ملخص
يقدم "مهرجان بيروت الدولي لسينما المرأة" الذي يستمر حتى 19 الجاري، باقة من أفلام عربية وعالمية تتناول قضايا المرأة بعيون مخرجات ومخرجين. وكرم المهرجان ليلة افتتاحه الممثلة المصرية الكبيرة يسرا.
حلّت الممثّلة المصرية يسرا ضيفة شرف على "مهرجان بيروت الدولي لسينما المرأة"، وتم تكريمها خلال حفلة الافتتاح، على ان تستمر العروض إلى 19 الجاري. النجمة المصرية البالغة من العمر 69 عاماً واحدة من أشهر وجوه الشاشة المصرية، انطلقت في التمثيل مع نهاية السبعينيات ومثّلت في بعض من أشهر الأفلام في الثمانينيات والتسعينيات، من بينها "حدوته مصرية" ليوسف شاهين و"الأفوكاتو" لرأفت الميهي و"الإرهاب والكباب" لشريف عرفة، وغيرها من الأعمال التي دفعتها إلى النجومية التي ما زالت تحتفظ بها نوعاً ما، رغم تراجع إنتاجها السينمائي في السنوات الماضية.
أقيمت حفلة الافتتاح في "كازينو لبنان"، الواقع خارج بيروت (رغم أن المهرجان يحمل اسم العاصمة اللبنانية!)، وقد حضرته مجموعة من الشخصيات الفنية والثقافية والسياسية والديبلوماسية والإعلامية. هذه المرة السابعة يشهد فيها لبنان هذه التظاهرة التي ينظّمها "مجتمع بيروت السينمائي" وتحمل شعار "نساء من أجل القيادة". المشروع من شأنه مواكبة عملية تمكين المرأة من خلال بث الوعي وجذب الإنتباه إلى الظروف الاجتماعية والاقتصادية التي تعيشها المرأة في أماكن مختلفة من العالم. والسينما في السنوات الأخيرة حافلة بهذه القصص، فالدعم الذي يحظى به المخرجون والمخرجات لإبراز سردية المرأة جاءت بنتيجة. من مصر إلى لبنان مروراً بالمغرب، هناك جهات تتلقّى دعماً دولياً لتنظيم هذه النشاطات، ولا يُخفى على أحد اأن الأهداف سياسية وإيديولوجية.
هناك من يلقي نظرة حذرة ومتحفظة على نشاطات ثقافية وفنية تُصنِّف الأعمال الفنية انطلاقاً من اعتبارات جندرية. في نظر هؤلاء، إن المساواة الحقيقية لا تتحقق إلا عندما يختفي مصطلح "سينما المرأة"، ولا تعود حاجة إلى تخصيص مهرجان عن المرأة. في النهاية، لا يوجد شيء يُعرف بـ"سينما الرجل". في المقابل، يؤمن آخرون بالتمييز الإيجابي إلى حين تحقيق المساواة.
رغم ما يعانيه لبنان من ظروف اقتصادية صعبة وصراع مع إسرائيل دائر على حدوده الجنوبية، فإن الحياة تواصل دورتها شبه المعتادة، وقد صرح منظمو المهرجان بأن حدثاً كهذا من شأنه "التغلّب على منطق الحروب والعنف والصمود، رغم كل الأوضاع التي يعاني منها لبنان والعالم العربي، من خلال نشر لغة السلام والحب والثقافة والفن".
ورغم أن مهرجاناً عن المرأة في بلد شبه منكوب لا يقدم ولا يؤخر، خصوصاً أنه محصور في إطار طبقة اجتماعية معينة، فاختيار الممثلة يسرا ينسجم تماماً مع الفكرة والهدف، فهي لطالما أكّدت أن على المرأة العربية تعزيز حضورها في الصروح الثقافية. في مقابلة سابقة لي معها، قالت إن علينا إبراز نماذج مختلفة للنساء، كي لا يقتصر حضورهن على الشكل والمظهر الخارجي، وهذا في نفسه تحد كبير في زمن انتشار وسائل التواصل وفي مقدّمها ما يُعرف بـ"التيك توك" الذي يدفع ببعضهن إلى نشر محتوى هزيل وسطحي. ففي رأي يسرا أن كفاءات النساء تتجاوز الجمال، وهي كثيرة ومؤثرة. "المرأة تمثل أكثر من نصف المجتمع، إنها أختك وأمك وابنتك وحبيبتك ورفيقة كفاحك. هي التي أتت بك إلى الدنيا، وهي التي ربّتك وصنعت منك ما أنت عليه. المرأة هي أساس الحياة. المرأة المصرية، حتى وهي فقيرة، حتى الأمية بين النساء تراها تعيل العائلة إذا عجز زوجها عن العمل لسبب ما. في مصر أكثر من 35 في المئة من النساء يعملن لإعالة أفراد العائلة".
السينما عبر التاريخ كانت منبراً لنساء رائدات سواء أمام الكاميرا أو خلفها، لكنّ أحد التحديات التي تواجهها الممثّلات في هذا الصدد هو التقدّم في السن وعدم العثور على أدوار تليق بالسن الذي هن فيه. بيد أن يسرا ترفض الإعتراف بحقيقة أن أفضل الأدوار النسائية ترتبط بسن معيّنة وتدور حول شابات، مؤكدةً أن الكاتب الجيد هو الذي يؤلف أدوراً لكافة الأعمار. الفنّ في نظرها ليس له عمر شأنه شأن الموهبة. تجاهلها كممثّلة لأنها بلغت عمراً معيناً، ليس سوى قصر نظر، في تقديرها.
