالب الجانب الفلسطيني والضغط على إسرائيل وحلفائها الغربيين، وبخاصة في مجلس الأمن.
وقالت رابحة سيف علام من مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية في القاهرة إن "حرب غزة وسلوك الحكومة الإسرائيلية نسفا الترتيبات المعدة للتقارب السعودي الإسرائيلي".
برئاسة سمو وزير الخارجية الأمير #فيصل_بن_فرحان @FaisalbinFarhan وفد المملكة المشارك في أعمال الأسبوع رفيع المستوى للجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها الـ79 #المملكة_في_الأمم_المتحدة pic.twitter.com/izIhvxc0HD
— وزارة الخارجية (@KSAMOFA) September 19, 2024
وتابعت في حديث مع وكالة الصحافة الفرنسية أن "قسوة الحرب الحالية وما تحمله من فظائع بحق الفلسطينيين قتلت فرص تصور التطبيع وتقبل الرأي العام في السعودية له".
وأكد ولي العهد في كلمته لدى افتتاحه جلسات مجلس الشورى في الرياض أن بلاده لن تقيم علاقات دبلوماسية مع إسرائيل قبل "قيام دولة فلسطينية"، معرباً عن إدانة السعودية لـ"جرائم" الدولة العبرية.
ورأت المحللة في مجموعة الأزمات الدولية آنا جايكوبس أن "محمد بن سلمان يقول هذا الآن لأن حرب إسرائيل على غزة مستمرة منذ عام تقريباً ولا تظهر أية علامات على التوقف". وأضافت "تجاوزت إسرائيل كل الخطوط الحمراء وتحاول بدء حرب متعددة الجبهات، مما سيؤدي إلى زعزعة استقرار الشرق الأوسط بصورة أكبر".
وتنكب السعودية صاحبة أكبر اقتصاد في العالم العربي منذ 2016 على مشروع إصلاح اقتصادي واجتماعي يهدف إلى تحويلها مركزاً عالمياً للسياحة والأعمال والرياضة.
ورأت سيف علام أن "الخوف من توسع الحرب يضرب خطط السعودية التنموية لتكون بلداً جاذباً للاستثمار في المنطقة" فضلاً عن آثارها المدمرة على كل الإقليم والعالم، الذي اتجهت الرياض منذ أعوام إلى الدعوة فيه إلى مقاربة التنمية والاستقرار، عوضاً عن الصراعات والحروب قبل تفجر أزمة غزة.
الهدف زيادة الضغط
وفشلت مفاوضات استمرت لأشهر في الكواليس بوساطة من قطر ومصر والولايات المتحدة في التوصل إلى وقف القتال بين "حماس" وإسرائيل، باستثناء هدنة لمدة أسبوع في أواخر نوفمبر (تشرين الثاني) 2023. ورأت جايكوبس أن السعودية تريد "زيادة الضغوط" من أجل التوصل إلى هدنة الآن.
وأضافت أن الأمير محمد يسعى إلى "محاولة زيادة الضغط على إسرائيل والولايات المتحدة لتحقيق وقف إطلاق النار في غزة ولكن أيضاً لمنع حرب إقليمية أوسع نطاقاً من شأنها أن تضع الولايات المتحدة وإسرائيل على جانب وإيران ومحور المقاومة على الجانب الآخر".
ولم تعترف السعودية بإسرائيل قط، ولم تنضم إلى اتفاقات أبراهام المبرمة عام 2020 بواسطة أميركية والتي طبعت بموجبها جارتا السعودية الإمارات والبحرين علاقاتهما مع إسرائيل. وحذا المغرب والسودان بعد ذلك حذو الدولتين الخليجيتين.
وكانت السعودية في طريقها إلى ذلك، ضمن اتفاق كان سيوفر للرياض ضمانات أمنية من الولايات المتحدة ومساعدة في تطوير برنامج نووي مدني.
وقبل نحو عام قال ولي العهد السعودي في مقابلة مع شبكة فوكس نيوز الإخبارية الأميركية "نقترب كل يوم أكثر فأكثر" من تطبيع العلاقات مع إسرائيل، لكنه في الوقت نفسه شدد حينها على "أهمية القضية الفلسطينية" بالنسبة إلى السعودية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وقال المحلل السياسي السعودي علي الشهابي إن تصريحات ولي العهد الأربعاء الماضي "تهدف إلى إزالة أية غموض حول الموقف السعودي"، فيما أشار الباحث السياسي محمد بن صالح الحربي إلى استخدام ولي العهد "لهجة شديدة" في التعبير عن موقف بلاده.
وكان حسين الشيخ أمين سر منظمة التحرير الفلسطينية وصف ما جاء في كلمة ولي العهد السعودي بأنه "تأكيد المؤكد والثابت في موقف القيادة السعودية لدعم حق الشعب الفلسطيني"، مشيراً في تصريحات إلى قناة العربية إلى أن الرياض تقوم بجهود متواصلة من أجل "إحراز أكبر قد ممكن من الدعم والاعتراف بالدولة الفلسطينية، وقد توجت بعديد من النتائج" مؤكداً أن الشعب الفلسطيني يثمن ذلك بوصفه، "موقفاً أخلاقياً ودينياً ووطنياً".
أميركا لا تضغط بما يكفي
وترى الرياض أن حلفاءها الأميركيين قادرون على فعل مزيد من أجل الضغط أكثر على حكومة نتيناهو لإيقاف الحرب في غزة. وقال ذلك صراحة رئيس الاستخبارات السعودية الأسبق الأمير تركي الفيصل، الذي أعرب عن اعتقاده أن "الولايات المتحدة لا تمارس ضغوطاً كافية على إسرائيل لوقف الحرب على غزة"، منوهاً بأن واشنطن تمتلك أدوات كثيرة لكبح جماح تل أبيب بدءاً من تقييد تبرعات الداخل الأميركي لإسرائيل ووصولاً إلى وقف توريد الأسلحة للجيش الإسرائيلي، الذي يقاتل في القطاع.
ويعتقد عديد من المحللين أن البيت الأبيض بات مكبلاً بالاستحقاق الانتخابي، حتى في حال أراد الضغط فعلياً أكثر على تل أبيب.
في مقابل ذلك يؤكد الفيصل في لقاء نسقه الأسبوع الماضي معهد تشاتام هاوس في لندن أن السعودية تبذل جهوداً كبيرة لإحلال السلام في المنطقة منذ عقود، فطرحت مبادرة السلام العربية خلال "قمة فاس" عام 1981 ثم جددت مبادرتها خلال قمة بيروت عام 2002، لتتبناها الدول العربية وتصبح أساساً لحل القضية الأكثر تعقيداً في تاريخ الشرق الأوسط، مشدداً على أن الرياض متمسكة بموقفها في ضرورة التسوية بين الفلسطينيين والإسرائيليين قبل التطبيع مع تل أبيب.