ملخص
انطلق مهرجان "كان" ليلة أمس مكرماً في حفلة الافتتاح الممثلة الأميركية الكبيرة ميريل ستريب التي غيرت النظرة إلى المرأة كما عبرت الممثلة الفرنسية جولييت بينوش في كلمة الاحتفاء. أما الفيلم الفرنسي "الفصل الثاني" الذي افتتح المهرجان، فلم يكن على مستوى الحدث.
بنص شاعري لمّاح أشبه بتحية لما يعني ان يكون الإنسان في "حُمى" مهرجان "كان" طوال 12 يوماً، أطلقت الممثّلة الفرنسية كامي كوتان، مذيعة الحفلة، الدورة السابعة والسبعين من المهرجان الفرنسي الشهير (14 - 25 مايو/ أيار). كلام كثير قيل في الافتتاح الذي سيطرت عليه النساء والموسيقى والمجاملات. أمام حضور صالة "لوميير" التي كانت مكتظة بنجوم وشخصيات من عالم الفن، وجّهت هذه الممثّلة الأربعينية، العديد من الرسائل المبطّنة، داعيةً الحضور إلى الدخول في العالم الموازي للمهرجان. قالت: "في عالم "كان"، سيصبح المكان والزمان وحتى الصحّة مفاهيم غير واضحة، ولكن لا تقلقوا، فهذا أمر طبيعي. في هذا العالم، يندمج الليل والنهار في عالم واحد، تغادر في الصباح الباكر من دون أن تكون قد نمت، وتحدد مواعيد عملك في منتصف الليل على شاطئ يحمل اسم علامة تجارية، هذا أمر طبيعي. يجب أن أشير إلى أن اجتماعات العمل في وقت متأخّر من الليل في غرف الفنادق الخاصة بالسادة المحترمين لم تعد جزءاً من عادات وتقاليد "كان"، بعد اعتماد قانون "مي تو"، ونحن سعداء بذلك. كان ملتقى لعشّاق السينما من جميع أنحاء العالم، مكاناً للاجتماعات والحوار والنقاش والفكر والثقافة والدهشة، هذا كله في وقت تقلقنا فيه حالة العالم، بل وتقشعر لها الأبدان في بعض الأماكن، بسبب خطوط الصدع العميقة التي تفرق بين الشعوب. في كل عام في مهرجان "كان"، نأتي لأخذ لمحة من إنسانيتنا، نأتي لنمتلئ بالأمل".
حيز كبير من الاهتمام أُعطي للممثّلة والمخرجة الأميركية غريتا غرويغ، صاحبة "باربي" المثير للجدال، التي تترأس هذا العام لجنة تحكيم المسابقة، مع ثمانية آخرين، هم: الممثّلة والمخرجة اللبنانية نادين لبكي والمخرج الياباني هيروكازو كوريه إيدا والمصوّرة وكاتبة السيناريو التركية إيبرو جيلان والممثّلة الفرنسية إيفا غرين والمخرج الإسباني خوان أنتونيو بايونا والممثّل الإيطالي بيار فرانتشيسكو فافينو والممثّل الفرنسي عمر سي. تسليم مهمّة كهذه لفنّانة لا باع طويلاً لها في السينما، خصوصاً أن عليها أن تحكم على مخرجين مخضرمين مثل فرنسيس فورد كوبولا، كان موضوع نقاش عند الاعلان عنه. غرويغ، 41 عاماً، أصغر فنّانة تتبوأ هذا المنصب (بعد صوفيا لورين)، كان الاحتفاء بها وبأعمالها، واضحاً في الافتتاح مع عرض مقاطع من أفلامها على شاشة صالة "لوميير". واستمر الاحتفاء بها مع أغنية "مودرن لاف" لديفيد بووي التي استعادتها المغنية الفرنسية زاهو دو ساغازان، كنوع من تحية لغرويغ التي تغنّيها في مشهد من فيلم "فرانسزها" وفيه مثّلت أشهر أدوارها تحت إدارة زوجها المخرج نواه بومباك.
ميريل ستريب الساحرة
بيد ان لحظة الذروة في الافتتاح كانت حضور الممثّلة الأميركية ميريل ستريب لتتسلّم جائزة "سعفة فخرية" عن مجمل حياتها الفنية. عادت ستريب، صاحبة عشرات الأدوار التي طبعت ذاكرتنا، بعد 35 سنة من الغياب عن المهرجان، يوم فازت بجائزة التمثيل عن "صرخة في الليل" لفرد شيبيسي. حضورها بدا ساحراً، لطيفاً وخفيفاً على الروح، فصفّق لها الحضور وقوفاً لدقائق طويلة قبل أن تطلب إليهم التوقّف بسبب شعورها بالإحراج. الممثّلة الفرنسية جولييت بينوش هي التي كُلِّفت تسليم الجائزة لها. ثم قرأت لها نصاً من تأليفها، نصاً من صفحات عدة يستعرض مسيرتها من خلال محطاتها الأبرز. كانت لحظة مملوءة بالمشاعر الرقيقة، حد الاحراج في بعض الأحيان. بدا واضحاً ان بينوش التي تأثرت ودمعت عيناها، عاشقة لستريب. في رسالتها الطويلة، قالت: "أنتِ غيّرت النحو الذي ننظر فيه إلى النساء في السينما، وأعطيتنا صورة جديدة عن أنفسنا". ولم تتوانَ عن ممازحتها بالقول: "وفوق هذا كله أنجبت أربعة أطفال، كيف فعلت هذا كله؟". ستريب التي حيّت بدورها موهبة بينوش ذاكرةً أنها تأثّرت كثيراً بموت الشخصية التي تلعبها في فيلمها الأخير "شغف دودان بوفان"، قالت إنها شعرت بأنها تتفرّج على حياتها من قطار سريع، وهي ترى مقاطع الأفلام التي مثّلت فيها، ثم تذكّرت كلمة أمّها: "سترين، كل شيء يمر بسرعة". اعترفت كذلك أنها عندما جاءت إلى "كان" قبل 35 ستة، كانت في الأربعين وأماً لثلاثة، واعتقدت حينها أن حياتها المهنية أشرفت على نهايتها. كان هذا المنطق هو السائد في ذلك الحين. ختمت بالقول: "ولكن، لم تملّوا منّي، لم تملّوا من وجهي، لم تنزلوا من القطار".
فيلم الافتتاح، "الفصل الثاني"، للمخرج الفرنسي كانتان دوبيو كان مخيباً لمن توقّع منه أكثر ممّا جاءنا به. المخرج الغزير إنتاجاً والذي لا يتوقّف عن التصوير، سقط في فخ استظرافه في فيلم محدود جداً لا يليق بافتتاح، وانطلق في "كان" بالتزامن مع بدء عرضه في الصالات التجارية الفرنسية. في الأصل، كان اختياره خارج المسابقة عاملاً مطمئناً. عاملان قد حسما خيار إدارة المهرجان لضمّه إلى التشكيلة الرسمية: وجود ثلاثة من نجوم السينما فيه، هم فنسان لاندون وليا سايدو ولوي غاريل (يقدّمون أداء ممتازاً رغم بلادة الفيلم)، وحقيقة أنه يتحدّث عن السينما، لا بل عن التداخل بين التمثيل والدور والمسافة الضئيلة بينهما.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
يصعب اختزال الأحداث التي تقع في 80 دقيقة (رغم أن الفيلم بدا لي أطول من ذلك بكثير)، في حبكة، لشدّة بحثها عن الغرابة والعبثية، مهما كانت كلفة بلوغ تلك العبثية والغرابة عالية. إنه من نوع الأفلام التي إما تدخل في مزاجها أو تبقى خارجها مهما حاولت. دوبيو يعي ذلك جيداً، وهو أعلن في بيان أنّ لا رغبة لديه في الحديث عنه في حوارات اعلامية، ذلك أن "كل ما أراد قوله موجود في الفيلم". حتى على موقع المهرجان، لا يوجد أي ملف صحافي للفيلم في الزاوية المخصصة لذلك النوع من الملفات.
من خلال شلّة من الأشخاص، يكرسون معظم وقتهم للمشي وترافقهم الكاميرا في خطواتهم، ثم يجلسون في مقهى. كل شيء خارج نطاق التحليل، يتطوّر في عالم مواز، عالم السينما، حيث الإدعاء والإيغو ليسا عملة نادرة. هل يتناول الفيلم النفاق المتفشي في الأوساط السينمائية؟ على الأرجح. المشكلة أن الدعابة ثقيلة الظل والنكت مستهلكة وخروج الممثلين من الدور للقول إننا في السينما فكرة ليست بجديدة. نَفَس كانتان قصير، وله قدرة عجيبة على عدم بلورة الفكرة التي يبدأ بها. من الذكاء الإصطناعي إلى ثقافة الإلغاء فالتحرش، يحاول الفيلم القاء أفكار أشبه برؤوس أقلام من وحي الزمن الذي نعيش فيه، مما يفتح المجال للالتباس وسوء الفهم، وهذا ما يعجب المخرج الذي يقهقه في زاويته.