Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

واشنطن وبغداد من القوة الناعمة إلى الصدام السياسي

أنشئت أول قنصلية أميركية في بغداد عام 1921 إضافة إلى التسليح والبعثات العلمية واستثمارات النفط بداية الخلافات

رئيس الوزراء العراقي أثناء المفاوضات بين العراق والولايات المتحدة لإنهاء مهمة التحالف الدولي  (رويترز)

ملخص

يصف مراقبون العلاقة بين العراق والولايات المتحدة الأميركية بـ"المشوهة" و"غير المستقرة" وهذه طبيعتها مع تبدل أنظمة الحكم في البلاد

لعل المراقب لطبيعة تطور العلاقات بين الولايات المتحدة والعراق يقف أمام حقيقة التدهور المستمر في تنامي تلك العلاقات بالسلب تاريخياً جراء زيغ وانعدام الرؤية التي تحكمت بمصير تلك العلاقات، والأطراف المؤثرة والفاعلة فيها، وتشابك الوقائع المتواصل، والدفع باتجاه مراكب الدولتين نحو الغرق في بحر الصدام السياسي المستمر، بل تقاطع الآمال وتغاير القناعات التي تتحكم في القرار السياسي لكلا البلدين اللذين تفصل بينهما آلاف الكيلومترات.

كما تفصل بينهما آلاف أخرى من السنين في عمق التاريخ بين عالم عراقي قديم يحمل إرث سبع حضارات ماضية، وبين عالم جديد متطلع لحكم العالم الحر من دون مراعاة آمال الشعوب التي تعاني جور السلطات وديكتاتورية الحكام، التي ترسو عند شواطئ تلك الحضارات التاريخية التي أضحت عبئاً عليها وعلى واقعها غير المنتج.

استخدام القوى الناعمة

وعلى رغم أن الولايات المتحدة كانت تدرك قيمة العراق كبلد فيه الكثير من المقومات للتعامل معه شأنه شأن الكثير من بلدان الشرق الأوسط، حين أنشأت أول قنصلية أميركية في بغداد قبل إعلان الدولة العراقية الحديثة عام 1921 بعيد الحرب العالمية الأولى إدراكاً منها لقيمة هذا البلد وتقديراً لمستقبله.

استخدمت الولايات المتحدة وسائل "القوة الناعمة" في التقرب من المنطقة عموماً، وسياسة توصف بالحذرة عبر مشروع ثقافي طويل الأمد تمثل في مساعدة العراق تسليحاً في مراحل لاحقة، ومن ثم إتاحة الفرص للدارسين العراقيين مطلع الخمسينيات وما تلاها، في التعلم بشتى التخصصات العلمية في أهم الجامعات الأميركية، الذي استجلب الكثير من إعجاب الدارسين العراقيين في البداية، كذلك الاهتمام المحدود بالآثار والتراث، بل عمدوا إلى إهداء العراق مفاعلاً نووياً تعليمياً صغيراً لأغراض التعليم الجامعي، لكنه حول في ما بعد إلى جامعة طهران جراء قيام ثورة أو "انقلاب" يوليو (تموز) عام 1958.

غير أن المؤشر بأن السياسة الخارجية الأميركية كانت تراعي وتحسب حساباً، لما يقوم به الحليف البريطاني الذي سبقهم بالوجود وبالفهم لطبيعة البيئة العراقية ومثيراتها، فالبريطانيون أعلنوا عند غزوهم للعراق مطلع القرن الماضي "جئنا محررين لا فاتحين"، ومن ثم أجبروا على تغيير سياستهم جراء الرفض الشعبي العراقي لوجودهم، قبل وبعد الانتداب نهاية ثلاثينيات القرن الماضي، حتى التمكن من أن ينشئوا "حلف بغداد" العسكري المكون من خمس دول بإشراف بريطاني -أميركي عام 1955 إبان الحكم الملكي في العراق (1958-1921)، في محاولة لتطويق المد الشيوعي الممتد في العالم آنذاك خلال الحرب الباردة.

وكانت الولايات المتحدة تمارس دور الشريك الاقتصادي مع البريطانيين عبر الشركات الأربع التي كانت تدير استثمارات النفط العراقي بالاتفاق مع الحكومة الملكية العراقية، من خلال شركة أميركية معروفة وهي "ستاندرد أويل أوف نيو جيرسي"، بالشراكة مع شركة النفط البريطانية "بريتش بتروليوم" مهمتها تشغيل وإدارة النفط العراقي المتركز في كركوك شمال البلاد.

