ينشغل الشارع السوداني هذه الأيام في ما اتخذته وزيرة التعليم العالي والبحث العلمي انتصار صغيرون، من مواقف متشددة تجاه مديري الجامعات الحكومية لدورهم في إفساد الحياة التعليمية في الجامعات إبّان فترة النظام السابق، خصوصاً من خلال السماح لأنصاره بتكوين الوحدات الجهادية واستخدام العنف ضد المعارضين.
المواقف دفعت نحو 32 مدير جامعة إلى تقديم استقالاتهم في خطوة استباقية لقرار مجلس الوزراء القاضي بإعفائهم، وذلك قبل استئناف الدراسة مطلع أكتوبر (تشرين الأول) بعد توقف دام قرابة عشرة أشهر بسبب اندلاع الثورة الشعبية التي أطاحت بنظام عمر البشير، في 11 أبريل (نيسان) 2019.
ويُعد إعفاء مديري الجامعات من بين المطالب التي وضعها تجمع أساتذة الجامعات والمعاهد السودانية أمام وزيرة التعليم العالي والبحث العلمي كواحد من شروط استئناف الدراسة، في حين انتقد مديرو الجامعات المستقيلين توجهات الوزيرة القاضية بإقالة المديرين ونوابهم ورؤساء مجالس الجامعات وعمداء الكليات. ولفتوا، في بيان أصدروه، إلى أنهم بذلوا جهوداً طوال الثمانية أشهر الماضية، متحملين عبء المسؤولية وإدارتها في ظروف استثنائية وبالغة التعقيد، تحمّلوا خلالها الأذى المعنوي الجسيم، إضافةً إلى محاولتهم الحفاظ على ممتلكات الجامعات وأصولها وإعادة استئناف الدراسة حرصاً منهم على صالح الطلاب.
إجراء استباقي
يعتقد أستاذ الاقتصاد السياسي في جامعة النيلين حسن بشير محمد نور، أن استقالة مديري الجامعات الحكومية "هو إجراء استباقي ليس إلاّ، ولن يكون له أثر واضح في الجامعات، لأنهم يدركون أنهم غير مرحب بهم خلال هذه الفترة، سواء من الطلاب أو من زملائهم الأساتذة بسبب انتمائهم الصارخ للنظام السابق وقيامهم بأدوار سياسية واضحة تخدم مصالحه".
ويؤكد نور في حديث مع "اندبندنت عربية" أنه كان بالأحرى أن يقدموا استقالاتهم منذ سقوط نظام البشير، لكنهم اختاروا هذا التوقيت لاعتقادهم بأنهم يستطيعون إرباك العملية التعليمية مع اقتراب بدء الدراسة في الجامعات مطلع أكتوبر، وهذا لن يحدث لأن البديل موجود ومؤهل وجدير".
يضيف "لقد سمحوا لميليشيات النظام السابق أو ما يُسمى كتائب الظل بممارسة الإرهاب داخل حرم الجامعة، وممارسة شتى أنواع العنف والقتل، فكم من طالب قُتل وعُذّب وفُصل خلال فترة الثلاثين عاماً الماضية، ولولا التستر والحماية لما كان ذلك ولما جُعلت الجامعات مسرحاً للصراع والقهر من دون حسيب أو رقيب".
وفيما يتوقع نور "مقاومة الدولة العميقة وسعيها إلى إحداث اضطرابات"، يجزم أن "هناك عزيمة كاملة لدى الطلاب الذين صنعوا الثورة الشعبية، فبهؤلاء ستنهض الجامعات ويهدأ الوضع للأفضل".
ويكشف التوجه في الفترة المقبلة إلى مراجعة الإدارة وإصلاحها وتغيير المناهج لما أصابها من تدنٍ وتراجع، إلى جانب إعادة النظر في سياسة القبول إلى الجامعات التي لم تراع المعايير المتبعة، فيُصار إلى قبول أعداد مهولة أكثر من القدرة الاستيعابية، ما أضعف جودة التعليم في السودان.
ولن تكون، وفق نور، الجامعات والكليات الخاصة التي تعتمد على الكسب المادي والمحسوبية ما أحدث تضخماً في أعداد الخريجين، بمعزل عن الإصلاح.
معيار الولاء
ويشير الأستاذ الجامعي إسماعيل أبو لـ"اندبندنت عربية" إلى أن "السودان مليء بالكفاءات سواء في جانب التدريس الجامعي أو الإداري وبإمكانهم تغطية أي نقص يحدث"، لافتاً إلى أن "الدافع الأساسي لتقديم مديري الجامعات الحكومية استقالاتهم هو الدعوات التي أطلقها تجمع المهنيين السودانيين إلى تغيير قادة مؤسسات الدولة، لأن النظام السابق كان يعتمد في التعيين على معيار الولاء وليس الكفاءة، وبالتالي، فإنّ كل من حظي بهذا التعيين هو من موالي نظام الرئيس السابق، وكان مطلوباً منه تنفيذ أجندة سياسية تتمثل في تسهيل دخول عناصر الأمن إلى الجامعات لإخماد أي عمل يهدد النظام، سواء من ناحية التظاهرات أو الندوات ذات الأهداف السياسية المعارضة، فضلاً عن ملاحقة الطلاب المعارضين، وحماية الطلاب التابعين للنظام والعمل على تجييشهم وتسليحهم، ما جعل الجامعات بيئة للصراعات السياسية وما عرّضها في كثير من الأحيان للإغلاق لفترات طويلة".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويعتبر أبو، مثل نور، أن "هدف الاستقالات واضح، هو اعتقادهم بأنهم سيؤثرون في العملية التعليمية وإحداث نوع من النقص والدربكة، لكن العكس سيحدث، لأن وجود مثل هؤلاء المديرين يعد عبئاً على الجامعات وتطويرها وابتعادها عن أي عمل سياسي، ما يجعل البيئة التعليمية معافاة وصالحة للتحصيل العلمي، وكذلك استقرارها وانتظامها من ناحية الدراسة".
ويعتقد أبو أن "هؤلاء المديرين كانوا على قناعة بأنهم غير مرغوب بهم بعد الثورة الشعبية التي تستهدف اقتلاع رموز النظام السابق الذين هم جزء أصيل منه، لذلك سارعوا بهذه الاستقالات قبل إقالتهم، ولا أعتقد أنه كان بإمكانهم الاستمرار في تقديم الخدمات ذاتها والدور الذي كانوا يلعبونه في السابق، إضافة إلى أن معظمهم على قناعة بأنهم ليسوا بالكفاءة التي تجعلهم يتقلدون هذه المناصب، لكن انتماءهم إلى النظام السابق جعلهم يحظون بهذه الامتيازات".
مبادرة لسد النقص
في هذه الأثناء، أعلن أكثر من مئة بروفيسور سوداني من داخل السودان وخارجه عن استعدادهم للعمل في الجامعات السودانية من دون أجر لمدة عام لتغطية أي نقص قد يحدث بسبب الاستقالات الجماعية التي تقدم بها عدد من مديري الجامعات وعمداء الكليات المختلفة.