ملخص
"حزب الله" يمتنع عن الرد على إسرائيل على رغم خروقاتها لوقف إطلاق النار لأنه "لا يمتلك القدرة على استئناف الحرب، إن كان على مستوى التوازن العسكري أو على مستوى الرد والمواجهة بالمقارنة مع إسرائيل"، فضلاً عن تراجع تأييده الشعبي بعد الدمار الكبير الذي خلفته الحرب.
مرت 30 يوماً على وقف إطلاق النار بين لبنان وإسرائيل وتبقت 30 أخرى على انقضاء المهلة المحددة لتنفيذ بنود الاتفاق وانسحاب إسرائيل من كامل الأراضي اللبنانية وتراجع "حزب الله" إلى شمال نهر الليطاني. لكن حتى اللحظة لا شيء يوحي بأنه بعد شهر من الآن ستفي إسرائيل بالتزاماتها بالانسحاب، فخروقها المستمرة للاتفاق والإحراج الذي تسببه لـ"حزب الله" الممتنع حتى الساعة عن الرد قد تعيد البلدين إلى دوامة العنف والتصعيد أو تحيي أقله سيناريو "المقاومة" في القرى الحدودية لتحريرها من الاحتلال.
على مدى الشهر الماضي لم تنكفئ إسرائيل عن متابعة عملياتها العسكرية في القرى الحدودية جنوب لبنان كطيرحرفا وكفركلا ويارون والوزاني ومارون الراس وغيرها عشرات البلدات، إذ نفذت تفجيرات ضخمة لنسف المنازل وعمليات تمشيط بالنيران وجرفت الطرقات وأقامت السواتر الترابية. وفيما أعلنت مرات عدة استهداف عناصر لـ"حزب الله"، لم يسلم المدنيون من عملياتها، إذ خطف جنودها عدداً من المواطنين في الجنوب قبل أن يعاد تسليم معظمهم لقوات "يونيفيل" والجيش اللبناني، عدا عن منع أهالي عشرات القرى من العودة إليها بحجة استمرار العمليات فيها.
أكثر من ذلك توغلت القوات الإسرائيلية في أراض لم تدخلها طوال فترة الاشتباكات العسكرية، على غرار دخولها أمس الخميس إلى القنطرة وعدشيت القصير ووادي الحجير، مما استدعى ردوداً منددة في لبنان وضغوطاً على اللجنة الخماسية للإشراف على اتفاق وقف إطلاق النار، مما أسفر أخيراً عن انسحاب القوات الإسرائيلية مساءً من هذه المناطق ودخول الجيش اللبناني إليها.
ولم تكتف إسرائيل بتحركاتها العسكرية في الجنوب، بل نفذت عدداً من الضربات شمال الليطاني شملت استهداف "مخازن لـ’حزب الله‘" في بلدتي البيسارية قرب صيدا وطاريا في البقاع، وآخرها اليوم الجمعة ضربات على مواقع في جرود قوسيا بالبقاع، استهدفت حسب الجيش الإسرائيلي "بنى تحتية في معبر جنتا على الحدود السورية اللبنانية التي استخدمت لنقل وسائل قتالية عبر سوريا إلى ’حزب الله‘".
وعلى رغم دعوات لبنان وقوات "يونيفيل" الأممية للتسريع بالانسحاب من الجنوب، تتذرع إسرائيل بتفكيك البنى التحتية لـ"حزب الله" التي تشكل خطراً عليها، وقد أعلنت مصادرة آلاف القطع العسكرية للحزب خلال عملياتها في القرى الحدودية زاعمة أنها وجدت "في المناطق المدنية داخل البيوت ومحاذاتها وتحتها"، ومؤكدة أنها ستمنع "حزب الله" من إعادة تسليح نفسه وبناء قدراته.
