Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

تحديات نزع السلاح في تيغراي

مشهد معقد تتصارع خلاله مطالب الجبهة مع إثيوبيا وإريتريا مع دور للسودان

قرويون يسيرون بجوار عشرات المركبات المحترقة جراء الحرب في تيغراي بإثيوبيا (أرشيفية - رويترز)

ملخص

ينص اتفاق بريتوريا المبرم بين الحكومة الإثيوبية و"جبهة تحرير شعب تيغراي" على أن نزع الأسلحة الثقيلة يجري تزامناً مع انسحاب القوات الأجنبية والقوات غير التابعة للجيش النظامي من مناطق إقليم تيغراي.

أربعة أشهر ويُتم اتفاق بريتوريا للسلام عامه الثاني ومع ذلك لا تزال الحكومتان المركزية في أديس أبابا والموقتة في إقليم تيغراي تقران بأن ثمة صعوبات يشهدها مسار تطبيق مقررات الاتفاق الموقع بينهما في نوفمبر (تشرين الثاني) 2022.

اعترافات تبادلها الطرفان خلال الاجتماعات التشاورية التي عقدها الاتحاد الأفريقي في عاصمة الإقليم مقلي نهاية الأسبوع الماضي، يتصدرها ملفا "نزع سلاح قوات دفاع تيغراي وإعادة إدماجهم في الخدمة المدنية".

وقال مفوض اللجنة الإثيوبية لإعادة التأهيل والإدماج تمسقن طلاهون إن فريق بعثة التحقق والامتثال التابع للاتحاد الأفريقي وأصحاب المصلحة الآخرين ناقشوا برنامج نزع السلاح والتسريح وإعادة الإدماج والمشاريع وخطة التنفيذ للمرحلة الأولى، موضحاً أن الاجتماعات التشاورية تضمنت أيضاً أنشطة ميدانية من بينها زيارة المواقع المتقدمة ومواقع التسريح المقترحة لعناصر قوات دفاع تيغراي.

الأسلحة الثقيلة

وينص اتفاق بريتوريا المبرم بين الحكومة الإثيوبية و"جبهة تحرير شعب تيغراي" في مادته (2.1/ د) على أن "نزع الأسلحة الثقيلة سيتم تزامناً مع انسحاب القوات الأجنبية والقوات غير التابعة لقوات الدفاع الوطنية الإثيوبية" من مناطق الإقليم، وهو الشرط الذي ترى الحكومة الموقتة في تيغراي عدم تحققه على الأرض، مما أدى إلى التأخير في شروط تنفيذ عملية نزع السلاح والتسريح وإعادة الإدماج.

من جهته، أصدر مجلس الأمن القومي الإثيوبي في أبريل (نيسان) الماضي بياناً أقر فيه أن ثمة أعمالاً يتعين الالتزام بها من أجل التطبيق الأمثل لاتفاق بريتوريا، أهمها نزع سلاح مقاتلي  "الجبهة" من دون شروط مسبقة، مما يتعارض مع رؤية هذه الأخيرة التي تشترط انسحاباً كاملاً لجميع القوات من الإقليم قبل إتمام عملية تسريح عناصرها المسلحة.

وقال نائب رئيس الإدارة الموقتة لتيغراي زعيم "قوات تيغراي" اللواء تادسي وردي في حديث إلى الصحافيين على هامش الاجتماعات التشاورية إن "هناك إمكاناً للتوصل إلى اتفاق مع الحكومة الفيدرالية وقوات الدفاع الوطني الإثيوبية، في شأن الجدول الزمني لمعالجة القضايا المتعلقة بنزع السلاح"، بخاصة في المناطق الواقعة جنوب إقليم تيغراي وغربه وإعادة المدنيين النازحين داخلياً.

 

 

ويسعى ممثلو الاتحاد الأفريقي في هذه الاجتماعات إلى تقريب مواقف الطرفين من خلال اقتراحات عملية، تفعل إجراءات نزع الأسلحة الثقيلة في المناطق التي تقع تحت سيطرة الجبهة، إلى حين بتّ المسائل في المناطق التي تحتلها ميليشيات الأمهرة ووحدات من الجيش الإريتري، كخطوة أولى.

ويتزامن المنتدى التشاوري المنعقد في عاصمة الإقليم الشمالي، مع زيارة المبعوث الأميركي إلى القرن الأفريقي السفير مايك هامر، والادعاءات التي أطلقتها قوات "الدعم السريع" عن مشاركة عناصر مسلحة من "جبهة تحرير حرب تيغراي" في الحرب الأهلية الدائرة في السودان إلى جانب الجيش، مما استدعى اهتماماً دولياً وإقليمياً حول الأدوار المحتملة لعناصر الجبهة المسلحة سواء داخلياً أو في حرب الجوار.

