Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الحمير تشعل معركة اقتصادية بين أفريقيا والصين

تهتم بكين بتلك الحيوانات بصورة استثنائية لأن شركاتها تستخلص من جلودها مادة "إيجياو" التي تدخل في الطب التقليدي

الحمير أكثر تكيفاً وأكثر تحملاً للظروف البيئية القاسية مثل الحرارة والجفاف بالمقارنة مع الخيول (اندبندنت عربية - حسن حامد)

ملخص

بسبب رواج "إيجياو" انخفض عدد الحمير في الصين من 12 مليوناً في تسعينيات القرن الماضي إلى 6.4 مليون في عام 2012، ثم إلى أقل من ثلاثة ملايين عام 2023

تلعب الحمير منذ فجر البشرية أدواراً حيوية في الحياة اليومية على مدار التاريخ. وعلى رغم أن أصول وتاريخ تدجين الحمير تظل غامضة وفقاً للأدلة الأثرية والوراثية الواسعة، لكن يُعتقد أنه تم استئناسها للمرة الأولى من قبل الرعاة الأفارقة.

وتُعد القارة الأفريقية من أبرز مربي الحمير في العالم، فقد بلغ عدد الحمير العالمي نحو 53 مليوناً، ثلثان منها في أفريقيا. وتخدم الحمير الأسر خصوصاً الريفية إذ تلعب دوراً حاسماً في قطاع النقل وفي دعم الزراعة وغيرها من سبل العيش في المناطق الريفية. وتستخدم بصورة أساسية في المناطق النائية، ولعبت ضمن عديد من الحيوانات أدواراً مهمة في الحياة الاقتصادية والاجتماعية. وتعتمد النساء بشكل خاص على الحمير لحمل الماء والحطب وغيرها من الضروريات، مما يجعلها مورداً بالغ الأهمية لاقتصاد القارة.

كما تهتم الصين بالحمير بصورة استثنائية لأن الشركات الصينية تستخلص من جلودها مادة "إيجياو" التي تدخل في الطب التقليدي الصيني. إضافة إلى أنه في المناطق الريفية، توفر الحمير الدخل وسبل العيش لكثير من الناس. وبالمقارنة مع الخيول، فإن الحمير أكثر تكيفاً، وأكثر تحملاً للظروف البيئية القاسية مثل الحرارة والجفاف. هذه الصلابة أسهمت في انتشارها في جميع أنحاء العالم وإدخالها إلى آسيا وأوروبا والولايات المتحدة من أفريقيا عن طريق الرحلات التجارية على مر القرون السابقة.

وبسبب رواج "إيجياو" انخفض عدد الحمير في الصين من 12 مليوناً في تسعينيات القرن الماضي إلى 6.4 مليون في عام 2012، ثم إلى أقل من ثلاثة ملايين عام 2023. ومع أن هناك نحو 24 نوعاً فرعياً من الحمير في الصين، إلا أن ما يتم ذبحه والذي قُدر بمليون حمار سنوياً، أدى إلى تراجع عددها واختفاء سلالاتها. أثبتت محاولات تجديد القطعان تحدياً، لأنها على عكس الأبقار أو الأغنام، تنتج الإناث مهراً واحداً فقط في العام كما تتعرض للإجهاض التلقائي في ظل ظروف مرهقة. كما أثر تحسين الماكينة الزراعية وتحسين الظروف المعيشية الريفية، على استبدال الحمير المستخدمة كحيوانات عاملة بالآلات الزراعية.

استخدامات شائعة

عن سلالات الحمير الصينية وجذورها، أوضح الباحثان هونغ جاو وسونغ بياو زو أن "الطرق الجزيئية لتحديد الأنواع تُظهر أن الحمير الصينية القديمة لها تنوع عال في الحمض النووي، واثنان من سلالاتها المتميزة معروفتان باسم السلالات الصومالية والنوبية". وأشار الباحثان إلى أن "أصل الحمير المحلية الصينية ربما كان مرتبطاً بالحمار البري الأفريقي من سلالتين، الأولى الحمار النوبي في شمال السودان، والثانية الحمار الصومالي في منطقة القرن الأفريقي منذ قبل ما لا يقل عن ستة آلاف عام".

