ملخص
يروي أصحاب متاجر هندية قصة احتجاز جنود باكستانيين في العديد من السجون الهندية عام 1971 ومساعي نيودلهي إلى توفير جميع التسهيلات الممكنة لهم.
كان يوماً حاراً للغاية في دلهي صيف عام 1972، حين جلس فيشيشوار كومار ساشديفا على كرسي قديم مع شقيقه في متجر الكتب الخاص بهما وعائلتيهما، المعروف باسم "جاي أيس سنت سنغ أيند سنس"، بعد الاتفاق على عقد حكومي ضمن مهمة صعبة للغاية تتمثل في تكليفهم بتزويد ما يقرب من 60 ألف نسخة من القرآن للجيش الهندي لتوزيعها على أسرى الحرب الذين ألقي القبض عليهم في باكستان الشرقية عام 1971.
يتذكر جاغان ساشديفا، ابن راميشوار كومار ساشديفا، بفخر قصة والده، بقوله "كنا في مجال الطباعة والنشر منذ زمن جدي، الذي أسس المتجر في لاهور قبل تقسيم الهند البريطانية إلى دولتين مهيمنتين مستقلتين في عام 1947. هاجر جدي من لاهور إلى دلهي وأنشأ مكتبة في جوري والان، المسار الشهير في دلهي القديمة. كنا نطبع الكتب باللغات العربية والفارسية والأردية، ومعظمها كتب دينية. كان القرآن جزءاً مهماً من مخزوننا لنبيعه بكميات كبيرة".
أضاف "كان مقترح الحكومة الهندية مهماً لنا للغاية، ففي ذلك الوقت كانت دلهي مركزاً لطباعة القرآن، لكن حجم الطباعة لم يكن كبيراً، وكان من الصعب طباعة القرآن بكميات كبيرة لأن المطابع كانت صغيرة الحجم ولم تكن من طراز الأوفست، وكانت تكنولوجيا الطباعة في مرحلة التحول. ومع ذلك، تمكنا من الحصول على نسخ من القرآن من المتاجر الأخرى وبحثنا في كل متجر".
شهر رمضان
أما سعد مسرور، مالك متجر كتب في العاصمة الهندية، فيكشف عن تفاصيل مثيرة حول حصول شركة "جاي سنت سنغ أيند سنس" على العقد الحكومي، فعلى رغم صغر حجم متجرها وعدم كونها ناشرة ضخمة حصلت الشركة على العقد لإنتاج القرآن.
أفاد سعد بأن سنة 1971 كانت مهمة، إذ جرى احتجاز جنود باكستانيين في العديد من السجون الهندية، مما دفع الحكومة إلى توفير جميع التسهيلات الممكنة لهم، ومع ذلك، انتشرت إشاعات عن مساعدة المسلمين للسجناء على الهرب، وربما دفع ذلك المسؤولين إلى إسناد مهمة طبع مصاحف القرآن بكميات كبيرة لشركة مملوكة للهندوس على رغم أن معظم ناشري القرآن كانوا من المسلمين.
ويروي مسرور قصصاً من تجارب صديق والده، مشيراً إلى أن شهر رمضان تزامن مع شهر أكتوبر (تشرين الأول) من العام نفسه، وكان أول صيام للعديد من الباكستانيين في السجون، فكانوا يسعون إلى الحصول على نسخ من القرآن للاحتفال بالشهر. وفي بادرة حسن نية، لبت الحكومة الهندية هذا الطلب.
خلال ذلك الوقت، كانت دلهي القديمة مركزاً للقرآن والكتب الإسلامية، حيث استضافت مؤسسات مثل "العزيزية بوك ديبو" و"فريد بوك ديبو"، إضافة إلى العديد من المطابع المتخصصة في الأدب الإسلامي. ومع ذلك، لم تكن أي منها مجهزة للتعامل مع الكميات المطلوبة في العقد الحكومي.
مسرور يتذكر كيف بدأ فيشيشوار كومار ساشديفا، الأخ الأكبر والمالك، في مهمة لشراء نسخ من القرآن الكريم، إذ تولى مهمة زيارة كل متجر وجمع النسخ القرآنية، بما في ذلك النسخ المعيبة، موضحاً أن سعر النسخة تراوح حينها بين 12 إلى 15 روبية خلال تلك الفترة.
