Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

لماذا يتجنب سياسيو بريطانيا مناقشة علاقة بلادهم مع أوروبا؟

تشكل هذه العلاقة التحدي الأكبر الذي تواجهه المملكة المتحدة في هذا العصر، مع ذلك وخشية تأثير اليمين المتطرف في البلاد يحجم قادة البلاد عن اتخاذ أي إجراء حيال هذه المسألة

متظاهرون يحملون لافتات مناهضة لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي تطالب المملكة المتحدة بالعودة إلى الاتحاد الأوروبي، لندن، 23 سبتمبر 2023 (غيتي)

ملخص

هل يمكننا أن نصدق حقاً أننا قادرون على تحسين وضعنا الاقتصادي بشكل كبير بعد قطع العلاقات التجارية مع أكبر شركاء لنا وأقربهم إلينا؟

نحن الآن في المملكة المتحدة في بداية ما أتوقع أن تكون الانتخابات الأكثر خداعاً وتضليلاً في العصر الحديث بالنسبة إلى الناخبين.

فما القضايا التي يجب أن تركز عليها هذه الدولة؟ أهي حال اقتصادنا ودفاعنا وبيئتنا، أم الحاجة إلى معالجة عدم المساواة الاجتماعية، أو احتواء قضية الهجرة، أو استعادة المكانة الدولية لبريطانيا؟ إن أياً من هذه المسائل لا يمكن معالجتها بأمانة من دون إعادة النظر في علاقتنا مع أوروبا.

مع ذلك تظل العلاقة مع أوروبا موضوعاً يحظر التطرق إليه، فكلا الحزبين الرئيسين في المملكة المتحدة يخشيان خسارة أصوات لمصلحة اليمين المتشدد. وفيما يسعى حزب "العمال" إلى إعادة بناء "جداره الأحمر"  Red Wall (دوائر كانت محسوبة تاريخياً على الحزب المعارض لكنه خسرها لمصلحة "المحافظين" في انتخابات عام 2019) يشعر "المحافظون" بقلق من صعود "حزب إصلاح المملكة المتحدة"  Reform UK كمنافس سياسي له وتأثيره المحتمل في مكانته السياسية. هذا يقودني إلى موضوع الهجرة، والسؤال المطروح: لماذا لا يخضع لنقاش مستفيض من الحزبين الرئيسين في البلاد؟ فمهاجرو القوارب يمثلون ما نسبته خمسة في المئة من عدد الأفراد الذين قد يرسلون أو لا إلى رواندا. وهؤلاء لا يشكلون سوى جزء بسيط من رقم الهجرة الصافي الذي يقارب 700 ألف، تلك هي المعضلة الرئيسة الحقيقية التي يتعين طرحها.

وإلى أن نفكر في العواقب التي قد يترتب على مزارعنا تحملها، ودور الرعاية، والمستشفيات، والجامعات نتيجة خفض هذه الأعداد، فإن مجمل الحديث عن التغيير والتأكيد المستمر على "الخطط"، لا يعدو كونه مجرد كلمات فارغة ومبتذلة تطرح في مهب الريح. وبغض النظر عن مسار عملنا، فمن الأهمية بمكان أن نتعاون بشكل أوثق مع جيراننا الأوروبيين، الذين لديهم تجارب وتحديات مماثلة.

دعوني أنتقل إلى موضوع الدفاع، فدولتنا تعتمد في هذا المجال على "حلف شمال الأطلسي" (ناتو) ، لكن هذا الحلف مهدد بميل متزايد من جانب الولايات المتحدة نحو الانعزال، كما يتضح من سياسات دونالد ترمب (الرئيس الأميركي السابق الذي يخوض الانتخابات للعودة للبيت الأبيض). ماذا لو عاد الحزب "الجمهوري" إلى الموقف الذي اتخذه في عام 1940، عندما ضغط على الرئيس فرانكلين روزفلت ليتعهد بعدم الدخول في الحرب آنذاك؟ وحافظ روزفلت على ذلك الوعد إلى أن أعلن الزعيم النازي أدولف هتلر الحرب على الولايات المتحدة في عام 1941. وعلى رغم الكابوس الذي قد تنطوي عليه فكرة من هذا النوع، فهل يحظى هذا الاحتمال باهتمام جدي؟ يتعين علينا أن نناقش إقامة تحالف دفاعي أوثق مع أوروبا. فالكلام المبتذل لن يوفر كثيراً من الحماية أو يحل التعقيدات.

في المقابل يفشل العالم على نحو متزايد في مواجهة أزمة بيئية وشيكة، والمؤشرات التي تحذر منها تبدو واضحة في كل مكان: فيضانات، وحرائق، وجفاف، وحالات مجاعة تدفع بالناس بعيداً من السواحل والأراضي الزراعية، وبالمجتمعات إلى البحث عن ظروف معيشية أكثر أماناً في أماكن أخرى. ومرة جديدة إن قدرة بريطانيا على مواجهة هذا التحدي بمفردها تبقى محدودة. ونحن بحاجة إلى التعاون، وأية جهة أفضل للبدء بذلك من أولئك الذين يشاركوننا اهتماماتنا وقيمنا؟ وهذا يعيدنا لأوروبا.

يمكن القول إن هناك نقاشاً متفائلاً حول إمكان تجاوز المصاعب ونجاح خطة معينة. لكن هل يمكننا أن نصدق حقاً أننا قادرون على تحسين وضعنا الاقتصادي بشكل كبير بعد قطع العلاقات التجارية مع أكبر شركاء لنا وأقربهم إلينا؟ فكيف لنا أن نأمل في بناء "وادي سيليكون" في المملكة المتحدة بعدما عزلنا أنفسنا لأعوام عن الأبحاث الأوروبية في هذا المجال، ثم عدنا الآن إلى الطاولة من موقع الضعف لطلب المساعدة؟ يفترض بشركاتنا أن تتنافس مع الشركات الأميركية والصينية، التي تستفيد من موازنات كبيرة في مجالي الدفاع والفضاء التي تدفع تقدمها التكنولوجي. ثم ماذا عن مكانتنا في العالم؟ متى كانت آخر مرة ابتعدت فيها المملكة المتحدة عن معاهدات أسهمت هي في صياغتها؟

طغت على موضوع الخروج البريطاني من الاتحاد الأوروبي مجموعة متشابكة من الشعارات المخادعة والسامة، منها: "نريد استعادة بلادنا"، و"الأوروبيون هم بحاجة إلينا أكثر مما نحتاج إليهم"، و"استعادة السيطرة"، و"أنجزوا المغادرة البريطانية للكتلة الأوروبية". 

لقد انقضت حتى الآن ثمانية أعوام، كان أنصار خروج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي هم الذين يديرون دفة السفينة طوال هذه الفترة. رأينا المشهد غير العادي المتمثل في تعيين "وزير للخروج البريطاني من الكتلة الأوروبية" (وهو أمر لا يقل سخافة عن وجود "وزير للمنطق السليم").

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

لماذا لم يتم منذ ذلك الحين إنجاز سوى عدد قليل للغاية من الصفقات التجارية الجديدة؟ لماذا لم نشهد خفضاً كبيراً للوائح الحكومية والإجراءات الروتينية البيروقراطية؟ الجواب واضح: لأنه لم تكن هناك خطط واضحة، بل سلسلة من الأكاذيب.

الآن تغيرت الحجج، وأصبحت من قبيل: "لم تتح لنا الفرصة أبداً"، و"لم يسمح لنا إطلاقاً القيام بذلك"، و"المسؤولية في الأخطاء تقع على الخدمة المدنية والبيروقراطية المقاومة للتغيير، و’بي بي سي‘، والمتهربين من القيام بالواجبات، و’كوفيد‘".

ويكشف كل عذر تم تقديمه وكل كبش فداء، عن حقيقتين بسيطتين مفادهما بأن الخروج البريطاني من الاتحاد الأوروبي كان محكوماً عليه بالفشل منذ البداية، ولم تكن هناك في المقابل خطة بديلة لمرحلة ما بعد المغادرة.

لم تكن هناك في الحقيقة أي مكاسب سهلة من الصفقات التجارية التي أجريت. ويفترض بأي شخص يستمع للسيد ترمب أن يرتعد من ميوله الحمائية. ويجب ألا نفاجأ بقرار نايجل فاراج (سياسي يميني شعبوي من غلاة الانفصال عن أوروبا)، التراجع عن خوض الانتخابات هنا لدعم معلمه عبر الأطلسي (ترمب)، في خطوة من شأنها التضحية بسيادة بلادنا وبيعها لقاء تحقيق مصالح خاصة. 

إن ما نحتاج إليه حقاً هو إعادة تقييم ناضجة لعلاقاتنا سواء على المستوى المحلي داخل المملكة المتحدة، أم على المستوى الدولي، وبالمقدار نفسه من الأهمية، مع أوروبا. نحن أوروبيون. نحن قوة أوروبية. يجب علينا أن نستعيد موقعنا داخل أروقة القوة العظمى الوحيدة التي يمكننا فيها إحداث تأثير كبير. إنه الدور الذي يمكن بلادنا من تحقيق إمكاناتها الكاملة، ومن أن تستعيد مجدداً الوطن المفقود.

ما تقدم يعني ضرورة مواجهة اليمين البريطاني المتشدد. وقمنا بذلك في الماضي. فمن أزوالد موسلي (سياسي إنجليزي كان زعيم "الاتحاد البريطاني للفاشيين" و"حركة الاتحاد") وأتباعه من ذوي القمصان السود، إلى الخطاب التحريضي لإينوك باول (سياسي بريطاني سابق) في شأن الهجرة، والآن، مع ظهور قوى مثل "حزب استقلال المملكة المتحدة" UK Independence Party (Ukip) (المشكك في أوروبا)، و"حزب إصلاح المملكة المتحدة"، نجد أنفسنا مرة أخرى في صراع مع التطرف. لكننا لسنا وحدنا في التعامل مع هذه القوى، إنها ظاهرة عالمية تشمل دونالد ترمب في الولايات المتحدة ومارين لوبان في فرنسا، و"حزب البديل من أجل ألمانيا" Alternative for Germany في ألمانيا، إضافة إلى قوى أخرى.

هؤلاء الأفراد وقادة الجماعات يعملون على تأجيج المخاوف من خلال استغلال أحقر التحيزات البشرية وأكثرها بغضاً. فهم يلقون الشكوك على من يختلفون عنهم. إنها ظاهرة تعرف بالعنصرية. والتاريخ يشوبه سفك دماء ناجم عن مثل هذه الأيديولوجيات. واليوم نشهد في بلد تلو الآخر، مجتمعات تمزق نفسها، مدفوعة بالمخاوف غير العقلانية ذاتها.

قدم هذا البلد ما هو أفضل من ذلك، إذ كنا أول دولة تلغي العبودية، ولعبنا دوراً محورياً في جهود ما بعد الحرب لتحقيق الاستقرار في العالم من خلال الأمم المتحدة. وأسهمنا في إنشاء أنظمة العدالة الأوروبية التي كانت بمثابة منارة أمل لأولئك المحرومين من الحرية في دول القارة التي احتلتها روسيا (دول أوروبا الشرقية). والتزمنا من خلال تقاسم سيادة مشتركة في أوروبا بعد ثلاث حروب خلال 75 عاماً، منع مثل هذا الوضع من أن يحدث مرة أخرى.

يبقى القول إن نظامنا القانوني يقوم على مبدأ المساواة للجميع، بغض النظر عن اللون أو الطبقة أو العقيدة. هذا هو البلد الذي أفتخر بالانتماء إليه. ومع ذلك أشعر بالخجل من أن معاييرنا السياسية انحدرت إلى درجة يشعر معها قادتنا بخوف شديد من اليمين المتطرف، بحيث يرفضون مواجهة التحدي الأكثر إلحاحاً في عصرنا: وهو علاقتنا مع أوروبا.

اللورد هيزلتاين تولى في السابق منصب نائب رئيس وزراء المملكة المتحدة

© The Independent

المزيد من آراء