ويضيف الباحثان "تشير الدلائل التاريخية إلى أن الحمير المحلية انتشرت في غرب وشمال الصين قبل ظهور أسرة هان عام 206 قبل الميلاد، وزاد عدد الحمير المحلي الصيني لتلبية الطلب بالتوسع في التجارة، واستخدمت كسلع أو لشحن البضائع على طول طريق الحرير أثناء حكم أسرة تانغ، عندما وصل طريق الحرير إلى عصره الذهبي وارتبط بأفريقيا".

وأوضحت الكاتبة في موقع "تشاينا ستوري"، ناتالي كول "لما يقرب من آلاف السنين كانت المادة المستخلصة من جلود الحمير إيجياو جزءاً من العلاج الصيني، إذ يُستخلص الجيلاتين من جلود الحمير عن طريق غليها في الماء. وتؤكد التجارب السريرية الطبية الحيوية الحديثة تأثير الجيلاتين على الدم".

وأوردت كول "السجلات التاريخية أكدت أن غليان الجلود كان يتم في الماء المستمدة من بئر في مقاطعة شاندونغ لتنتج مادة طبية عالية الجودة. وتمت حماية منطقة البئر من قِبل الجيوش الإمبراطورية، وكان الإيجياو يُرسل سنوياً إلى البلاط الإمبراطوري".

وأضافت "بهذا اكتسب إيجياو سمعة عالية جعلت منه دواءً باهظ الثمن، لا يتمكن من شراء الأصلي منه إلا الأثرياء للاستهلاك وتقديمه كهدايا فاخرة. وتوسعت صناعته، بينما انتشرت منه أصناف مزيفة تُخلط مع الفواكه المجففة والمكسرات وبذور السمسم، وتسويقها كمعزز للجمال والصحة بخصائص مضادة للشيخوخة وخصائص صحية أخرى".

ارتفاع الطلب

وعن استخدامات "إيجياو"، قال الطبيب البيطري أحمد الفكي "يُنتج عقار الإيجياو من الكولاجين المستخرج من جلد الحمير، وهو علاج صيني تقليدي يستخدمه من يعانون من فقر الدم أو انخفاض عدد خلايا الدم أو مشكلات الإنجاب. ووفقاً للطب الصيني التقليدي، فإن إيجياو يقوي الدم ويوقف النزيف، ويحسن جودة السوائل الحيوية، ويمكن استخدامه أو اعتباره منشطاً لتعزيز حيوية الإنسان وصحته".

وأضاف الفكي "يُستخرج الكولاجين بغلي جلود الحمير المخلوطة بالأعشاب ومكونات أخرى على شكل قطع طويلة وحبوب وسوائل، كما يُستخدم في الوجبات الخفيفة ومنتجات التجميل المضادة للشيخوخة مثل كريمات الوجه، ويعتقد أيضاً أنه يحسن الدورة الدموية، غير أنه لا يوجد دليل علمي على فعاليته".

مع زيادة الطلب على مادة إيجياو"، وانخفاض عدد الحمير في الصين، أصبحت جلود الحمير تجد طريقها إلى الصين من دول عدة مثل قيرغيزستان والبرازيل والمكسيك، لكن الدول الأفريقية هي المركز الأساسي لهذه التجارة، مما أثر على عدد الحيوانات التي ذُبحت وعلى البيئة أيضاً.

من بين العدد الكلي للحمير في العالم، يتم ذبح نحو مليوني حمار سنوياً لإنتاج "إيجياو". ووفقاً لتقرير نشرته مؤسسة "دونكي سانكشواري" البريطانية العام الماضي، كتب الباحثون في المجلة البيطرية "تختار الصين استيراد الحمير من جميع أنحاء العالم بتكلفة عالية، مما قد يؤدي إلى أزمة محتملة للحمير في جميع أنحاء العالم".

وذكر "منبر الدفاع الأفريقي" أن "إيجياو يباع للأثرياء في الصين بنحو 780 دولاراً للكيلوغرام، وأدى ارتفاع الطلب عليه إلى زيادة الإنتاج بنسبة 160 في المئة منذ عام 2016. فاضطرت الصين إلى أن تولي وجهها شطر أفريقيا بحثاً عن الحمير بسبب تضاؤل أعدادها فيها جراء الطلب على الإيجياو". وذكرت مجلة "كونفرسيشن" أن "سوق الإيجياو في الصين توسع من نحو 3.2 مليار دولار عام 2013 إلى نحو 7.8 مليار دولار عام 2020، ويعيش في أفريقيا 60 في المئة من حمير العالم".

فقر القوانين

وفقاً لتقرير صادر عن شينخوا عام 2016، هناك حاجة إلى نحو أربعة ملايين حمار كل عام لإنتاج ما يكفي من إيجياو للسوق في الصين، لكن العرض السنوي للحمير في الصين أقل من ذلك.

وما يجدر ذكره أن الصين تستورد بشكل رئيسي جلود الحمير من دول أفريقية عدة. وفي هذا أوضحت الباحثة في "معهد قانون الحيوانات في آسيا" زيهاو يو، "أدى تصدير وتهريب جلود الحمير إلى ذبحها المفرط في مناطق الإنتاج، مما نتج منه انخفاض سريع في أعدادها. هذه الفوضى في الذبح الخاص، والذبح العشوائي، وسرقة الحمير، لم تثر فقط استياء المزارعين المحليين، ولكنها جذبت أيضاً الاهتمام القوي للحكومات المحلية ومنظمات حماية الحيوانات الدولية".

 وفي السياق، حذرت "المنظمة العالمية لصحة الحيوان" من أن عدد الحمير في خطر الآن. وصرحت مؤسسة "دونكي سانكشواري" أن "هناك شبكة واسعة من المجرمين المنظمين تعرض جلود الحمير للبيع، وكثيراً ما تعرضها بجانب غيرها من منتجات الحياة البرية غير القانونية مثل قرون وحيد القرن، وحراشف آكل النمل، وعاج الفيلة، وجلود النمور".

وقالت الرئيسة التنفيذية للمؤسسة ماريان ستيل "ينبغي وقف تجارة جلود الحمير على الفور، لأنها تجارة مجردة من الرحمة والإنسانية ويعوزها التنظيم ولا داعي لها، وتتسبب في معاناة الحمير والمجتمعات التي تعتمد عليها على نحو يؤدي إلى تقليص عددها".

ومنذ عام 2020، تقوم "رابطة الصين لتعزيز التعاون الزراعي الدولي" بصياغة وثيقة "دليل أفضل الممارسات وإدارة رفاهية الحمير" بمساعدة "محمية الحمير البريطانية". وتم في عام 2021 إجراء المسح الوطني الثالث للموارد الوراثية للماشية والدواجن. وترى الرابطة أنه "مع ذلك، نظراً لعدم وجود قانون ينظم رعاية الحيوان في قانون تربية الحيوانات الصيني لعام 2015، فإن الحمير محمية فقط كموارد وراثية ومن أجل جودة المنتج وسلامته، ولكن بالنظر إلى مبادئ الرابطة التي تستلزم رفاهية الحمير أيضاً، فإنها غير محمية في الصين".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

إجراءات أفريقية

ذكرت صحيفة "نيويورك تايمز" أن "15 دولة أفريقية، إضافة إلى باكستان، قامت بحظر تجارة الحمير الدولية، مشيرة إلى مخاوف من أن الحمير سيتم القضاء عليها قريباً إذا استمرت وتيرة الذبح الحالية". وأضافت الصحيفة أن "أسعار الجلود وصلت سعراً أعلى بـ50 مرة عما كانت عليه عام 2014، في حين تضاعفت أسعار الحمير الحية ثلاث مرات تقريباً".

في كينيا، قال نائب مدير مديرية الخدمات البيطرية نيكولاس آيور "أصبحت كينيا مركزاً للتصدير بملايين الدولارات من جلود الحمير إلى الصين. وأدى الطلب المتزايد على الحمير إلى ارتفاع حالات السرقة والتهريب عبر الحدود على نطاق واسع. وبين عامي 2016 و2018، تم ذبح أكثر من 300 ألف من حمير كينيا التي تقدر بنحو 1.97 مليون حمار أي 15 في المئة تقريباً من العدد الكلي".

وفي أعقاب إبطال وزارة الزراعة والماشية الكينية تراخيص أربع شركات مصدرة للحمير، شرعت ثلاث منها في تحدي الحظر في محكمة نيفاشا. كما تقدم "تحالف مالكي الحمير" في كينيا بالتماس إلى المحكمة التي أصدرت بناء عليه أمراً موقتاً بالسماح لبعض الشركات بمواصلة التجارة حتى يتم حل القضية.

وفي إثيوبيا، حيث يعيش نحو 9 ملايين حمار، كشفت دراسة أجراها معهد "فيروز لالجي" للدراسات الأفريقية، أن "امتلاك حمار واحد في أثيوبيا يمكن أن يغير حياة الإنسان من العوز والفاقة إلى حياة مستقرة". وعلى رغم حظر إثيوبيا تجارة الحمير، إلا أنها تُهرب عبر الحدود. وتشير التقارير إلى أنه يتم نقل الحمير التي تم الحصول عليها بشكل غير قانوني إلى ما يصل إلى 100 كيلومتر عبر إثيوبيا إلى معبر مويال مع كينيا.

وفي جنوب أفريقيا، أوردت صحيفة "أفريكا نيوز"، أن "الانخفاض في عدد الحمير بسبب الذبح غير القانوني لتزويد تجارة الجلود الصينية، يهدد الشركات المحلية التي تصنع الصابون والكريمات من حليب الحمير".

"دبلوماسية الحمير"

من جانبه، صادق الاتحاد الأفريقي في فبراير (شباط) الماضي على اقتراح بحظر تجارة جلود الحمير مدته 15 عاماً، والذي يمكن أن يسهم في قطع شوط طويل في حماية الحمير الأفريقية، ولكن لا يوجد جدول زمني أو تفويض يتطلب من الدول الأفريقية تنفيذها اللائحة الجديدة.

ويشكك كثيرون في مدى التزام الدول الأفريقية بتنفيذ الحظر بسبب الطبيعة المعقدة للطريقة التي تتعامل بها دول أفريقية عدة في تنفيذ مثل هذه اللوائح بسبب عوامل مثل إجراءات وضع القانون وتطبيقه، والفساد، وعدم وجود آلية لفرض الحظر من قِبل الاتحاد الأفريقي مما يستلزم إنشاء قوانين محلية لكل دولة. وعلى رغم القيود المفروضة على التنفيذ، فإن شعبية مادة "إيجياو" تسيطر على الأسواق الأفريقية، ومن المحتمل أن تستمر العديد من دولها في تزويد الصين بجلود الحمير، مما يستلزم القيام بالمزيد لحماية الحمير الأفريقية.

وهناك مقترح بأن تدعم الصين تنفيذ هذا القرار من خلال اتباع نهج مماثل للإتجار في العاج، الذي ساعد في إبطاء الصيد الجائر في البلدان الأفريقية. ويتوقع بعض المهتمين أن يرتبط امتثال الصين باتفاقيات اقتصادية أخرى، فالمصالح وحدها يمكنها أن تحمي العلاقات من نشوب معركة اقتصادية، فيما أُطلق عليه "دبلوماسية الحمير".

كما أن هناك خطوات أخرى، أوضحها عالم الأحياء الإنجابية في جامعة الصين الزراعية في بكين تشن شينينغ، أن "الجهود الصينية تركز على زيادة العائد من الحمير لمواجهة الطلب الصيني على إيجياو، وذلك من خلال التلقيح الصناعي وتنسيق الشفرة البيولوجية في إناث الحمير، مما يسمح للمزارعين بطلب تجميد الأجنة بشكل أكثر كفاءة".

وأضاف شينينغ "تقوم الصين بتحسين التقنيات حتى لا تنتهي سلالات الحمير من الصين، وتتضمن هذه التحسينات تقنيات أفضل لتجميد أجنة الحمير التي تبدو أقل نجاحاً مما هو عليه في أجنة الخيول والماشية الأخرى".

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير