ملخص
على رغم التطمينات الإسرائيلية شن الجيش هجمات متكررة على المنطقة الإنسانية الموسعة، مما عزز الشعور عند الهاربين بـ"عدم وجود مأوى آمن"
في غضون 24 ساعة فقط، قصف الجيش الإسرائيلي 10 مراكز نزوح في المناطق الإنسانية الموسعة و"الآمنة"، كان آخرها مجزرة "حرق الخيم" في محافظة رفح أقصى جنوب قطاع غزة، والتي تسببت في سقوط ضحايا مدنيين استجابوا لتعليمات تل أبيب بالانتقال إلى المواصي.
مناطق محمية
وعقب بدء العملية العسكرية في رفح أعلن الجيش الإسرائيلي توسيع المناطق الإنسانية، واعتبر أن أي شخص ينتقل من آخر معاقل حركة "حماس" إلى منطقة المواصي فهو آمن، إذ عزم الجيش على عدم تنفيذ غارات وضربات عسكرية داخل منطقة الخدمات الإنسانية.
وجاء على لسان المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي أفيخاي أدرعي أن "على المدنيين الانتقال من شرق ووسط رفح إلى منطقة المواصي الممتدة، حيث توجد الخدمات الإنسانية اللازمة، الحرب ضد حركة ’حماس‘ وليس ضد سكان غزة".
أما وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت فقال "لن تكون هناك هجمات على المواصي، وأي شخص سيكون هناك فهو في مكان آمن".
غارات على رغم الوعود
وعلى رغم التطمينات الإسرائيلية التي جاءت من مستويات قيادية كبيرة، شن الجيش هجمات متكررة على المنطقة الإنسانية الموسعة وتركز معظمها في غضون الساعات الـ24 الماضية، أي بعدما نزح غالبية المدنيين من رفح نحو المنطقة الإنسانية الموسعة، مما عزز الشعور عند الهاربين بـ"عدم وجود مأوى آمن".
وكان القصف على مواصي رفح أعنف هجوم نفذه الجيش على المناطق الآمنة، إذ أطلق عليه مصطلح "مجزرة حرق الخيم"، وفيه أغارت مقاتلات تل أبيب على خيم النازحين بنحو سبعة صواريخ يزن الواحد منها 2000 رطل من المتفجرات، مما تسبب في سقوط 50 ضحية، إضافة إلى حرق جميع خيم النازحين في تلك المنطقة.
وإلى جانب مجزرة حرق الخيم قصفت الطائرات الإسرائيلية تسعة مراكز نزوح في جباليا شمال غزة، والنصيرات وسط القطاع، وغزة في المركز، وخان يونس في الجنوب، وقتل في مراكز الإيواء الآمنة، بحسب القوانين الدولية، نحو 190 شخصاً.
مزاعم كاذبة
يقول مدير المكتب الإعلامي الحكومي إسماعيل الثوابتة، "أمس تركزت ضربات إسرائيل على مراكز الإيواء في المناطق الإنسانية، وفي تلك المواقع يعيش عشرات آلاف النازحين المدنيين وبخاصة الأطفال والنساء".
ويضيف، "الجيش حدد هذه المناطق بأنها مناطق آمنة ودعا المواطنين والنازحين إلى التوجه إليها، وعندما لجأ النازحون إلى هذه المناطق قام بارتكاب مجازر وإعدام ميداني بحقهم".
ويوضح الثوابتة أنه لم يسبق في التاريخ تحشيد هذا الكم الكبير من أدوات القتل الجماعي وتوظيفها مجتمعة أمام العالم كما يحدث الآن في غزة، إذ حرم السكان الماء والغذاء والدواء والكهرباء والوقود مع سحق البنية التحتية وتدمير جميع المؤسسات وتعطيل الصرف الصحي وانتشار الأوبئة وإحكام إغلاق المعابر ومنع دخول الإمدادات والوفود الطبية، ومنع تحويل المرضى والجرحى إلى الخارج، ثم بعد ذلك قتلوا.
ويؤكد أن "القصف الإسرائيلي على مواصي رفح أظهر كذب المزاعم الإسرائيلية حول المناطق الآمنة وضرورة توجه الناس إليها للحفاظ على أمنهم وسلامتهم".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
تاريخ طويل
وفي الواقع ليس جديداً قصف المناطق الآمنة، وطالما سقطت القذائف الصاروخية على منطقة المواصي، فمنذ بداية الحرب على قطاع غزة روج الجيش الإسرائيلي لفكرة "المناطق الآمنة"، لكن الأمم المتحدة سجلت باستمرار حوادث قصف في تلك المواقع.
وفي الـ 18 من نوفمبر (تشرين الثاني) 2023 قصفت الطائرات الإسرائيلية شققاً سكنية عدة في مواصي خان يونس، مما أدى إلى مقتل نحو 26 فلسطينياً مدنياً، وفي الـ 18 من ديسمبر (كانون الأول) من العام نفسه وزع الجيش منشورات تفيد بأن تل السلطان منطقة آمنة، لكن في اليوم نفسه قصف المكان وقتل هناك 70 فرداً.
وفي الـ 10 من يناير (كانون الثاني) 2024 قتل أربعة أطفال من عائلة واحدة إثر غارة استهدفت منزلاً يؤوي نازحين في مواصي رفح، وفي الـ 15 من الشهر نفسه توغلت الدبابات الإسرائيلية إلى مواصي خان يونس ونفذت عملية عسكرية محدودة بين خيم النازحين.
أما في الـ 20 من أبريل (نيسان) الماضي فدمر هجوم جوي مبنى في مواصي رفح كان كبار المسؤولين الإسرائيليين أعلنوا أن محيطه آمن ولن يقصف، وفي الـ 25 من مايو (أيار) الجاري قصفت المدفعية مواصي خان يونس حيث خيم النزوح.
استياء
يقول النازح فارس، "فوجئنا بوجود قذائف كثيفة جداً واجتياح في المواصي التي تعتبر منطقة آمنة، وتم تهجيرنا إليها بناء على طلب من الجيش الإسرائيلي، لكن لماذا يتم قصفها؟ الإجابة هي تجسيد لما ينكره العالم بأن إسرائيل لا تمارس الإبادة الجماعية".
ويؤكد النازح هادي أن "المنطقة الإنسانية ما هي إلا فخ يحاول به الجیش إسقاط مزيد من الضحايا في غزة، في وقت خرجت فيه معظم المستشفيات عن الخدمة، والباقي منها لا يزال مكتظاً بالجرحى والمصابين".
الناجي من مجزرة "حرق الخيم" محمد أبو جزر يقول، "تضررت خيمتي التي بصعوبة حصلت عليها وحرق جزء كبير منها، والآن أحاول إصلاحها وإعادة نصبها في منطقة قريبة من شاطئ البحر، وأنا أبتعد من المناطق التي يحذر الجيش المدنيين من الوجود فيها حتى لا يكون ذلك مبرراً لقتلنا".
من جهته يقول عبدالفتاح "أدرك ألا مناطق آمنة، وسمعت عن كثير من الوقائع حول قصف الجيش الإسرائيلي للمواصي، ولقد تكرر نزوحي لـ13 مرة حتى الآن في مواصي رفح، وكل ذلك بسبب عدم صدق وجود مناطق آمنة".
"هيومن رايتس ووتش": إسرائيل تضلل النازحين
وحول قصف المناطق الإنسانية الموسعة يقول مدير برامج "هيومن رايتس ووتش" ساري باشي، "بعد تتبع الأثر الإنساني للهجوم العسكري الإسرائيلي على غزة يفر المدنيون إلى الطرق والأماكن التي طلبت منهم الحكومة الإسرائيلية الذهاب إليها، وعندما يذهبون إلى هناك يقتلون".
ويضيف، "حاول سكان غزة اتباع التعليمات الإسرائيلية ورصدنا حالات إخلاء المنازل واستخدام الطرق التي طلب منهم سلكها، بعدها ذهب النازحون إلى المكان الذي قيل لهم أن يذهبوا إليه، ثم تعرضوا لضربة جوية وقتلوا".
وفي تبرير الجيش الإسرائيلي لحوادث استهداف المناطق الإنسانية يقول المتحدث أفيخاي أدرعي، "اللوم يقع على ’حماس‘ لسببين، الأول لأنها طلبت من الناس تجاهل توجيهات القوات، والثاني لأن عناصر الفصيل ذهبوا إلى المناطق الآمنة، ولا تزال ’حماس‘ تستخدم سكان غزة كدروع بشرية".
وحول مجزرة "حرق الخيم" يوضح أدرعي "نفذنا ضربة دقيقة على مجمع تابع لحركة ’حماس‘ ونتيجة الهجوم واندلاع حريق في المنطقة أصيب عدد من الأشخاص غير المتورطين، والحادثة قيد المراجعة".
لكن المتحدث باسم "حماس" أسامة حمدان ينفي الادعاءات الإسرائيلية ويقول "إن الجيش لا يزال يضلل العالم ويفتري كذباً بأنه قضى على قيادات في الفصيل، نحن نلتزم في القانون الإنساني ونتبع قواعد الحرب، ولا نخالف ذلك كما يفعل جنود تل أبيب".