ملخص
هل يخفف تنازل نواب برلمان الجزائر عن حصانتهم تمهيداً لمثولهم أمام القضاء من العقوبات المنتظرة؟
لا تزال المتابعات القضائية المرتبطة بفترة نظام الرئيس الجزائري الراحل عبدالعزيز بوتفليقة متواصلة على رغم مرور خمس سنوات على "حراك 22 فبراير (شباط)"، إذ تلقى مكتب البرلمان إخطارات من مصالح وزارة العدل تخص عدداً من نواب متابعين في قضايا تتعلق بسوء التسيير خلال فترة توليهم منصب "رئيس بلدية" قبل التحاقهم بالهيئة التشريعية.
وتنازل 17 برلمانياً في الجزائر عن حصانتهم في "صمت" وبمحض إرادتهم، تمهيداً لمثولهم أمام القضاء للنظر في ملفاتهم، بعد وصول الإخطارات العدلية إلى مكتب المجلس الشعبي الوطني (البرلمان).
وقالت مصادر من البرلمان الجزائري، طلبت عدم الإفصاح عن هويتها، إن البرلمانيين المعنيين تعود قضاياهم إلى ما قبل انتخابهم كممثلين للشعب في الغرفة السفلى، مضيفة أن معظمهم شغلوا منصب رئيس بلدية أو رؤساء دوائر خلال فترة نظام الرئيس الراحل بوتفليقة.
وأضافت المصادر في حديثها لـ"اندبندنت عربية"، إنه بسبب الفساد الذي كان متفشياً وقوة "العصابة" التي تحكمت في عدة مجالات وعلى مختلف المستويات، كانت البلديات إحدى الحلقات الضعيفة، مما ورط بعض الرؤساء عن غير قصد أو تحت الضغط، فيما تواطأ آخرون.
وأرجعت مصادر أخرى تنازل هؤلاء النواب عن الحصانة البرلمانية بمحض إرادتهم إلى "خطوة استباقية" منهم على اعتبار أن المحكمة الدستورية لها الحق في رفع الحصانة حتى لو تمسك بها النائب، مشيرة إلى محاولتهم تجنب "الفضيحة" عبر التنازل برغبتهم.
رفع الحصانة شرط للمتابعة
وفي السياق، يرى أستاذ الحقوق مروان فلحي، أن الحصانة البرلمانية تعد من الضمانات المنصوص عليها دستورياً لحماية العضو البرلماني وتوكيداً لاستقلاله وتمكيناً له لأداء واجباته وعدم مساءلته عما يبديه من آراء خلال مشاركته تحت القبة البرلمانية، وبعدم اتخاذ الإجراءات الجنائية ضده والكفيلة بمنعه من ممارسة مهامه على أكمل وجه.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأشار إلى أن الحصانة البرلمانية بمثابة درع للنواب، وعلى رغم إدراج مختلف التشريعات مسألة التخلي عن كل حصانة إجرائية لمتابعة عضو في البرلمان وإمكانية متابعته جزائياً بكل حرية ومن دون اللجوء إلى رفع الحصانة، إلا أنه عملياً يعد متابعة العضو دون رفع الحصانة البرلمانية مسألة نسبية، ويبقى إجراء رفع الحصانة قائماً ويحتفظ بأساس وجوده الذي لا يمكن إنكاره. وشدد على أن إجراء رفع الحصانة البرلمانية يعد شرطاً ضرورياً لإمكانية متابعة عضو البرلمان قضائياً، إذ تتخذ تلك الخطوة وفقاً لإجراءات قانونية، وتبقى الحصانة الإجرائية نظاماً غير مألوف لمتابعة النائب جزائياً.
النصوص الدستورية
ومعلوم أن المادة 127 من الدستور تنص على أن "النائب أو عضو مجلس الأمة مسؤول أمام زملائه الذين يمكنهم تجريده من عهدته إن اقترف فعلاً مخلاً بشرفها، ويحدد النظام الداخلي لكل واحدة من الغرفتين الشروط التي يتعرض فيها أي نائب أو عضو مجلس الأمة للإقصاء، ويقرر هذا الإقصاء بحسب الحالة، المجلس الشعبي الوطني أو مجلس الأمة بغالبية أعضائه من دون المساس بجميع المتابعات الأخرى الواردة في القانون". كما تنص المادة 130 على أنه يمكن لعضو البرلمان أن يكون محل متابعة قضائية عن الأعمال غير المرتبطة بمهامه البرلمانية بعد تنازل صريح من المعني عن حصانته. ونصت المادة نفسها على أنه في حال عدم التنازل عن الحصانة، يمكن جهات الإخطار إخطار المحكمة الدستورية لاستصدار قرار في شأن رفع الحصانة من عدمها.
النظام الداخلي للبرلمان
وفصل النظام الداخلي الجديد للغرفة السفلى في كيفيات إخطار المحكمة الدستورية في حال التنازل عنها تلقائياً. وتضمنت المادة 174 من التقرير التمهيدي، أنه "يمكن للنائب أن يتنازل طوعاً عن حصانته البرلمانية إما بتقديم تنازل صريح إلى الجهة القضائية المتخصصة، أو بإيداع هذا التنازل لدى مكتب المجلس وفي هذه الحالة، يخطر رئيس المجلس الجهات المعنية بذلك".
وفي حال إخطار مكتب المجلس عن توقيف أحد النواب في حالة تلبس، فإن مكتب المجلس يجتمع فور إخطاره وجوباً، وفي حال غياب رئيس المجلس، ينوب عنه أكبر النواب سناً من الأعضاء الحاضرين، ويمكن لمكتب المجلس أن يطلب إطلاق سراح النائب وإيقاف المتابعة.
حصانة غير مطلقة
وليست المرة الأولى التي يجري فيها سحب الحصانة من برلمانيين، سواء باسم الدستور أو طواعية، إذ سبق أن وجهت وزارة العدل في أبريل (نيسان) 2022، إخطارات إلى مكتبي البرلمان بغرفتيه تخص طلبات رفع الحصانة عن 19 نائباً بتهم تخص الحق العام، 12 عضواً من الغرفة السفلى، و7 من العليا.
إلى ذلك، يرى الحقوقي حاج حنافي أن الحصانة البرلمانية مرت بتعديلات ما بين "حصانة غير مطلقة" ضمن مفهوم ديمقراطي حديث، فهذه الميزة تتطلب الحفاظ على شرف المهنة البرلمانية، وعليه فإن الصفة هي محل قداسة باعتبار أن النائب كعضو هو شريك في رسم وجه من وجوه الدولة، وهو ذلك الفضاء الديمقراطي الذي يعبر عنه بممثل الشعب النزيه من جهة، وثقة الدولة فيه كشخصية عامة من جهة أخرى. وقال إن حدود هذه الحصانة كانت ولا تزال محل نقاش من أين تبدأ وأين تنتهي، خصوصاً أن الدستور الجزائري أشار إلى ذلك في مواد لم تعرف الحصانة في حد ذاتها، بل جاء على ذكرها بصورة خجولة، مما جعلها عرضة للتأويل مرات، والشبهة التي أساسها التخوف من الانعكاس على أطرافها مرات أخرى، ومنه فإن الذي يبادر بإعلان الإجراء بطلب رفع الحصانة هو وزير العدل في الأساس بتوجيه الأمر إلى النائب العام.