في وقت كانت المصالح الأميركية النفطية في الخليج العربي تتوسع وتنتعش في الظهران مع شركة أرامكو العملاقة، وكانت تسير على خير ما يرام، بعيداً من الأزمات التي تمر بها دول الشرق الأوسط الأخرى كالعراق وإيران حين طرد العراق تلك الشركات الأربع في ما بعد، بتأميم النفط العراقي منتصف عام 1972، كما أمم محمد مصدق من قبل شركة النفط الأنجلو – إيرانية أوائل الخمسينيات من القرن الماضي، الذي بلغ إنتاجه إلى معدلات قياسية وصلت إلى سبعة ملايين برميل يومياً ليضرب المصالح الغربية في الصميم عجلت في نهايته بتخطيط أميركي، وإعادة الشاه الإيراني للحكم في طهران.

تنسيق أميركي- بريطاني

كانت السياسة الخارجية الأميركية تجري في العراق بتنسيق مع البريطانيين الذين سبقوهم في حكم العراق وإدارته لثلاثة عقود، لكن الدور قد تغيير لديهم في عموم الشرق الأوسط بعد ظهور المنافس السوفياتي وبروز تحديات الحرب الباردة التي دفعت العالم الغربي إلى عمل أطواق حصار استراتيجي حول الدول المشاركة في المشروع السوفياتي، يتمثل بالأحلاف العسكرية الجاهزة لردع السوفيات، بينها إنشاء "حلف بغداد"، الذي أنجزه البريطانيون مع خمس دول وكانت بغداد مقراً للحلف، عملت الولايات المتحدة دور المراقب الداعم للحلف، لتمد دوله بالأسلحة والمعلومات اللوجستية بينها السلاح النووي، في حال تعرض دول الحلفاء كالناتو أو السنتو لردع أي عدوان مرتقب.

انقلاب عسكري يقلب المعادلة

لكن كل شي تغير في العراق بعد ثورة (انقلاب) يوليو 1958 وإطاحة النظام الملكي وتحول العراق المفاجئ والسريع بتأثير اليسار والحزب الشيوعي العراقي إلى دولة مناهضة للغرب ومعادية علناً لأميركا وبريطانيا تسير بركب الاتحاد السوفياتي وتعقد معاهدات معه، بل وإبدال التسليح (الأميركي- البريطاني- الغربي) بآخر من روسيا والدول المكونة للاتحاد السوفياتي، كل ذلك قلب معادلة التعامل مع العراق كما قلب المعادلة من قبل مع مصر جمال عبدالناصر.

بات العراق بلداً لا يحظى بثقة الأميركيين والغرب عموماً لكن التفاوض ظل قائماً معه في مراحل متباعدة من خلال وفود سرية لا يعلن وجودها. وعد قائد ثورة يوليو عبدالكريم قاسم أخطر رجل معادٍ للغرب عجل في مقتله عام 1963 على يد البعثيين القوميين العراقيين.

 

 

الحرب العراقية- الإيرانية

اضطر العراق بعد اندلاع الحرب العراقية– الإيرانية (1980-1988) أن يبحث عن مخرج لتلك الحرب الطاحنة بين بلدين يعلنان عدائهما للغرب ولأميركا سواءً في بغداد وطهران، أن يطلب عون الولايات المتحدة للخلاص من استمرار تلك الحرب التي دارت على جبهة طولها 1300 كيلومتر، حتى أعيدت العلاقات الدبلوماسية على مستوى سفارة عام 1984، وكان السفير الأميركي في العراق من أهم السفراء في بغداد.

ومن نتائج عودة العلاقات العراقية- الأميركية ما زودته واشنطن لبغداد من السلاح ودعمتها لوجستياً بالمعلومات المهمة لا سيما عند معارك الفاو كما أعلن وقتها، حتى أعلنت فضيحة "إيران غيت" التي كشفت تزويد إيران بالأسلحة الأميركية زمن الرئيس كارتر، وكانت صدمة للزعامة العراقية التي شنت هجوماً متواصلاً على الولايات المتحدة وسياستها تجاه العراق والعرب، أدركوا أن العالم لا يريد أن يوقف تلك الحرب، وأنهم وقودها، بعد أن دمر اقتصادهم ومحيت مدن وضحايا فاقوا المليون عراقي.

وكانت "إيران غيت" كما يجمع الكثير من المحللين العراقيين الذين التقيتهم، سر عداء صدام حسين ونقمته على الأميركان.

لكن وفود أميركية رفيعة زارت العراق إبان الحرب وبعدها في محاولة لثني الرئيس صدام حسين وقتها على ضرورة تغيير سياسته في ملفات رئيسة، بينها، خلال الحرب وبعد توقفها، لا سيما موقفة المعادي والمتصدي لإسرائيل، وخطابة التحشيد المستمر ضدها مع دعم مالي ولوجستي للمقاومة الفلسطينية وإيواء عناصرها، الذين وجدوا في العراق خير ملجأ داعم لها، وسواها من السلوكيات والمواقف، طالبت الوفود الأميركية المتعاقبة وقفها وعدتها معادية للسياسة الأميركية والغرب عموماً.

قرار التخلص من صدام حسين

أدرك الأميركان أن مهمة تغيير نهج هذا الرجل صعب، بل تيقنوا أنه عدو لسياستهم، فقرروا فرض عقوبات قاسية ضده، والمطالبة بإبداله مع "شخصنة للصراع" مع العراق بشخص صدام حسين وعائلته، وانتظروه يخطئ أمام المجتمع الدولي لضربه بقسوة، كما حدث خلال غزوه للكويت.

يقول الكثير من العراقيين بمن فيهم نائب صدام، إنه دفع له لكنه وقع في الفخ، وأصبحت العلاقة مع نظام صدام حسين والعراق مؤطره بقرارات مجلس الأمن الدولي، التي فاقت الـ70 قراراً، ووضع العراق تحت الحصار حتى إسقاطه عام 2003، بل واحتلاله عسكرياً في تطور لافت في السياسة الدولية، وممانعة الأمم المتحدة ودول عظمى كفرنسا والصين وروسيا.

حقبة الاحتلال 2003

دخل العراق حقبة جديدة في علاقاته مع العالم وجيوش الولايات المتحدة (المحررة) تحكم بلاد الرافدين وحوكم صدام وقيادته وأعدموا، وتحول العراق من بلد بحكم رئاسي إلى حكم برلماني، وتسلل الإيرانيون ورجالات الحرس الثوري إلى العراق ليغيروا الحكم نحو مصالحهم بأدوات كانت لديهم من اللاجئين والمسفرين لديهم.

تحول النظام إلى المحاصصة الطائفية نتيجة مطالبات إيرانية وتركية معلنة ليكونوا البديل لإدارة العراق كما أعلن الرئيس الإيراني أحمدي نجاد، في حال انسحاب الجيش الأميركي من العراق، وانهار سقف التوقعات العراقية بأن يتخلصوا من النظام الديكتاتوري ويعاد بناء الدولة على أسس الدستور والديمقراطية.

لكن العراقيين وجدوا أنفسهم محاطين بـ 54 ميليشيا مسلحة ونظام محاصصة فاسد ناهب لثروات العراق، ومعطل لأي تطور كانوا يحلمون به، حين عطلت مصانعهم البالغة 33 ألف مصنع ومعمل، ودمر اقتصادهم بالنظام الريعي الذي اعتمدته الحكومات العراقية المتعاقبة بهدف الحصول على الأصوات الانتخابية، وبددت موازنة الدولة التي تصرف على موظفين فاقت نسبتها 75 في المئة من الموازنات السنوية، تنفق على ما يزيد على خمسة ملايين موظف، عدا أفراد القوات المسلحة الذين يزيدون على مليون منتسب. وتشظت البلاد بمطالبات الأكراد وسواهم بالانفصال أو بتأسيس أقاليم يسمح الدستور الذي أعلن عام 2005 بذلك.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

معلومات المعارضة الخاطئة

هذه الفوضى والمحصلة التي خلفها الاحتلال تدعو لمراجعة وصف العلاقة بينها وبين العراق، إذ يرى رئيس المجموعة المستقلة للأبحاث الباحث منقذ داغر، "أصف هذه العلاقة بالقلقة وغير المستقرة، ولم ولن تستقر إذا ظلت في مثل هذا الاتجاه، والسبب بالجانب الأميركي هو عدم وجود استراتيجية واضحة لما تريده الإدارة الأميركية من العراق".

يضيف، "كانت دائماً العلاقة مع بغداد تتأثر بسيطرة الحزبين على البيت الأبيض واختلاف أجنداتهم، وعدم وجود استراتيجية واضحة لما يريدونه، بخاصة أن الأميركيين بعد الاحتلال فوجئوا بأن كل ما خططوا له في العراق لا يمكن تنفيذه، وكل ما تم جاء بناء على المؤتمرات التي عقدوها على ما سميت بالمعارضة العراقية، ثبت لهم أنها كلها كانت استشارات خاطئة، مبنية على معلومات وبيانات كذلك، ولذلك تحولت أهدافهم، كما بناء دولة ديمقراطية، تكون نموذجاً يشع في المنطقة إلى محاولة الخروج بأقل الخسائر كما العراق وهذا حصل بعد الاتفاق الاستراتيجي واتفاقية صوفا واتفاقية الخروج من العراق في عهد نوري المالكي.

