Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

لقاء ربيعي متأخر بين بايدن والسوداني في واشنطن

يرى مراقبون في زيارة رئيس الوزراء العراقي لأميركا فرصة لتحريك الملفات العالقة بين البلدين

رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني (أ ف ب)

ملخص

يحمل الملف العراقي في الدوائر الأميركية كثيراً من الألغام المتراكمة خلال السنوات الـ20 الماضية

ينظر كثير من السياسيين العراقيين والمتابعين بحذر لملفات بغداد وما حولها إلى زيارة رئيس الحكومة محمد شياع السوداني إلى واشنطن في منتصف أبريل (نيسان) الجاري، باعتبارها "بروتوكولية" فرضتها ظروف الانتخابات الأميركية المقبلة، بعد سلسلة من المواعيد الافتراضية المؤجلة.

يحمل الملف العراقي في الدوائر الأميركية كثيراً من الألغام التي تراكمت خلال السنوات الـ20 الماضية، وكانت سنوات عجافاً على العلاقة بين البلدين، بعد أحداث عام 2003 وإسقاط نظام "البعث" في العراق، واستخدام أكثر من 200 ألف مقاتل من قوات النخب الأميركية في اجتياح هذا البلد وإسقاط النظام الحاكم، وإنفاق تريليونات الدولارات لتحقيق مشروع عملية سياسية كبرى تستهدف البناء الديمقراطي في بلاد الرافدين كما هو معلن.

جرى ذلك خلال العملية العسكرية الممتدة بين عامي (2003 و2011) وما تلاها من رعاية سياسية شاملة، فرضت بوجود حاكم مدني أميركي للعراق، وقوات عسكرية على الأرض تخللها كتابة دستور للبلاد في عام 2005، أعقبه اندلاع حرب أهلية في عام 2006 بعد تفجير مرقد العسكريين في سامراء، وقتال تنظيم "القاعدة" الإرهابي وعمليات لا تعد أو تحصى.

التمدد الإيراني أصعب التحديات

شكل التمدد الإيراني داخل العراق وولادة أكثر من 100 ميليشيا مسلحة موالية لها تحدياً خطراً للوجود الأميركي في بلاد الرافدين، بعد أن تمكنت الميليشيات التابعة لها من ضرب متكرر لأكبر سفارة أميركية في العالم، وقصف قواعدها هناك أيضاً.

هذه الميليشيات تعمل خارج أروقة الدولة العراقية المدعومة أميركياً بالخبرات العسكرية والتسليح، ثم أعقبه انبثاق تحالف دولي تقوده الولايات المتحدة لمحاربة "داعش" خلال السنوات (2014-2017)، واستمرار ذلك التحالف حتى الآن تسبب في إعادة الجيش الأميركي إلى العراق بعد انسحابه في 2011 رسمياً، زمن الرئيس الديمقراطي باراك أوباما، رافقه إعلان إيراني على لسان الرئيس الأسبق أحمدي نجاد بالاستعداد لما سماه "ملء الفراغ"، والذي ينفذ اليوم على قدم وساق.

زيارة بروتوكولية

كل تلك المعطيات وغيرها تجعل كثيراً من الباحثين يرجحون بروتوكولية الزيارة، كما يقول الباحث منقذ داغر مدير معهد غالوب في العراق، مشيراً إلى أنها لا تتخطى أن تكون سوى زيارة بروتوكولية فرضتها الظروف التي تحيط البلدين، لكن داغر رجح بأن الزيارة لا تقدم حلولاً مجدية لنقاط الخلاف بين الطرفين، مستبعداً بصورة كلية مناقشة الانسحاب الأميركي من العراق، كونه يضر بالبلاد أولاً أكثر من الولايات المتحدة، التي لم تجنِ من بلاد الرافدين غير الأزمات وتغلغل النفوذ الإيراني فيها.

تحذيرات الكونغرس

ويؤيد ذلك الباحث هيثم هادي الهيتي من واشنطن بالإشارة إلى أن زيارة السوداني سبقتها تحذيرات من أطراف عدة من أعضاء الكونغرس الأميركي، نبهت الرئيس جو بايدن وحذرته من مغبة استقبال محمد شياع السوداني.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وأضاف الهيتي، "أعتقد أن اللوبي الكردي سيوثر في الزيارة من خلال السياسيين الأميركيين، إذ ينشط مع الأعضاء المؤثرين في الكونغرس، وسيطالبون بالحديث معه عن العلاقة مع الإقليم، والعلاقة مع إيران وقضية البنوك وضمان الأمن للقوات الأميركية في العراق". وتابع "لكنني لا أعتقد أبداً طرح حديث عن قضية الانسحاب الأميركي، لا من قريب ولا من بعيد، ولن يكون له مكان للنقاش في الوقت الحاضر، بخاصة أن الرئيس بايدن يتهيأ للانتخابات، ولا يمكنه أن يتخذ قراراً أن يتحدث بهذه الأمور، لكنه قطعاً يريد ضمانات من السوداني بألا يكون هناك أي إشكال أمني في العراق خلال الفترة المقبلة"، لكن كل ذلك مع تأكيد ضمان العلاقة مع إقليم كردستان العراق، لا سيما أن أعضاء الكونغرس المقربين من القيادات الكردية سيضغطون من أجل انتزاع تعهدات من السوداني تتعلق بقضيتهم من الناحية المالية والإدارية.

