Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

أي مصير لأوروبا إذا فاز اليمين المتطرف بانتخابات برلمانها؟

الشعبويون يتسلقون على سلم الأحداث والأزمات واتهامات متجددة لروسيا بتدخلات غير شرعية في الانتخابات

ملصق حملة للحزب اليساري الفرنسي تعرض للتشويه على يد يمينيين متطرفين (أ ف ب)

ملخص

يستدعي حديث هذه الصحوة اليمينية المتطرفة في الداخل الأوروبي طرح علامة الاستفهام التالية "ما هي أسباب تنامي تيار اليمين الأوروبي المتطرف، وهجران قطاع واسع من الأوروبيين لمربعات الأنسنة والليبرالية، إلى القوميات والتضييق على الآخر؟".

هل القارة الأوروبية على موعد مع القدر في الفترة من 6 إلى 9 يونيو (حزيران) الجاري؟

غالب الظن أنها كذلك فعلاً، حيث ستجرى واحدة من أهم انتخابات البرلمان الأوروبي، في توقيت حساس للغاية ومثير جداً، لا سيما في ظل المخاوف الكبيرة التي تكاد تطبق على القارة العجوز في أكثر من جانب.

الجانب الأول، هو المواجهة التي تجري بها الأقدار سريعاً، في ما يخص الملف الروسي الأوكراني، حيث باتت بعض الأصوات تتساءل "هل على أوروبا أن تنتظر صراعاً مسلحاً جديداً مع روسيا، بملامح عالمية، لا سيما في ظل الزخم الأميركي الكبير، الدافع في طريق استخدام أسلحة متقدمة ضد الروس، وهو ما تفعله ألمانيا أيضاً، ما يعني أن القيصر- بوتين وصحبه، ربما لن يتوانوا عن الرد بما يتجاوز الأسلحة التقليدية، وصولاً إلى النووية التكتيكية، ما يعني أن خطراً محدقاً قائماً وآتياً لجهة الأوروبيين.

من جانب ثان، وكما كانت الحال في الانتخابات الأوروبية السابقة، ستتجه كل الأنظار نحو اليمين المتطرف، والذي يتوقع أن يكون الرابح الأكبر هذا العام.

ما هي آليات هذه الانتخابات، كيف تجرى، ولماذا هي على هذه الدرجة من الأهمية، وهل بالفعل هي انتخابات ربما ستحدد مصير أوروبا الإنسانية والتنوير، وسط مخاوف من أن تنزع لجهة التطرف والتشدد، عبر قوميات مغرقة في البحث عن الماضي ومتعلقة به، ما يقطع عليها جسور التواصل مع العالم المعاصر؟

أسئلة عديدة تقابلنا ونحن في مرحلة البحث عن هذه الانتخابات، ومدى تبعاتها وتأثيراتها لا على أوروبا والأوروبيين فحسب، وإنما على بقية جيران القارة الأوروبية، سواء كانوا في الجنوب المشاطئ للبحر الأبيض المتوسط، حيث الدول العربية، أو في ما يخص العلاقية الأوراسية، حيث الصين تسعى من جديد للتواصل مع أوروبا، وروسيا تبتعد.

نظرة عامة على الانتخابات المقبلة

تجرى انتخابات البرلمان الأوروبي مرة كل خمس سنوات، عبر الكتلة المكونة من 27 دولة. يصادف هذا العام الانتخابات البرلمانية العاشرة منذ الانتخابات الأولى في عام 1979، والأولى بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.

يعتمد عدد الأعضاء المنتخبين في كل دولة على حجم السكان وتتراوح بين ستة لمالطا ولوكسمبورغ وقبرص إلى 96 لألمانيا. وفي عام 2019 انتخب الأوروبيون 751 نائباً. بعد خروج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي في عام 2020، انخفض عدد البرلمان الأوروبي إلى 705. وأعيد توزيع بعض المقاعد الـ73 التي كان يشغلها أعضاء البرلمان الأوروبي البريطانيون سابقاً على الدول الأعضاء الأخرى.