#عاجل مصادرة أكثر من 84 ألف قطعة سلاح من أنواع مختلفة في أوكار حزب الله في جنوب لبنان معظمها كشف في المناطق المدنية داخل البيوت ومحاذاتها وتحتها
— افيخاي ادرعي (@AvichayAdraee) December 24, 2024
الرسالة بسيطة وموجهة إلى سكان لبنان في جنوبه وبقاعه وعمقه: هل ستسمح الدولة اللبنانية لمرتزقة ايران في لبنان ان يحاولوا اعادة اعمار… pic.twitter.com/4NfhrNCJAI
كل ذلك يضع اتفاق وقف إطلاق النار على المحك وسط تساؤلات عدة: ما مصير الاتفاق بعد انقضاء مهلة الـ60 يوماً؟ هل تلتزم إسرائيل الانسحاب أم نعود إلى الحرب؟ وما الهدف الإسرائيلي من استمرار العمليات ولمَ يمتنع "حزب الله" حتى الآن عن الرد؟
الجيش اللبناني يقوم بدوره
تزامناً مع الخروق الإسرائيلية والانسحاب البطيء من الجنوب خرجت تسريبات في وسائل إعلام إسرائيلية تفيد بأن الجيش الإسرائيلي ينوي البقاء في القرى اللبنانية الحدودية، في حال لم يتمكن الجيش اللبناني من بسط سيطرته الكاملة على الجنوب خلال المهلة المحددة، وفق ما جاء في صحيفة "هآرتس". وأضافت الصحيفة أن الجيش الإسرائيلي ينشئ بنية تحتية عسكرية في عدد من المواقع على طول المنطقة الحدودية، بعضها يقع خلف السياج الحدودي داخل الأراضي اللبنانية في نقاط يعدها "حساسة".
في المقابل، لم يرد "حزب الله" حتى اللحظة على الخروق الإسرائيلية، بل اكتفى نوابه ووزراؤه بتحميل الحكومة اللبنانية والجيش مسؤولية التعاطي مع هذه الانتهاكات التي يتخذونها مبرراً لبقاء سلاح الحزب واستمرار "المقاومة"، وفق ما جاء على لسان وزير العمل مصطفى بيرم الذي علق على التوغل الإسرائيلي في وادي الحجير أمس قائلاً على "إكس"، "عبرة تاريخية... واستنتاج حتمي بأن الخيار والحل الوحيد... فقط وفقط المقاومة وفشل ذريع لكل الحلول الأخرى".
وسط هذه التطورات يجد الجيش اللبناني نفسه أمام تحديات كبيرة للإمساك بالأمن في الجنوب وبسط سيطرته عليه بوجه الانتهاكات الإسرائيلية. وفي هذا السياق، تقول مصادر مقربة من قيادة الجيش اللبناني إنه منذ اليوم الأول لدخول الاتفاق حيز التنفيذ بدأت قواته باستعادة المراكز والتموضع في القرى التي لا توجد فيها قوات إسرائيلية، وعملت على فتح الطرقات وإزالة الركام والردم وضبط أي سلاح غير شرعي يعثر عليه. وتضيف المصادر أن الجيش اللبناني لا يعلن عن كل ما يقوم به عمداً حتى لا يثير أي حساسية، مؤكدة أنه يقوم بعمله كما يجب من دون أي عائق أو رفض من قبل "حزب الله".
وتقول هذه المصادر إن الخروق الإسرائيلية تثير استياء جميع الأطراف ويتم التعاطي معها عبر ضغوط اللجنة الخماسية للإشراف على وقف إطلاق النار بقيادة الأميركيين ومساعدة "يونيفيل".
لا قدرة لـ"حزب الله" على الرد
بدوره، يقول الباحث في معهد كارنيغي للشرق الأوسط مهند الحاج علي، إنه بعد شهر على وقف إطلاق النار أظهر لبنان و"حزب الله" التزامهما به، في المقابل ومن الجهة الإسرائيلية ظهر أن "هناك تعديلاً في قواعد الاشتباك وليس وقفاً للنار بصورة تامة، بما يسمح للجيش الإسرائيلي باستخدام العنف في ما يراه موضعاً دفاعياً، على سبيل المثال تفجير منازل في الجانب اللبناني أو استهداف مخازن أو شخصيات، وهي تحركات تعدها تل أبيب مواقف دفاع استباقي لحماية أمنها ومنع إعادة تسلح ’حزب الله‘".
أما عن سبب امتناع "حزب الله" حتى الساعة عن الرد، فيرى الحاج علي أن الحزب "لا يمتلك القدرة على استئناف الحرب، إن كان على مستوى التوازن العسكري أو على مستوى الرد والمواجهة بالمقارنة مع إسرائيل". ويضيف أنه من جهة ثانية، "فقد الحزب التأييد الشعبي الكبير الذي كان يحظى به خلال الفترة الماضية، وذلك بسبب الدمار الكبير الذي حصل والذي يفوق ما رآه الجنوبيون خلال الحروب الماضية، من حرب 2006 وكل الحروب السابقة، فيما انكشف لدى ’حزب الله‘ ضعف هائل وخرق كبير في صفوفه بدليل اغتيالات قياداته الكبيرة، لذا لا يمتلك الحزب اليوم القدرة على الرد".
