ملخص
يستطيع الإنسان الجري مسافات طويلة وببطء لكن معظم الحيوانات التي يرغب في قنصها لا تستطيع مجاراته لأنها تركض بسرعة وتتعب بسرعة ولا تفرز من العرق ما يكفي لتبريد أجسامها. وهناك علماء يرون أن هذه الميزة في ركض المسافات الطويلة تراكمت عبر تطور تدريجي
أفاد علماء بأنهم اكتشفوا أدلة متزايدة تشير إلى أن الصيد ربما أسهم في جعل البشر مقتدرين في الركض لمسافات طويلة قبل ملايين السنين.
وكشف بحث جديد عن أن تحمل المطاردة الطويلة للطرائد (المطاردة التحمّلية) لم تكُن أمراً نادراً في المجتمعات البشرية القديمة التي اعتمدت على الصيد وجمع الطعام، وفق ما اعتقده العلماء قبل الآن.
وقال علماء في الأنثروبولوجيا إنهم عثروا على كتابات تعود لبدايات القرن الـ16، تشير إلى أن الركض الوئيد لمسافة طويلة اعتبر وسيلة ناجعة في الإمساك بحيوانات برية تصلح للأكل على غرار الظباء والبيسون والغزلان.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ونشر ذلك الفريق مكتشفاته في مجلة "نيتشر هيومن بهفيور" Nature Human Behaviour المخصصة لعلم سلوكات البشر، مشيراً إلى أنها تتحدى وجهة النظر التي تذهب إلى أن المطاردة التحمّلية كان من شأنها استنفاد طاقة البشر الأوائل بسبب العبء الذي تلقيه على أجسادهم.
وأورد البروفيسور يوجين مورين، من قسم الأنثروبولوجيا في "جامعة ترنت" الكندية، أن هذا الاعتقاد نجم عن "انحياز ثقافي" انتشر في أوساط الغربيين فجعلهم ميّالين إلى رؤية الركض "كتحدٍّ شاق ومتطلب".
ونقل مورين إلى وكالة "برس أسوسيشن" البريطانية أن "حياة الغربيين لا تتضمن كثيراً من النشاط الحركي، لذا يغلب على معظمهم الافتقاد إلى اللياقة البدنية بالمقارنة مع المجموعات المحلية (أي الشعوب الأصلية التي تتحدر من أوائل قاطني بلدانهم). ولهذا السبب، ربما اعتقدوا بأن المطاردة التحمّلية تشكل تحدياً أشد مما يبدو عليه الأمر نفسه بالنسبة إلى أناس يمارسون الركض بصورة متكررة".
وبحسب أولئك البحاثة، يتبدى في المعطيات نفسها أن ظروف الشتاء القاسي أو المثلج لم تحل دون ممارسة أجداد البشر للمطاردات التحمّلية، ولعلها شكلت طريقة لقنص الطرائد لا تقل كفاءة عن وسائل أخرى على غرار المواجهة المباشرة بحظوظها المفتوحة، ونصب الأفخاج وتدبير الكمائن.
وكذلك أفاد البحاثة بأن الملاحظات الموثقة التي جمعت من 272 موقعاً في العالم، تظهر أن المطاردات التحمّلية ربما شكلت استراتيجية شائعة الاستعمال، خصوصاً حينما تحصل منافسة مع مقتنصين آخرين.
وكذلك قال البروفيسور مورين، "استطعنا إظهار أن الركض، أو بالأحرى مزيجاً من الركض والمشي، يشكل طريقة فاعلة في الصيد، وأنه مثّل ممارسة عالمية لبشر يسعون إلى الطعام في الحقب السابقة على الحقبة الحديثة. ومن شأن المطاردة التحمّلية أن تزوّد الأجناس البشرية الطابع (يشمل ذلك الإنسان وأسلافه المنقرضين والسلالات القريبة من البشر)، بميزة تطورية خلال خوضهم معركة التنافس مع كائنات أخرى تأكل اللحوم".
في سياق الدراسة، عمد البروفيسور مورين وزميله البروفيسور بروس وينترهالدر، الأستاذ الأكاديمي لعلوم الأنثروبولوجيا والبيئيات في "جامعة كاليفورنيا، ديفيس"، إلى مراجعة قرابة 400 حالة، وقاما بتقصّي الدور المحتمل للصيد بواسطة المطاردة التحمّلية.
وتضمنت تلك المراجعة سجلات مباشرة لمجموعات من الرحّل على غرار شعب الـ"إفنكي" في سيبيريا والـ"إننو" في كندا، والـ"أباتشي" في الولايات المتحدة، والـ"مبوتي" في جمهورية الكونغو الديمقراطية، والـ"بيتجانتجاجارا" في أستراليا والـ"إننويت" في ألاسكا وغيرها.
وأظهرت تلك الوثائق أن بعض المطاردات بالجري غطت مسافة مئة كيلومتر.
وفي حديث إلى "برس أسوسيشن"، نقل البروفيسور مورين "أننا صُدمنا بعدد الحالات التي وجدناها، والسياقات البيئية الواسعة التي تضمنتها، إضافة إلى وجود أمثلة تشمل سهوب الـ’توندرا‘ الثلجية في كندا وجبال هاواي".
وأضاف أن "الحالات القليلة التي كنا نعرفها قبل هذا العمل [عن المطاردات التحمّلية] حدثت في مناطق حارة ومفتوحة، بل إنها جرت بصورة نموذجية في السهول القاحلة. ولقد أعجبنا بالأدلة التي عثرنا عليها المتعلقة بتلك البيئات [القاحلة]، وكذلك الأمر بالنسبة إلى الحالات التي جرت فيها تلك المطاردات في الغابة والمواطن المكسوة بالثلوج، خارج المناطق المدارية الدافئة. وتفتح تلك المعطيات الباب أمام إمكان أن تكون الأجناس البشرية الطابع مارست المطاردات التحمّلية في أوروبا وشمال آسيا، وخلال ظروف شتوية".
واستكمالاً، تؤكد المعطيات التي توصل إليها البروفيسور مورين نظرية معروفة باسم "فرضية الركض التحمُّلي" التي تقترح أن البشر بحد ذاتهم تطوّروا كي يركضوا مسافات طويلة، بغية صيد الطرائد، قبل نحو مليوني سنة.
وبحسب مورين، "بخلاف الحيوانات اللبونة الأخرى، بما في ذلك القردة العليا مثل الشمبانزي، يستطيع البشر التعرق بغزارة. وقد تطورت عضلات أرجلهم بفعل عزيمتهم بأكثر من تأثير قوتهم. ويقود ذلك إلى التفكير بأن تكتيك الصيد له تاريخ عريق وضارب في القدم".
واستطراداً، أفاد البروفيسور مورين بأن تلك الممارسة للمطاردة التحمّليّة اختفت مع ظهور البنادق والاستعمال الواسع للأحصنة وكلاب الصيد.
وأضاف أن المجتمعات المحلية وتزعزعها تحت تأثير الاستعمار ربما أسهما في تلاشي المطاردات التحمّلية.