في المقابل فإن صناع القرار في العراق تباينوا بين متعاونين مثل القيادات الإسلامية سواءً شيعية أو سنية، وبين أنصار للأميركيين، أو تابعين لهم ورافضين لهم. وبالتالي أيضاً لم تكن هناك رؤية واضحة من قبل صناع القرار في العراق، إن وجدوا، لما يريدوه من الولايات المتحدة الأميركية للاستراتيجية التي يجب العمل من خلالها مع الإدارة الأميركية، فغياب الرؤية سواءً في الجانب الأميركي والعراقي أسهمت في هذه العلاقة القلقة التي ظلت تتأثر بعوامل إقليمية واقتصادية وسياسية وعوامل داخلية أميركية وأخرى عراقية تسببت في عدم الاستقرار.

الأزمة في التاريخ

يضيف داغر، أعتقد أن عقدة الخراب الرئيسة في العلاقة هو التاريخ، لأن البلدين متأثران بتاريخ العلاقة مع الآخر، فالأميركان ما زالوا يعتقدون أن عراقاً قوياً ومستقراً ومستقلاً ممكن أن يشكل مشكلة، خصوصاً أنه هو تحت النفوذ الإيراني.

يوضح فيما لا يزال العراقيون ينظرون إلى واشنطن أنه بلد محتل، وكل واحد ينظر له بطريقة مختلفة. وبشكل عام العلاقة بينهما تتأثر بالتاريخ، لذلك فإن مفتاح الحل هو المستقبل حين ننظر إلى أن ما حصل قد حصل، وكيف يمكن أن نستلهم منه الدروس وكيف يمكن أن نبني علاقة صحية مع دولة عظمى نحن بحاجة لها، وهم لديهم مصالح في المنطقة، وكيف يمكن التوفيق بين هاتين الرؤيتين وفق معيار يراعي مصالح كل طرف، هذا هو مفتاح الحل، لكني لا أظن أنه سيتحقق ذلك لأنه يحتاج دولة عراقية قوية وهذا غير متوافر الآن، ويحتاج إلى رؤية واضحة في الولايات المتحدة بعيدة من الرؤية الآنية للحزب الحاكم وهذه أيضاً غير متوافرة حالياً.

علاقة مشوهة

لكن الباحث في معهد البحوث العربية والإسلامية بجامعة اكستر- بريطانيا هيثم هادي الهيتي يذهب بعيداً حين يقول، أصف العلاقة العراقية– الأميركية بـ"العلاقة المشوهة" على رغم ما يتم الحديث عنها بالإعلام على أنها علاقة استراتيجية.

وهناك عدة أسباب لذلك:

الأول: أنها لم تخرج عن إطار نطاق علاقة الاحتلال للعراق حيث ظلت صورة الوجود الأميركي امتداداً للاحتلال، على العكس مثلاً من حلف بغداد الذي كان نفوذاً غربياً- بريطانياً- أميركياً. كان اتفاقاً استراتيجياً أعطى للعراق دوراً دولياً في المنطقة.

يتابع، أما الحالة الحالية لم يعرف الأميركان كيف يصيغون علاقة استراتيجية تبنى على أسس أنها علاقة منفصلة وليست ممتدة للاحتلال، وهذا هو أحد الركائز الأساسية التي تعتمد عليها السلطة الحالية في محاولة ضرب هذه العلاقة.

الثاني: لا يوجد إيمان فكري وسياسي لدى النخبة الحاكمة في العراق، بأن تكون هناك علاقة حقيقية، فهم غير مقتنعين بهذه العلاقة، بل مفروضة عليهم نتيجة أن الولايات المتحدة هي التي أسهمت في تنصيبهم في السلطة العراقية، وبالتالي لا يوجد إيمان بعلاقة، فمثلاً حين تقارن مع شخص نوري السعيد الحاكم في العهد الملكي الذي كان مؤمناً بالحاجة العراقية للغرب، وما بين حكام اليوم، الذين ليس لديهم إيمان بهذه الفكرة، على رغم أنهم ركبوا الحصان الأميركي أو الدبابة الأميركية لمصلحة محددة، واتفقوا جميعاً على هذه المصلحة في مؤتمر لندن لأنها كانت تحقق هدفهم السياسي المشترك، وهو إزاحة صدام، وما بعد ذلك فإن الهدف المشترك ذاب وانتهى بعد أن تسلموا الحكم، وبالتالي تفككوا وتصارعوا واختلفوا مع قضية الوجود أو العلاقة الأميركية لأنهم غير مؤمنين بها.

ثالثاً: العراق اليوم ليس دولة مؤسسات، بل دولة سلطة، وأي علاقة مع الولايات المتحدة هذه الدولة المهمة في العالم، يجب أن تبنى على دولة المؤسسات، فعلى سبيل المثال الجيش العراقي كان مؤسسة عريقة بكل الاختلافات الموجودة بشأنها، وكان من الممكن تأسيس علاقة استراتيجية بينه وبين المؤسسات الأمنية الأميركية، لكن وجدت مؤسسة بديلة هي "الحشد الشعبي" التي تضاهي قوة الجيش الحالي، وبالتالي فإن العداء للمأسسة في العراق يخلخل العلاقة مع الولايات المتحدة، فاليابان وألمانيا وغيرهما من الدول التي تعاملت معها الولايات المتحدة دول مؤسسات.

اليوم هناك في العراق "دولة سلطة"، بالتالي العلاقة الأميركية- العراقية هشة، وشكلية دعائية مبنية على دور السلطة ونفوذها ومكانتها، التي هي عبارة عن سبعة أحزاب وسبع عوائل حاكمة، وعليه لا تعد سياسة واقعية، بل مبنية على وضع هذه العوائل السياسية السبعة في العراق ومصالحهم.

وأخيراً: العلاقة في منظور المواطن العراقي في الرأي العام للأسف الشديد، عبارة عن تصور بأنها امتداد للاتفاق الإيراني– الأميركي في العراق، وهذا للأسف يوضح رفض الوجود الأميركي شعبياً، وهذا التصور موجود لدى السنة والكرد أكثر من غيرهم، لأنهما يعدان منافسين للوجود أو النفوذ الإيراني الذي يلعب دوره في المناطق الشيعية وسط البلاد وجنوبها، بل حتى المتظاهرين والناشطين تجدهم أحياناً يميلون للأميركيين الذين يدعون إلى الحرية، وبالتالي فإن التصور ليس علاقة مبنية على شراكة عسكرية سياسية اقتصادية.

كل هذا في وقت ينبغي أن تكون العلاقة الأميركية- العراقية بشكل مختلف تماماً عن كل النقاط أعلاه، بوجود نخبة سياسية ليست عائلية بل مبنية على الكفاءة يكون لها إيمان بأن هناك منافع استراتيجية وأمنية واقتصادية على العراق.

والعراقيون اليوم لا يرون منتجاً أميركياً في العراق نتيجة للعوامل التي ذكرتها، ولا توجد مؤسسات أميركية تستطيع أن نفخر بها، أو شراكات صناعية أو زراعية أو علمية تمثل الولايات المتحدة، بل هناك محاولات بائسة بسيطة هنا وهناك محصلته أن التصور العراقي ما زال ينظر إلى أنه تنافس أميركي– إيراني على الأراضي العراقية.

تفاهمات مسبقة في لندن وطهران

يصف الباحث في التاريخ الحديث مظفر الأدهمي كل تلك المحصلات بالقول، لم تعد الولايات المتحدة مهتمة بما يجري في العراق ما دامت مصالحها مضمونة، وهي لا تحتاج إلى قواعد عسكرية في العراق ما دامت قواعدها في تركيا والخليج العربي قائمة، ولا أعتقد أنها تمانع من انسحاب المستشارين من القواعد في العراق، فهناك تفاهم قائم بين الإدارة الأميركية وإيران منذ مؤتمر المعارضة في لندن عام 2002، الذي لم يتحقق إلا بعد اجتماع طهران، كما ورد في مذكرات زلماي خليل زاد، فستجد كيف جرت الاجتماعات والتفاهمات الأميركية- الإيرانية، بشأن مؤتمر المعارضة، الذي سبقه ذهاب مجموعة الستة إلى واشنطن لتلقي التعليمات، وهم علاوي والحكيم والكرد والملكيين والجلبي. والأخير لعب دوراً في تطوير العلاقة بين واشنطن وطهران، وأوضح أن إدارة بايدن لن تتحرش بإيران بل ستتعامل بكل ود مع وكلائها في العراق.

المزيد من تقارير