Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

غرافيتي تونس... غضب مكتوم وجمال يبوح

شعارات ورسائل احتجاج سياسية واجتماعية واقتصادية تنطق بها الجدران لكنها أيضاً تثير السعادة وتبعث الأمل

لا يشترط في رسومات الـ"غرافيتي" توثيق مواقف أيديولوجية فكثير منها تعبر عن فلسفة جمالية بعيداً من السياسة (مواقع التواصل)

ملخص

ارتبط هذا الفن بالطبقات الفقيرة والمحرومة، ويهدف إلى التعبير عن الرأي والفكر بطرق سلمية. لكنه ليس كغيره من الفنون، فهو يقلق السلطة في أغلب الأحيان، وقد يتسبب في سجن من يمارسه.

على مر الأعوام، ترجمت الجدرايات أو ما يسمى الـ"غرافيتي" مطالب المتظاهرين والمحتجين، وعبرت عما يجول في فكر شباب تونس وما ينشغلون به. وبرز هذا الفن بعد أحداث يناير (كانون الثاني) 2011، مستغلاً حال الثورة التي أشعلها شباب تونس، وموثقاً الأحداث المهمة التي عاشتها البلاد برسوم ضخمة على حوائط الأحياء الشعبية، تعبر عن الغضب والاحتجاج وكثير من الأمل.

وتناول الـ"غرافيتي" أيضاً، إضافة إلى نقد التعامل الأمني مع المظاهرات والتعذيب في مراكز التوقيف، رفض العنف المسلط ضد النساء واضطهادهن وقتلهن، والقوانين التي تقيد حريتهن. وتهكم فنانوه على بعض الوجوه السياسية البارزة منتقدين توجهاتهم وخياراتهم، لكنهم أيضاً خلدوا ذكرى رموز سياسية أخرى، مثل شكري بلعيد ومحمد البراهمي اللذين اغتيلا غدراً خلال 2013 على يد إرهابيين.

 

 

وكما هو معلوم، فإن الـ"غرافيتي" صيغة جمع من لفظ "غرافيتو" الإيطالي وتعني "الخربشات"، وارتبط هذا الفن بالطبقات الفقيرة والمحرومة، ويهدف إلى التعبير عن الرأي والفكر بطرق سلمية.

ولكن هذا النوع من الفن ليس كغيره من الفنون، لأنه يقلق السلطة في أغلب الأحيان، ويتسبب في سجن من يمارسه والأمثلة كثيرة خلال العشرية الأخيرة، وآخرها الحكم بالسجن سنتين ضد الشاب رشاد طمبورة على خلفية رسمه "غرافيتي" ينتقد تصريحات الرئيس قيس سعيد، المتعلقة بمهاجري جنوب الصحراء الأفريقية.

وسيلة غضب

ساعات معدودة يهرب خلالها سامي من ضغوط الحياة ليمارس موهبة تمنحه الأمل، والأهم التعبير عما يخالجه من أفكار. إنه فنان "غرافيتي"، أو ما بات يعرف بفن التمرد أو فن الشوارع، وهو يمتلك موهبة مثل شباب كثيرين في تونس حولوا جدراناً باهتة إلى لوحات ضخمة، تكاد تتكلم وتعكس حجم الغضب الذي يشعرون به.

ويقول سامي المستيري إن الـ"غرافيتي" هو أفضل وسيلة للتعبير عن القضايا التي يؤمنون بها ويساندونها، ووسيلة للتعبير عن غضبهم من بعض السياسات أو السلوكيات أو المظاهر. مضيفاً "كل منا له مشكلة أو أزمة يعيشها ويريد أن يعبر عنها من خلال هذه اللوحات، وأهم القضايا التي تهم شباب تونس هي الفقر والبطالة وحلم الهجرة وقمع البوليس، وغيرها من القضايا الأخرى مثل مساندة القضية الفلسطينية".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ويوضح سامي "واجهت قبل الثورة مضايقات أمنية عدة، وبعدها صحيح أن مناخ الحريات تحسن، لكن هناك بعض القيود التي لا تزال تكتم على أنفاسنا".

وتتزين شوارع تونس العاصمة، الشعبية منها أو الأماكن العامة كالأنفاق والبنايات والمحطات وخلفيات الحافلات، برسوم تحمل رسائل غضب وسخرية مما يجري في البلاد، ولا تخلو من الفكاهة أحياناً لتلفت انتباه المارة وتثير فضولهم، أو نجد جداريات فيها رسومات تبعث على الأمل بألوان زاهية وصور ربما لتجميل الأحياء الشعبية، وهي رسالة يرسلها الشباب إلى السلطة للاهتمام بأحيائهم.

وفي حديثه عن خصوصيات هذا الفن، يرى رسام الـ"غرافيتي" ياسين دينو عضو مجموعة "الدبو"، وتعني بالعامية التونسية "المخزن"، أن "الأسلوب الفني والتعبيري لهذا الفن يختلف بحسب فلسفة الفنان وتكوينه الفكري". موضحاً أن "هناك من يتبنى أسلوب المباشرة في التعبير عن الفكرة بصورة بسيطة، ويركز على الشعارات والكتابة المرافقة للرسم لنقد سياسات أو مظاهر، فيما يهتم آخرون بالعمق الجمالي الذي يعكس المضمون برمزيته ووجهة نظر صاحبه".

 

 

ويواصل ياسين "لا يشترط في رسومات الـ’غرافيتي‘ توثيق مواقف سياسية أو أيديولوجية، فكثير من الرسامين يقومون اليوم برسم لوحات جدارية ضمن مفهوم فني وجمالي، بعيداً من أية مواقف سياسية أو غيرها".

رسوم متحدية

شعارات ورسائل سياسية واجتماعية واقتصادية يعبر عنها رسامو الـ"غرافيتي"، تتغير بتغير الأوضاع في البلاد وبحسب ما تفرضه الفترة وأحداثها. وكان الـ"غرافيتي" في السابق حكراً على شباب الطبقات الفقيرة في تونس، الذين اتخذوا منه وسيلة للتعبير عن أحلامهم وإعلان رفضهم للقمع وللسياسات الاستبدادية، لكنه أصبح اليوم وسيلة الشباب في التعبير عن أفكارهم الفنية أيضاً. وتحول هذا الفن إلى الملاعب حيث تلقفت جماعات الـ"ألتراس" والمشجعون في المدرجات هذا الأسلوب الفني، ووظفوه لصياغة الشعارات المعبرة عن دعم فرقهم من خلال رسوم تحدت الرقابة أحياناً.

 

 

ومن جهته، يرى فنان الـ"غرافيتي" إسكندر تاج أن لكل منهم طريقته في التعبير، منها المباشر وغير المباشر، وأيضاً ينشغل كل واحد بالموضوعات التي تشغله وتهم محيطه. و"اليوم، أصبحت مجموعات الـ’غرافيتي‘ في تونس تتنافس وتهاجم بعضها بالرسوم، ونجدها أكثر في جماهير ملاعب كرة القدم تعصباً".

ويدعو تاج إلى أن يحظى الـ"غرافيتي" بكثير من الاهتمام في تونس واعتباره حرفة، لأن عديداً من الفنانين يمتهنونه ولكن لا أحد يعترف إلى حد الآن به كمهنة قائمة بذاتها، بل يعد نوعاً من الهواية أو التعبير لا غير.

ومن جهة أخرى، يرى تاج أن الـ"غرافيتي" فن الجمال وليس فقط فن الغضب والاحتجاج، وذلك من خلال عدد الجداريات التي تبعث الأمل في مستقبل أفضل.

المزيد من منوعات