اتفاقية الإطار الاستراتيجي

تحدد العلاقة السياسية بين واشنطن وبغداد اتفاقية الإطار الاستراتيجي التي وقعت بينهما سنة 2008 وصادق البرلمان العراقي عليها في سنة 2009، إذ تتخطى بعدها السياسي والأمني بتناول الإشراف الأميركي على التعليم والصحة والبنوك وترسي علاقة صداقة وتعاون طويلة الأمد في سبعة مجالات رئيسة هي السياسة والدبلوماسية والثقافة والاقتصاد والطاقة والصحة والبيئة وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات، وأخيراً تطبيق القانون والقضاء.

ومع ما سبق يجري تشكيل لجنة عليا أميركية - عراقية مهمتها متابعة تنفيذ بنود الاتفاقية تمثل فيها الوزارات والمؤسسات المعنية التي تحدد في إطار الاتفاقية، تجتمع دورياً وتشرف على لجان تنسيق مشتركة، ولا تتضمن الاتفاقية التزام أميركيا بالدفاع عن العراق من أي تهديد أمني داخلي أو خارجي، بل يقتصر على ما يسمى ترتيبات أمنية ودفاعية.

ولعل المتابع لهذه الاتفاقية يرجح أن تكون مرتكزاً مرجعياً للحوار الأميركي - العراقي، وفق عديد من المراقبين، مؤكدين أن الجانب العراقي على مدى 15 عاماً تعامل معها بعدم جدية وتركها للظروف الآنية والطارئة، واكتفى بتفعيل هذا البند أو ذاك، تبعاً لأهواء رئاسات الحكومات الست التي تعاقبت على إدارة العراق منذ (2008-2024) كشفت انتقائية التعامل مع البنود التي تحتاج إليها دون استثمار استراتيجي حقيقي وشامل لها للاستفادة من الخبرات الأميركية الممكنة التي تعزز وتلبي حاجات البلاد الخارجة من حروب طاحنة أكلت الأخضر واليابس.

ويرجح أن يغلب السوداني خلال زيارته جوانب اقتصادية وعلمية وثقافية وخدماتية وقضية البنوك العراقية المعاقبة بقرارات الخزانة الأميركية.

الضغوط الولائية

ولا يتوقع أن يستجيب السوداني لضغوط القوى الولائية التي تطالبه بالانسحاب من الاتفاقية الاستراتيجية، أو قفل القواعد التي يشغلها الجيش الأميركي، وهي في الغالب قواعد عراقية يستخدمها التحالف الدولي ضد الإرهاب بموافقة وطلب بغداد، وبرزت الحاجة إليها مع هجوم "داعش" عام 2014.

 

 

أما الشارع العراقي فانقسم في تلقي موافقة الأميركيين لتحقيق الزيارة منتصف أبريل الجاري، ففي وقت عدته الأوساط الرسمية المحيطة بالسوداني إنجازاً تحقق أخيراً بعد عام ونصف العام من توليه المنصب، وطلبات متكررة من الخارجية العراقية، فإن كثيراً من السياسيين والكتاب وصفوا الزيارة بأنها مكافأة أميركية لنظام فاسد يقوده "الإطار التنسيقي"، الذي يتهاون مع الميليشيات، ويطلق سراح عديد من المدانين والفاسدين الذين صدرت في حقهم قرارات قضائية.

ويعلق الكاتب كمال القيسي هنا بقوله، إن "الولايات المتحدة لا تبالي بمصالح العراق ومجتمعاته كثيراً، لذلك اعتمدت معايير وأساليب غير معيارية، في إقامة نظام سياسي لدولة يحكمها فاسدون، من طريق الغزو والضغط والاختراق والتغلغل في تعطيل عمل القانون باتجاه حكم الفساد، في إطار البيئة المتهتكة الفاسدة". ومضى في تحليله بقوله، "وظفت الولايات المتحدة آليات وبرامج البنك الدولي وصندوق النقد الدولي وغيرها من المؤسسات الليبرالية لابتزاز المجتمعات العراقية لضمان تحقيق هيمنتها وسيطرتها بعيداً من المصالح الحقيقية للأفراد والمجتمعات".

ويضيف، "يجب تجسيد سيادة القانون، وفرض القيود على السلطات المطلقة حرية التعبير والعبادة، العدالة المتكافئة بين المواطنين ومع الدول، احترام المرأة التسامح الديني والعرقي، احترام حقوق الأفراد في العيش الكريم والحياة، واحترام حاجات عقل الإنسان!". وقال إن العراقيين أنفسهم مطالبين بتغيير النظام القائم الفاسد، وإقامة آخر لإدارة السياسة والاقتصاد والمال باتجاه خدمة مجتمعاتهم الحاضرة والمستقبلية وعلى الدولة والحكومة القادمة في العراق أن تعمل على تطوير التفكير الجمعي من خلال تحقيق مصالح الغالبية الصامتة من المواطنين. وأضاف، "ببساطة يحتاج العراق إلى حكومة وطنية بعيداً من فوضى الفساد وقيادة الفاسدين".

المزيد من تقارير