Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

إسطنبول... باب أدار ظهره لمستقبل أردوغان السياسي

الانتخابات البلدية كشفت عن أن المدينة ما زالت عصية على حزب "العدالة والتنمية" وتفتح ذراعيها للمعارضة فيما اعترف الرئيس بأن رسالة الشعب وصلت إليه

حقق حزب "الشعب الجمهوري" إنجازاً غير مسبوق بالسيطرة على 36 بلدية منها إسطنبول (أ ف ب)

ملخص

يبلغ عدد سكان إسطنبول 16 مليون نسمة، ويخرج منها أكثر من نصف صادرات وواردات البلاد، وتشكل المدينة مع أنقرة وإزمير وأضنة وأنطاليا قرابة نصف الناتج الاقتصادي لتركيا، كما تفوق موازنة بلدية مدينة إسطنبول المدن الـ80 الأخرى في البلاد، إذ تبلغ 16.05 مليار دولار، في حين تبلغ موازنة العاصمة أنقرة 2.8 مليار دولار.

رسالة تحذير شديدة اللهجة أرسلها الشعب التركي إلى رئيسه رجب طيب أردوغان بفوز المعارضة في الانتخابات البلدية واحتفاظ مناوئي الرئيس بالمدن الرئيسة، وعلى رأسها العاصمة أنقرة والعاصمة الاقتصادية إسطنبول وإزمير، مما شكل ضربة قاصمة لتحركات الحزب الحاكم "العدالة والتنمية" في استعادة تلك المدن التي فقدها في الانتخابات السابقة عام 2019.

نتائج انتخابات الأسبوع الماضي أظهرت تصدر حزب "الشعب الجمهوري" بـ37.1 في المئة، فيما حل "العدالة والتنمية" ثانياً بـ35.9 في المئة، بينما فاجأ حزب "الرفاه مجدداً" الجميع بحصوله على المركز الثالث في الترتيب بنسبة 6.19 في المئة من الأصوات.

وبتلك النتيجة حقق حزب "الشعب الجمهوري" إنجازاً غير مسبوق منذ 47 عاماً، إذ لم يتصدر نتائج الانتخابات البلدية منذ 1977، وتقدم للسيطرة على 36 بلدية بدلاً من 21 في الانتخابات، بينما تراجع "العدالة والتنمية" إلى 24 بلدية من أصل 39 حصل عليها في الانتخابات السابقة.

وعلى رغم أن الانتخابات البلدية تأتي في مرتبة متأخرة نسبياً من حيث الأهمية السياسية بعد الانتخابات الرئاسية والتشريعية، التي حسمها أردوغان وحزبه العام الماضي، إلا أن إدارة المدن الكبرى تمنح الأحزاب التحكم في المشاريع وفرص العمل، مما قد يدعم شعبيتها ويفتح الباب أمام تحقيق مزيد من النتائج الإيجابية في الانتخابات المقبلة.

معركة إسطنبول

وحظيت المعركة الانتخابية في إسطنبول بالنصيب الأكبر من التركيز الإعلامي، فالعاصمة الاقتصادية والتاريخية لتركيا شهدت منافسة شرسة بين رئيس البلدية المنتهية ولايته أكرم إمام أوغلو، مرشح حزب "الشعب الجمهوري" في مواجهة مرشح حزب "العدالة والتنمية" مراد كوروم.

وطغى على ذلك السباق الانتخابي ما يبدو أنه تحد بين أردوغان وأوغلو الذي يتوقع كثيرون أن يكون البديل للرئيس الحالي، فخلال الأسابيع التي سبقت الاقتراع أجرى أردوغان عديداً من الجولات الانتخابية لدعم وزير البيئة والتخطيط العمراني السابق كوروم، وصلت في بعض الأحيان إلى ثلاث جولات في اليوم نفسه، في ما أظهر تصميم "العدالة والتنمية" على استعادة المدينة التي فقدوها في انتخابات 2019.

ولا يخلو المشهد من رمزية كونها المدينة التي شهدت انطلاقة أردوغان الحقيقية في عالم السياسة، إذ شغل رئيس بلدية إسطنبول بين 1994 و1998، وفتحت له باب الانطلاق إلى رئاسة الحكومة ثم الجمهورية.

كذلك كانت لانتخابات بلدية أنقرة أهمية خاصة، إذ حاول الحزب الحاكم استعادة السيطرة عليها وهزيمة رئيس البلدية منصور يافاش المنتمي لحزب "الشعب الجمهوري"، لكنه استطاع أيضاً تحقيق الفوز على مرشح حزب "العدالة والتنمية" تورجوت ألتينوك.

أسباب التراجع

تراجع حزب "العدالة والتنمية" في السباق داخل أنقرة وأسطنبول له دلالات مهمة عن قوة المعارضة ومستقبلها في الشارع، وفق الباحث في الشأن التركي بمركز الأهرام للدراسات الاستراتيجية كرم سعيد الذي أرجع تلك الخسارة إلى تراجع الاقتصاد واستمرار حال الاستقطاب السياسي، والتوتر الأمني المتواصل بعد هجوم عناصر من تنظيم "داعش" الإرهابي على رجال الشرطة والكنائس خلال الأعوام الماضية.

 

 

وقال سعيد إن الانتقادات التي طاولت موقف السلطة تجاه أزمة غزة والاكتفاء بخطابات شعبوية من دون جدوى أو تحرك قوي على الأرض تسببت في تراجع حزب "العدالة والتنمية"، كما أن سؤال "من سيخلف أردوغان من (العدالة والتنمية) في 2028"؟ يقلق الأتراك ويقلل من شعبية حزبه.

وألمح الباحث إلى أن كثيراً من أصوات المعارضة في تركيا كانوا من قبل مناصرين لحزب أردوغان، لكن عجزه عن نهضة البلاد وتنفيذ وعوده بتقليل حدة الأزمة الاقتصادية تسبب في خسارة كل من يمثل العدالة والتنمية في أنقرة وإسطنبول المدينتين الأكثر فهماً واستيعاباً للحياة السياسية برموزها ومعارضيها.

وأكد سعيد أن المعارضة لديها كفاءات يمكنها النجاح في الانتخابات الرئاسية وليس المحلية فقط، مستشهداً بأكرم إمام أوغلو الذي قد يتحول لمنافس حقيقي أمام من سيترشح على رئاسة الجمهورية من حزب "العدالة والتنمية".

مرشحان ضعيفان

مرشحا "العدالة والتنمية" في كل من إسطنبول وأنقرة أسهما في الهزيمة أيضاً، بحسب ما يرى سعيد الذي يرى أن شخصيتهما وحضورهما باهت سياسياً وليس لديهما اشتباكات سياسية، فهما أقرب للتكنوقراط القائمين على تنفيذ الأوامر من دون الدخول في رحلة صناعة القرار.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ولفت الباحث في الشأن التركي إلى أن الانتخابات المحلية كشفت عن صعود حزب طرف ثالث في المعادلة "الرفاه الجديد" الذي يقوده نجل نجم الدين أربكان، وأضاف أنه من الممكن عودة تحالف المعارضة من جديد في الشارع التركي بعد أن استطاع حزب "الشعب الجمهوري" الفوز بمفرده من دون معاونة أو مساندة من أي فصيل، مما يعني أن من الممكن أن تصطف المعارضة جميعاً بزعامة حزب "الشعب الجمهوري".

ويبلغ عدد سكان إسطنبول 16 مليون نسمة، ويخرج منها أكثر من نصف صادرات وواردات البلاد، وتشكل المدينة مع أنقرة وإزمير وأضنة وأنطاليا قرابة نصف الناتج الاقتصادي لتركيا، كما تفوق موازنة بلدية مدينة إسطنبول المدن الـ80 الأخرى في البلاد، إذ تبلغ 516 مليار ليرة (16.05 مليار دولار)، في حين تبلغ موازنة العاصمة أنقرة 92 مليار ليرة (2.8 مليار دولار).

الأزمة الاقتصادية

وتشهد تركيا أزمات اقتصادية في السنوات الأخيرة، إذ سجل التضخم 67 في المئة على أساس سنوي، فيما انهارت الليرة خلال عام ليسجل الدولار 31 ليرة بدلاً من 19 قبل عام، وكان إصرار أردوغان على معدلات الفائدة المنخفضة أحد أسباب الأزمة الاقتصادية، خصوصاً مع الفشل في السيطرة على التضخم على رغم زيادة الضرائب وغيرها من القرارات.

وأرجع خبير الشؤون التركية في المعهد الألماني للسياسة الدولية والأمن سالم تشيفيك، تراجع "العدالة والتنمية" إلى "الوضع الاقتصادي المتوتر"، وفشل أردوغان في الوفاء بوعوده خلال انتخابات الرئاسة لأصحاب المعاشات وذوي الدخل المنخفض بمنحهم مكافآت، وفق تصريحاته لشبكة "دويتشه فيلا" الألمانية.

لكن الخبير في الشأن التركي بشير عبدالفتاح استبعد أن تكون الأزمة الاقتصادية في تركيا السبب الرئيس وراء خسارة "العدالة والتنمية"  الانتخابات البلدية، مستدلاً بفوز أردوغان في الانتخابات الرئاسية وحصد الحزب للأغلبية البرلمانية في ظل المرحلة الأصعب للأزمة الاقتصادية، فضلاً عن تحسن مؤشرات الاقتصاد التركي أخيراً وارتفاع تصنيفاته الاقتصادية من الوكالات الدولية، لكنه لم ينف أن الوضع الاقتصادي أحد الأسباب التي أصابت الناخب التركي بالغضب.

توزيع المكاسب

وأورد عبدالفتاح أسباباً أخرى لتراجع حزب أردوغان، منها رغبة الناخب التركي في توزيع المكاسب السياسية على مختلف الأحزاب وعدم حصرها في سلة واحدة، موضحاً أن سيطرة "العدالة والتنمية" بزعامة أردوغان على الرئاسة وأكثرية البرلمان دفعت بعضهم لعدم التصويت لصالحهم على اعتبار أن المواطن يحتاج إلى تعدد الأصوات السياسية مما يصب في صالح تقديم أفضل الخدمات له.

 

 

ويرى عبدالفتاح أن الناخب التركي من أكثر شعوب العالم حرصاً على المشاركة الانتخابية، لكنه لا يريد لحزب "العدالة والتنمية" الاحتفاظ بكل مفاصل السلطة في الدولة، وأن الناخب لا يرى رئيساً سوى أردوغان لأنه "بدأ مشروعاً" لابد من استكماله، مشيراً إلى أن التحالفات منحت أردوغان الأغلبية البرلمانية التي تمكنه من تمرير التشريعات والقوانين.

أضاف الباحث في الشأن التركي أن الناخبين يعلمون بأن لدى أردوغان ميولاً استبدادية، ولن يستطيع أحد إيقافه إذا سيطر على الرئاسة والبرلمان بجانب البلديات، لذا اتجه الناخبون إلى دعم المعارضة في انتخابات البلدية.

وأرجع عبدالفتاح فوز مرشحي حزب "الشعب الجمهوري" أكرم إمام أوغلو في إسطنبول، ومنصور يافاش في أنقرة إلى بلائهم الحسن في البلديتين وإقناع الناخبين على رغم التضييق الإداري عليهما من "العدالة والتنمية"، مشيراً إلى أن الناخب يعلم أن المعارضة تحاول إثبات وجودها عبر الخدمات، "فالبلديات نقطة التماس بين الدولة والمواطن".

أما عن أسباب تراجع الحزب الحاكم فأوضح أن "العدالة والتنمية" وصل إلى السلطة منذ 20 عاماً ولديه مشكلات عديدة، فأصيب بحال من التيبس السياسي، وافتقرت الأمور داخله للديمقراطية بالمحاباة في الاختيار اعتماداً على أهل الثقة، لذا يحتاج حالياً إلى تجديد الثقة مع المواطنين ونهج جديد لإدارة الأمور.

كان أردوغان اعترف عقب الانتخابات بما سماه "نكسة انتخابية"، مضيفاً أن "رسالة الشعب" وصلت إليه، وأن حزبه سيعمل على تحليلها من خلال نقد ذاتي "شجاع"، وقال "سنصحح أخطاءنا وعيوبنا"، متعهداً بمواصلة البرنامج الاقتصادي الهادف إلى مكافحة التضخم.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير