حاولوا شيطنته كلما غضبوا من مواقفه، فيلمزونه بنعوت مثل "عويض، والنقيب، وشيخ السلطة"، إلا أن الداعية السعودي عايض القرني ظل متمسكاً بمقاربته التي قال إنه تعلمها من قيم والده شيخ العشيرة، قبل أن ينظر هو لها فقهياً، وهي "السمع والطاعة لولي الأمر بن سعود"، وهو ما اعتبره نقطة جعلته في محطات عدة في مرمى نيران "الإخوان المسلمين" والتيارات المتناسلة من رحمهم أمثال السرورية والقاعدة وداعش وأخواتها.
ويروي في حوار مطول مع "اندبندنت عربية" كيف أنه حتى عندما كان أحد صقور "الصحوة" التي أقر بعلاقات سرية لها أحياناً مع "الإخوان" في تسعينيات القرن الماضي، ظلوا متوجسين من مواقفه المنسجمة مع المؤسسة الدينية الرسمية والدولة في مثل قضية تحرير الكويت واستقدام القوات الأميركية لطرد محتليها، وأثناء انتفاضات ما سمي بـ"الربيع العربي".
وهي الحكاية التي قال إنها عادت أجواؤها مع استغلال تيار الإخوان المسلمين بطش إسرائيل بالنساء والأطفال والمدنيين في غزة من أجل تلميع إيران وأحزابها، وشيطنة السعودية التي لم تدخر جهداً في سبيل خدمة قضية فلسطين بكل الوسائل على رغم الأذى والنكران.
عن أي انتصار يتحدثون؟
وقال "إن الناصح ما لم يكن إخوانياً أو يتعاطف مع جماعة الإخوان المسلمين فإنهم لا ينصتون له، ولذلك تراهم مع المعسكر الصفوي والخميني في خندق واحد، والدليل على ذلك انظر في الأزمات بما فيها الحالية (حرب غزة) اتصالهم مع طهران، ثم إنهم لو احترقت الأمة والبلاد والعباد سيكونون منتصرين لا يتعلمون من أخطائهم، فهم حتى الآن يقولون انتصرنا على إسرائيل، وجيش العدو يقصف المدنيين العزل ليلاً ونهاراً، ودمرت المساكن واحترقت الأرض والدنيا كلها، ولكن لا يزالون مصرين على أنهم منتصرون".
واستدرك بأن الجميع ولا سيما السعوديين والعرب والمسلمين كافة، "يتوجعون لأي فلسطيني وشيخ وطفل وامرأة تقتل وندعو ودعونا الله أن يرفع عنهم البأس في صلواتنا، وكذلك فعل أئمة الحرم في الجمع ورمضان، والسعودية قامت بإغاثة الشعب الفلسطيني أكثر من أية دولة في العالم، ولكنهم لا يذكرون أي شيء من ذلك، فإذا أعطتهم إيران صواريخ لتكون سبباً في قتل أطفالهم، أو أرسلت مفرقعات مثل الألعاب النارية ضد إسرائيل، صفقوا لها وقالوا إنها خوفت إسرائيل وليس هذا التخويف بدافع شراً ولا محققاً لأي ردع".
وهكذا بحسب القرني فإن طهران "تمد ’حماس‘ بأسباب الموت، بينما السعودية تمد الشعب الفلسطيني بأسباب الحياة، إلا أنهم يتنكرون للجميل السعودي ويعترفون بالفضل لإيران، التي ظلت تمدهم بأسباب موت شعبهم، الذي يؤلمنا مصابه ويحزننا ما حل به" بحسب قوله.
التنمر على السعودية
ولدى سؤاله عما إذا كان التنظيم الذي وقف ضد استدعاء القوات الأميركية لتحرير الكويت في التسعينيات هو نفسه اليوم ضد أن تعقد السعودية صفقة من أجل فلسطين وأمنها مع أميركا أو حتى إسرائيل، أضاف "الحمد لله الجميع يعرف أن السعودية أكثر من وقف مع الشعب الفلسطيني ودعمه منذ أن قامت القضية بالوثائق والأدلة وليس بالمزايدات والفرقعات الإعلامية، وهي عادة بلادنا مع المنكوبين في كل مكان، فالكويت لما اجتاحها صدام لم يقف معها مثل السعودية، وقس على ذلك سائر قضايا الأمة".
