ملخص
لا يقتصر تكتيك إطلاق "الصاروخ التحذيري" على إسقاط قنبلة من دون مواد متفجرة على سطح البناية، وإنما وسع الجيش هذا التكتيك ليشمل النداءات والرسائل النصية القصيرة وحتى إلقاء المنشورات
بينما كان محمد يحاول إقناع أطفاله بأن هناك دولاً كثيرة في العالم ستعارض تنفيذ إسرائيل أي عملية عسكرية في محافظة رفح أقصى جنوب قطاع غزة، سمع دوي انفجار ضخم على سطح منزله، اهتز البيت وكأن زلازلاً قد ضربه، لكن دون أن ينهار.
انتاب محمد والأطفال الخوف، وللوهلة الأولى اعتقد الأب أن الجيش استهدف منزلاً للجيران، وأخذ يتفقد عبر النوافذ البيوت التي تحيط بسكنه، وجدها قائمة جميعاً في مكانها، بعد لحظات أدرك الرجل أن ما سمعه كان "قرعاً على سطح منزله"، وهو ما يعني أنه يجب إخلاؤه من السكان فوراً.
تسميات والمعنى واحد
في بعض الأحيان، تلجأ إسرائيل إلى سياسة "روف نوكينغ" التي تعني "القرع على السطح"، أو ما يسمى "صاروخاً تحذيرياً"، وجميع هذه المصطلحات تستخدم للدلالة على تحذير الجيش الإسرائيلي القاطنين في مبنى يريد قصفه، ويفهم السكان من خلاله أنه يجب عليهم الإخلاء الفوري قبل إسقاط صاروخ تفجيري وشيك على المكان.
فهم محمد معنى الصاروخ الذي استهدف سطح منزله، وعلى الفور أخذ يصرخ، "هيا، على الجميع إخلاء المبنى بأقصى سرعة"، وحمل هو حقيبة الطوارئ التي أعدها منذ بداية الحرب، وتحوي بالأساس على الوثائق المهمة.
هرع الجميع من المنزل، وما إن ابتعدوا عن البيت أمتاراً معدودة حتى أغارت الطائرات المقاتلة بصاروخ تفجيري على البناية وحولتها إلى كومة ركام طمرت بداخلها أحلام وذكريات عائلة محمد.
استخدام لأول مرة
بعد الضربة الجوية احتضن محمد أطفاله، لكنه لم يخف عليهم اندهاشه مما حصل وخاطبهم قائلاً، "لقد نجونا بأعجوبة، شيء غريب حدث فعلاً، وهو أن الجيش الإسرائيلي حذرنا قبل قصف المنزل".
في الواقع، تعد إسرائيل أول من ابتكر سياسية تحذير السكان لإخلاء مبنى قبل تنفيذ ضربة جوية، وبدأت في استخدامها عام 2006، ثم بعد ذلك اتبعها الجيش الأميركي خلال حرب العراق وحربه ضد "داعش".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
لكن إسرائيل أوقفت "القرع على السطح" في هذه الحرب الجارية منذ السابع من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، فهي تهدم البيوت فوق رؤوس ساكنيها، لكنها عادت من جديد إلى هذا التكتيك ولم تستخدمه سوى في محافظة رفح.
في المدينة نفسها التي تقع على الحدود المصرية، استقبل جمال اتصالاً هاتفياً من شخص عرف نفسه بأنه ضابط في الاستخبارات الإسرائيلية، وطلب منه إخلاء منزله في غضون 10 دقائق فحسب تمهيداً لقصفه.
بسرعة استجاب جمال للتحذير وأخذ ينقل أطفاله خارج البيت، وأبلغ جيرانه بالاتصال الذي تلقاه وقال لهم إن عليهم مغادرة المكان خوفاً من أن يتضرر أحد.
لا يقتصر تكتيك إطلاق "الصاروخ التحذيري" على إسقاط قنبلة من دون مواد متفجرة على سطح البناية، وإنما وسع الجيش هذا التكتيك ليشمل النداءات والرسائل النصية القصيرة وحتى إلقاء المنشورات.
في الأيام الأخيرة، زادت إسرائيل من وتيرة الغارات الجوية على محافظة رفح، وفي مربع سكني ألقت منشورات تطلب من سكان المنطقة الإخلاء لتنفيذ عملية عسكرية من الجو.
منذ بدء الحرب
من غير الواضح كم عدد المرات التي استخدمت فيها الاستخبارات الإسرائيلية نداءً تحذيرياً إلى سكان غزة قبل تنفيذ ضربات عسكرية، لكن المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي أفيخاي أدرعي يؤكد أنه أسلوب متبع منذ بدء الحرب، إذ جرى توزيع رسائل مسجلة بالعربية واتصالات على جميع سكان الشمال وغيرها من الصور. وعن هذا التكتيك، يوضح أنه "يتم توجيه صاروخ صغير فارغ على سطح بناية لنبلغ المدنيين أن عليهم إخلاء المبنى، ثم نراقب الوضع للتأكد من مغادرتهم، وعندما تتكون لدينا قناعة صلبة بأن المبنى قد أخلي نطلق النار".
في غارة جوية قتل جميع أفراد عائلة سعيد. ووفقاً لحديثه فإن الجيش الإسرائيلي لم يقم بتبليغ سكان منزله بالإخلاء. ويتساءل، "لماذا لم أتلق أي اتصال عندما قتل الجيش زوجتي وأطفالي".
وفقاً لأدرعي فإن هذا التكتيك لا يمكن استخدامه عندما يتعلق الأمر بالقضاء على مسلحين يختبئون في بناية، لكنه يستخدم عندما يتم ضرب هدف يحوي مخزن أسلحة ويعيش فيه مدنيون.
أسباب العودة للتحذيرات
منذ بدء استخدام تقنية "القرع على السطح" وهي تثير جدلاً واسعاً، إذ تؤكد منظمات حقوقية أن الصواريخ التحذيرية لا تعفي القوات المهاجمة من مسؤولياتها في حماية المدنيين بموجب القانون الإنساني الدولي.
تقول الناطقة باسم منظمة العفو الدولية سارة حشاش، "في كثير من الحالات لا يبلغ الجيش عن توقيت الضربة والأماكن التي يمكن اللجوء إليها، ولا يتأكد من حصول عملية إخلاء في الوقت المناسب وبأمان قبل الهجوم".
عودة إسرائيل لاستخدام تكتيك "إطلاق صاروخ تحذيري" يثير تساؤلات حول أسباب ذلك، بخاصة بعد مرور قرابة 6 أشهر على بدء الحرب. يقول الباحث في الشؤون العسكرية سعيد فنونة، "ثمة ضغوط دولية على تل أبيب لحماية المدنيين. إن الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وغيرها من الدول غاضبة من عدد الضحايا في غزة". ويضيف، "استخدام الجيش هذا التكتيك ربما جاء استجابة للمطلب الأميركي بتجنب استهداف المدنيين خلال العمليات العسكرية، واتبعت إسرائيل هذا الأسلوب حتى تمتص الضغط الدولي عليها"، مشيراً إلى أن إسرائيل ستستخدم هذا الأسلوب كحجة في وجه اتهامها باستهداف مدنيين، بخاصة أمام محكمة العدل الدولية.
بالعودة إلى أدرعي، فإنه يؤكد أن هناك أسباباً أخلاقية تدفع الجيش إلى الحد من الأضرار الجانبية على المدنيين.