أسرى الحرب الباكستانيين
في الـ 16 من ديسمبر (كانون الأول) 1971، وبعد تسعة أشهر من الحرب الأهلية الدموية وتدخل الهند، استسلم الجيش الباكستاني في دكا، مما أدى إلى أسر الآلاف من أسرى الحرب الباكستانيين.
وفقاً للتقارير، كان العدد الإجمالي للسجناء الباكستانيين نحو 90 ألفاً، يتألفون من أفراد نظاميين، بينهم من الجيش والقوات شبه العسكرية والبحرية والقوات الجوية. وطالبت بنغلاديش، التي حصلت على استقلالها حديثاً بعد صراع مسلح مع باكستان، بتسليم أسرى الحرب الباكستانيين لمحاكمة ضباط الجيش المتورطين في جرائم حرب.
وعلى رغم ذلك، رفضت الحكومة الهندية هذا الطلب، واختارت بدلاً من ذلك إبقاء السجناء في المعسكرات الهندية لحمايتهم من الانتقام المحتمل من قبل البنغاليين، بل وآوت أسرى الحرب الباكستانيين في معسكرات مختلفة بجميع أنحاء البلاد لمدة عامين.
وتشير خريطة السجون إلى احتجاز ضباط عسكريين من القيادة الشرقية للجيش الباكستاني في قلعة ويليام في كولكاتا، بينما غالبية السجناء فكانوا في القلعة الحمراء في نيودلهي وقلعة جواليور في ماديا براديش.
"سكن مريح ومعاملة إنسانية"
في سيرته الذاتية، يصف الجنرال قائد القوات المسلحة الباكستانية إيه كيه نيازي الظروف التي عاشها خلال فترة خدمته في المعسكر بدقة. وفي هذا السياق، يشير إلى توفير سكن له ولزملائه في مساكن الضباط، حيث تم تخصيص غرفة نوم لكل ضابط مع حمام مجاور، إضافة إلى غرفة معيشة مشتركة مزودة بشرفة، كما يوضح أنه تم تحويل إحدى الغرف إلى غرفة للصلاة والأخرى إلى قاعة طعام.
ويبين الجنرال نيازي أن وجباتهم كانت متسقة يومياً، تتألف من الرز المسلوق والشاباتي والخضراوات والعدس، مع إضافة بعض اللحوم أحياناً. ويشير إلى تأمين محيط المعسكر بالأسلاك الشائكة، مع وجود كلب ألماني وفريق حراسة من كتيبة هندية يراقبون الأنشطة على مدار الساعة.
وعلى رغم الظروف الشديدة، يوضح الجنرال نيازي أن موظفي المعسكر كانوا يتعاملون معه ومع زملائه بالاحترام والاهتمام، مما يظهر الروح الإنسانية التي كانت تسود البيئة في المعسكر.
"رعاية أسرى الحرب"
في خطاب ألقاه رئيس أركان الجيش الهندي الجنرال مانوج باندي، خلال العام الماضي، تناول موضوع معاملة أسرى الحرب الباكستانيين بعد الحرب الهندية - الباكستانية عام 1971، مؤكداً على الرعاية الرائعة التي قدمت لهم. وأشار إلى أن المعاملة كانت مثالية لدرجة أن السجناء أعربوا عن رغبتهم في أن يحاكي ضباطهم سلوك نظرائهم الهنود في ضمان رفاهية القوات.
وفي حديثه ضمن المحاضرة، سلط الجنرال باندي الضوء على التحديات اللوجيستية التي تنطوي على استيعاب 90 ألف أسير حرب باكستانيين في معسكرات تحت القيادة المركزية بعد الحرب. وأكد على الحاجة الملحة لبناء الملاجئ وتوفير وسائل الراحة وتنظيم الخدمات اللوجيستية وضمان الترتيبات والتنسيق الأمني.
وقال الجنرال باندي إن الهند ضمنت كل استحقاقات أسرى الحرب وفقاً لاتفاقية جنيف. وشمل ذلك الوصول إلى المقاصف العسكرية والمرافق البريدية والتغطية الطبية الشاملة، وكل ذلك يتم توفيره بروح الإنسانية الحقيقية والالتزام بالاتفاقيات الدولية لحماية حقوق جميع الأسرى.
"الظروف قاسية"
وعلى رغم أن الهند أكدت في وسائل الإعلام العالمية أنها قدمت معاملة لائقة للأسرى بموجب اتفاقية جنيف، إلا أن تجارب الأسرى تباينت حول طبيعة هذه المعاملة، فأعرب العديد من الأسرى الباكستانيين عن استيائهم من المعاملة التي تلقوها من الهند بعد العودة إلى ديارهم.
على سبيل المثال، قال اللواء غلام مصطفى، أحد الأسرى المحررين، في مقابلة خاصة مع صحيفة باكستانية، إن السجناء لم يحظوا بالمعاملة اللائقة كما زعمت الهند في وسائل الإعلام العالمية، مشيراً إلى أن الظروف التي واجهوها كانت أقسى مما تم تصويره، حيث تعرضوا لظروف صعبة ومعاملة غير إنسانية خلال فترة احتجازهم. وأضاف، "الظروف التي واجهناها كانت أقسى مما تم تصويره، لقد تعرضنا لظروف صعبة ومعاملة غير إنسانية خلال فترة احتجازنا".
كان الأسرى الباكستانيون يواجهون تحديات كبيرة في أداء الشعائر الدينية وممارسة عباداتهم في سجن الجيش الهندي، وفقاً لشهادات عدة، موضحين أنه كان من الصعب على الأسرى أداء الصلاة وتلاوة القرآن في ظل الظروف القاسية التي كانوا يواجهونها.
وهنا يمكن الإشارة إلى بعض الأسرى ربما كانوا يتلقون معاملة جيدة، في مقابل كثيرين واجهوا ظروفاً قاسية، فالطعام غير مرض بما يكفي، وكان العقاب شائعاً، فالضباط ذوو الرتب العليا يفرضون العقوبات بشكل روتيني ومن دون مبرر واضح، مما يتسبب في الإذلال وتفاقم الظروف الصعبة التي يواجهها الأسرى، بحسب الشهادات نفسها.
"توزيع القرآن هو أحد الأمثلة"
في حديثه لــ"اندبندنت"، أفاد المقدم المتقاعد الهندي محمد شاه بتفاصيل حول اتفاقية "شيملا" التي وقعت بين الهند وباكستان في الثاني من أغسطس (آب) 1972، والتي جاءت لتنظيم الإطلاق والتبادل السريع للأسرى الباكستانيين الذين احتجزهم خلال الحرب بين البلدين التي استمرت 13 يوماً في ديسمبر 1971.
ووفقاً لما صرح به المقدم محمد شاه، أظهرت الهند في معاملتها للأسرى الباكستانيين إنسانية حقيقية والتزاماً بأحكام اتفاقية جنيف لحقوق أسرى الحرب، إذ تلقوا معاملة لائقة تتضمن توفير الطعام الجيد ومرافق إقامة مناسبة، وتوزيع القرآن هو أحد الأمثلة على ذلك.
كما أوضح أن الضباط الباكستانيين كانوا يحظون بمستوى من الاحترام والتقدير من السلطات الهندية، مما أدى إلى توفير ظروف معيشية ملائمة لهم خلال فترة احتجازهم. ويعتبر هذا التحليل شاهداً على تطبيق دلهي للمعايير الدولية في معاملتها للأسرى، وهو ما يعكس الالتزام بالقوانين الإنسانية والدولية في زمن النزاعات المسلحة.
"القصة غير معروفة"
وأشار سعد مسرور إلى أن قصة توزيع القرآن على السجناء الباكستانيين لم تكن معروفة بشكل واسع أو موثق، ولكنها كانت معروفة بين بائعي الكتب وتم تداولها في الروايات الشفهية للآباء.
وأكد أن سنة 1971 كانت محورية بالنسبة إلى الهند، وشكلت نقطة تحول لها أظهرت تفوقها على باكستان. وتعتبر قصة توزيع القرآن أحد الحكايات التي تبرز احترام الهند لحقوق السجناء، مما يدل إلى اهتمامها بالمعتقدات الدينية للمسلمين المحتجزين.
وختم مسرور حديثه بأنه على رغم سماعه عن تزويد عائلة ساشديفا الجيش الهندي بكمية كبيرة من المصاحف، إلا أنه لم يكن متأكداً مما إذا كان التوزيع قد تم بالفعل أم لا، مشيراً أيضاً إلى أن الضباط المسلمين كانوا يتجمعون ويستمعون إلى تلاوات القرآن الكريم معاً في السجون ومعسكرات الجيش، مما يشير إلى أهمية الممارسات الدينية والتضامن بين أسرى الحرب.