ملخص
تروي الرسامة السعودية علوية الزواوي ما وراء لوحات معرضها الفني "قطعة من القمر" الذي أقامته في الرياض، وما تضمنه من بحث عن ما تخفيه الهالات والعيوب من معان وأسرار وجمال.
البحث عن الجمال ليس شيئاً جديداً، فهو فكرة يقوم عليها الكون، واقتصادات الدنيا في تصاميم اللوحات وفنون العمارة والأزياء والسيارات الفارهة، لكن ما ليس عادياً هو البحث عن نقاط المعنى والجمال حيث لا يتوقع بل ينتظر النقيض.
هذا ما احترفته الرسامة السعودية علوية الزواوي وهي تروي وسط معرض "قطعة من القمر" الذي أقامته في الرياض ما وراء لوحاتها مثل "النور" و"فقاعة" و"البلقاء" من عوالم ومعان، ركبت فيها جواد "الروح" والارث الصوفي من حيث تدري وتجهل، للتنقيب عن الجمال غير المنتظر الذي أبصرته عدسة الريشة على نحو يبدو غارقاً في الرمزية والمثالية، إلا أنه "بسيط وملموس في عرفها الشخصي والفني وإن كان محجوباً فبقصر النظر".
السر في الاختلاف
ولأنها تقر بأن "تقبّل الاختلاف يصعب على النفس البشرية" طبقاً لما يعلمنا تاريخ الإنسانية في الحروب والتضاد بين الرؤى والأفكار، ترى من الوجيه عدم الاستسلام لتلك النزعة، فظاهرة "التنمر"، على سبيل المثال، إنما جاءت من "تباين معايير الجمال بين الناس مما قد يخلق نوعاً من النقص عند الأقلية في أنفسهم".
وتعتبر أن تلك الظاهرة تفسر في جانب منها "ما نشاهده حاضراً أمام أعيننا من هوس التجميل الذي يجمل الخارج ويصل به أعلى المعايير من دون النظر إلى جمال الروح والمعنى، الأكثر غنى"، فيما تعتقد هي أن "سر الجمال في الاختلاف".
ومن هنا قالت إنها جسدت في معرضها "لوحات لسيدات وبنات اصطفاهن الخالق بجمال وبهاء مختلف، فكانت كل واحدة منهن قطعة من القمر حتى بمقاييس البعض المادية، فمنهن الناجحات في حياتهن الوظيفية والملهمات لملايين البشر من دون أن يشكل الظاهر المختلف في نظري، وغير الجميل في أعين الآخرين، عائقاً أمامهن".
وتجزم بأن تلك النماذج "ما كن ليحققن ذلك الانتصار لولا أنهن نظرن إلى أنفسهن بعين المؤمن بجماله، الواثق من قدراته وروعة صورته".
حين تصبح هالات القبح "رذاذاً"
وإذا ما تجاوزنا تنظير علوية إلى لوحات معرضها نجدها تستفتحه بلوحة "فقاعة" التي تجسد صورة طفلة مصابة بما يسمى طبياً "متلازمة وليام"، وهي حال وراثية نادرة تتميز بسمات جسدية كتغير في شكل الوجه ومشكلات في النمو والقلب، وأيضاً سمات نفسية مثل المبالغة في الفرح وتقبل الغرباء، فهي بنظر الرسامة "شخصية حساسة جداً مثل فقاعة الصابون، لذلك أطلقتها على اللوحة تذكيراً لنا بأن نستمتع بالحياة بانفتاحنا عليها ومواجهة مخاوفنا"، مشيرة إلى أن ما قد يرى على أنه سلبي في هذه السمة من الانفتاح لا يكتمل جوهر المتعة في دنيانا إلا بواسطته.
وغير بعيد عن "فقاعة" نجد "فرح" بابتسامتها البريئة تصافح الزائر ولكأنها تلقي عليه تحية ذات مغزى، فمن دون تخطيط يلقى المتجول نفسه وهو يشارك اللوحة فرحتها وابتسامتها، وقد جاءت للحديث نيابة عن فئة "متلازمة الداون"، ممن قالت الفنانة إنهم ببساطتهم وعفويتهم "نتعلم منهم أجمل معاني الفرح وطيبة القلب ونظافة الروح".