تحديات نزع السلاح

من جهته، رأى المتخصص في الشأن التيغراوي محاري سلمون أن المنتدى التشاوري المنعقد في تيغراي، يمثل خطوة أولى لتجاوز التحديات التي تواجه تطبيق اتفاق بريتوريا للسلام، بخاصة البند المتعلق "بنزع السلاح"، إذ إنه يمثل موضع الخلاف الأساسي بين طرفي المعاهدة، باعتبار أنه مشروط بإعادة انتشار القوات وانسحاب كامل لجميع العناصر غير المنضوية تحت لواء الجيش الإثيوبي، من ميليشيات الأمهرة والجيش الإريتري من المناطق التي احتلتها خلال تحالفها مع الجيش النظامي أثناء حرب تيغراي.

ويقدر سلمون بأن هذا الشرط تكتنفه صعوبات عدة، مما أخّر تنفيذه لنحو عامين لأن الجيش النظامي والحكومة المركزية في أديس أبابا لم يعودا قادرين على إجبار تلك العناصر المسلحة على الانسحاب، مما فجر الأوضاع بين الحلفاء السابقين.

وينوه بأن هذا البند تحديداً هو السبب الرئيس لفض التحالف بين الأمهرة ورئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد، من ثم هو السبب المباشر للحرب الدائرة بين الجيش النظامي والميليشيات الأمهرية.

ويضيف أن الاقتراحات التي قدمها المبعوثون الأفارقة لتجاوز هذه الإشكالية، لا تمثل حلاً جذرياً بقدر ما تحاول التقدم جزئياً، فيما تبقى أمام الاتحاد الأفريقي مهمات أكثر صعوبة لعل أهمها السعي إلى إطلاق مفاوضات بين الأمهرة والحكومة المركزية كخطوة أولى نحو إعادة إدماج الميليشيات في الجيش النظامي، وإحالة القضايا العالقة بين إقليمي أمهرة وتيغراي حول الأراضي المتنازع عليها إلى لجان متخصصة، بخاصة أنها خلافات تسبق تاريخ الحرب التي اندلعت في تيغراي في الرابع من نوفمبر 2020.

ويؤكد سلمون أن الشق الأصعب من هذا السعي يتعلق بالجانب الإريتري الذي يسيطر على أجزاء محددة من تيغراي ويدعي أحقيته بها، وفقاً لمقررات اتفاق الجزائر الموقع في ديسمبر (كانون الأول) 2000 بين إثيوبيا وإريتريا بوساطة الاتحاد الأفريقي.

ويرى أن تطبيق اتفاق الجزائر ينبغي أن يتم وفقاً للآليات التي حددها إطار الاتفاق نفسه، والمتمثل في تنفيذ قرار لجنة التحكيم الدولية من خلال اتفاق ثنائي ولجان تابعة للأمم المتحدة تضع العلامات الفاصلة لترسيم الحدود وليس عبر السيطرة العسكرية على المناطق موضع الخلاف.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ويذكر أن حكومة آبي أحمد أبدت سابقاً نيتها لتطبيق قرار التحكيم الدولي، المنبثق من اتفاق الجزائر، بما في ذلك إعادة مثلث بادمي الحدودي إلى السيادة الإريترية، إلا أن "جبهة تحرير شعب تيغراي" عرقلت ذلك المسعى عبر اشتراط إطلاق مفاوضات مباشرة بينها وأسمرة قبل الانسحاب من مثلث بادمي، مما يرفضه النظام الإريتري.

ولعل هذه المهمة الآن أضحت أكثر صعوبة، بخاصة بعد توتر العلاقات بين أسمرة وأديس أبابا، لا سيما بعد توقيع الأخيرة لاتفاق بريتوريا، بعيداً من حلفائها في حرب تيغراي، بحسب سلمون.

ويقول في حديثه إلى "اندبندنت عربية" حول الادعاءات الخاصة بمشاركة قوات الدفاع التيغراوية في حرب السودان، إن مئات المسلحين من تيغراي لجأوا إلى السودان وانقطعت صلتهم المباشرة بقيادة جيش الدفاع التيغراوي، لذلك ربما تتم استمالتهم لأحد الأطراف المتصارعة في هذا البلد المجاور.

ويرجح أيضاً أن تكون هذه العناصر تعمل بمعزل عن تأثير القيادة المركزية في تيغراي، بخاصة أن معظمهم يشعرون بمرارات الهزيمة في الحرب ضد الجيش النظامي الإثيوبي من جهة، وبخذلان تجاه قيادتهم السابقة التي يرون أنها أبرمت اتفاق استسلام، لذا من المحتمل أن يتعاطفوا مع الجيش السوداني، لا سيما أن الخرطوم تتهم أديس أبابا بالوقوف وراء "الدعم السريع"، لكن سلمون ينفي أن تكون الحكومة الموقتة في تيغراي تدعم هذا التوجه.

عقيدة قتالية جديدة

بدوره، يرى المتخصص في الشأن الإثيوبي بيهون غيداون أن مهمة نزع سلاح الميليشيات لا يتعلق بقوات "جبهة تحرير شعب تيغراي" فحسب، بل بالأسس التي قام عليها قانون الأقاليم الذي يسمح بإمكان تشكيل وحدات قتالية خاصة في كل إقليم تعمل بمعزل عن الجيش النظامي الإثيوبي.

ويوضح أن تلك القوانين أقرت في ظل حكم نظام "الأقلية الإثنية" الممتد من 1991 إلى 2018، إذ ظلت هذه المجموعة تصادق على تشريعات تهدد الوحدة الترابية الإثيوبية، وتعمل بمرجعيات المظالم الإثنية، من ثم تهيّئ الأرضية للانفصال وإقامة دولة تيغراوية مستقلة في حال فقدانها للسلطة في أديس أبابا، مما دفعها إلى إقامة جيوش موازية تعمل بصورة مستقلة عن وزارة الدفاع الوطني.

ويرى ضرورة إيجاد حلول جذرية للأزمات البنيوية التي خلقها هذا النظام، مقراً بأن ذلك يتطلب تنازلات كبيرة من كل الأطراف في سبيل صيانة الوحدة الوطنية الإثيوبية، بخاصة في ظل انزلاق الأوضاع واشتعال حروب قومية في أقاليم أورومو وأمهرة وبني شنقول وتيغراي.

ويؤكد غيداون أن هناك ضرورة ملحة حالياً لإدراك أن إثيوبيا تواجه تحديات مستعصية، أهمها أخطار التفكك إلى دويلات في ظل الانتشار الكبير للعناصر المسلحة في كل إقليم.

 

 

ويلفت النظر إلى ما يسميه "أخطار التسريح الفوضوي"، مشيراً إلى أن تنفيذ بند نزع السلاح المنصوص عليه في اتفاق بريتوريا للسلام لا يستصحب هذه الأخطار المتمثلة في تسريح العناصر المسلحة وإدماجها في المجتمع، منوهاً بأن "تسريح عناصر جيدة التدريب وإدماجها في المجتمع المدني" من دون حسبة مستحقة للتحديات المستقبلية بمثابة تأجيل لأخطار كامنة، إذ يفترض أن يعاد تأهيل هذه العناصر مهنياً ونفسياً وإدماجها في الجيش النظامي بعقيدة قتالية جديدة، عوض تسريحها للعمل المدني لتجنب عودتها للقتال متى ما توافرت الفرصة، ويذكّر بأن هناك تجارب أفريقية عدة في هذا الخصوص.

التفاوض مع أسمرة

على رغم الصورة المتشائمة السابقة لا يزال المتخصص في الشأن الإثيوبي بيهون غيداون يرى أن هناك حاجة تفرضها التحديات الوطنية والإقليمية إلى ضرورة التفاوض مباشرة مع النظام الإريتري، سواء من خلال الحكومة المركزية في أديس أبابا أو عبر إشراك "جبهة تحرير شعب تيغراي" لتحقيق هدفين رئيسين، الأول للتنفيذ الآمن لاتفاق الجزائر وإيجاد حل جذري للخلاف الحدودي بين البلدين، والثاني لإبطال أي احتمالات لدعم أسمرة للعناصر المتمردة، وأهمها ميليشيات "الفانو"، وبعض العناصر التيغراوية التي من المحتمل أن تتحالف مع إريتريا ضد الحكومة الموقتة في تيغراي والمركزية في أديس أبابا.

ويذهب إلى أن ترسيم الحدود مع إريتريا بصورة قانونية، سيضع خاتمة لأزمات أسمرة وأديس أبابا، ويعزل القوى المتمردة عن أي تحالفات خارجية، لكنه يوضح أن ثمة أزمة صامتة بين الطرفين تنذر بحرب محتملة، خصوصاً في حال عدم الأخذ بمطالب إثيوبيا حول المنفذ البحري بجدية وحلها بطرق سلمية، سواء عبر التوصل إلى اتفاقات ميسرة لعمليتي الاستيراد والتصدير عبر الموانئ الإريترية، أو من خلال تمكين إثيوبيا من تأجير موانئ في دول الجوار الأخرى.

ويرى غيداون أن هناك مؤشرات متضاربة إلى احتمالات تجدد الحرب بين إريتريا وإثيوبيا بتحالفات جديدة، وأن العمل على تجنب قيام هذه الحرب لا يمكن أن يتم من دون تفاوض مباشر مع أسمرة.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير