ملخص
تفيد الأرقام الرسمية بأن المغاربة يتصدرون قائمة الجنسيات الأجنبية الأكثر شراءً للوحدات السكنية من شقق ومنازل في إسبانيا خلال العام الحالي، يليهم البريطانيون في المرتبة الثانية بشراء 4 آلاف و332 عقاراً.
سجل المغاربة رقماً قياسياً في اقتناء العقارات والوحدات السكنية في إسبانيا خلال العام الحالي، وتحديداً في النصف الأول منه، بشراء 5 آلاف و452 منزلاً في ستة أشهر، مما يعني زهاء ثمانية في المئة من مجموع المبيعات العقارية للأجانب في هذا البلد الأوروبي، وفقاً لأرقام رسمية حديثة كشف عنها أخيراً المجلس العام للموثقين الإسبان.
ويعزو محللون عقاريون هذا الإقبال اللافت لشراء المغاربة منازل بإسبانيا إلى عوامل عدة رئيسة، منها أن المغاربة يعدون أحد أكثر الجنسيات الأجنبية وجوداً في هذا البلد، وأيضاً الأسعار المناسبة للوحدات السكنية، فضلاً عن التدابير المحفزة لمثل هذه المعاملات العقارية.
أرقام إسبانية رسمية
تفيد الأرقام الرسمية بأن المغاربة يتصدرون قائمة الجنسيات الأجنبية الأكثر شراءً للوحدات السكنية من شقق ومنازل في إسبانيا خلال العام الحالي، يليهم البريطانيون في المرتبة الثانية بشراء 4 آلاف و332 عقاراً.
وبعد المغاربة والإنجليز يأتي البولنديون في المرتبة الثالثة بـ3105 عقارات، ثم الأوكرانيون رابعاً بـ2058 عقاراً، فالأميركيون خامساً بشراء 1363 عقاراً، والإيرلنديون سادساً بـ1186 عقاراً، والكولومبيون في المركز السابع بـ1073 عقاراً، والبرتغاليون في المركز الثامن باقتناء 921 عقاراً.
وفي المجموع أجرى الأجانب في إسبانيا أزيد من 64.410 عملية شراء للمنازل والشقق السكنية خلال النصف الأول من العام الحالي، بارتفاع وصل إلى 1.8 في المئة مقارنة مع الفترة الزمنية نفسها من عام 2023.
ووفق ذات المعطيات الرسمية دفع المغاربة ما معدله 738 يورو (778 دولاراً) للمتر المربع، وهو أقل سعر في قائمة الأسعار التي دفعتها باقي الجنسيات الأجنبية، إذ سجل أعلى سعر لدى السويديين بمتوسط يتجاوز 3300 يورو (3479 دولاراً) للمتر المربع، بعدهم الأميركيون بمتوسط 3247 يورو (3423 دولاراً).
وتبعاً للبيانات الإسبانية المتداولة ذاتها تظل منطقة فالنسيا الأكثر جذباً واستقطاباً لعمليات شراء المغاربة الوحدات السكنية، وأيضاً باقي الجنسيات الأجنبية، بأزيد من 21 ألف منزل، ما يعادل 30 في المئة من مجموع المعاملات العقارية الأجنبية، تليها منطقة مورسيا، وبعدهما أقاليم كاستيا وغاليسيا والباسك أيضاً.
ويعد المغاربة أكبر جالية أجنبية من جهة العدد تقيم في إسبانيا بأكثر من 893 ألف شخص، وفق معهد الإحصاء الإسباني لعام 2023، كما أن المغاربة هم ثالث الجنسيات الأجنبية الأكثر حصولاً على الجنسية الإسبانية بأكثر من 12 ألف مغربي، وفق وزارة الخارجية والاتحاد الأوروبي والتعاون الإسباني.
السعر والجودة والقرب
بدوره، قال محمد الغملي، مهاجر مغربي مقيم في إسبانيا، إنه اشترى بداية هذا العام منزلاً في منطقة فالنسيا قبل أن تدهمه الفيضانات المدمرة قبل أيام قليلة، موضحاً أنه اقتناه بما يقارب 53 ألف يورو (نحو 56 ألف دولار) بمساحة 70 متراً مربعاً، أي بمعدل 750 يورو (790 دولاراً) للمتر المربع الواحد.
وأوضح أن هذا السعر مناسب جداً له ولأسرته، مقارنة مع سعر منزل مماثل بالمساحة نفسها في مدينة مغربية متوسطة، إذ يتجاوز سعر المتر المربع ثمانية آلاف إلى 10 آلاف درهم مغربي (ما بين 844 دولاراً إلى 1055 دولاراً).
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ونبه إلى أن هناك فوارق أخرى بين منزل في المغرب وآخر في إسبانيا، من قبيل جمالية الحي في المدن الإسبانية، وأيضاً ما سماه "جودة الحياة" في هذا البلد الأوروبي، إضافة إلى باقي الامتيازات الاجتماعية التي يحظى بها، وقرب مقر عمله من المنزل الذي اقتناه.
وإذا كان السعر و"جودة الحياة" هما المعياران اللذان سوغ بهما هذا المواطن شراءه عقاراً في إسبانيا، فإن مهاجراً آخر أفاد بأنه يعتزم اقتناء شقة آخر هذا العام بفضل التحفيزات المالية والضريبية التي يقرها القانون الإسباني.
وأشار إلى أمر آخر يتمثل في العامل الجغرافي، إذ إن إسبانيا قريبة من المغرب ولا تبعد سواحلها عن البلد الشمال أفريقي سوى بـ15 كيلومتراً، ويمكن للمغاربة اتخاذ هذه المنازل التي يقتنونها في إسبانيا سكناً لهم أو لقضاء العطل في الصيف.
مسوغات لفهم الظاهرة
من جانبه، رأى الباحث في الظاهرة السوسيولوجية محمد شقير أن عقلية المغاربة في أساسها ترتبط بالأرض، فهم قبل كل شيء فلاحون يتشبثون بالأرض التي تشكل بالنسبة إليهم ليس فقط وسيلة للإنتاج والعيش، بل مؤشر أساس على المظهر الاجتماعي.
وتابع شقير أنه "من الممكن أن تكون هذه العقلية هي التي تتحكم في المهاجرين المغاربة في إسبانيا، إذ إن وضعهم الاجتماعي داخل البلد الأوروبي يحاولون تكريسه من خلال اقتناء منازل". ولفت إلى "أن جل هؤلاء المغتربين ينتسبون إلى الجيلين الثاني والثالث من المهاجرين الذين قرروا الاستقرار في إسبانيا بخلاف الأجيال السابقة التي كانت ترى في وجودها بهذا البلد مرحلة عابرة قبل العودة للعيش في المغرب، وكانوا يفضلون اقتناء منازلهم داخل بلدهم الأصلي".
ونبه إلى أن عاملاً ثانياً يفسر الإقبال غير المسبوق للمغاربة على شراء المنازل بالجارة الأوروبية ويرتبط بنوعية المهاجرين في إسبانيا، إذ إن معظمهم ينحدرون من شمال المغرب، عكس المهاجرين في فرنسا الذين ينحدرون من جنوب المملكة، وهم أكثر ارتباطاً بجذورهم السوسية (نسبة إلى منطقة سوس الأمازيغية) أو الجنوبية بصورة عامة.
وأوضح أن انخفاض سعر المنازل في إسبانيا يعد عاملاً حاسماً أيضاً، مقارنة بثمنها المرتفع في المدن المغربية، بسبب المضاربة العقارية، واحتكار "مافيا العقار"، مورداً أن هذا المعطى جعل المهاجرين يفضلون اقتناء منازلهم في إسبانيا بخاصة بعد الإجراء الذي سبق للسلطات هناك أن اتخذته خلال أزمة العقار بمنح الجنسية أو بطاقة الإقامة لكل من يقتني مساكن أو منازل في مدنها.
ولم يفت شقير الإشارة إلى عامل آخر لا يمكن إغفاله لفهم ظاهرة إقبال المغاربة على شراء الشقق والمنازل في إسبانيا، هو "تبييض الأموال"، شارحاً بأن "شبكات التهريب والاتجار في الحشيش تسعى على غرار ما قامت به في بعض المدن بخاصة في شمال المغرب، إلى اقتناء المنازل والمساكن بإسبانيا".