تتنافس الأحزاب السياسية الوطنية على الانتخابات، لكن بمجرد انتخابها، ينضم معظم المشرعين إلى الجماعات السياسية العابرة للحدود الوطنية.

لا تحقق انتخابات البرلمان الأوروبي عادة إقبالاً كبيراً، لكن كان هناك تحسن واضح في الاهتمام العام في انتخابات عام 2019، وبلغت نسبة المشاركة 50.7 في المئة، وهي أعلى بثماني نقاط عما كانت عليه في عام 2014 بعد انخفاضها بشكل مطرد منذ عام 1979، عندما وصلت إلى 62 في المئة.

في أبريل (نيسان) الماضي، سلطت القراءة الأخيرة من مقياس اليورو التابع للبرلمان الأوروبي الضوء على زيادة الاهتمام بالانتخابات المقبلة. وقال نحو 71 في المئة من الأوروبيين إنهم من المرجح أن يدلوا بأصواتهم.

 ما الذي يشغل ذهن الأوروبيين حالياً؟

على عتبات هذه الانتخابات يتساءل القارئ "ما الذي يشغل ذهن الناخب الأوروبي لا سيما في الوقت المضطرب جيوسياسياً حول العالم؟

المؤكد أن الأزمة الروسية في أوكرانيا، وامتداداتها المتوقعة، والأخطار الكبرى المحدقة بالأوروبيين، هو أول وأخطر ما يشغل بال الناخبين، حيث ينظر إلى الدفاع والأمن باعتبارهما قضيتين رئيستين في الحملة الانتخابية، وعلى المستوى الوطني، تم ذكر الدفاع والأمن في الاتحاد الأوروبي أولاً في تسع دول.

في الوقت عينه يشكل الاقتصاد والفقر والإقصاء الاجتماعي، عطفاً على تغير المناخ ومستقبل أوروبا على الصعيد الاجتماعي، قضايا بارزة ضمن سياق هذه الانتخابات.

ولعله من نافلة القول الإشارة إلى أن البرلمان الأوروبي هو المؤسسة الوحيدة في الاتحاد الأوروبي التي تُنتخب من قبل المواطنين الأوروبيين، ويعد البرلمان القوة المضادة الحقيقية للذراع التنفيذية القوية للاتحاد الأوروبي، أي المفوضية الأوروبية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

لا يملك البرلمان مبادرة واقتراح التشريعات، لكن صلاحياته تتزايد، وهي الآن متخصصة في مجموعة واسعة من المواضيع، مثل التصويت على القوانين المتعلقة بالمناخ، أو القواعد المصرفية أو الزراعة أو مصايد الأسماك أو الأمن أو العدالة.

ويصوت المجلس التشريعي أيضاً على موازنة الاتحاد الأوروبي، وهو أمر بالغ الأهمية لتنفيذ السياسات الأوروبية، بما في ذلك على سبيل المثال المساعدات المقدمة لأوكرانيا.

ويعد المشرعون أيضاً عنصراً أساسياً في نظام الضوابط والتوازنات، حيث يتعين عليهم الموافقة على ترشيح جميع مفوضي الاتحاد الأوروبي، الذين يعادلون الوزراء، ويمكنه أيضاً إجبار اللجنة بأكملها على الاستقالة بتصويت بغالبية الثلثين.

عن عملية التصويت وتقاسم السلطة

يعتبر البرلمان الأوروبي الهيئة التشريعية الوحيدة المتعددة الجنسيات المنتخبة شعبياً في العالم، حيث يختار المقيمون الأوروبيون المشرعين لتمثيل مصالحهم على مستوى الاتحاد الأوروبي. ويقرر أعضاء البرلمان الأوروبي القوانين التي ستطبق في مختلف أنحاء الاتحاد الأوروبي – من التنظيم البيئي إلى الهجرة إلى السياسة الأمنية، فضلاً عن الموافقة على موازنة الاتحاد الأوروبي ومراقبة كيفية إنفاق الأموال.

سيبدأ التصويت هذا العام في 6 يونيو مع هولندا، تليها إيرلندا والتشيك في اليوم التالي، وتبدأ إيطاليا ولاتفيا وسلوفاكيا التصويت يوم الأحد 9 يونيو، ومن المتوقع ظهور النتائج في وقت لاحق من ذلك المساء.

 

 

لا تجرى انتخابات الاتحاد الأوروبي بالطريقة ذاتها، حيث يختلف التصويت في جميع أنحاء أوروبا (من 16 إلى 18 عاماً لمعظم الدول الأعضاء)، وتتوافق الانتخابات نفسها مع إجراءات كل دولة عضو على حدة، والتصويت إلزامي في بلجيكا وبلغاريا واليونان ولوكسمبورغ فقط.

وتخصص المقاعد بشكل متناسب، فإذا فاز حزب ما بنسبة 25 في المئة من الأصوات الوطنية، فإنه سيحصل أيضاً على 25 في المئة من مقاعد بلاده في البرلمان الأوروبي.

أما عن كيفية تقاسم السلطة، فسيختار الناخبون في انتخابات هذه المرة 720 عضواً وبمجرد انتخابهم، سينضم أعضاء البرلمان الأوروبي إلى المجموعات البرلمانية وفقاً للأيديولوجية (الخضر، الاشتراكيون، ويمين الوسط، اليمين المتطرف، وما إلى ذلك)، فعلى سبيل المثال، تضم مجموعة الاشتراكيين والديمقراطيين التي تنتمي إلى يسار الوسط أعضاء من الحزب الديمقراطي الاجتماعي في ألمانيا، والحزب الاشتراكي في فرنسا، والحزب الديمقراطي في إيطاليا بين آخرين.

وتميل أكبر مجموعتين برلمانيتين إلى أن تكونا حزب الشعب الأوروبي من يمين الوسط وحزب الاشتراكيين والديمقراطيين، لكن أحزاب اليمين المتطرف تحقق نجاحات كبيرة في جميع أنحاء أوروبا ومن المتوقع أن تحقق نتائج جيدة جداً في الأيام القليلة المقبلة.

اليمين الشعبوي وتوقعات بفوز كبير

يبدو من البدهي القول إن صعود تيار اليمين الأوروبي، الذي حققته الأحزاب ذات الميول الشعبوية، في أكثر من بلد أوروبي خلال السنوات القليلة الماضية، سينعكس حكماً على انتخابات البرلمان الأوروبي.

قبل نحو شهرين من الانتخابات توقع استطلاع جديد للمجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية أن يتصاعد اليمين الشعبوي في انتخابات الاتحاد الأوروبي في يونيو الجاري.

يشير الاستطلاع إلى مكاسب كبيرة لحزب الهوية والديمقراطية اليميني المتطرف، الذي قد يحصل على 40 مقعداً من أصل 98، ليصبح ثالث أكبر مجموعة في البرلمان الأوروبي، ومن المتوقع أيضاً أن تحقق مجموعة المحافظين والإصلاحيين الأوروبيين اليمينية مكاسب.

ومع وجود عدد أكبر من أعضاء البرلمان الأوروبي على يمين الطيف، فإن مركز الثقل في البرلمان سيتحول بعيداً من مجموعة تجديد أوروبا الليبرالية ونحو حزب الشعب الأوروبي.

في حديثه لمجلة "بوليتيكو" الأميركية الشهيرة، يقول أستاذ السياسة المقارنة في معهد الجامعة الأوروبية، سايمون هيكس، إنه من خلال استطلاع الرأي هذا "نتوقع أن يظل حزب الشعب الأوروبي، أكثر مجموعة في البرلمان، بالتالي يحتفظ بمعظم سلطة وضع جدول الأعمال، بما في ذلك اختيار رئيس المفوضية المقبل.

يعن للقارئ أن يتساءل "ما هو معنى أقصى اليمين، أو بصيغة أخرى ما الذي يصبغ هذا الحزب أو ذاك بصبغة اليمين الشعبوي المتطرف؟".

عند عالم السياسة الهولندي كاس مود، والذي ربما يكون أشهر مراقب لليمين المتطرف في أوروبا، إن جوهره يجمع بين العداء للمهاجرين والاستبداد والشعبوية، وهو يعزف على أوتار النزعة القومية بأنها "شكل من أشكال القومية المعادية للأجانب".

وفي حين بذل حزب التجمع الوطني الفرنسي وإخوان إيطاليا جهوداً حثيثة للتخلص من صفة اليمين المتطرف. يقول المتخصص في السياسة الأوروبية بجامعة سوانسي في المملكة المتحدة، ماتياس ديلينج، إن الركائز الثلاث التي يقوم عليها عالم السياسة كاس مود "حاضرة بشكل واضح للغاية"، في كلا الحزبين.

هل بدأت بالفعل محاولات تجميع جهود قيادات اليمين الأوروبي المتطرف على بعد رمية حجر من الانتخابات؟

لوبان وميلوني... تجمع في البرلمان الأوروبي

من أكبر الأسماء السياسية والحزبية في الدول الأوروبية، يطفو على سطح الأحداث اسم ماريان لوبان الفرنسية ذات الباع والذراع الطولى، والتي نافست وبقوة في الانتخابات الرئاسية الفرنسية الأخيرة، عطفاً على رئيسة وزراء إيطاليا الحالية، جورجيا ميلوني، والتي تبدو قوة إيطالية يمينية صاعدة في سماوات أوروبا، وتلقى ترحيباً كبيراً في داخل إيطاليا وخارجها.

في أواخر مايو (أيار) الماضي، اقترحت لوبان على ميلوني أن تنضم إليها في تحالف جديد، وذلك في الوقت الذي كانت فيه الأحزاب القومية الصاعدة في الاتحاد الأوروبي منقسمة حول الانتخابات البرلمانية.

جاءت هذه الخطوة في الوقت الذي كررت فيه أحزاب يسار الوسط الأوروبية تحذيراً لرئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير "بأنهم لن يدعموا محاولتها الثانية إذا كان ذلك يستلزم دعم أحزاب اليمين المتشدد، بما في ذلك دعم ميلوني".

في تصريحات لصحيفة "كورييري دلا سيرا" الإيطالية، قالت لوبان "الآن هو وقت الوحدة، سيكون ذلك مفيداً حقاً". وأضافت "إذا نجحنا فيمكننا أن نصبح المجموعة الثانية في البرلمان الأوروبي، أعتقد أنه لا ينبغي لنا أن نفوت فرصة كهذه".

جاءت هذه الدعوة بعد أن قال حزب التجمع الوطني (RN)، الذي ترأسه لوبان، إنه لن يجلس بعد الآن مع حزب البديل من أجل ألمانيا، في البرلمان. كما قامت مجموعتها اليمينية المتطرفة في عموم أوروبا، الهوية والديمقراطية، بطرد الحزب الألماني.

أدى هذا الوضع مع أحزاب المحافظين الوطنيين وأحزاب اليمين المتطرف في أوروبا، التي تتفق على بعض القضايا، مثل الهجرة وإلغاء القواعد التنظيمية الخضراء، لكنها تعارض بشدة قضايا أخرى، بما في ذلك دعم أوكرانيا، إلى حالة من الفوضى.

ينطوي عرض لوبان على إعادة تشكيل شاملة لليمين المتشدد في البرلمان، حيث إن حزب "إخوان إيطاليا"، الذي تتزعمه ميلوني ينتمي إلى المجموعة القومية الأخرى في الجمعية، وهي حزب المحافظين والإصلاحيين الأوروبيين.

وتضم مجموعة الهوية المتطرفة التي تتزعمها لوبان حزب الحرية الهولندي بزعامة جيرت فيلدرز، وحزب الحرية النمساوي، في حين تضم مجموعة ميلوني الأكثر تطبيعاً حزب القانون والعدالة في بولندا وحزب فوكس في إسبانيا.

هل فوز اليمين المتطرف يمكن أن يضع أوروبا في أخطار حقيقية عما قريب؟

أوروبا وهجمات من جراء اليمين

يمكن أن تؤدي مكاسب اليمين المتطرف في الانتخابات الأوروبية إلى تعزيز الأحزاب القومية على الساحة الداخلية، وهو دائرة خطر جديدة تنفتح على مستقبل أوروبا الليبرالية.

