كشفت صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية عن أنّ المحققين الأميركيين يفحصون حالياً لوحات الدوائر الكهربائية للصواريخ التي انتُشلت من مواقع الهجمات على السعودية، بهدف تحديد مسار الصواريخ والتأكد إذا كانت قد انطلقت من إيران. ويراجع المحللون صور الأقمار الصناعية للمواقع التي استهدفتها الهجمات ويقيّمون أجهزة التعقب الراداري لبعض صواريخ كروز المنخفضة التحليق التي استُخدمت في الهجمات، إضافةً إلى تحليل الاتصالات التي جرى اعتراضها قبل الهجمات وبعدها، لمعرفة مدى تورط المسؤولين الإيرانيين في هذه الهجمات. وتزامنت هذه التحقيقات مع تكثيف النقاشات داخل الإدارة الأميركية حول إذا كانت إدارة الرئيس دونالد ترمب سترد على الهجمات، في ما لو تأكد أنها انطلقت من إيران، كما تضمنت النقاشات طبيعة الرد وشكله وتوقيته، حال اتخاذ قرار بذلك.
وقالت الصحيفة في تقريرها إن أهم ما في الأمر هو التحقيق الجنائي الجاري بكثافة الآن لعدد من القطع المتناثرة التي التُقِطت من مواقع الهجمات، إذ أوضح مسؤول أميركي بارز اطّلع على إيجاز استخباري، أن السعوديين تمكنوا من استرداد لوحات دوائر كهربائية بحالة ممتازة من أحد صواريخ كروز سقط بعيداً من هدفه، ما يمكّن الخبراء الجنائيين من اكتشاف موقع انطلاقها.
نظريات تحليق الصواريخ
وأشار مسؤول أميركي لـ"نيويورك تايمز" إلى أن إحدى النظريات التي تكتسب زخماً بين المسؤولين الأميركيين هي أن صواريخ كروز انطلقت من إيران وبُرمجت للتحليق فوق شمال الخليج، مروراً بالمجال الجوي العراقي، بدلاً من أن تعبر الخليج مباشرة من إيران إلى السعودية، حيث تنتشر نظم مراقبة متطورة تابعة للولايات المتحدة، يمكنها رصد الصواريخ أثناء عبورها.
وأفاد مسؤول أميركي آخر لم تكشف الصحيفة عن اسمه بأنه في الساعات السابقة للهجمات، رصدت الاستخبارات الأميركية نشاطاً غير عادي في قواعد عسكرية في غرب إيران، تشير إلى استعدادات لشن هجمات.
خيارات الرد
بالتزامن مع هذه التحقيقات، أجرى مسؤولون كبار في الإدارة الأميركية مناقشات معمّقة حول ردّ محتمل من جانب إدارة ترمب، بشن ضربة انتقامية ضد إيران، إضافةً إلى نقاشات أخرى تتعلق بطبيعة هذه الضربة وشكلها وتوقيتها.
ويمثّل هذا التساؤل تحدياً لترمب الذي أعلن في البداية أن الولايات المتحدة على أهبة الاستعداد للرد، ولكنه خفّف بعد ذلك من نبرته الحادة، قائلاً إنه يفضل تجنب الصراع.
لكن الصحيفة أكدت أن وزير الدفاع الأميركي مارك إسبر ورئيس هيئة الأركان الأميركية المشتركة جوزيف دانفورد، قدّما إلى ترمب مجموعة خيارات عسكرية للرد، يُعتقد أنها تشمل قصف مواقع إطلاق الصواريخ ومخازن أسلحة وشن هجمات سيبرانية من شأنها تعطيل المنشآت النفطية الإيرانية.
ضربات نسبية
ويبدو أن الإدارة الأميركية معنية بضمان أن تكون هذه الضربات نسبية بحيث لا تؤدي إلى تصعيد الصراع، خصوصاً أن قادة العالم سيجتمعون الأسبوع المقبل في نيويورك للمشاركة في اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة.
