ملخص
منذ سنوات انتشرت فكرة أن هناك علاقة عكسية دائماً في المدى القصير بين سعر الدولار وسعر النفط فإذا ارتفع الدولار هبط النفط والعكس صحيح.
لطالما خضعت العلاقة بين أسعار النفط والدولار إلى أحاديث ومناقشات في الماضي، ولكن هناك تطورات استلزمت العودة إلى الموضوع بعد تغير العلاقة بينهما منذ عام 2021.
فالنفط يسعر عالمياً بالدولار الأميركي وتسعيره باليوان الصيني في بورصة شنغهاي هو مرآة سعره بالدولار في بورصة دبي، بعد التعديل بحسب النوعية والموقع الجغرافي. أي إنه التسعير باليوم هو عبارة عن تحويل للسعر من الدولار إلى اليوان بحسب سعر الصرف السائد. ومن ثم فإن النفط يسعر بالدولار على كل الحالات.
وعلينا أن نفرق بين تسعير النفط بالدولار وتسلم إيرادات النفط بغير الدولار، فيمكن بسهولة تسلم إيرادات النفط بغير الدولار من طريق تغيير العملة بحسب سعر الصرف السائد أو المتفق عليه. الرئيس العراقي السابق صدام حسين لم يسعر النفط بغير الدولار. كل ما فعل هو مطالبة الولايات المتحدة بأن تحول حصة العراق من إيرادات، وكانت الثلث، إلى يورو.
وحالياً تتسلم روسيا عائداتها بعملات عدة، لكن معظمها اليوان الصيني، ولكن النفط الروسي ما زال يسعر بالدولار. وما زال النفط الإيراني يسعر بالدولار.
العلاقة العكسية
منذ سنوات انتشرت فكرة أن هناك علاقة عكسية دائماً في المدى القصير بين سعر الدولار وسعر النفط فإذا ارتفع الدولار هبط النفط والعكس صحيح. الواقع أنه لا يوجد علاقة واضحة بين سعري الدولار والنفط في المدى القصير، والعلاقة التي وجدت حصلت أثناء الأزمة المالية في عامي 2008 و2009 بسبب انهيار كل القطاعات الاقتصادية فلجأ التجار والمضاربون إلى التجارة بالسلع فوجدت تلك العلاقة.
والمشكلة أنه بعد انتهاء الأزمة المالية ظن البعض أنها علاقة دائمة وصحيحة فتم إدخالها في برامج التجارة الآلية في الحواسيب، الأمر الذي رسخ مفهوم العلاقة العكسية. بعبارة أخرى، العلاقة التي وجدت بعد عام 2009 كانت "مصطنعة" بسبب برمجة عمليات البيع والشراء بهذا الشكل. مع الزمن ثبت فشل هذه العلاقة في الواقع، ونسيها الناس.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
إلا أن هناك علاقة عكسية بين أسعار النفط وقيمة الدولار على المديين المتوسط والطويل، فانخفاض الدولار يؤدي إلى خفض إنتاج النفط من جهة، وزيادة الطلب عليه من جهة أخرى، فترتفع أسعاره. والعكس بالعكس، ارتفاع الدولار يؤدي إلى زيادة الإنتاج من جهة، وانخفاض الطلب من جهة أخرى، فتنخفض أسعار النفط.
ما علاقة إنتاج النفط والطلب عليه بقيمة الدولار؟
انخفاض الدولار لفترة طويلة من الزمن يعني انخفاض القوة الشرائية لبرميل النفط، فتصدير برميل النفط يشتري واردات أقل بسبب ارتفاع عملات الدول الأخرى في آسيا وأوروبا وغيرها، كما أن توفير المواد الأساسية في البلد يعني انخفاض الأموال المتوافرة للاستثمار في الصناعة، فينخفض الإنتاج.
وانخفاض قيمة الدولار مقابل العملات الأخرى يعني انخفاض كلفة واردات النفط في كل الدول التي ارتفعت عملاتها مقابل الدولارات. الآن يصبح النفط أرخص من ذي قبل، فتزيد الكمية المطلوبة. هنا نجد أن الدولار انخفض ولكن أسعار النفط ترتفع بسبب انخفاض الإنتاج وزيادة الطلب. والعكس بالعكس عندما يرتفع الدولار.
هل غيَّرت ثورة النفط الصخري العلاقة بين الدولار وأسعار النفط؟
تاريخياً، كانت العلاقة على المديين المتوسط والطويل كما ذكر سابقاً، وهي ذات اتجاه واحد، دعمها الزيادة المستمرة في واردات الولايات المتحدة من النفط، والتي أدت إلى زيادة العجز في ميزان المدفوعات الأميركي، ومن ثم انخفاض الدولار.
بدأت ثورة النفط الصخري في عام 2010، وبدأ إنتاج النفط الأميركي بالزيادة، فانخفضت واردات النفط، وبدأ ميزان المدفوعات بالتحسن، ولكن لم يتم تصدير النفط الأميركي حتى عام 2016 بعد أن رفع الرئيس الأسبق باراك أوباما في نهاية 2015 الحظر على تصدير النفط الأميركي منذ عام 1974.
بدأت الشركات تصدر النفط الأميركي حتى تجاوزت الصادرات خمسة ملايين برميل يومياً. الآن لنرى أثر ثورة الصخري في ميزان المدفوعات، انخفاض الواردات بنحو سبعة ملايين برميل يومياً، وزيادة الصادرات بأكثر من خمسة ملايين برميل يومياً. أي إن الأثر 12 مليون برميل يومياً.
بأسعار اليوم، القيمة الشهرية لهذه الكمية 29 مليار دولار ولكن الأثر لا يقتصر على هذا فقط، فكمية المنتجات النفطية التي يتم تصديرها تضاعفت ثلاث مرات منذ بداية ثورة الصخري وأصبحت تضيف نحو ستة مليارات دولار شهرياً مقارنة بما قبل 2010، بينما زاد صادرات الغاز بنحو ثلاثة مليارات دولار شهرياً، هذا يعني أن الأثر في ميزان المدفوعات نحو 38 مليار دولار شهرياً، وهو ما أسهم في رفع قيمة الدولار.
ثم جاءت سياسات البنك المركزي المحاربة للتضخم والرافعة لأسعار الفائدة ودعمت الدولار أيضاً، والبعض يعتبر أن جزءاً كبيراً من هذا التضخم كان سببه ارتفاع أسعار النفط بشكل كبير في عام 2022 بسبب العملية العسكرية الروسية ضد أوكرانيا.
من المفروض، في الحالات العادية، أن يؤدي ارتفاع الدولار وأسعار النفط إلى هبوط معدلات نمو الطلب على النفط، وربما تحولها للسالب، ولكن هذا لم يحصل بسبب الانتعاش منذ عام 2021 بسبب انتهاء معظم عمليات الحظر حول العالم بسبب جائحة كورونا.
بعبارة أخرى، بدأ الاقتصاد العالمي بالنمو من أقل مستوى له، ومن ثم فليس له مجال إلا الصعود! لهذا وجدنا أن ارتفاع الدولار صاحبه ارتفاع أسعار النفط، وتم كسر القاعدة التاريخية حتى على المديين المتوسط والطويل. وبالفعل، لو نظرنا إلى بيانات أسعار النفط وقيمة الدولار منذ 2021، لوجدنا أن العلاقة بينهما طردية على عكس الماضي حيث كانت عكسية.
إذاً هناك ظاهرة تاريخية جديدة حول العلاقة بين قيمة الدولار وأسعار النفط سببها ثورة الصخري من جهة، والانتعاش من إغلاقات كورونا من جهة أخرى. وبحسب الوضع الحالي لا يتوقع لهذه الاتجاهات أن تتغير بسرعة، ولكن سيأتي وقت ستعود المياه إلى مجاريها، وتعود العلاقة العكسية بين قيمة الدولار وأسعار النفط في المديين المتوسط والطويل.