يكتب "لوك ماكجي"، من شبكة "سي أن أن"، للأخبار مشيراً إلى المخاوف المحلقة فوق سماوات أوروبا من جراء نتائج الانتخابات المقبلة، حيث يشير إلى أن استطلاعات الرأي تقطع بأن أعضاء البرلمان الأوروبي من اليمين المتطرف قد يحصلون على ما يكفي من المقاعد للعمل معاً على منع إقرار تشريعات الاتحاد الأوروبي، وهو ما من شأنه أن يخلق صداعاً هائلاً للاتحاد ككل.

وبقدر أهمية هذا التحول في التأثير في أقوى الأشخاص في بروكسل، واتجاه الكتلة، يشعر المسؤولون الآن بالقلق من شأن التأثير الذي قد يخلفه ذلك في أمن الاتحاد الأوروبي... لماذا؟

 

أدى الاعتقال الأخير لمواطن ألماني يعمل كمساعد لعضو يميني متطرف في البرلمان الأوروبي للاشتباه في تجسسه لمصلحة الصين، إلى إثارة المخاوف من أن التدفق الكبير للشخصيات المتشككة في أوروبا والمناهضة للمؤسسة، والذين عاشوا حياة على هامش السياسة السائدة، سيعني الكثير من الأهداف التي يمكن للدول المتنافسة استهدافه.

في هذا الصدد يقول المدير المشارك للمبادرة الأوروبية لأبحاث الصراع السيبراني، جيمس شيرز إن "الشعبويين المنتخبين جذابون بشكل فريد للجهات الفاعلة الخبيثة لسببين، أولاً، أنهم شخصيات مناهضة للمؤسسة ولا يثقون بالمؤسسات أو الهياكل التي يعملون فيها الآن، ومن الصعب القفز على الاعتقاد أن هناك مؤامرة مؤسسية ضدك، إلى التعاون مع تلك المؤسسات لمواجهة التحديات الأمنية. ثانياً، في كثير من الحالات، هناك اصطفاف غريزي مع دول مثل الصين أو روسيا، إنهم يقفون معهم في مجالات معينة، ويسعدهم طرح وجهات النظر، وحتى نشر المعلومات المضللة، نيابة عنهم".

وفي حين أن الجهات المعادية التي تحاول التأثير في السياسيين ليست بالأمر الجديد، فإن تدفق الشعبويين إلى مؤسسة مثل البرلمان الأوروبي في هذه اللحظة بالذات أمر بات يثير القلق بشكل خاص.

إحدى هذه النقاط التي يثيرها مسؤولو الأمن الأوروبيون هي أن هذه الأحزاب الأصغر والأحدث لا تتمتع بخبرة كبيرة في العمل مع الأجهزة الأمنية، أو حتى لديها كثير من الخبرة، أو في الواقع الاهتمام بفحص مرشحيها أو موظفيها.

والثابت أنه لا يوجد لدى البرلمان الأوروبي نفسه وحدة لفحص البرلمانيين ويعتمد على الدول الأعضاء الـ27 في الاتحاد الأوروبي التي ترسل أعضاء البرلمان الأوروبي إلى بروكسل وستراسبوغ.

يستدعي حديث هذه الصحوة اليمينية المتطرفة في الداخل الأوروبي طرح علامة الاستفهام التالية "ما هي أسباب تنامي تيار اليمين الأوروبي المتطرف، وهجران قطاع واسع من الأوروبيين لمربعات الأنسنة والليبرالية، إلى القوميات والتضييق على الآخر؟".

اليمين المتطرف وهوس الأمة المقدسة

يحتاج الأمر إلى ملء صفحات طوال بأسباب صعود ونمو اليمين المتطرف في الداخل الأوروبي، ولعل خطورته الحقيقية تنشأ من عند نقطة الهوس الدوغمائي، وليس الأيديولوجي فقط، الذي ينظر به أتباعه لأوروبا كقارة مقدسة، ما يستدعي من رحم الماضي البعيد، قصصاً للحروب الدينية، سواء مع الآخر المغاير للمسيحية، أو بين المذاهب المسيحية وبعضها البعض.

من هنا تبدو فكرة "النقاء العرقي"، هي بيت القصيد والركيزة الأولى في التطرف اليميني الأوروبي، ويظهر هذا المبدأ المركزي لخطاب اليمين المتطرف وأفعاله بطريقتين: الرفض الصريح للهجرة من خارج الاتحاد الأوروبي، وعلى نحو متزايد، ورفض الاتحاد الأوروبي ذاته.

ولعله من الأخطاء التي ارتكبت في هذا الصدد، تصريحات بعض كبار مسؤولي الاتحاد نفسه، مثل مسؤول الاتحاد الأوروبي للسياسة الخارجية، جوزيب بوريل، الذي وصف قبل نحو عام أوروبا كقارة بوصفها حديقة، وأن هناك من يحاول تسلق أسوارها، لا سيما من جانب سكان الأحراش، أملاً أو طمعا في القفز داخلها.

وباختصار غير مخل، يمكننا الإشارة إلى قضايا عدة، كانت سبباً رئيساً في هذا التصاعد الضار:

** العولمة، لقد كان للعولمة، التي اتسمت بزيادة الترابط والتكامل بين الاقتصادات في جميع أنحاء العالم، تأثير عميق على الصناعات التحويلية في البلدان الغربية، ومع تراجع قطاعات التصنيع التقليدية بسبب الاستعانة بمصادر خارجية والمنافسة من المنتجين ذوي التكلفة المنخفضة في الاقتصادات الناشئة، أصبح فقدان الوظائف وانعدام الأمن الاقتصادي سائدين في مناطق بعينها، ما أسهم في تراجع الصناعات التحويلة واشتداد عود الحركات اليمينية المتطرفة، من خلال رفض الآخر.

** الهويات، يمكن النظر إلى قضية القلق الثقافي والهوياتي، بوصفها دافعاً في إطار اليمين المتطرف وتصاعده، فغالباً ما تؤدي التيارات الديموغرافية السريعة إلى إثارة القلق الثقافي بين شرائح معينة من السكان، وتنبع هذه المخاوف من الخوف الأكبر في شأن الحفاظ على الهوية الوطنية، والقيم الثقافية، والتماسك الاجتماعي، وتستغل الحركات الشعبوية اليمينية هذه المخاوف من خلال الترويج للخطابات القومية التي تعطي الأولوية لمصالح المجموعة العرقية أو الثقافية المهيمنة، وهم يصورون الهجرة باعتبارها تهديداً للهوية الوطنية والتجانس الثقافي، ويصورون المهاجرين واللاجئين على أنهم غرباء يختصمون من القيم والعادات التقليدية المحلية الوطنية.

** الإسلاموفوبيا، من بين القضايا التي عزفت عليها أصوات اليمين الأوروبي، قضية الإسلاموفوبيا، حيث بات أنصار هذا اليمين يرون أن هناك مؤامرة تسمى "الاستبدال الكبير"، روج لها كثير من المتشددين من أمثال "رونو كامي"، ومفادها باختصار غير مخل، وجود مخطط مؤامراتي كبير وواسع يسعى لتبديل سكان القارة الأوروبية عقائدياً، لتضحى عند لحظة بعينها من تزايد عدد السكان المسلمين، قارة إسلامية، بعد أن عرفت طوال تاريخها بالتراث اليهودي – المسيحي.

** عدم وجود بديل، وفي هذه النقطة بالتحديد، يبدو واضحاً أن هناك فراغاً سياسياً كبيراً داخل أوروبا، حدث بسبب تراجع أحزاب اليسار الأوروبي، لا سيما بعد انهيار الاتحاد السوفياتي والشيوعية، الأمر الذي أعطى مساحة واسعة لقوى اليمين لتملأ تلك المربعات التي خلت، والمعروف أن الاختصام من مربعات النفوذ السياسي أمر شائع وذائع، ولهذا وجدت أحزاب اليمين المتطرف، فرصة ذهبية في استغلال خيبات اليسار الأوروبي.

** وعود الحمائية الاقتصادية، غالباً ما تدعو الأحزاب اليمينية المتطرفة إلى الحمائية الاقتصادية والسياسات القومية التي يتردد صداها لدى شرائح السكان المتأثرة بتراجع التصنيع، وانعدام الأمن الوظيفي، والعولمة. ويعدون بإعطاء الأولوية للمصالح الاقتصادية الوطنية على التعاون الدولي واتفاقيات التجارة الحرة، وجذب العمال الذين يشعرون بأن الأحزاب اليسارية الرئيسة التي تبنت السياسة الاقتصادية النيوليبرالية قد تخلت عنهم.

هل من زوايا أخرى تجعل المخاوف تجتاح الأوروبيين خلال انتخاباتهم البرلمانية المقبلة؟

روسيا – بوتين واستهداف أوروبا

في مقال مشترك لكل من المستشار الألماني أولاف شولتز، والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، نشر عبر صفحات "الفاينانشيال تايمز"، بعد زيارة ماكرون لألمانيا، يجد القارئ صيحة تحذير مشتركة تجمع فرنسا قلب أوروبا السياسي وعقلها، وألمانيا القاطرة الاقتصادية للقارة الأوروبية، والعائدة بقوة إلى سماوات التسلح العسكري، صيحة مفادها أن القارة الأوروبية "في خطر مميت"، من جراء العدوان الروسي في أوكرانيا.

حكماً المقال يتحدث عن تبعات المشهد العسكري المتدهور بين موسكو وكييف، وما يمكن أن يلحق بأوروبا من شرر متطاير، وبخاصة حين يلوح القيصر بالنووي التكتيكي هذه الأيام، ناهيك بالنووي الاستراتيجي عما قريب.

المقال يحمل على اكتشاف النوايا الروسية، لجهة التدخل في انتخابات البرلمان الأوروبي، وكأن هناك من يقول إن ما فعلته موسكو في الانتخابات الرئاسية الأميركية عام 2016، من مساندة ودعم لدونالد ترمب، في مواجهة هيلاري كلينتون، سيحدث من جديد أوروبياً.

على سبيل المثال وليس الحصر، يكتب أيدي واكس من "بوليتيكيو الأميركية"، مشيراً إلى أن السلطات التشيكية والبلجيكية قد ضبطت أخيراً شبكة نفوذ كبيرة قالت إنها تنشر دعاية مؤيدة للكرملين في أوروبا، وأن السياسيين الأوروبيين، بما في ذلك أعضاء البرلمان الأوروبي، حصلوا على أموال مقابل مشاركتهم.

الأمر لا يقتصر على التشيك وبلجيكا فحسب، بل يمتد إلى فرنسا نفسها، حيث تحقق السلطات الفرنسية مع جان لوك شافهاوزر، النائب السابق في البرلمان الأوروبي، اليميني المتطرف، في شأن مزاعم بأنه قاد حملة لتعزيز المصالح الروسية قبل الانتخابات، ويتمتع شافهاوزر بعلاقات طويلة الأمد مع روسيا، ويقال إنه نظم قرضين لحزب الجبهة الوطنية بزعامة مارين لوبن، بما في ذلك قرض بقيمة 9.4 مليون يورو من بنك روسي في عام 2014.

هذه طائفة قليلة من الاختراقات الروسية، بحسب الادعاءات الأوروبية، للحياة السياسية داخل القارة العجوز، الأمر الذي يستدعي التساؤل عما إذا كانت هناك ضرورة حقيقية لتنبه الأوروبيين لما يحاك لهم من الروس.

هل ما تقدم مجرد مزاعم وهواجس أوروبية؟

غالب الظن أن نتائج انتخابات البرلمان الأوروبي عما قليل، ستقطع بكثير من الحقائق ضمن القارة المرتبكة في الحال والقلقة في الاستقبال ومن غير أدنى مقدرة على متابعة ديالكتيك وطني داخلي حقيقي.

المزيد من تقارير