ملخص
قال وزير البترول والطاقة والمعادن المتحدث باسم الحكومة الموريتانية إن جيش بلاده سيرد الصاع صاعين لكل "طرف أجنبي دخل حدودنا متعمداً".
استيقظ سكان قريتين موريتانيتين متاخمتين للحدود المالية على هدير محركات سيارات قوات "فاغنر" الروسية التي دخلت بلدتيهما بحثاً عن شباب من مالي كانت تطاردهم، وبحسب وسائل إعلام مالية وموريتانية، فإن الشباب المطاردين على صلة بجماعات مسلحة تناصب باماكو العداء، وتدخل معها في معارك كر وفر، خصوصاً في المناطق الشمالية القريبة من موريتانيا، مما يتسبب في تطاير الشرر المستعر ضمن الأراضي المالية.
نقاط التماس
ترتبط موريتانيا ومالي بحدود برية تزيد على 2235 كيلومتراً، وعلى طول هذه المسافة تنشط جماعات التهريب بين البلدين وبقية دول منطقة الساحل، ووفق خبراء أمنيين من أسباب الوضع الأمني الهش تراجع الدور الفرنسي في النيجر، لا سيما بعد الانقلاب الأخير الذي أطاح رجل باريس المقرب محمد بازوم.
ويخشى متابعون للشأن المالي أن تتأثر المنطقة بانعكاسات الخروج الفرنسي المفاجئ من النيجر وضعف الدور الأميركي الرقابي من قاعدة غاديس العسكرية.
وبالفعل كثرت المناوشات المسلحة التي خلفت قتلى بين الجماعات المناوئة لباماكو ومواطنين موريتانيين في مقاطعة عدل بكرو التابعة لمحافظة الحوض الشرقي المتاخم للحدود المالية.
احتقان شديد
وشهدت الأعوام الأخيرة احتقاناً خطراً على الحدود الموريتانية- المالية، بخاصة بعد الانقلاب الأخير في باماكو، وتنوعت الحوادث التي تقع على الشريط الحدودي الآهل بالقرى المتداخلة اجتماعياً وعرقياً بين البلدين، اتسم بعضها بالعنف وإراقة الدماء في صفوف مواطني البلدين.
ففي سبتمبر (أيلول) 2023 شهدت مدينة ليري المالية القريبة من الحدود مع موريتانيا مواجهات مسلحة بين الجيش المالي وعناصر من الحركات الأزوادية المسلحة، وأوقعت الاشتباكات قتلى في صفوف الطرفين وسادت أجواء من الترقب أثرت في انسيابية التجارة على الحدود الموريتانية- المالية.
وعرفت المناطق نفسها قبل أربعة أعوام مناوشات بين مواطنين من البلدين قرب المعبر الحدودي "كوكي الزمال" المتنفس التجاري لدولة مالي الحبيسة التي تعتمد على ميناء نواكشوط البحري في استيراد معظم حاجاتها التجارية.
وبعد كل خلاف يدب بين مواطني البلدين تعمد قوات الأمن الموريتانية والمالية إلى ضبط الأوضاع وإعادة الهدوء للمنطقة.
وعن حادثة اقتحام عناصر "فاغنر" للحدود الموريتانية، يسرد عيد الله سيدي حننا وهو عمدة بلدية المكفة التي تتبع لها إحدى القريتين اللتين اقتحمتهما قوات مالية مدعومة بعناصر من "فاغنر" قبل أيام، قائلاً "فجأة اقتحمت القوات المالية وعناصر من فاغنر حدود القرية وكانوا يطاردون شابين ماليين اعتقد المقتحمون بأن الأهالي قاموا بإيوائهما، وشرعت القوات في فتح النار على منزل بالقرية من دون أن يتسببوا في تسجيل خسائر بشرية بين المواطنين".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وعن تدخل الجيش الموريتاني يوضح العمدة أن "جيشنا في وقت قياسي بعيد الحادثة مباشرة، ووجد أن عناصر قوات فاغنر انسحبت".
وأضاف سيدي حننا أن "تاريخ جيشنا في التدخل في مثل هذه الحالات مشرف وفاعل وسريع وأن جميع المواطنين مهيئين ومستعدين للرد على أي اعتداء تتعرض له القرى الموريتانية الواقعة على الشريط الحدودي مع مالي".
وعبّر العمدة عن امتنانه لسلطات بلاده وقواتها المسلحة على جاهزيتها وتدخلها السريع.
ويرى الخبير في الشأن الأفريقي إسماعيل الشيخ سيديا أنه من "الواضح من خلال الحوادث المتكررة على نقاط التماس بين مالي وموريتانيا أن هناك ملاحقات وكراً وفراً بين القوات المالية ومن يدور في فلكها من المتمردين السابقين المتحالفين معها والمرتزقة الأجانب من جهة، وجناح جبهة ’نصرة الإسلام والمسلمين‘ بقيادة إياد آغ غالي، المتمثل في ’جبهة تحرير ماسينا‘ التي يقودها نائب إياد في التنظيم المدعو آحمدون كوفا، مما خلق حالاً من الترقب والحذر وخلف عدداً من الضحايا المدنيين في جانبي الحدود".
ويؤثر التداخل الاجتماعي بين البلدين في تعقيد المشهد الأمني على الحدود، إذ يشرح الشيخ سيديا أنه "نظراً إلى تداخل الأراضي وسكان المناطق على طرفي الحدود وصعوبة ضبط الحركة، أتوقع أن تدوم هذه الحال ما لم يتوقف إطلاق النار رسمياً بين باماكو وخصومها المسلحين، ومن المحتمل أن تكون هناك موجات هجرة جديدة إلى الداخل الموريتاني، خصوصاً عند الشريط المأهول سكانياً".
وعن خصوصية هذه المنطقة من دول الساحل يؤكد الباحث في الشأن الأفريقي أن المسألة تتعلق بـ"حرب أهلية بلاعبين دوليين، وكذلك احتقان شديد".
رد موريتاني
من جهته، قال وزير البترول والطاقة والمعادن، المتحدث باسم الحكومة الموريتانية الناني ولد اشروقة إن "موريتانيا لم تغض الطرف عن قتل أي مواطن على حدودها، وإنها اتخذت الإجراءات العسكرية والأمنية كافة لحماية المواطنين".
وأكد ولد اشروقة الذي كان يتحدث خلال التعليق الأسبوعي للحكومة أن "جيش بلاده في المقابل سيردّ الصاع صاعين لكل طرف أجنبي دخل حدودنا متعمداً".
وأعادت حادثة دخول عناصر من "فاغنر" الى الأراضي الموريتانية الحديث في أوساط إعلامية عن مآلات وخطورة وجود هؤلاء المرتزقة في محيط ملتهب وتتنازعه تحديات الإرهاب والتهريب وتراجع الدول المركزية بفعل تنامي الانقلابات في دول منطقة الساحل.
وأظهر مقطع فيديو تداولته وسائل التواصل الاجتماعي في موريتانيا قائد الكتيبة الموجودة عند الشريط الحدودي الضابط محمد المصطفى حيدة وهو يخاطب مواطنين من قرى حدودية، قائلاً لهم إنهم "قادرون على تأمينهم ولن يتأخروا عن حمايتهم".
وأردف الضابط خلال حديثه المصور مع السكان أن "تنقّل القوات العسكرية إلى جهة معينة من دون معرفة العدد والعدّة في الجهة المقابلة مخاطرة بأرواحهم وأرواح السكان المحليين"، مضيفاً أن "ذلك يتطلب الاستخبار عن الجهة الموعودة واتخاذ التدابير اللازمة".