وزاد "نحن مثلما وقفنا مع دولتنا في ما تراه مناسباً في أي قرار تتخذه لمصلحة بلادنا وأمتنا، فنحن معها وندعم خطواتها الآن في تحقيق مصالحها ومصالح إخوتنا العرب والفلسطينيين بالكيفية التي تراها، فالزمن أثبت صدق نواياها وسداد رأيها، والكويت المستقلة اليوم خير مثال على ذلك، بينما لو تركنا لصدام كما قال الإخوان لكانت اليوم مثل مناطق أخرى بيد الفرس والخمينية يعيثون فيها الفساد، ومن وقف ضد تحرير الكويت لن يكون صادقاً في إنقاذ فلسطين"، في إشارة إلى موقف تنظيم الإخوان الدولي في حرب الخليج 1991م، يوم ساندوا هم وبعض الدول العربية موقف صدام، بل شاع تحريضهم له على التمسك بموقفه في اجتماعهم معه، قائلين "سم بالله وكل مما يليك"، يعنون الكويت وجوارها الخليجي.
وأعاد مسؤولون دوليون هجمات "حماس" في السابع من أكتوبر على إسرائيل، إلى محاولة الحركة بإيعاز من إيران عرقلة الصفقة السعودية المزدوجة مع واشنطن، ثم مع تل أبيب إن هي أوفت بشرط الرياض المتعلق باعتراف "لا رجعة عنه" بدولة فلسطينية.
ومع تعليق المملكة تلك المحادثات بسبب انتهاكات إسرائيل في حق المدنيين في غزة، إلا أنها أحيتها مجدداً مع البيت الأبيض، الذي شرع في ممارسة ضغوط حقيقية على إسرائيل، تعلق عليها الآمال لإيقاف الحرب المدمرة والخوض في محادثات أشمل نحو مسار السلام في المنطقة عبر "حل الدولتين"، المتأسس على المبادرة العربية 2002 وعدد من القرارات الدولية.
وتنفي كل من "حماس" وإيران تنسيقهما قبل هجمات أكتوبر التي أطلقت عليها حكومة غزة اسم "طوفان الأقصى"، لكن الطرفين لا يخفيان الاعتراض على أية علاقة بين إسرائيل والدول العربية، حتى وإن عادت مفاوضات الحل النهائي للطاولة بذريعة أن حلول المفاوضات أخفقت جميعها عبر العقود الماضية، في استعادة الأراضي التي تحتل إسرائيل، بحسب رواية "حماس" وحلفائها.
متى يعتذرون؟
وأبعد من "حماس" التي تقر بانتمائها الفكري في الأقل لجماعة الإخوان المسلمين الأم، يعتبر الداعية السعودي في حواره مع "اندبندنت عربية" الجماعة عبئاً على المسلمين، جراء أخطائها المتراكمة التي اتهمها بعدم التعلم منها.
وقال "أعرف هذه الجماعات معرفة تامة سواء بالخبرة أو بالتجربة أو بالمصاحبة، بعد 50 عاماً قضيتها في الحقل الدعوي، إذ كنت أحدث نفسي لسنوات متى يأتي هذا اليوم ويقولون إنهم على خطأ، حتى رأى كثير من العلماء من واجبها أن تعتذر وتحل نفسها، وحين لم يفعلوا رأيت من الواجب الشرعي أن أقوم أنا بتلك المهمة، وأبين للناس أخطاءها والمفاسد التي اجترحتها".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وحول الدوافع التي حركتها لذلك وسط التهم بأنه يقوم بذلك بإيعاز من جهات تعادي التيار الإخواني نفى ذلك بشدة، "ألا يكفي تحذير الجيل الصاعد من الشباب من طرحهم دافعاً نبيلاً، كي لا يقعوا في المزالق"، مشيراً إلى أنه يتملكه العجب كيف استمروا كل هذه العقود يكررون الأخطاء نفسها، "فلو أسس شخص ما شركة وأخفقت ثم حاول ثانية حل المشكلة وفشلت مرة بعد أخرى، فإنه لم يقم بحلها أو فسخها لاتهم في عقله، أما هم فيستمرون على الخطأ التراكمي والضحية الأمة بأسرها".
الهجمة المرتدة لا تخيفني
يورد ذلك التمهيد ليؤكد "هذا الذي حملني على إبراء الذمة وإظهار الخلل لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من الأمة، ورأيت الهجمة المرتدة علي بأنني أملي علي ما أقول من سلطات عليا، ولكن الأمر خلاف ذلك فلسوف ألقى ربي، وقد أخذ الله على العلماء ميثاق البيان للناس، فهذا الذي حملني على ما قلت، وليس استجابة لأي توجيه أو خوف أو طمع".
وكان القرني شن حملة مضادة، ضد الإخوان عدد فيها 10 أخطاء، رآها جعلت منهم مشكلة كبرى للعالمين العربي والإسلامي تستدعي منهم لو كانوا منصفين أن يعلنوا حل جماعتهم والإقرار بفشلها.
ومن بين تلك الأخطاء بحسب قوله "اختراع توحيد الحاكمية، والاستماتة لإقامة الخلافة، وعدم الاعتراف بالحدود الوطنية والحزبية المقيتة، والسعي إلى الحكم عن طريق الدعوة وارتباطهم بإيران"، وغيرها، وذلك في حوار مع الزميل ياسر العمرو قبل نحو أسبوعين على قناة "إم بي سي".
لهذا تتجنب الجماعة "حل نفسها"
ولدى سؤال القرني عما يعتقد أنه يدفع جماعة الإخوان المسلمين حتى الآن إلى التردد في"حل نفسها" مثلما دعاها، وعلى غرار ما فعلت تنظيمات ودول عدة عبر التاريخ حين أصيبت بانتكاسات بالغة، عن ذلك يقول إنه ينطلق مما سماه "الواجب الشرعي، ومن باب الفتوى والنصح وإيقاظ الضمير".
ولكن هل يستجيبون؟ يضيف "لست الوحيد الذي أدعوهم إلى هذا بل كثيرون حتى في مصر منشأ الجماعة الأم، لأنهم أدركوا أنها تمشي في الطريق المظلم، لكننا جميعاً نعرف أن مشكلتهم الكبرى في العقل الجمعي، فهم يتكلمون بعقلية واحدة، فأي داخل في مشروع يكون قبل ذلك ألغى عقله ليتحرك مع المجموعة، ولا يسعه مجرد التفكير في الأخطاء التي وقعوا فيها، ولذلك أتوقع أنهم سيصرون على خطئهم، ولكن مع ذلك حدث أن بعض الأشخاص انشقوا عنهم وكشفوا عن أسرارهم للناس وانتقدوا مثلي أيدولوجيتهم".
وتابع "يكفيك من إصرارهم وجمودهم على الخطأ أنك ترى المشردين منهم في أنحاء الأرض يصيحون بالخلافة"، قائلاً على وجه التهكم "أحدهم حصل على غرفة مستأجرة في دولة أجنبية، وأراد أن يقيم الخلافة من تلك الغرفة، ويمكن أن تتحول تلك الغرفة إلى رواند قريباً، فانظر لأزمة عقلهم الجماعي وكيف يفكرون؟ ما ضرهم لو اعتذروا للأمة وحلوا أنفسهم! فإنهم لو فعلوا لربما أدركوا شيئاً، أولاً سلامة ما بقي منهم، ثانياً إنقاذ الجيل الصاعد، والكف عن الدعوة السرية المسيئة للإسلام، فهي في أي مكان تعني أن هناك شيئاً مبيتاً للأمة والوطن، ولا يختفي الإنسان إلا لأن فيه لبس. ولذلك يقول عمر بن عبدالعزيز: إذا رأيت الناس يتناجون في دين فاعرف أنهم على الدسيسة. فمن أين أتت هذه الجماعة بتحويل الدين إلى بروتوكولات وألغاز وأسرار"؟
"لا يقبلون الإسلام إلا من حناجرهم"
وأعاد القرني إصرار "الإخوان" على الوصول للحكم على رغم الخسائر التي منيت بها تجربتهم، وصد كثير من الجمهور عن مقاربتهم، إلا أن التنظيم "لم يستفد من أخطائه، لأن منسوبيه كلما مروا بمحطة وظفوها في خدمة مشروعهم، فهم إن سجنوا ظنوا أنفسهم مثل مانديلا، وإن تولوا الحكم فهم حكماء، وإن قتلوا فهم شهداء، فروجوا لها على أنها عبودية كلها، ولذلك ترى أنهم على كثرة ما أتاهم من مصائب يزدادون عتواً وإصراراً، وإيغالاً في الدماء بإلقاء الشباب في التهلكة، وهي أخطاء بلا شك قاتلة".
