Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

أزمة الديون تهدد الاستقرار المالي العالمي

استمرار الحكومات في الاقتراض مع أسعار الفائدة العالية يزيد أخطار التوترات الجيوسياسية

وصل إجمال الدين العالمي بنهاية عام 2023 إلى 313 تريليون دولار (أ ف ب)

ملخص

كانت أزمة تفاقم الدين العالمي وتأثيرها في الاستقرار المالي حاضرة بقوة في اجتماعات الربيع المشتركة لصندوق النقد والبنك الدوليين الشهر الماضي

مع استمرار أسعار الفائدة مرتفعة في معظم دول العالم نتيجة تردد البنوك المركزية في بدء التيسير النقدي، في وقت لا تزال معدلات التضخم مرتفعة، وتتصاعد مشكلة الدين العام والخاص حول العالم، بما ينذر بانفجار أزمة لا يبدو أن هناك سبيلاً إلى تلافي أضرارها.

ومع أن التصور العام هو أن أزمة الديون ربما تكون مشكلة الدول النامية والفقيرة، إلا أن أزمة الدين العام في الدول المتقدمة أكبر وأعمق وقد تكون هي قلب فقاعة الدين العالمي.

وفي مراجعته نصف السنوية الصادرة هذا الأسبوع حذر البنك المركزي الأوروبي الذي يضع السياسة النقدية لدول الاتحاد الأوروبي كلها، من أن الدول الأوروبية "معرضة لصدمات قوية" من التوترات الجيوسياسية واستمرار أسعار الفائدة مرتفعة وذلك "نتيجة فشلها في خفض الدين العام".

وأشار البنك في تقريره إلى أن "معظم الحكومات الأوروبية لم توقف بعد إجراءات الدعم التي وفرتها لمساعدة المستهلكين والشركات في مواجهة تبعات أزمة وباء كورونا والحرب في أوكرانيا".

وخلص البنك المركزي الأوروبي في مراجعته إلى أن "ارتفاع مستويات الدين إضافة إلى السياسات المالية المتهاونة" يمكن أن يؤديا معاً إلى "ارتفاع كلفة الاقتراض أكثر بما يضر بشدة بالاستقرار المالي، وانتقال الأزمة إلى المقترضين بالقطاع الخاص وحملة سندات الديون السيادية".

ومع أن البنك توقع تراجع الاقتراض الحكومي في دول الاتحاد في المتوسط هذا العام عن 3.6 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي العام الماضي، إلا أنه قدر استمرار الدين الحكومي في دول أوروبا أعلى من مستوياته قبل أزمة وباء كورونا وفوق 90 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي خلال العام الحالي 2024، وأن ترتفع النسبة العام المقبل.

أزمة ديون شاملة

وكانت أزمة تفاقم الدين العالمي وتأثيرها في الاستقرار المالي حاضرة بقوة في اجتماعات الربيع المشتركة لصندوق النقد والبنك الدوليين الشهر الماضي.

وعلى رغم أن التفاؤل بأن النمو الاقتصادي العالمي يمكن أن يقلل من حدة أسوأ أزمة ديون يشهدها العام منذ ثمانينيات القرن الماضي، إلا أن السبل المتاحة لمواجهة الأزمة ليست كافية لتفادي الضرر الشديد على النظام المالي العالمي.

وفي مؤتمر المنتدى الاقتصادي العالمي في السعودية نهاية الشهر الماضي حذر بعضهم من أن أزمة الدين العالمي الحالية تبلغ من السوء ما لم تبلغه أزمة دين سابقة منذ القرن الـ 19، أي قبل نحو قرنين من الزمان.

وحذر رئيس المنتدى بورغ برندي في مقابلة تلفزيونية من أن إجمال الديون العالمية "لم يكن بمثل هذا السوء منذ حروب نابليون"، مشيراً إلى أن "حجم الدين العالمي يقترب من 100 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي". وأضاف برندي أنه كان من الصعب تقدير مشكلة الدين العالمي في فترة نابليون مطلع القرن الـ 19، إلا أن بعض التقديرات وضعت حجم الدين البريطاني في عام 1815 عند 200 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي وقتها.

وبحسب الأرقام والبيانات الصادرة عن معهد التمويل الدولي وصل إجمال الدين العالمي بنهاية العام الماضي 2023 إلى أكثر من 313 تريليون دولار، يشمل ديون الحكومات العامة وديون الشركات والديون الشخصية للأسر.

وبحساب عدد سكان العام يصبح نصيب الفرد من الدين العالمي أكثر من 40 ألف دولار، وزاد هذا الرقم خلال الأشهر الأولى من هذا العام مع زيادة كبيرة في الدين العام، إذ استمرت الحكومات في إصدار سندات دين سيادية بصورة كبيرة، وسط توقعات بأن البنوك المركزية ستبدأ خفض أسعار الفائدة وبالتالي خفض كلفة الاقتراض.

ولا تقتصر أزمة الدين العالمي على الدول النامية والفقيرة وحسب، إنما تطاول أيضاً الدول المتقدمة، كما رأى الاقتصادي الأميركي آرثر لافر غونيور رئيس مجموعة "لافر" للاستثمار، والذي أشار قبل أسابيع إلى أن "الدول مرتفعة الدخل وكذلك الدول الصاعدة شهدت زيادة كبيرة في حجم الدين بلغت نحو 100 تريليون دولار في غضون العقد الماضي، ومن أسباب تراكم المديونية ارتفاع كلفة خدمة الديون نتيجة أسعار الفائدة المرتفعة"، متوقعاً استمرار أزمة الديون لنحو 10 أعوام مقبلة.

اقتراض الحكومات

ولذلك طالب رئيس المنتدى الاقتصادي العالمي حكومات العالم باتخاذ التدابير والإجراءات الكفيلة بخفض حجم الديون من دون أن تسبب تلك الإجراءات ركوداً اقتصادياً، مشيراً إلى أن الأخطار الحالية تنذر بتكرار ما حدث خلال سبعينيات القرن الماضي، حين ظل النمو الاقتصادي العالمي بطيئاً لمدة 10 أعوام، إلا أنه يرى أن بإمكان العالم تفادي ذلك إذا استمر في التجارة ولم يدخل في مزيد من الحروب التجارية.

لكن التوترات الجيوسياسية حول العالم من حرب أوكرانيا إلى حرب غزة تواصل الاضرار بحرية التجارة العالمية، فضلاً عن تصاعد الصراع بين أكبر اقتصادين في العالم، الولايات المتحدة والصين.

وأحدث حلقة في ذلك الصراع كانت قرار الإدارة الأميركية فرض رسوم غير مسبوقة على صادرات الصين من السيارات الكهربائية وغيرها، بل واحتمال انضمام أوروبا إلى الولايات المتحدة في تقييد تجارتها مع الصين.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وكان صندوق النقد الدولي حذر بداية شهر أبريل (نيسان) الماضي قبل اجتماعات الربيع من أن "الارتفاع الهائل في الدين الحكومي الأميركي ينذر بخطر أن يصبح مشكلة لبقية دول العالم"، لأن استمرار زيادة اقتراض الحكومة الأميركية يمكن أن يؤدي إلى زيادة العائد على سندات الخزانة، وهو مؤشر قياسي لكلفة اقتراض معظم دول العالم.

إلى ذلك توقع  مكتب الموازنة في الكونغرس الأميركي أن يشهد العام الحالي تجاوز مدفوعات خدمة الدين الأميركي مخصصات الحكومة لموازنة الدفاع، مقدراً في تقرير مارس (آذار) الماضي أن يرتفع الدين العام الحكومي من 34 تريليون دولار حالياً تمثل 99 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي إلى 166 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي الأميركي بحلول عام 2054 حين يصل الدين الحكومي إلى 141.1 تريليون دولار.

واستمرار اقتراض الحكومات في الاقتصادات المتقدمة والنامية على السواء لتغطية عجز الموازنة بإصدار السندات السيادية وأوراق الدين العام الأخرى يجعل أزمة الدين العالمي في طريقها للغليان الذي ينذر بانفجار الفقاعة مع أزمة مالية عالمية أكبر من سابقاتها.

تدابير معالجة أزمة الدين

في تحليل لمجلة "إيكونوميست" الشهر الماضي شككت في قدرة المؤسسات المالية الدولية، وفي مقدمها صندوق النقد الدولي، على مواجهة أزمة الدين العالمي، إذ لم تعد تركيبة الدين كما كانت عبر عقود، إذ أن معظم المقرضين هم المؤسسات الكبرى وصناديق الكتل الاقتصادية، وبالتالي كان يسهل إعادة هيكلة الديون لتفادي الأزمة.

وقد عبر الصندوق في تقرير "المراقبة المالية" الصادر الشهر الماضي، عن ذلك متوقعاً أن يصل حجم الدين العام في العالم إلى ما يقارب حجم الناتج المحلي الإجمالي العالمي في غضون أربعة أعوام. ومع أن الصندوق قدر أن يكون العام الحالي عام تقشف مالي لمعظم الحكومات لكنه لم يؤكد هذا الأمر تماماً، وركز الصندوق في تقريره على الدول النامية ومنخفضة الدخل التي لا تملك خيارات كثيرة في مواجهة أزمة الدين.

وفي الوقت نفسه أشارت مجموعة البنك الدولي مطلع شهر فبراير (شباط) الماضي في ورقة لها بعنوان "أزمة ديون صامتة" إلى أن "الاقتصادات النامية ذات التصنيف الائتماني الضعيف"، عالقة في أزمة دين عام لا تستطيع الفكاك منها.

وبحسب الورقة شهد مطلع هذا العام "الاندفاع نحو إصدار السندات لإعادة تمويل ديونها قبل أن تتضاءل الفرصة.

وفي أوائل يناير (كانون الثاني) تمكنت المكسيك وإندونيسيا وكثير من الاقتصادات النامية الأخرى من الحصول على أكثر من 50 مليار دولار بسهولة من المستثمرين في سندات الدين السيادي".

وعلى أية حال ستظل مشكلة الدين العالمي في تفاقم طالما لا تجد الحكومات وسيلة لسد العجز سوى مزيد من الاقتراض، وذلك في ظل معدلات النمو الاقتصادي الضعيفة الناجمة أصلاً عن تقليل الحكومات الانفاق الاستثماري بسبب زيادة عجز الموازنة.

وهي إذاً حلقة مفرغة تقريباً تعمل على غليان أزمة الديون، ليس العام الحكومية وحسب، وإنما أيضاً ديون الشركات وديون الأسر.