Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

أجزاء من الإنترنت تختفي وربما تضيع إلى الأبد

فيما ظننا أن الشبكة العنكبوتية العالمية مساحة شاسعة لكميات مهولة من معلومات تبقى هناك إلى الأبد إلا أن أجزاءً كثيرة من المحتوى يتهددها خطر التلاشي أكثر مما نعتقد

لقد اختفت حتى الآن مليارات المواقع من شبكة الويب (رويترز)

ملخص

مساحة الويب تضيق بالبيانات إلى حد اختفاء بعضها والصيانة لحفظها مطلوبة.

"أرشيف الإنترنت" Internet Archive، المكتبة الأكثر اتساعاً التي صنعها الإنسان على الإطلاق، إذ نجد 835 مليار صفحة ويب. تتطلب النسخة الاحتياط الواحدة لمجموعة مواد المكتبة أكثر من 145 بيتابايت من مساحة التخزين. وعلى سبيل المقارنة، تعد "مكتبة الكونغرس" الأميركية أكبر مكتبة ورقية في العالم، إذ تحتضن نحو 175 مليون مصنف، وفق موسوعة "غينيس" للأرقام القياسية.

ولكن، حتى في وقت ينتج العالم بيانات أكبر حجماً من أي وقت مضى، نجد أن كثيراً منها آخذ في التلاشي. نحو 38 في المئة من صفحات الويب على الشبكة الإلكترونية التي كانت موجودة في عام 2013 اختفت، على ما جاء في بحث جديد نهض به "مركز بيو للبحوث" Pew Research Center، وحتى 8 في المئة من الصفحات على الشبكة الإلكترونية التي كانت موجودة في عام 2023 ما عاد لها وجود الآن.

تتكون الويب، أو الشبكة العنكبوتية العالمية، وعلى نحو مطرد، من محتوى يصار إلى إنتاجه واستهلاكه بواسطة أنظمة مؤتمتة: ذكر تقرير صدر الشهر الماضي عن شركة "إمبيرفا" Imperva المتخصصة بالأمن السيبراني أن الروبوتات البرمجية [وليس البشر] وراء ما يقارب نصف إجمال حركة أو تدفق البيانات على الإنترنت.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

في هذا السياق، كتبت مهندسة البرمجيات والكاتبة مولي وايت في مقالة نشرتها في وقت سابق من الشهر الجاري: "لما كنت طوال عمري عاشقة للويب، يبدو من الصعب ألا أشعر بقليل من اليأس في الوقت الحالي". وقد وضعت قائمة بمجموعة من المشكلات: محركات بحث ممتلئة الآن بـ"لا شيء مصنوع آلياً" [يذكر أنه في عالم الإنترنت المحتوى غير المرغوب فيه المنشأ آلياً هو الذي أنشئ بطريقة آلية من دون إنتاج أي محتوى أصلي أو إضافة قيمة كافية، بل أنشئ بصورة أساس للتلاعب بترتيب نتائج البحث وليس لمساعدة المستخدمين]، ومنصات التواصل الاجتماعي التي تحوي خوارزميات "تشجع على التشابه، وما يسمى استزراع المشاركة التافهة [للحصول مثلاً على مزيد من الإعجابات والمتابعين والمشاركات على شبكات التواصل الاجتماعي]، واصطياد الغضب في مقابل خنق الإبداع" [تكتيك تلاعبي هدفه إثارة الغضب مثلاً بهدف زيادة حركة البيانات على الشبكة والمشاركة عبر الإنترنت والإيرادات والدعم. يمكن استخدام اصطياد الغضب مثلاً كأداة لتعزيز المشاركة وجذب المتابعين والمؤيدين، في عملية تعود بأرباح مالية]، وأمور أخرى كثيرة.

وأشارت وايت إلى أن مجموعة المشكلات المطروحة سابقاً من شأنها أن تفضي إلى نوع من الحنين إلى نسخة سابقة من الإنترنت. ويتمثل بعضه في التوق المعتاد إلى الشباب الذي يصيب كل من يتقدم في السن، ولكن جزءاً مهماً منه يتمثل في الاعتراف بأن شبكة الإنترنت قد تغيرت على نحو جذري، وما عادت مساحة ممتعة.

ومع ذلك، فإن نسخة الإنترنت التي نود استرجاعها ربما لم تعد في المتناول. تحتاج شبكة الويب التي نعرفها إلى الصيانة، وهو أمر لا يحدث دوماً.

كذلك وجدت الدراسة عينها التي اضطلع بها "مركز بيو للبحوث" أن نحو 54 في المئة من صفحات الموسوعة الإلكترونية "ويكيبيديا" تتضمن رابطاً إلكترونياً في قسم المراجع الخاص بها إنما يؤشر إلى صفحة إلكترونية لم تعد موجودة أصلاً. بدورها، تشير الصفحات الحكومية والإخبارية المتوافرة على الشبكة أيضاً إلى صفحات نت اختفت تماماً.

أحياناً، يعزى اختفاء الصفحات والبيانات إلى حذف مواقع إلكترونية بالكامل، مما يؤدي إلى قطع الروابط الإلكترونية المتصلة بها. وفي أحيان أخرى، ربما تنقطع صفحات ويب وخوادم عدة إما عن قصد أو نتيجة إهمالها وعدم استخدامها.

وعلى الشبكات الإلكترونية الاجتماعية، يبدو التأثير أكثر وقعاً ووضوحاً. مثلاً، تختفي واحدة تقريباً من كل خمس تغريدات في غضون أشهر، في غالب الأحيان، بسبب حذف الحسابات الإلكترونية التي نشرتها في الأساس. ربما يكتسي هذا الأمر أهمية في ضبط المحتوى أو الخصوصية، ولكنه أيضاً يشكل دليلاً آخر على اختفاء الويب.

في الواقع، ليس إطلاق اسم "الشبكة" على الإنترنت مجرد تشبيه، فعلى شاكلة بيت العنكبوت، من شأن اختفاء الروابط أن يهدم هذا البناء برمته، حتى بطرق أخرى تبدو غير مترابطة. ربما تختفي تغريدة من مقالة، وربما لا يعود موجوداً رابط المقالة من الصفحة المرجعية لـ"ويكيبيديا". وبطبيعة الحال، الإنترنت مصممة على نحو يسمح لها بالاعتماد على نفسها، من ثم فإن عدداً صغيراً نسبياً من حالات الاختفاء قادر على أن يخلف ارتدادات في أرجاء هذه الشبكة.

لذا، يبذل "أرشيف الإنترنت" [علماً أنه أيضاً منظمة غير ربحية] جهوداً حثيثة للحفاظ على الشبكة والحيلولة دون تعفنها، أو تحللها، تحت أقدامنا. مثلاً، تعد خدمة "واي باك ماشين" Wayback Machine (آلة العودة بالزمن) الخاصة بهذا الأرشيف بمثابة أرشيف ثمين لأجزاء من الويب التي لا تنفك تختفي، ولكن حتى بحجمها الضخم، ليست هذه المكتبة مثالية تماماً: لا تستطيع أخذ لقطات لبعض الأشكال الأكثر تعقيداً من مواقع الويب، وربما تفوتها تماماً الصفحات غير المربوطة بها.

وأكثر من ذلك أن أجزاء كبيرة من الإنترنت موجودة الآن إنما ضمن إطار من الخصوصية. لا يألو "فيسبوك" جهداً للتأكد من أن صفحاته لا يشاهدها سوى المستخدمين الذين قاموا بتسجيل الدخول إلى المنصة، ربما تكون الشبكات الاجتماعية بمثابة ما نسميه ساحة المدينة اليوم، بيد أنها تتطلب شروط دخول تجعل من الصعب الاطلاع عليها وأرشفتها.

ومع امتلاء شبكة الإنترنت بروبوتات تنشر محتوى وروبوتات تتفاعل مع المنشورات، وهو ما وصفه خبراء بـ"الحمأة" [المواد العالقة الصلبة المتبقية بعد إنهاء عملية تطهير مياه الصرف الصحي وضخها] التي تحتل مكانة تضاهي الأجزاء القيمة من الإنترنت، لذا يصبح من العسير جمع أجزاء مهمة من الإنترنت. وتوقف بعض المواقع من قبيل "ريديت" و"تويتر" أو "إكس" عن السماح لجهات خارجية بالوصول إلى بياناتها، متذرعة أنها بذلك تتفادى التعرض للاختراق من جانب أنظمة مؤتمتة تسعى إلى الاستفادة منها في تدريب مزيد من أنظمة الذكاء الاصطناعي، وبذلك تجدها تسد السعة النطاقية المتاحة على الشبكة.

ربما لا يكون اختفاء الروابط من الإنترنت الوسيلة الوحيدة التي تقود إلى تلاشي الشبكة. قبل عقد من الزمن، حذر فينت سيرف، الذي يلقب غالباً بأنه أحد "آباء الإنترنت"، من أن جزءاً كبيراً من الويب القديمة ربما يضيع إلى الأبد لأننا حتى لو امتلكنا الملفات نفسها، ربما لا تتوفر لدينا البرامج اللازمة لعرضها. وقد سمى هذا التحول "تعفن (أو تحلل) البت" bit rot [البت أصغر وحدة حاملة أو ناقلة لمعلومة ويتمثل تعفن البيانات في التدهور البطيء في أداء وسلامة البيانات المخزنة على وسائط التخزين]، على شاكلة "تعفن (أو تحلل) الروابط" link rot الذي يعني اختفاء مواقع الويب.

وقال "أبو الإنترنت" في عام 2015 إن الخطر كبير إلى حد أننا إزاء "جيل منسي، أو حتى قرن منسي من الزمن". وأشار إلى أن الأمر لم يكن مجرد ملفات رقمية، بل إن الدفع نحو رقمنة المستندات المهمة في محاولة لتأمينها ربما يعني في الواقع أننا نفقدها، لأنها على عكس المستند الملموسة أو الورقية تتطلب برامج وأجهزة لم تعد موجودة في حد ذاتها.

وايت، التي وثقت بالتفصيل الدقيق كافة المشكلات المتعلقة بالويب الحديث، ختمت مقالتها هذه بما بدا في نصفه مناشدة وفي نصفه الآخر تكهناً بأنه في يدنا تغيير هذا الواقع. ربما يبدو الواقع، على ما أشارت الكاتبة، كما لو أننا محاصرون داخل جدران شبكة الإنترنت التي ما برحت تزداد صغراً وخنقاً، ولكن يسعنا أن نتسلقها ونبني شبكة إنترنت جديدة. وختمت بالقول: "في يدنا أن نحصل على شبكة مختلفة، إذا أردنا ذلك".

© The Independent

اقرأ المزيد

المزيد من علوم