ورأى أن نزعة الإعجاب بالنفس تلك تجعل منهم "لا يرون أي فضل لسواهم، بل قال محمد متولي الشعراوي إنهم ’لا يقبلون الإسلام إلا من حناجرهم‘، فإذا أذن مؤذنهم مثلاً قالوا هذا صوته جميل ورائع، وأما الآخر الأحسن منه أداء وصوتاً فإنه لا يحرك فيهم ساكناً، ولذلك فإن شاعرهم أشعر من المتنبي وشيخهم هو شيخ إسلام زمانه، في حزبية مقيتة رأيناها في المؤسسات الدينية والإعلامية وأنا عشتها، فلو قال لك إني أحبك في الله وعانقك وقبل جبينك ولست إخوانياً فهو يرى أنك أحد شخصين، إما أن الله خلقك ساذجاً مغفلاً، أو أنك جاسوس مرسل من جهة ما للترصد عليه".
بأي شيء رد "الإخوان"؟
ووصف أحد المحسوبين على التنظيم يدعى عصام تليمة الأخطاء التي عددها القرني في حق الإخوان بـ"الافتراء"، في مقطع فيديو على "يوتيوب" خصصه للرد على التهم، لافتاً إلى أن "المآخذ التي يدعيها القرني عليهم غير صحيحة البتة، ولا سيما عند القول إنه لو بعث عمر بن الخطاب لما ارتضوه حاكماً عليهم"، إلا أنه على رغم ذلك أقر بعلاقتهم بالنظام الإيراني، معتبراً ذلك فعلاً سياسياً تفعله حتى السعودية!
في غضون ذلك تجنب القائم بأعمال المرشد محمود حسين ذكر القرني بالاسم، لكنه رد بشكل عام على ما سماه حملة منظمة ضد الجماعة، خصوصاً في موطنها الأم مصر. وزعم أن ما سماه "نهجها السلمي" لم يكن يوماً من الأيام "تكتيكاً يرتجى به مكاسب سياسية وإنما كان وما زال مبادئ راسخة أقرتها مؤسسات الجماعة قبل ثورة يناير وبعدها وقبل الانقلاب وبعده، وأعلنها المرشد العام الدكتور محمد بديع جلية بأن سلميتنا أقوى من الرصاص".
الدعوة إلى مناظرة مشروطة
وعودة للقرني وسؤاله عما إذا كان يرغب في محاورة "الإخوان" ومناظرتهم فكرياً، مثلما فعل من قبل مع أعضاء تنظيم القاعدة في السجون؟ يجيب "لن نتحدث عن أسماء بعينها خصوصاً من لا يزال تحت المحاكمة، لكن أنا مستعد، إذا أرادوا الحوار في أية وسيلة أنا مستعد للحوار لأني أملك الحجة، ولست مدفوعاً بعاطفة أو طلب رضا أحد من الناس، فمنذ 50 سنة وأنا في ميدان الدعوة، متخصص فيها مثل تخصص الأطباء في التشريح، وعرفت الإشكالات والأخطاء، وإذاً فأنا على أتم الاستعداد".
ومن واقع تجربته مع الجهاديين والتكفيريين من أعضاء تنظيم القاعدة حين حاور أقطابهم في السجون بعد 2003، قال إنها كانت مفيدة وأدت إلى مراجعة كثيرين أفكارهم فيما بقي بعضهم الآخر على ما هو عليه.
وأضاف "كانت مشاركتهم في الحوار طوعية، فمنهم من رفض مجرد الحديث معي ولم يجبر، بينما عشرات وافقوا على ذلك، ورأى الناس تلك الحوارات على التلفزيون بعد موافقة أصحابها على المشاركة المسجلة. لكني لا أرى الإخوان سيوافقون على هذا، لأن من خالفهم صنفوه مباشرة إلى عالم سلطة أو جاسوس أو أحمق درويش في أحسن الأحوال، فلا أظن أنهم سيقتنعون بمبدأ الحوار أو ينتفعون به، هذا إن رضوا به ابتداء، فإنهم ما استمعوا لعلماء ربانيين مثل ابن باز ولا ابن عثيمين فكيف بغيرهم".
وعند السؤال عن إمكان حملهم على الامتثال للمناظرة في الأقل طالما أنه يرغب بذلك، يقول "لا، لا، الإجبار لن يأتي بحل"، مشيراً عند إيراد التجربة المصرية في تسجيل الجماعة في السجون مراجعات قبل عقود، وما إذا كان يعتقد أن المرحلة الراهنة قد تدفع بعض المتأثرين بأفكار الإخوان إلى مراجعة أفكارهم أيضاً إلى أن فرص ذلك قليلة، مؤكداً أنه "قد يكون هناك أفراد يتراجعون، صحيح لكن أنا بودي أن الجماعة ومؤسسة الإخوان الأم هي نفسها التي تعلن أنها قابلة للحوار والمناظرة فيما ذكرت من أخطائها وعددت من آفاتها على سبيل الإجمال لا الحصر، بشرط أن يكون الحوار على أسس صحيحة، وحين يثبت خطؤها تعلن التراجع عن أفكارها وحل نفسها".
هل توافق الجماعة الأم على المناظرة؟
وسألت "اندبندنت عربية" جماعة الإخوان المسلمين عبر منصاتها الرسمية على الإنترنت عن رأيها في ما دعاها إليها القرني من الحل أو الحوار والمناظرة، فلم تجب حتى الآن عن استفساراتنا، وحين تجيب تتم إضافة رأيها.
وفي هذا الصدد روى عايض تجربته في التحاور مع أتباع أسامة بن لادن الذين جرت ملاحقتهم بعد التفجيرات التي راح ضحيتها عشرات الأبرياء في مدن سعودية عدة، وهي التي بدأت في الـ12 من مايو 2003، قبل أن تستعيد القوات الأمنية زمام المبادرة وتقتل وتأسر عشرات من عناصر التنظيم، إلا أنها قامت بمحاولات تصحيح أفكار بعض المتأثرين بأيدولوجيتهم التكفيرية في السجون، ممن لم يتورطوا بشكل مباشر في أعمال القتل، إثر اعتناقهم لأفكار تنظيم الإخوان أمثال سيد قطب، والأفكار الدينية المتطرفة من مختلف المشارب.
وقال "أنا ذهبت إلى السجون بتفويض من القيادة، وحاورت قادة التنظيم الكبار الثلاثة حينئذ وهم علي الخضيري وناصر الفهد وأحمد الخالدي، وظهروا في التلفزيون السعودي برغبتهم، وأعلنوا اقتناعهم بخطأ أفكارهم، ثم استمر حواري مع البقية ثلاث سنوات، وهم على قسمين، منهم من استجاب وخرج بعد المراجعات والمناصحة، ومنهم من أصر على رأيه وبقي في المحاكمة وواجه مصيره".
وهل يفهم من هذا أنه يرى الإخوان أشد من التكفيريين الجهاديين، لأن هؤلاء بعضهم وافق في الأقل على مجرد الحوار، بينما الآخرون استبعد موافقتهم؟ يرد على ذلك بأن الأمر يختلف من عنصر إلى آخر "فداعش مثلاً لا شك أنها أخطر فهي ترى المباشرة في القتل والتفجير، والإخوان يرون الدراسة المرحلية حتى قيام الخلافة، لكن لماذا لا يوافقون؟ لأنهم معجبون بأنفسهم يرون عندهم علم وفكر وأعلم ممن يسعى إلى محاورتهم، وربما يقول أحدهم إنه درسني من قبيل الإعجاب بالنفس والاستكبار، ولا تدري على ماذا؟ فكل تاريخهم خيبات وانتصارات وهمية، لكني كما أسلفت سأبقى مستعداً لمحاججتهم ومناظرتهم إن هم وافقوا".
اللمز بـ"عالم السلطة" ليس حجة
وحول اتهام بعض من ردوا عليه بأنه "عالم سلطة"، قال القرني إنه لا يغيظه ذلك، "فقد لمزوني بذلك منذ حرب الخليج، لأني لبست الزي العسكري على الجبهة، وعيروني بالنقيب عايض، لكنني لا أبالي ولا أزعل من هذا، المهم هي المقاصد وليست الألقاب، لأني أنا أعلم أن على الإنسان أن يتقي ربه سواء كان قريباً من السلطة أو بعيداً منها، المقصود أن الله يحاسبك على ما تقول وتفعل، ليست الألقاب التي يلقيها عليك أعداؤك هي المعيار".
وأما لماذا يغمزون من قناة السعودية، وهي قائدة العرب والمسلمين في كل المفاصل المحورية، على نحو أزمة حرب غزة وتحرير الكويت؟ يقول القرني إن الرياض هي الأخرى "لم تزد بذلك إلا قوة وموقفها في العالم الإسلامي في الداخل وفي الخارج مشهود، واكتشفوا بعد تحريضهم المتكرر أن موقف السعودية حكومة وشعباً مع العلماء هو الأقوى في الأزمات سواء أزمة الخليج والثورات العربية فازداد الناس قناعة وصارت اللحمة الوطنية أقوى عندنا من قبل، والالتفاف حول القيادة الآن أقوى من ذي قبل. الإخوان لا أقاموا دولة ولا تصالحوا مع دولهم، تجدهم يفرون من بلد إلى بلد".
ولماذا إذاً صوتهم طاغ على المشهد، يضيف "لأنهم ينشطون على وسائل التواصل الاجتماعي وشغلهم القدح والذم، لكن لم يهزوا شعرة في دولة بحجم قارة، وترى الصين وأميركا وروسيا تخطب ودها، وحتى تركيا أردوغان وإيران التي يتعاطفون معهما سوتا مشكلاتهما مع المملكة، كل ذلك بفضل ما جمع الله لها من مكانة دينية واقتصادية وقيادة طموحة سخرت ذلك لخدمة شعبها وأمتها".
وتابع "في مكة جلست شهراً كاملاً بجانبي فلاسفة ودكاترة من البيض والسود والحمر بجميع اللغات خلف أئمة الحرم، وهم يشهدون بما أعجز الإخوان الإقرار به من رعاية لقاصدي الحرمين الشريفين لا مثيل لها، يعجز أحدنا أن يوفرها لأولاده أحياناً في بيته وهم قلة، ثم ترى هؤلاء يزايدون ويتصيدون، حتى كان أحدهم تمنى أن يحرر الحرم وكأنه محتل أسوة بفلسطين، لهذا أقول إن أناساً في مثل هذا التفكير لا أمل فيهم إلا أن يحلوا جماعتهم ويكفوا المسلمين شرهم".
ومع أن الحكومة السعودية لم تعترف قط في تاريخها بجماعة الإخوان المسلمين كمنظمة، إلا أنها آوت عناصر فيها في ستينات القرن الماضي من الملاحقات السياسية التي تعرضوا لها في مصرالناصرية، قبل أن تسفر مواقفهم لاحقاً بعد الجهاد الأفغاني وإبان حرب تحرير الكويت عن تحريض ضد السلطة والمؤسسة الدينية فيها، قلب الرأي العام والرسمي ضدهم رأساً على عقب. إلا أن تصنيفهم "جماعة إرهابية" تأخر حتى 2014 عندما كشف التيار عن رؤية صريحة بتقديم نفسه بديلاً عن الأنظمة في العالم العربي بالدعوة إلى الانتفاضة ضدها بعد تونس ومصر، ثم في 2020 قالت هيئة كبار العلماء في البلاد التي عرفت بتحفظها كلمتها الأخيرة في الحركة، عندما أصدرت بياناً تاريخياً، خلص من دون مواربة إلى أن الإخوان "جماعة منحرفة، قائمة على منازعة ولاة الأمر والخروج على الحكام، وإثارة الفتن في الدول، وزعزعة التعايش في الوطن الواحد، ووصف المجتمعات الإسلامية بالجاهلية".
وأكدت تبعاً لذلك أنها "جماعة إرهابية لا تمثل منهج الإسلام، وإنما تتبع أهدافها الحزبية المخالفة لهدي ديننا الحنيف، وتتستر بالدين وتمارس ما يخالفه من الفرقة وإثارة الفتنة والعنف والإرهاب.على الجميع الحذر منها وعدم الانتماء إليها أو التعاطف معها".
الحلقة الثانية:
هذه قصتي مع القصيبي وتحذيره إياي من ظن نفسي "خميني السعودية"
"البودكاست" إن صار على خطى "الكاسيت" فهذه أخطاء تلك التجربة
لم أندم على اعتذاري من "الصحوة" وعلاقتها بالإخوان المسلمين ليست سراً
شبهة "الخلافة" لم تأخذ حقها في النقض وهي ليست ركناً من أركان الإسلام