ونقلت الصحيفة عن مسؤولين أميركيين قلقهم حيال ثمن عدم الردّ على الهجمات التي أدت إلى خفض إنتاج النفط في دولة حليفة للولايات المتحدة في الشرق الأوسط.
في هذا السياق، يقول مسؤولون حاليون وسابقون في الإدارة الأميركية إنه لو ثبت أن إيران هي من أطلق الصواريخ، فربما كان دافعها في ذلك محاولة زيادة نفوذها وتأثيرها الدبلوماسي والاقتصادي، لأنها تعتقد أن شن ضربة قوية ومؤثرة سيُحسّن وضعها التفاوضي قبل اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك.
ليس دليلاً دامغاً
لا يراود المسؤولون الأميركيون أي شك في أنّ الصواريخ والطائرات المسيرة التي استُخدمت في الهجمات تشتمل على مكونات وتكنولوجيا إيرانية، لكنهم لم يحسموا أمرهم في ما إذا كانت الهجمات الأخيرة خططت لها طهران وأدارتها، لينفذها وكلاؤها في المنطقة، أو أنها انطلقت بالفعل من الأراضي الإيرانية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويشير بعض المسؤولين الأميركيين إلى أنهم على اقتناع بأن صواريخ كروز أُطلقت من إيران، لكن مسؤولين آخرين على اطّلاع بدوائر الاستخبارات الأميركية أكدوا أن الدليل المتوفر حالياً لا يُعدُّ دليلاً دامغاً غير قابل للشك، لأن إيران اتخذت خطوات كي يبقى مكان إطلاق الهجمات غامضاً ومبهماً.
ووفق مسؤولين أميركيين، أعدّت الولايات المتحدة وثيقة تحدّد مفهومها الحالي للحقائق حول الهجمات على السعودية، فيما بات تقييم أجهزة الاستخبارات جاهزاً للكشف عن تفاصيله، ولكن لن يُعلن عن فحوى التحقيقات، إلاّ بعد موافقة السعودية وإتاحة الفرصة لها للخروج بخلاصات واستنتاجات.
وتوقعت "نيويورك تايمز" أن يُكشف عن التقرير الأميركي خلال لقاء وزير الخارجية مايك بومبيو مع المسؤولين السعوديين الذين يرغبون في دعوة الأمم المتحدة وعدد من الخبراء الدوليين المشهود لهم بالكفاءة إلى زيارة مواقع الهجمات والمشاركة في التحقيقات، على اعتبار أنّ المملكة أكدت أنها ستتخذ الإجراءات المناسبة وفقاً للنتائج التي تنتهي إليها التحقيقات.
أميركا تفضل التحالف
وكان مايكل موريل، القائم بأعمال مدير الاستخبارات الأميركية "سي آي إيه" سابقاً قد قال خلال محاضرة ألقاها في جامعة جورج مايسون الأميركية بمقاطعة أرلنغتون في شمال فيرجينيا، إنه لو كانت إيران مسؤولة عن الهجمات، فإن ذلك يُعدُّ عملاً من أعمال الحرب ويتطلب رداً أميركياً. لكنه فضّل شن ضربة عسكرية محدودة نسبياً ضد مواقع الصواريخ الإيرانية ومناطق المخازن وليس ضد المنشآت النفطية الإيرانية.
وأضاف أنه من المهم للولايات المتحدة الأميركية انضمام حلفاء لها في شن هذه الضربة، مثل بريطانيا وفرنسا، كي لا تذهب واشنطن وحدها إلى المواجهة.
أما الأدميرال مايكل مولن، رئيس هيئة الأركان الأميركية السابق الذي تقاعد من الخدمة العسكرية، فأشار إلى خطورة الوضع نتيجة غياب الاتصالات مع الإيرانيين منذ انقطعت العلاقات بين الجانبين عام 1979، معتبراً أن ذلك لا يسمح بتجنّب تصعيد المواجهة وتفادي الحسابات الخاطئة.