من جهته، يرى الصحافي محمد علوش أن استمرار إسرائيل في خروقها سببه الأساس أنها "تعد أن لها الحق في تطبيق القرار 1701 بمحاذاة الحدود اللبنانية بموجب ضمانات أخذتها من الأميركيين" ولم يوافق عليها لبنان وليس معنياً بها. ويوضح أن "الجيش الإسرائيلي يطبق القرار 1701 بمدى جغرافي يمتد من واحد إلى ثلاثة كيلومترات في مناطق وجوده في الجنوب"، فيما يتسلم الجيش اللبناني مناطق جنوب الليطاني "ويضع يده على مخازن السلاح فيها بالتنسيق مع ’حزب الله‘" ليكون مسؤولاً عن كل ما فيها من ذخيرة وعتاد.
ويضع علوش الضربة الإسرائيلية على طاريا في البقاع منذ بضعة أيام في إطار مساعي إسرائيل للقول "إنها عندما تلحظ خطراً ما فإنها ستتحرك وتتصرف". ويضيف "إسرائيل اليوم تعتدي على لبنان وسيادته لأنها بالأساس لا تلتزم لا قرارات ولا قوانين وهذا دليل إضافي على أن إسرائيل لا تفهم سوى لغة القوة فيما تكتفي الدولة اللبنانية بإرسال الشكاوى" إلى لجنة الإشراف على الاتفاق وإلى مجلس الأمن الدولي.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
لإسرائيل "اليد العليا"
أما بالنسبة إلى ما بعد انقضاء مهلة تطبيق اتفاق وقف إطلاق النار، فيرى الباحث مهند الحاج علي أنه "من الواضح أن المؤشرات التي تخرج من الجانب الإسرائيلي تؤكد ألا نية أو ضرورة للانسحاب من الجنوب، أولاً لأنهم يقولون إن الجيش اللبناني بطيء في إعادة الانتشار بالمناطق الحدودية، وثانياً لأنه لا توجد أي قوة أو قاعدة ردع لدى ’حزب الله‘ الذي أصبح تنظيماً مكشوفاً بصورة كبيرة". ويضيف الحاج علي أن "لدى الجانب الإسرائيلي اليد العليا في تقرير الخطوات العسكرية المقبلة على الأرض، إن كان لجهة عدم الانسحاب أو مواصلة الضربات المحددة، لذا فالفرضية الأكثر واقعية هي أن يستمر الوضع على ما هو عليه بعد انقضاء مهلة الـ60 يوماً".
بدوره يرى محمد علوش أن "هناك مؤشرات بدأت تظهر وتخشى منها الدولة اللبنانية تشي بأن إسرائيل قد تستمر بخروقها بعد الـ60 يوماً حتى لو خرجت من الأراضي اللبنانية، وقد تستمر في استفزاز لبنان لدفعه إلى الرد واتهامه بإفشال اتفاق وقف إطلاق النار". ويقول إن هذا الأمر سيرتب اختباراً صعباً جداً على الدولة والجيش في لبنان وعلى المجتمع الدولي، موضحاً أن استمرار إسرائيل في هذه الخروق سيؤدي إلى "تأكيد شرعية وأحقية الشعب اللبناني بالمقاومة ما دام لديه أرض محتلة، وسيؤكد أن إسرائيل لا تلتزم القرارات الدولية ولا تحترم سيادة الدول". وفي حال بقاء القوات الإسرائيلية على الأراضي اللبنانية، فيرى علوش أن لبنان "سيشهد مجدداً مقاومة في الجنوب من قبل أهالي القرى المحتلة كما كنا نشهد قبل عام 2000 لتحرير أرضهم مجدداً".
أمام هذه التطورات تتجه الأنظار إلى زيارة الموفد الأميركي آموس هوكشتين المرتقبة إلى بيروت في أوائل العام المقبل للوقوف على مجريات تطبيق اتفاق وقف إطلاق النار. فهل سينجح صانع الاتفاق بإلزام إسرائيل تطبيقه؟ أم سيضع لبنان أمام تحديات الواقع الميداني؟ الإجابة لدى هوكشتين.