هناك عدد من الأفلام الطويلة والمتوسطة الطول والقصيرة تُعرض في هذا الحدث، ولأن المهرجان ينشئ صلة بين تحرير المرأة من قيودها والسياقات العنيفة التي تتحدّى من خلالها المجتمعات الأبوية، فكان عرض فيلم "وداعاً جوليا" منسجماً مع أهداف المهرجان وخطابه. هذا الفيلم الذي أخرجه السوداني محمد كردفاني وكان محل اعجاب دولي، يتوقّف عند مصير سيدتين، هما منى (إيمان يوسف) مغنية معتزلة تعيش مع زوجها الميسور في منزل أشبه بمحمية، وجوليا (سيران رياك) وهي زوجة الرجل الذي قتله زوج منى في حادثة. العلاقة بينهما تفجّر كل الأسئلة وكل المشاعر، رغم الظروف الصعبة والأحداث الدموية المحيطة بهما، في ضوء انفصال جنوب السودان عن شماله. تخلّت منى عن الغناء بطلب من زوجها، الرجل المحافظ ذي الشخصية القاسية. تعرفها على جوليا يقلب حياتها رأساً على عقب، ويكون هناك ما قبل تلك اللحظة وما بعدها، مثلما يكون هناك حد فاصل في تاريخ السودان ما قبل الانفصال وما بعده.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
"بنات ألفة" فيلم آخر مشارك في المهرجان، هذه المرة من تونس، عن دور المرأة وسط صراعات الرجال السياسية، وهو يحضر في المهرجان كنموذج للوثائقي العربي الحديث الذي يطرح معاناة المرأة في مجتمع يترجح بين الحداثة وقيم العالم القديم. خلافاً للفيلم السوداني، فمن أنجز "بنات ألفة" هي سيدة (كوثر بن هنية)، وتنظر إلى النساء بعين مختلفة. تقارب بن هنية قضية المرأة التونسية على نحو غير تقليدي، من خلال سيدة تونسية هي أم لأربع بنات تُدعى ألفة، إثنتان منهن انضمتا إلى تنظيم الدولة الإسلامية في ليبيا وهما في عمر المراهقة، وذلك بعدما تغللت الأفكار الدينية المتطرفة داخلهما. تحاول ألفة أن تفهم ماذا حل بها وببناتها، والفيلم نوع من علاج لها. الأهم أنه لا ينجر خلف أي محاولة لتصويرها كضحية تثير الشفقة والتعاطف، بل نكتشف أنها جلادة بقدر ما هي ضحية، لكونها عاملت بناتها بعنف وقسوة. إنها حلقة مفرغة لا فكاك منها ولا يمكن النظر إلى هذا الواقع بعيداً من التجربة القاسية التي عاشتها منذ زواجها المدبر وعلاقتها برجل عاملها بسوء. صحيح أنها وقفت في وجه رجال، لكن هذا لا يمنعها من اعتبار جسد المرأة ملكاً للرجل. تمردت على وضعها كامرأة، لكنها أعادت إنتاج التربية التي كانت ضحيتها.
القصص المرتبطة بمعاناة النساء ليست وقفاً على العالم العربي، فكل من يؤمن بالنسبية لا بد أن يدرك أن المرأة الغربية لديها تحدياتها الخاصة المتصلة بواقعها، وهي تبقى تحديات حتى لو تلقى الضحية دعماً اجتماعياً أقوى. وهذا ما تعرفنا عليه المخرجة الفرنسية دلفين دولوجيه في "لا خسارة" المعروض في المهرجان، حول شخصية سيلفي (فيرجيني إيفيرا)، أم عزباء على عاتقها إبنان، تتلقّى زيارة من جهة رسمية مكلّفة حماية الأطفال، وتطلب منها تسليمها ابنها الصغير كي تضعه في بيئة أكثر أماناً، وذلك بعد تعرضه لحادثة تعتبرها الدولة نتيجة إهمال أو تقصير من جانب الأم. يتّخذ هذا الإجراء الوقائي منذ البداية صفة المبالغة، خصوصاً أننا نشهد على العلاقة بين الأم وابنها ونعرف طبيعتها. لكن القانون لا يتساهل في هذه المسألة التربوية تحديداً، فتنطلق حينها معركة سيلفي للمطالبة بابنها الذي "خُطف" منها. يجري الفيلم مسحاً شاملاً لواقع المرأة الفرنسية العاملة، خصوصاً تلك التي تفتقر لسند قوي، لا بل عليها ان توزّع طاقتها بين العمل والعائلة. وهذا كله إن دل على شيء، فإنما يدل على الكيفية التي تتقاطع فيها التجارب والمصائر لدى نساء من طبقات اجتماعية وخلفيات ثقافية وأعمار مختلفة، وتأثير القمع فيهن، وذلك حتى في أكثر الدول تقدّماً وصوناً للحقوق.