بمشاركة رؤساء أفارقة وحشد من المواطنين والأنصار، ودّعت زيمبابوي مؤسّسها ورئيسها الراحل روبرت موغابي في جنازة رسمية السبت 14 سبتمبر (أيلول)، بعد خلافات حول دفنه استمرّت أسبوعاً وهدّدت بإحراج خلفه الرئيس إمرسون منانغاغوا.
وقاد موغابي زيمبابوي 37 عاماً، منذ استقلالها إلى أن أطاح به الجيش في نوفمبر (تشرين الثاني) 2017، بعد إقالته نائبه منانغاغوا تحت ضغط زوجته غريس موغابي التي كانت تطمح لخلافة زوجها المسن وتحظى بدعم من جزء من الحزب الحاكم. وتوفي موغابي في مستشفى بسنغافورة في السادس من سبتمبر، عن عمر 95 سنة، تاركاً بلاده في وضع اقتصادي كارثي، يحمّله العديدون مسؤوليته. وما زال المحيطون به يكنون كراهية للجنرالات وقادة الحزب الحاكم "الاتحاد الوطني الأفريقي لزيمبابوي (زانو)- الجبهة الوطنية" الذين تخلوا عنه.
الدفن بعد شهر
وعلى الرغم من اختتام مراسم التكريم الوطنية للرئيس الراحل، إلا أنه لن يُدفن قبل نحو 30 يوماً، في انتظار الانتهاء من إقامة ضريح خاص به في نصب الأبطال القوميين في العاصمة هاراري، وفق ما أعلن منانغاغوا في ساعة متأخرة من مساء الجمعة، بعد خلاف مع عائلة الراحل التي أرادت دفنه في مسقط رأسه، لشعورهم بالمرارة بسبب الطريقة التي أطاح بها رفاق موغابي السابقون به.
وسار رئيس زيمبابوي الحالي خلف نعش سلفه وصولاً إلى منتصف الاستاد الرياضي الوطني في هاراري، حيث وُضع على منصة مزينة بالورود كي يتمكّن الناس من إلقاء النظرة الأخيرة عليه. وعلى أنغام الموسيقى العسكرية، مشى خلفه عدد من كبار ضباط الجيش وزوجة موغابي وأبناؤه.
وكتب منانغاغوا على تويتر السبت "دعونا اليوم ننحّي خلافاتنا جانباً ونقف معاً، ونحن نتذكّر الماضي ونتطلّع إلى المستقبل، كبلد فخور ومستقل وحر". ومن بين الرؤساء الذين حضروا الجنازة، رئيس جنوب أفريقيا سيريل رامابوسا، الذي يرأس حالياً الاتحاد الأفريقي، والرئيس الكيني أوهورو كينياتا ورئيسا غينيا الاستوائية والكونغو.
انقسام حاد حول الراحل
وفي أرض الملعب، الذي طوّقه عسكريون ولم توضع فيه أي صور للرئيس الراحل، استقبل الحضور الذين ارتدى بعضهم قمصاناً تحمل صور موغابي، النعش بإطلاق مجموعة من أغاني "حرب التحرير" وهم يرفعون لافتات كتبت عليها عبارات تشيد "بالأيقونة الثورية" أو "بإرثه في خدمة الأمة". وقال سولومون نيوكا، الذي قاتل في "حرب التحرير" والبالغ من العمر 64 سنة، "أنا هنا لأشارك في الحداد على بطلنا"، مضيفاً "كل ما هو إيجابي في زيمبابوي، وحدتها والمصالحة فيها والأرض التي أصبحت لنا، كل هذا بفضل موغابي".
غير أن قسماً من الزيمبابويين رفضوا المشاركة في وداع الرئيس السابق المثير للجدل. ورأى ستيفن (45 سنة) الذي كان يتسوّق في أحد شوارع العاصمة أن "النقص في المواد هو الإرث الوحيد لحكمه. هذا كل ما خلفه". وأضاف "ليس لدي أي سبب للذهاب إلى مراسم تشييعه". كما قال كيشاف تيردرا (59 سنة) العاطل من العمل "لم يعد لدينا وقود لنذهب إلى الجنازة".
مسيرة تحوّل "البطل" إلى "طاغية"
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وتحوّل موغابي من بطل إلى طاغية تسبّب في انهيار اقتصادي لبلده. فعندما تولّى قيادة روديسيا، التي كانت تحكمها الأقلية البيضاء، أثار إعجاب مواطني بلده والدول الغربية بسبب سياسة المصالحة التي اتبعها باسم حماية وحدة البلاد، وعيّن شخصيات من البيض في مناصب وزارية مهمة وسمح حتى لزعيمهم إيان سميث بالبقاء في زيمبابوي. وبدا الثائر موغابي الذي يحمل شهادات جامعية، زعيماً نموذجياً. فخلال عشر سنوات، حقّقت البلاد تقدماً كبيراً من بناء مدارس إلى فتح مراكز صحية وتأمين مساكن للغالبية السوداء.
لكن البطل بدأ في وقت مبكر جداً يتصدى لمعارضيه. ففي عام 1982، أرسل موغابي الجيش إلى إقليم ماتابيليلاند المنشق جنوب غربي البلاد، وأسفر القمع الوحشي عن سقوط نحو 20 ألف قتيل، لكن العالم غضّ النظر عن القضية.
واستمرّت تجاوزاته حتى الألفية الجديدة، في إجراءات ضدّ المعارضة وعمليات تزوير في الانتخابات والإصلاح الزراعي العنيف الذي قام به. فبعدما ضعف سياسياً جراء خطوات رفاقه السابقين في حرب الاستقلال، قرّر موغابي شغلهم بإطلاقهم ضدّ المزارعين البيض الذين كانوا يملكون الجزء الأكبر من أراضي البلاد. فتملّك مئات الآلاف من السود أراضي بعد أعمال عنف أجبرت معظم المزارعين البيض على مغادرة البلاد، في قضية احتلت العناوين الرئيسية في وسائل الإعلام الغربية.
وسرّعت حملة الإصلاح التي أطلقها انهيار الاقتصاد الذي كان متعثراً أساساً، وتعاني زيمبابوي اليوم من نقص في السيولة ومن البطالة التي طاولت 90 في المئة من السكان.