الجانب الفلسفي الشاخص خلف اللوحات التي خصص 30 في المئة من ريعها لإحدى المؤسسات غير الربحية الرائدة في الرياض لعقود، وهي "جمعية النهضة"، لا يخطئه المتأمل، لكن المنظِمة اكتفت بدفن جوهره خلف ألوان ريشتها، ولمن يثار فضوله أكثر تحيله أسماء اللوحات إلى مفاتيح للبحث كافية، فما من أحد يمكن أن ينظر إلى حسناء تشوه وجهها بفعل "سرطان الجلد" أو البهاق من دون أن تخشاه هالة التضامن والاحساس الإنساني بمعاناة وجه كان قبل الضر الذي أصابه بهجة للناظر، إلا أن صاحبة الريشة قبل أن يمضي المتوقف نحو هذا التفكير تفاجئه بأنه أمام "رذاذ" بكل ما يحيل إليه من الإيجابية والانتعاش، فهي تشير إلى أن "التغير الذي قد يطرأ على شكل أو لون حجم النمش، وكذلك انتشاره غير الطبيعي، أشبه بقطرات الرذاذ وحبات البرد المتناثر على الوجه والجسد".
من لغة المصارف إلى زحمة "الألوان"
وتقول علوية في حديثها مع "اندبندنت عربية" إن حكايتها الحقيقية لا تختلف كثيراً عن قصص لوحاتها، فهي اختارت الوجوه التي رسمت حقيقية عن قصد، وبعضها معروفة على مستوى عالمي مثل النجمة الأميركية القزمة آمي رولوف، وعارضة الأزياء ويني هارلوا، لتقول إن هذا ليس خيالاً بل واقع غير مثالي نعيشه ويمكن استيعابه.
وتضيف، "كان يمكن أن أصبح إحداهن وكنت بالفعل كذلك أشهراً عدة، إذ جاءتني نوبة من نوبات الصداع النصفي التي تطورت إلى أعراض تشبه جلطة متوسطة أورثتني بعض شلل في جسدي وتشوهاً وميلاً في فمي، لكن بعد أن من الله علي بالشفاء استيقظت وأنا رسامة مبدعة عن غير سابق معرفة أو تجربة، مما يعني أن كثيراً من الابتلاء ينقلب في حق أصحابه نعمة إذا ما ساعد نفسه وتعمقنا أكثر في معناه".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وتروي أنها بعد أن كانت مصرفية عززت تجربتها بدراسة الدكتوراه في جامعة "برونل" اللندنية التي تصنف بين أعرق جامعات العالم، وألقى بها ظرف صحي ألم بها في دائرة ذوي الظروف الخاصة لولا أنها نجت بأعجوبة، فهذا في نظرها درس للذين لا يرون في المختلف عنهم أهمية بأنهم في غمضة عين قد ينضمون إلى القائمة، فترى بذلك أن المعنى هو الملاذ وبه يكون الإنصاف لمن شاء أن يبقى جميلاً يبصر الجمال في كل شيء حوله، مهما بدا للآخرين والماديين قبيحاً.
الانفتاح على المدارس الأخرى
لكن عند التحاور مع الفنانة السعودية التي أغرتها تجربة الرسم ومتعته باكتشاف فنون أخرى مثل الموسيقى، ينكشف لك شيئاً فشيئاً بأن انفتاح شخصيتها لا يتوقف عند محطة ما وراء الهالات في مثل أثر المعاني التي تغوص لا شعورياً في عوالم أشعارها وأفكارها الوجدانية في الرموز والأفكار.
ولا تخفي المصرفية السابقة والفنانة الحالية ولعها بكتب الغزالي والحلاج ومقولاتهم الأثيرة ورقصاتهم اللافتة، التي حاولت كما تقول مجاراتهم، لكنها لا تلبث أن تسقط من دوران الأرض بها. غير أنها لم تكتف بذلك فقد خصصت شهر رمضان منذ أن أصبحت رسامة عام 2013 فجأة في نحت تماثيل المتصوفة وتجسيد ما خفي من عوالمهم المعقدة بألوانها مترامية الأطراف في غاياتها، من أفلام الكرتون وأبطال "ديزني" إلى ابن عربي والتبريزي والرومي وأبطال الروايات الروحية، بيد أنها تؤكد أنها لا تقتصر على مدرسة من دون أخرى وتعتقد أن في كل الأفكار والمدارس جوانب يمكن اقتباس أفكار الفنون منها.
ووفق التفسير العلمي فإن حال علوية نادرة لكنها موجودة، فقد ينجم عن إصابات الدماغ واضطرابات المخ والأعصاب نشاط في أجزاء لم تكن حية قبل التعرض للإصابة، وتقول إنها فور الاستيقاظ من نوبتها وجدت نفسها مندفعة نحو "الرسم بأقلام الرصاص ثم الفحم والآن في مرحلة الأكريليك" الذي وظفت خصائصه في رسم لوحات معرضها، مودعة بذلك عالم الأرقام والمصارف والتخصص الذي حملت فيه أعلى المؤهلات.