Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

المغرب يشهد سجالا حول تعديلات قانون الأسرة

المدونة الجديدة تقيد تعدد الزوجات و"زواج الفاتحة" وتحاصر تزويج القاصرات في القرى والبوادي

من التعديلات التي أتت بها مدونة الأسرة اعتماد عقد الزواج فقط لإثبات الزوجية (أ ف ب)

ملخص

منظمات حقوقية ونسائية ترى أن التعديلات الجديدة انتصرت للمرأة المغربية في وجه "الظلم المجتمعي والأسري" الذي لحق بها، بينما يرى آخرون أن بعض هذه التعديلات مست "حقوق الرجل"، أو أنها جاءت بهاجس سياسي لإرضاء الأطراف المعنية بإصلاح قانون الأسرة.

يشهد المغرب في هذه الأيام سجالات ونقاشات عامرة في شأن تعديلات مدونة الأسرة "قانون الأسرة"، وبخاصة في ما يتعلق بتشديد شروط تعدد الزوجات، والتضييق على "زواج القاصرات" و"زواج الفاتحة" الذي ينعقد دون توثيق لا سيما في القرى والبوادي، فضلاً عن تعديلات مهمة أخرى حملتها المدونة التي يرتقب أن تتم المصادقة عليها من لدن البرلمان المغربي.

وفي وقت ترى فيه فعاليات حقوقية ونسائية بأن هذه التعديلات الجديدة انتصرت للمرأة المغربية في وجه "الظلم المجتمعي والأسري" الذي لحق بها، يرى آخرون أن بعض هذه التعديلات مست "حقوق الرجل"، أو أنها جاءت بهاجس سياسي لإرضاء مختلف الأطراف المعنية بإصلاح قانون الأسرة.

أبرز التعديلات

تضمنت مدونة الأسرة "الجديدة" 16 تعديلاً بارزاً يهم المرأة والأسرة المغربية، أهمها تعديلات بخصوص تحديد سن الزواج، وتقييد تعدد الزوجات بشروط معقدة، وتقييم "زواج الفاتحة"، علاوة على حضانة المطلقة للأطفال، وتدبير الأموال المكتسبة أثناء العلاقة الزوجية، مع تثمين عمل الزوجة داخل المنزل.

من التعديلات التي أتت بها مدونة الأسرة إمكانية توثيق الخِطبة، واعتماد عقد الزواج فقط لإثبات الزوجية كقاعدة، مع تحديد الحالات الاستثنائية لاعتماد سماع دعوى الزوجية، مما يعني تقييداً قانونياً للاعتراف بما يسمى "زواج الفاتحة" في المغرب.

ويبنى "زواج الفاتحة" على قراءة سورة الفاتحة بين عائلتي طرفي القران، لكن من دون توثيق رسمي، وذلك لتمكين الرجل من الزواج بثانية من دون علم أو موافقة زوجته الأولى، وهو نمط من الزواج سائد بكثرة في البوادي والمناطق النائية والفقيرة في البلاد.

ومن التعديلات الأخرى تحديد أهلية الزواج بالنسبة إلى الفتى والفتاة في الـ18 سنة شمسية كاملة، مع وضع استثناء للقاعدة المذكورة، يُحدد فيها سن الفتاة القاصر في 17 سنة، وإحاطته بعدة شروط تضمن بقاءه، عند التطبيق، في دائرة الاستثناء.

وجاء في تعديل قانون الأسرة "الجديد" بند استطلاع رأْي الزوجة إجبارياً أثناء تَوثيق عقد الزواج، حول اشتراطها عدم الزواج عليها من عدمه، والنص على ذلك في عقد الزواج، وفي حال اشتراط عدم الزواج عليها، فلا يحق للزوج التعدد وفاء منه بالشرط.

وفي حال غياب هذا الاشتراط، فإن المبرر الموضوعي الاستثنائي للتعدد، سيُصبح محصوراً في إصابة الزوجة الأولى بالعقم، أو بمرض مانع من المعاشرة الزوجية، أو حالات أخرى يقدرها القاضي وفق معايير قانونية محددة تكون في الدرجة نفسها من الموضوعية والاستثنائية.

استبشار نسائي

وتلقت غالبية الجمعيات والمنظمات النسائية والحقوقية والهيئات السياسية والحزبية مضامين هذه التعديلات التي أعلنتها الحكومة المغربية، بالقبول والإشادة، لكن مع توسيع دائرة تحصيل مكتسبات اجتماعية وأسرية أخرى لفائدة المرأة المغربية.

وفي هذا الصدد ثمنت فيدرالية رابطة حقوق النساء المكتسبات التي تحققت في إصلاحات مدونة الأسرة، من قبيل حماية حقوق الأطفال القصر، وإدراج شرط منع التعدد في عقد الزواج، باعتباره حقاً مشروعاً للمرأة.

وأفادت الرئيسة الشرفية لفيدرالية رابطة حقوق النساء فوزية العسولي، بأن المكتسبات التي وردت في التعديلات المعلن عنها في قانون الأسرة تعزز دعائم الأسرة المغربية باعتبارها النواة الرئيسة للمجتمع، لا سيما أنها جاءت لتناصر حقوق النساء والأطفال.

وعلى رغم إشادتها بغالبية مضامين تعديلات قانون الأسرة، شددت العسولي على أنه "يمكن تحقيق إصلاحات أكثر في هذا المجال، من خلال فتح باب الاجتهاد في بعض القضايا التي لها علاقة بالفقه الإسلامي، حتى يتحقق التغيير المنشود".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

من جانبها اعتبرت المهتمة بالحركات النسوية لطيفة بوشوى أن "هناك مكتسبات يجب الاعتراف بها والحرص والتعبئة من أجل إخراجها في صيغة قانون واضح ومقتضيات صريحة لا تحتمل التأويل والتقديرات الذكورية التمييزية".

ووفق بوشوى، هذه التعديلات "فتحت نوافذ كثيرة لهدم البنيات المتحجرة وتفكيكها"، داعية إلى "مواصلة الاجتهاد التنويري في التعاطي مع قضايا الأسرة بغاية تحقيق الانسجام مع القيم الكونية".

تعزيز مكانة المرأة

ويعلق الباحث الاجتماعي محمد شقير على الموضوع بقوله إن التعديلات الـ16 في مدونة الأسرة استجابت في مجملها لعدد من المطالب التي عبرت عنها فعاليات نسائية وحقوقية بالمغرب.

وذكر شقير أن من هذه المطالب التي تمت الاستجابة لها التضييق من هامش تعدد الزوجات، موضحاً أنه على رغم عدم إلغائه كلياً كما كانت تطالب بعض الفعاليات النسوية والحقوقية، غير أنه تم وضع شروط عدة لتقييده، مثل اشتراط المرأة عدم الزواج عليها، وطلب الطلاق، وكذلك تحديد الحالات التي يتم فيها طلب التعدد، وعلى رأسها عقم المرأة.

واستطرد المتحدث بأنه تم العمل على التقليص من "زواج الفاتحة" وتجاوز الحالات التي تم فيها استغلال المادة (16) من قانون الأسرة، والتي طرحت كمادة تجيب على حالات استثنائية لا أن تتحول إلى قاعدة قانونية لفتح المجال أمام التعدد.

واعتبر شقير أن التعديلات الأخرى عززت مكانة المرأة المتزوجة وحقوقها في الحضانة حتى للمرأة المطلقة إذا ما تزوجت وكذلك ضمان حقوقها في الاحتفاظ ببيت الزوجية والحصول على حقها في المكاسب المشتركة، بينما تم عدم المس بما يتعلق بالنصوص القطعية من تعصيب وغيره.

تعديلات مفككة

من جهة أخرى، يرى الباحث في الشأن الديني والاجتماعي إدريس الكنبوري أن التعديلات الجديدة في مدونة الأسرة جاءت مفككة وغير منسجمة من حيث البناء العام في علاقتها ببقية الفصول، وذلك بسبب غلبة الهاجس السياسي ومحاولة إرضاء مختلف الأطراف.

وأوضح الكنبوري أنه في ما يتعلق بتعدد الزوجات، ضيقته التعديلات إلى أبعد الحدود التي تقترب من المنع، إذ إن التعديل يشترط تضمين العقد شرط الزوجة بعدم الزواج عليها، ثم يضع استثناءات منها الإصابة بالعقم، ولكنه لم يضع حلاً للمشكلة إذا اجتمع الشرط القبلي في العقد مع الظهور البعدي للعقم.

وتابع المتحدث قائلاً "الشروط التي وضعتها تعديلات مدونة الأسرة التي تم الإعلان عنها بخصوص تعدد الزوجات ضيقت حق الزوج في التعدد، بل أغلقت حتى مسألة الرخصة من طرف الزوجة للزوج".

وحول "زواج الفاتحة" يقول الباحث "نص التعديل الجديد على أن عقد الزواج هو الوثيقة الوحيدة المعتمدة في إثبات الزوجية، إلا أنه فتح استثناءات لإثبات الزوجية وأطلق عليها "دعوى الزوجية"، مما يعني أن واضعي التعديلات وضعوا نصب أعينهم حالات الانفلات في المجتمع".

وأكد المتحدث "نلاحظ اعترافاً خفياً بـ(زواج الفاتحة) لأن دعوى الزوجية يمكن أن تترتب على زواج الفاتحة، وتبقى معرفة الإجراءات الإدارية التي تحدث عنها التعديل لإثبات دعوى الزوجية بعد الصياغة النهائية لمدونة الأسرة".

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير